غالباً ما يميل القادة إلى إرشاد الموظفين المقربين منهم وتدريبهم، والحافز البشري الذي يدفعهم لذلك هو أن القائد يستثمر في تطوير المرؤوس صاحب الشبه الأكبر به ويناصره تلقائياً حتى لو كان يؤمن أن التنوع يحسّن الابتكار ويساعد على حل المشكلات وصنع القرارات. إذ يرى في هذا الموظف نسخة منه ولكن أقل خبرة، ولذلك يزداد إيمانه بإمكاناته ويرغب بتنميتها. وبالطبع، يعني ذلك أيضاً أن فرص النمو والتقدم تكون متاحة بصورة أكثر لمن ينتمون إلى المجموعة السكانية أو الاجتماعية التي تتمتع بالنفوذ فعلاً. وهذا ما لاحظته كثيراً من خلال خبرتي في القيادة، وتؤكد الأبحاث أيضاً أن هذا ما يحصل في المؤسسات.
ولكن لن يجدي الكلام نفعاً عن أهمية التنوع أمام من يتمتعون بحمايتنا، بل يجب أن نبدي التزامنا تجاههم من خلال الحرص على إرشاد الموظفين الذين لا يشبهوننا، وإذا لم نفعل ذلك، فنكون قد اخترنا العمل الأسهل مجازفين بأن تعكس أفعالنا اهتمامنا بتنمية مواهب بضعة أشخاص متجانسين ومتشابهين فقط، وهذا ما سيقتدي به الآخرون وهذه هي الثقافة التي سنبنيها في نهاية المطاف.
اقرأ أيضا: ما علاقة التعليم مدى الحياة بالسوق؟
أضف إلى ذلك، أننا قد نغفل عن احتياجات تطويرية معينة لدى فرقنا مهما بذلنا من جهد، بسبب الصعوبة التي يواجهها من ينتمون إلى أقليات سكانية واجتماعية في التعبير عن آرائهم بجرأة والتحدث عن مخاوفهم. ومن خلال خبرتي لسنوات قضيتها ضابطاً في الجيش، والتي درّبت خلالها فئات متنوعة كثيرة من المجندين والجنود والكوادر، صببت جلّ اهتمامي دائماً على مساعدة الجميع في الوصول إلى كامل إمكاناتهم. ولكنني استغرقت سنوات إلى أن فهمت حقيقة أساسية وهي أن أقل الأشخاص شبهاً بي يعانون من صعوبة أكبر في الإفصاح لي عن مخاوفهم أو طلب مساعدتي، إذ يصعب عليهم رفع أيديهم والتكلم إن لم يكونوا واثقين من قدرتي على فهمهم. وبصفتي القائد، تقع على كاهلي أنا مسؤولية المساعدة من أجل جسر هذه الفجوة.
إرشاد الموظفين بطريقة صحيحة
ذكرني هذا الحديث بضابط قمت بإرشاده مؤخراً، وهو ضابط ذكي ذو أداء رفيع لكنه كان يشعر أنه غير مرئي لدى قادته في المؤسسة، وكان يعتقد أن تجاهله فيما يتعلق بالفرص كان بسبب معتقداته. وعلى الرغم من أنني لم أتفق مع فهمه هذا لنظرة الآخرين له، فقد أدركت سبب شعوره هذا، وتمكنت عن طريق التحدث إليه من رؤية تعقيدات القبول الاجتماعي والاندماج. وعلى الرغم من أنه تواصل معي لأنني أتعامل مع الأشخاص المنتمين لبيئات متنوعة باحترام ولطف، كان غير واثق تماماً من حجم المساعدة التي أستطيع تقديمها له. ومن خلال العديد من المحادثات الاستطلاعية الملطفة تمكنت من مساعدته على التدقيق في طريقة تفكيره وسلوكه، وتقييم ثقافة المؤسسة، والتعرف على الوظائف التي يمكنه التطوع فيها من أجل بناء المصداقية والثقة التي يحتاجهما للنجاح في تلك الثقافة.
اقرأ أيضاً: تحليل دايس وغرو أداة جديدة للمدراء لتقديم الملاحظات والتوجيه
في البداية، تمسك بافتراضاته السلبية عن نظرة القادة إليه. ولكن بعد التطوع في بعض المهمات الصعبة وتفوقه في تقييمات الأداء، واجه انحيازه اللإرادي ونمت ثقته بنفسه. وأدرك أنه لم يكن غير مرئي كما افترض في البداية، وبدأ القادة في المناصب العليا بملاحظة مبادراته ورغبته بالتطور، وبعد أن أصبح يتحدث إليهم بحرية وراحة أكبر تمكنوا من فهم طموحاته وما يمكنه تقديمه بصورة أفضل. وبدورهم، قاموا بتدريبه أكثر على مهارات الإدارة والقيادة. وتابع هذا الضابط مسيرته وحصل على عدة مهمات رفيعة المستوى واستمر بالتفوق، وذلك ليس بفضل مجموعة مهاراته الكبيرة فحسب، وإنما لأن عدة قادة في مؤسسته كانوا يستثمرون فيه ويناصرونه. ولو لم يبذل هؤلاء القادة جهداً مركزاً على تدريب هذا الشخص صاحب الإمكانات الواعدة والذي لا ينتمي للفئة الاجتماعية المهيمنة، لكانوا خسروا مواهبه ومشاركاته، ولم أكن لأحصل على هذه العلاقة الثمينة التي عمّقت فهمي للصعوبات التي تواجهها الفئات المتنوعة.
اقرأ أيضاً: التباعد الاجتماعي يجب ألا يؤثر سلباً على توجيه الموظفين وإرشادهم
وأصل بذلك إلى النقطة الأخيرة حول إرشاد الموظفين لديك: إن القيام بالإرشاد عبر مختلف الفئات الاجتماعية والسكانية يحمل الفائدة للمرشد نفسه أيضاً. فهو ما جعلني قائداً أكثر تعاطفاً وطوّر ذكائي العاطفي، وأصبحت بسببه أجيد العثور على الإمكانات خارج القالب المعتاد، وازدادت قدرتي على فهم العوائق التي يواجهها الموظفون الذين لا ينتمون إلى الفئة المهيمنة، وهذا ما سيسهل مهمتي بعض الشيء في مساعدة من سأرشده تالياً على جذب انتباه قادته ودعمهم.
اقرأ أيضاً: السبب وراء عدم نجاح برنامج التوجيه في مؤسستك