إذا أردت أن تتغير فلا تقرأ هذا المقال

3 دقيقة
كيف أتغير للافضل

ورد مشهد عظيم يتحدث عن أهمية التغيير في الجزء الثاني من الفيلم الأميركي الشهير "العرّاب" (The Godfather). في هذا المشهد، تشتكي "كاي" إلى زوجها "مايكل كورليوني"، قائلة له إنه لم يفِ بوعده بأن يجعل كل عمله قانونياً، وبأن يترك عصابات المافيا. غير أن ميشيل يلتفت إلى زوجته ويخبرها بأنه لا يزال يعمل على الموضوع، ويطمئنها بنبرة توكيدية قائلاً: "سوف أتغير، نعم سوف أتغير، صرت أعرف أنني أمتلك القدرة على التغيير". 

كيف أتغير للأفضل؟

صحيح أن لا أحد فينا ينتمي إلى عصابات المافيا، إلا أننا نشبه مايكل كورليوني في أننا لا نحسن تقدير قابلية التغير لدينا. فمن الناحية النظرية، بوسع أي مرء أن يتغير ويستبدل عاداته، ولكن عند التطبيق العملي معظمنا لا يُقدِم على أي شيء من التغيير، باستثناء بعض التغيرات التدريجية المعروفة التي تؤثر في معظمنا.

يبدي غالبية الناس نزعات اجتماعية عدائية في سن المراهقة، ويميلون إلى التفكير ببطء في أواخر سن البلوغ؛ لكن هذه التغيرات لا تشير بأي حال من الأحوال إلى تحولات نفسية، وإنما هي علامة على النضوج الجسدي والتقدم في السن. وهناك أيضاً تغيرات نموذجية طبيعية تطرأ على شخصية الإنسان خلال سنوات حياته. فبعض الناس يصبحون أكثر هدوءاً ونضجاً مع تقدمهم في العمر، وآخرون يصبحون أكثر انفعالاً وأضيق أفقاً.

اقرأ أيضاً: لجعل الناس يتقبلون التغيير.. يجب التأكيد على الأمر الذي سيبقى على حاله

لكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو: هل يمكنني التغير جذرياً؟

توجد أمثلة كثيرة شهيرة توضح التحولات الجذرية التي تطال سمعة الناس وشهرتهم كتلك التي طرأت على الفنانة مايلي سايروس (Miley Cyrus)، التي تحولت من نجمة بريئة في ديزني إلى شخص منحرف يتباهى بمد لسانه أمام الكاميرات. ولكن أحياناً قد تبدو تغيرات كهذه أشبه بحملات العلاقات العامة المدروسة بعناية، أكثر منها رحلات نفسية حقيقية، وإن كان العديد من الناس يمرون بتحولات أصيلة لا يمكن إنكارها.

لنأخذ حالة بيل غيتس (Bill Gates)، الذي بدأ حياته كنموذج للطالب المولع بالكمبيوتر، ثم تحول إلى رائد أعمال موهوب، ليصبح لاحقاً صاحب امبراطورية يبنيها دون أي شفقة أو رحمة، وينتهي به المطاف كواحد من أكرم أهل الخير في العالم، إذ وهب معظم ثروته لصالح الناس. وهناك الراحل نيلسون مانديلا (Nelson Mandela)، أعظم الأشخاص خُلقاً في عصرنا، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، فقد كان مصاباً بالغرور والعدوانية والمشاعر الاجتماعية المعادية في صباه، قبل أن يتحول إلى قائد مُلهِم لكل الناس من خلال مسيرته القائمة على المقاومة اللاعنفية.

رأي الدراسات العلمية بمحاولات التغيير التي نخطط لها

تشير الدراسات العلمية إلى أن التغيرات الجذرية في شخصية الإنسان هي أمر غير اعتيادي. كما أن المحاولات المتعمدة لتغيير عادات المرء أقل نجاعة بكثير مما يعتقد الناس، وهو ما يجعل كل الوعود التي نقطعها في رأس السنة الجديدة تذهب أدراج الرياح دون تحقيق شيء منها، وهو السبب الذي يفسر أن مستويات سعادتنا على المدى البعيد تظل ثابتة نسبياً، مهما كان حجم التغييرات التي قد تحصل.

فبعض الناس قادرون على التغيّر أكثر من أناس آخرين. لكن المفارقة في الأمر تكمن في أن هؤلاء الأفراد يميلون إلى أنهم أكثر تشاؤماً حيال فرصهم الذاتية في التغيير. فالأشخاص العصابيون، والانطوائيون، والذين يشعرون بعدم الأمان والقلق يندرجون في خانة الناس الأقدر على التغيّر، أمّا الأفراد المرنون وذوو القدرات التكيّفية العالية، فهم أقل قدرة على التغيّر. وعلى المنوال ذاته، فإن التفاؤل يقود إلى الثقة الزائدة ويعيق التغيير من خلال توكيد الآمال الكاذبة والتوقعات غير الواقعية وإعطاء صاحبها الشعور الدائم بأنها قابلة للتحقق.

إذاً، كيف بوسعنا أن نستبدل عاداتنا؟ الوصفة السحرية لذلك واضحة وصريحة، لكن تطبيقها ليس يسيراً على الإطلاق. نحن بحاجة إلى أن نبدأ ببناء الوعي الذاتي، وأفضل سبيل لتحقيق ذلك هو من خلال اصغائنا لآراء الآخرين الصريحة والنقدية، وتصديقها. بعد ذلك، يجب أن نضع استراتيجية واقعية تركز على أهداف قابلة للتحقق وليس على جوانب أساسية في شخصيتنا. أخيراً، نحن بحاجة إلى قدر هائل من الجهد والتفاني كي نحقق هذه التغيرات المنشودة، وكي نحافظ عليها في الوقت ذاته.

لذلك يجب أن تفكروا ملياً قبل أن تعدوا أنفسكم وتعدوا الآخرين بالتغيير. وإذا ما سبق لكم وحاولتم التغيير وأخفقتم في ذلك، فاعلموا أنكم لستم وحدكم، وأن كثيرين قبلكم ساروا على درب تغيير العادات والسلوكيات بسبب طرحهم المستمر للسؤال التالي، وهو: كيف أتغير للأفضل؟

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي