التغيير صعب. اسأل أي شخص جرّب تبديل مسيرته المهنية، أو اكتساب مهارة جديدة، أو تحسين علاقة ما، أو التخلي عن عادة سيئة عن الأمر. ومع ذلك، فإن التغيير سيكون ضرورياً بالنسبة لمعظم الناس في وقت من الأوقات، فهو سيكون خطوة حاسمة باتجاه بلوغهم طاقتهم الكامنة وتحقيق أهدافهم، سواء في العمل أو في المنزل. سوف يحتاجون إلى الدعم في هذه العملية. وسوف يحتاجون إلى مرشد يمكنه المساعدة على التغيير.
هنا يأتي دورك. سواء أكنت مديراً أم زميلاً، أو صديقاً أم زوجاً، أم شخصاً انطوائياً أم شخصاً انبساطياً، أو شخصاً عاطفياً أم شخصاً تحليلياً، بوسعك أن تتعلّم كيف تسهّل حصول التغيير الذي يسهم في تحسين حياة من هم حولك.
نعمل ثلاثتنا جميعاً كمرشدين متخصصين للتنفيذيين في مجموعة متنوعة من مراحل التطور في المسيرة المهنية، والوظائف، والدول. كما أمضينا آخر عقدين من الزمن في استقصاء آلية عمل الإرشاد، وتدريب الآخرين على تنفيذه. أجرينا عشرات الدراسات والتجارب الميدانية الممتدة على مدار زمن طويل للتوصّل إلى استراتيجيات مسندة بالبراهين، ونحن نطرحها هنا لضمان تأهيل المزيد من الناس ليكونوا قادرين على مساعدة الآخرين على الوصول إلى أفضل حالة بإمكانهم بلوغها.
نظرية "التغيير المقصود"
في عام 1970، وضع أحدنا (ألا وهو ريتشارد) نظرية حول "التغيير المقصود"، أصبحت نظرية معتمدة في علمي النفس والإدارة. يشمل التغيير المقصود تصور النفس المثالية (التي ترغب في الوصول إليها وما تريد أن تفعله في عملك وحياتك)، واستكشاف النفس الحقيقية (الفجوات التي يتعيّن عليك ملؤها ونقاط القوة التي ستساعدك في فعل ذلك)، ووضع أجندة للتعلم (خارطة طريق لتحويل التطلعات إلى واقع)، ومن ثمّ التجريب والتدرّب (على سلوكيات وأدوار جديدة).
يساعد المرشدون الجيّدون الناس على إتمام هذه العملية. لاحظ أننا استعملنا كلمة "يساعد" وليس "يوجه" أو "يقود" أو "يدفع" أو "يشد". أنت لست هناك لإخبار أي شخص ما الذي يجب عليه فعله. أنت هناك لتطرح أسئلة وجيهة ولتصغي بإمعان، وتظهر التعاطف، وتستكشف الرؤية الفردية للشخص، وتبني معه علاقة قائمة على الاهتمام. تتمثّل وظيفتك في مساعدة شخص آخر على تحقيق التغيير، والطريقة التي تتناول بها هذا الموضوع تُعتبر مهمّة. أنت موجود هناك لمساعدة هذا الشخص في اكتشاف فرص التعلّم، وتهيئة الأرضية، والمثابرة حتى النهاية. سوف يسمح لك هذا الإطار بدعم الأشخاص الذين يواجهون التحديات التي تتراوح ما بين التحديات الكبيرة جداً (أنا غير راضٍ عن مسيرتي المهنية) والتحديات الصغيرة نسبياً (أرغب في التفاعل مع الآخرين بطريقة مختلفة). وإليكم طريقة تطبيق ذلك.
كيفية مساعدة الآخرين على التغيير
اكتشاف الفرصة
إذا ما أبديت انتباهك، فإنك ستبدأ بالعثور على ما نسمّيه "اللحظات التي يمكن استعمالها للإرشاد" – أي الفرص المواتية لمساعدة الناس في تطوير أنفسهم – في كل مكان. أحياناً، يدرك الناس أنهم يحتاجون إلى التصرّف بطريقة جديدة، فالتحدي يكون واضحاً وجلياً. هم يحصلون على ترقية، أو توكل إليهم مهمة قيادة مشروع مهم، أو يحصلون على رأي تقويمي معيّن أن مقاربتهم تحتاج إلى إعادة معايرة. في حالات أخرى، هم يتلقّون إشارات تحذيرية: كأن يخسروا وظيفتهم في آخر عملية تقليص لأعداد الموظفين، أو أن يحصلوا على تشخيص طبي مرعب، أو أن يصلوا مرحلة عمرية فارقة معيّنة (كعيد ميلادهم الأربعين أو الخمسين). لكن في غالب الأحيان قد لا يكون لديهم إلا تصور غامض أو قد لا تكون لديهم أدنى فكرة حتى أن الأمور لا تسير على ما يُرام في حياتهم.
دعونا نراجع تجربتين لشخصيتين تنفيذيتين عملنا معهما. الأولى هي كارين ميلاي التي شغلت منصب مديرة الأبحاث والتطوير في شركة كبيرة للسلع الاستهلاكية وكانت تشرف على 60 مهندساً وعالماً. من موقعها كقائدة، كانت شخصية مجدّة ومباشرة. كان تركيزها منصباً على حل المشاكل الفورية وكانت تحقق النتائج المرجوة. ولكن عندما طلب منها مديرها الانضمام إلى برنامج لتطوير قادة الشركات، بدأت تتساءل ما إذا كان أسلوبها القائم على التفاعل مع الآخرين وعدم التساهل مع المخالفات يساعدها في الحصول على أفضل أداء ممكن من فريقها.
التنفيذي الثاني هو راي لويس، الذي كان مديراً للحسابات في شركته العائلية، المتخصصة بالاستجابة للطوارئ البيئية، وفي طريقه ليخلف والده في منصب رئيس الشركة. لا بل كان قد انضم إلى برنامج للماجستير في إدارة الأعمال للتنفيذيين لتعزيز مهاراته القيادية. لكنه كان يشعر بحالة متنامية من عدم الارتياح.
في كلتا الحالتين، كانت فرصة التعلم واضحة. فميلاي كانت مديرة بارزة تأمل في الوصول إلى صفوف الإدارة العليا، لكنها لم تكن قد طورت بعد أسلوباً قيادياً ملهماً. أما لويس فلم يكن قد سبق له قط أن فكّر في مساره المهني المثالي أو قرر الدرب الذي يريد السير فيه. كل ما كان قد فعله هو أنه قد سار على الطريق الذي رُسم له، ولو سألته عن استلام زمام الأمور من والده، كنت ستلحظ غياب السعادة الحقيقية في عينيه. كان بحاجة إلى اكتشاف حالة من الشغف بعمله.
الأمر الأساسي هو أن كلاً من ميلاي ولويس كانا جاهزين للنمو. كانا كلاهما مستعدين للنظر إلى جانب مهم في حياتيهما بطرق جديدة أو مختلفة. عندما تدرس احتمال الاستثمار في إرشاد شخص معيّن، أنت بحاجة إلى أن تطرح على نفسك السؤال التالي: هل هذا الشخص منفتح على التغيير؟ هل هو مستعد للانخراط في حالة التأمل والتجريب الضرورية لتحقيق ذلك؟ يُظهرُ بحث لكل من بروس أفوليو من كلية فوستر للأعمال في جامعة واشنطن، وشون هانا من جامعة ويك فوريست أن من المفيد بالنسبة للشركات أن تقوّم مدى جاهزية الموظفين الذين اختارتهم للخضوع لدورات لتطوير القيادة لديهم، وأن تعزز هذه الجاهزية، وإلا فإن هذه الدورات لن تؤتِ أكلها.
تهيئة الأرضية
أظهر عدد هائل من الدراسات أن الناس يميلون إلى تحقيق إنجازات إضافية، وبطريقة أكثر استدامة، عندما يكونون في وضع إيجابي نفسياً وجسدياً. فكيف بوسعك أن تجعل شخصاً ما يتبنّى الحالة الذهنية الصحيحة؟ من خلال تقديم الإرشاد إلى هذا الشخص بأسلوب قائم على التعاطف والتراحم. يمكنك أن تبدأ من خلال إظهار اهتمام صادق به بحيث تتمكّنا أنتما الاثنان من بناء ما نسمّيه "علاقة تجاوب". كما يجب عليك أن تبدي حبك للاستطلاع من خلال طرح أسئلة استكشافية ذات نهايات مفتوحة لتساعد الشخص على تحقيق رؤيته الشخصية، التي ستصبح السياق لعملكما المشترك.
لكن المؤسف في الأمر هو أن غالبيتنا عندما يواجهون هذه اللحظات التي يمكن استعمالها للإرشاد، يميلون إلى فعل الشيء المعاكس. فنحن نتعمّق في دراسة المشكلة ومن ثم نقدم النصح والحلول. وكما قال أحد المهندسين الذي نعرفهم والذي تحول إلى تنفيذي في مجال التسويق لاحقاً: "عندما يأتي الناس إليّ وفي جعبتهم مشكلة، فإنني أرى المشكلة ولا أرى الشخص. في الواقع، أنا أنظر إلى الناس بوصفهم منصات حاملة للمشاكل!" هذا نوع من الإرشاد يهدف إلى ضمان امتثال الناس، ويمكن أن يكون مفيداً في مساعدة شخص ما على تحقيق هدف معيّن محدد مسبقاً، مثل الحصول على ترقية. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأهداف السلوكية الأوسع، مثل التحول إلى قائد حيوي أو شخص يجيد الإصغاء الفعال، أو التوصّل إلى توازن أفضل بين الحياتين الشخصية والمهنية، فإن نصيب هذه الاستراتيجية من النجاح أقل. في الحقيقة، كما أظهرت دراساتنا والأبحاث الأخرى، فإن هذا الإرشاد قد يستدعي استجابة تبعث على التوتر وتشكّل عائقاً عوضاً عن أن تساعد في إحراز تقدّم.
في عمل مشترك لنا مع زميلنا أنثوني جاك من جامعة كيس وسترن ريزرف، على سبيل المثال، وجدنا أن الطلاب الذين حصلوا على إرشاد بهدف ضمان امتثالهم – مع التأكيد على المستهدفات وعلى التحديات التي كانوا يحتاجون إلى التغلب عليها – شعروا في النهاية "بالذنب واليقظة الذهنية". أما الإرشاد الذي يركّز عوضاً عن ذلك على الأحلام الشخصية وكيف يمكن للناس تحقيقها، في المقابل، فقد حفّز على ظهور عواطف إيجابية واعتبره المشاركون في الدراسة "مُلهِماً ودليلاً على الاهتمام". لا بل أكثر من ذلك، أظهرت دراساتنا المبنية على تصوير الجهاز العصبي أنه قد ساعد في تحفيز بعض المناطق الدماغية المرتبطة بالانفتاح على الأفكار الجديدة، والتغيير، والتعلم.
يستمر الإرشاد القائم على التعاطف والتراحم مع اكتشاف الذات المثالية – من خلال دفع الشخص الذي تساعده إلى إخبارك عن قيمه، وشغفه، وهويته، وآماله المستقبلية. هذا يستدعي منك تنحية تحيزاتك وافتراضاتك، وتجربتك، والانخراط فيما يسمّيه الأستاذ الجامعي إدغار شاين (إد) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) "الاستفسار المتواضع". يجب أن تُظهر اهتماماً صادقاً بالمشكلة، وأن تعبّر عن التعاطف مع وضعه، وأن توصل له رغبتك العميقة بالمساعدة، ومن ثم تدعه يتحدّث خلال 80% من الوقت على الأقل.
على سبيل المثال، قد تطرح على ميلاي السؤال التالي: كيف تكون شخصيتك عندما تكونين في أفضل حالاتك؟ أي نوع من القادة تريدين أن تكوني؟ كيف تريدين للآخرين في المؤسسة أن يروك؟ ما هو شكل النجاح بالنسبة لك؟ ما هو المنصب الذي تطمحين أن تصلي إليه في نهاية المطاف؟ وقد تطرح على لويس الأسئلة التالية: ما نوع العمل الذي تشعر بالانجذاب إلى ممارسته؟ ما الذي يمدّك بأكبر قدر من الطاقة والإثارة عندما تفكّر في مستقبلك؟ ما الذي تريد أن تفعله حقاً، وكيف يختلف ذلك عما تشعر أنك يجب أن تفعله؟ بعد عشرين عاماً من الآن، ما الذي ترغب أن تقول إنك قد أنجزته؟ (والسؤال الأخير الأفضل دوماً هو: ما هي الأفكار الأخرى التي تخطر في بالك عندما تفكّر في هذا الأمر؟).
قارنت الأستاذة الجامعية آنجيلا باساريلي في كلية تشارلستون بين نتائج تجربة إرشاد تركّز على هذه الرؤية لمستقبل إيجابي وتجارب الإرشاد التي ركزت عوضاً عن ذلك على تطوير المسار المهني وشجعت الناس على التغلب على مشاكلهم الحالية. اكتشفت أن المشاركين الذين اختبروا النوع الأول من الإرشاد شعروا بسعادة أكبر، وعبروا عن طموحات أعلى، وكانوا مستعدين لبذل جهد أكبر بكثير لتحقيق أهدافهم واستمتعوا أكثر بفعل ذلك.
ننصح جميع من نقدّم لهم الإرشاد اختتام النقاشات الخاصة بالذات المثالية التي خضناها معاً – وهي تتكون عادة من عدة حوارات – بصياغة بيان يتضمّن رؤية شخصية. (يذهب ديويت جونز، المدرب البارز في الشركات الكبرى، مسافة أبعد من ذلك حيث يطالب باختزالها إلى عبارة قصيرة مؤلفة من ست كلمات تقريباً وحفظها عن ظهر قلب وترديدها يومياً). تساعد هذه الممارسة الناس في إبقاء تركيزهم منصبّاً على رغبتهم في التغيير عوضاً عن التزامهم به. كان بيان الرؤية الشخصية لميلاي هو التالي: "العيش بحرّية، وبصحة جيدة، وبطريقة نزيهة، في مستقبل مفعم بالحب والأمل". أما بيان لويس فكان "التمتع بحرّية السفر في أنحاء العالم، والالتقاء بأشخاص لافتين للاهتمام، والسعي وراء حياة مثيرة ومليئة بالشغف والتعلم".
في الخطوة التالية، أنت بحاجة إلى توجيه الشخص الذي ترشده باتجاه إجراء تقويم دقيق لحياته الحقيقية. ولا يقتصر الأمر هنا على تعداد نقاط القوة ونقاط الضعف. وهو بالتأكيد لا يشمل تسليط الضوء على المجالات التي يحتاج الشخص فيها إلى تحسن. يشير سكوت تايلور الأستاذ الجامعي في كلية بابسون الذي درس الوعي الذاتي لعقود، إلى أن هذه العملية مؤلفة من مكونين اثنين: ما يعرفه الناس عن أنفسهم، وفهمهم للكيفية التي ينظر بها الآخرون إليهم وكيف يتعاملون معهم. النقطة الأساسية هنا هي تحديد المواضع التي تختلف فيها تصورات الشخص الخاضع للإرشاد عن تصورات الآخرين تجاهه، بل والأهم من ذلك نقاط التقاطع بين ذاته المثالية وذاته الحقيقية والنقاط التي يغيب فيها هذا التقاطع.
يمكن للآراء التقويمية الرسمية أو غير الرسمية بطريقة 360 درجة أن تكون مفيدة هنا، حالها حال الأسئلة الإضافية غير التوجيهية وغير المنطوية على إطلاق أحكام، ولاسيما الأسئلة التي تركّز على أفضل خصال الشخص وكيف يمكن الاستفادة منها. وحتى عند مناقشة المجالات التي يمكن إدخال تحسينات عليها، من المهم إبقاء الأشخاص الخاضعين للإرشاد ضمن هذا الجو الإيجابي. وكما نُقِل عن أندرو كارنيغي ذات مرّة: "يتطوّر الرجال بذات الطريقة التي يُستخرج بها الذهب من المناجم. عندما يستخرج الذهب من المنجم، لا بد من إزالة أطنان من التراب للحصول على أوقية واحدة من الذهب، لكن الإنسان لا يذهب إلى المنجم باحثاً عن التراب، بل يقصده باحثاً عن الذهب".
يعتمد جزء كبير من وظيفة المرشد على مساعدة الناس على تجريب سلوكيات جديدة، واختبار تكتيكات مختلفة، ثم التدرّب على تلك التي تثبت أكبر قدر من الفعالية بينها وإتقانها.
أوصينا بصياغة هذا الأمر على شكل "ميزانية شخصية". عندما يضع الناس هذه الميزانية، يجب عليهم برأينا ألا ينظروا إلى نقاط قوتهم وضعفهم الحالية فحسب، وإنما أيضاً أبرز سماتهم وخصالهم الثابتة – أي الصفات والعادات والكفاءات التي ظلت صامدة مع مرور الوقت. يمكّنهم هذا من توضيح الأمور التي تسير على ما يُرام، والأمور التي قد تحتاج إلى تغيير بالمقارنة مع رؤيتهم البعيدة المدى. أدركت ميلاي أنه على الرغم من تميّزها في المحافظة على رباطة جأشها في الأوقات الصعبة، وفي قراءة ديناميكيات السلطة في مؤسستها، إلا أنها لم تكن تُظهر ما يكفي من العناية بالآخرين والتعاطف معهم رغم شعورها الحقيقي بهما. لويس، من جهته، أدرك أن نقطة قوته تكمن في أنه صاحب رؤية، وفي قدرته على التأقلم بسهولة مع البيئات الصعبة، وفي أنه لم يرغب أن يستمر في إخضاع أحلامه للالتزامات المتصوّرة وتوقعات الآخرين.
بعد ذلك يأتي دور أجندة التعلّم. كيف سينتقل الشخص الذي ترشدونه بالضبط من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)؟ مرّة أخرى، نحن ندعو إلى التركيز على نقاط القوة، وحالات الشغف، والقيم الحالية. اسأل كيف يمكن للمعارف والمهارات والسمات التي يمتلكها الشخص أصلاً أن تستعمل لسد أي فجوات ذات صلة، وما هو التغيير السلوكي الذي يشعر بأكبر قدر من الإثارة لتجريبه.
أجندة التعلم ليست بمثابة خطة لتحسين الأداء مصممة لمعالجة النواقص، فذلك يجعلك تشعر وكأنها نوع من العمل وهذا يثبط عملية التطور. بل الفكرة هي ترك الناس يشعرون أنهم متنشطون وقادرون على التحسن. قررت ميلاي أنها أكثر ميلاً إلى أن تكون مرشدة منها إلى قائدة، وأن تصبح أكثر وعياً وإدراكاً عاطفياً بالآخرين. شملت أولويات لويس إحداث تكامل أكبر بين شغفه الشخصي وأهدافه المهنية، وإنشاء علاقات أقوى مع أشخاص أساسيين ضمن شركته وخارجها، وتخصيص الوقت للتأمل في الأشياء الأهم في حياته. شمل ذلك أنشطة مثل تسلّق الجبال، والفنون القتالية، وغير ذلك من الرياضات، والعمل مع مجموعات الشباب؛ وتناول الوجبات وقضاء السهرات مع الأصدقاء وأفراد العائلة وزملاء العمل؛ وأخذ استراحات طويلة بين الفينة والأخرى بعيداً عن المنزل والمكتب.
المثابرة حتى النهاية
تحتاج جهود التغيير مهما كان نوعها إلى وقت وجهد. فحتى أفضل الخطط إعداداً تفشل أحياناً أو تستغرق وقتاً لكي تعطي نتائجها المرجوة. توصّل بحث لفيليبا لالي وزملائها في كلية لندن الجامعية إلى أن تكوين عادة جديدة يستغرق ما بين 18 و254 يوماً. ويحتاج بناء المهارة، وإدارة العلاقة، وتغيير المسار المهني إلى التزامات أكبر حتى، مع العديد من محطات التوقف والانطلاق من جديد.
لذلك فإن جزءاً كبيراً من وظيفة المرشد يعتمد على مساعدة الناس على التقدم في الاتجاه الصحيح من خلال تجريب سلوكيات جديدة، واختبار تكتيكات مختلفة، ثم التدرّب على تلك التي تثبت أكبر قدر من الفعالية بينها وإتقانها.
اجتمعت ميلاي، التي ركّزت على أهدافها الخاصة بالتعلّم، بانتظام مع مرشدها لمراجعة التقدم المحرز. وقد عملت على التحول من شخص دائم الانشغال ومنهمك في حل المشاكل إلى شخص ودود مع أفراد فريقه، ولطيف معهم، وبابه مفتوح لهم طوال الوقت. كما التزمت بإمضاء المزيد من الوقت مع مرؤوسيها المباشرين في مسعى منها لتكوين فهم أفضل عن تجاربهم وسرعان ما ساعدها ذلك في تكوين علاقات أكثر أصالة.
واصل لويس ومرشده إجراء عمليات تفقد دورية لمراجعة حجم التقدّم المحرز ومناقشة القضايا المعيّنة العالقة دون حل. لكنه احتاج إلى عطلة طويلة في الخارج – أي الوقت المطلوب لممارسة التأمل العميق الذي كان لويس يرغبه بعمق – لكي تسير الأمور أخيراً وفق المسار المطلوب. ولم يمر عليه وقت طويل حتى ترك شركة عائلته وافتتح شركته الخاصة الناجحة.
إن عملية تعلّم المرء، ونموه، وتغييره لهويته وعاداته ليست بالفعل الفردي. بل هي عملية مفعمة بتحديات كبيرة إلى حد أن الناس الذين ترشدهم سيحتاجون إلى دعم متواصل ليس فقط منك وإنما من دائرة موسعة من الآخرين أيضاً. تطلق كاثي كرام، الأستاذة الجامعية في كلية كويستروم للأعمال في جامعة بوسطن، ومونيكا هيغينز من كلية الدراسات العليا في التربية في جامعة هارفارد على هذه الدائرة اسم "الشبكة التنموية". نحن نوصي الأشخاص الحاصلين على الإرشاد أن ينشئوا مجلساً استشارياً شخصياً مؤلفاً من أفراد يشكلون نماذج تحتذى في أنماط السلوكيات التي يطمحون إلى الاقتداء بها. الغاية هنا هي تحديد مجموعة من الأشخاص الذين لديهم مصلحة في النجاح النهائي للفرد وبوسعهم أن يكونوا مصادر إلهام له بل ويخضعونه أحياناً للمساءلة إذا اقتضت الضرورة.
إذا كنت قائداً لفريق، فإن إرشاد الأقران هو خيار آخر قوي. فإذا ما درّبت الآخرين ضمن إطار التغيير المقصود، بوسعهم أن يكونوا بمثابة عناصر تحفيز رحيمين ومتعاطفين، وقادرين على مواكبة زملائهم خلال رحلة تحولهم التي بدأوها حتى نهايتها، بل وحتى مساعدتهم على تحديد رحلة التحول التالية والانطلاق فيها. وجدنا أن العلاقات المباشرة بين قرينين تنجح، وكذلك المجموعات الصغيرة المؤلفة من خمسة أقران إلى 12 قريناً.
عندما طرح كارلوس دي بارنولا مفهوم إرشاد الأقران في شركته "كوفيدين" (Covidien) التي كان يشغل فيها في ذلك الوقت منصب مدير الموارد البشرية لقسم الشركة في شبه الجزيرة الإيبيرية، طلب من كل شخص الاقتران بأحد أعضاء الفريق والتحدث إليه، في وجود واحد منا نحن الثلاثة في الغرفة لتسهيل الحوار. سرعان ما بدأ الناس بإبداء اهتمام أكبر، وطرح أسئلة جيدة، وبناء علاقات حقيقية قائمة على الثقة. وبعد فترة من الزمن، طلب بارنولا من هؤلاء الأقران البحث عن قرين آخر. وقد شكّلوا فرقاً يتألف كل واحد منها من أربعة أشخاص، وسرعان ما تمكنّا نحن المختصون من الانسحاب من الصورة تماماً في حين استمرت عملية الإرشاد.
إذا كنت مديراً فإن وظيفتك الأهم هي أن تساعد من حولك في بلوغ قدراته الكامنة القصوى. وبما أن كلاً من كارين ميلاي وراي لويس قد خضعا هما نفسيهما للإرشاد، فإنهما باتا الآن يطبّقان ما تعلمانه مع فرقهما. تقول ميلاي: "اليوم أنا أمنح الناس الإذن لكي يكون لديهم سيناريوان أو ثلاثة سيناريوهات للمستقبل الممكن، وأنا أطمئنهم إلى أنهم سيعثرون على المسار الأفضل بالنسبة لهم. وحسبما أرى فإن هذا التراحم المتبادل بين الجميع يقودهم إلى التعاطف مع الزبائن، وغيرهم من الجهات المعنية، والآخرين، وهذا يحسّن الأداء".
نحن نتفق معها بالرأي: فعندما ترشد الآخرين بتعاطف فإن المساعدة على التغيير تصبح مُعدِية.
اقرأ أيضاً: 5 طرق تساعد فريقك على الانفتاح على التغيير.