إدماج الموظفين لتحسين العمل وتطوير الإنتاجية وأهميتها في المنطقة العربية

6 دقائق
تحسين العمل

كيف يسهم إدماج الموظف في تحسين العمل وتطوير إنتاجيته؟ من أكثر الموضوعات التي تشغل أقسام الموارد البشرية اليوم بالإضافة للبحث عن الخبرات وتوظيفها هي كيفية تحسين رضا الموظفين وإدماجهم في العمل. وهو أمر متوقع خاصة أنه وبحسب دراسة أجرتها مجلة هارفارد بزنس ريفيو فإن أكثر من 71% من المدراء التنفيذيين عالمياً يؤمنون بأهمية اندماج الموظفين (Employee Engagement) لنجاح شركتهم.

هذا التركيز للمدراء على إدماج موظفيهم ناتج بالإضافة للخبرة العملية، عن عدد كبير من البحوث التي أجريت في السنوات الخمس الماضية والتي تشير إلى تعلق رضا الموظفين بشكل مباشر بتطوير أداء ومردود الشركة. فمثلا بحسب دراسة من غالوب الشركة العالمية الرائدة في الاستشارات الإدارية والبحوث الإحصائية، فإن الشركات التي تحقق معدلاً عال من الرضا الوظيفي، أظهرتتفوّقاً بنسبة 147%  في قيمة أسهمها مقارنة مع منافسيها من الشركات ذات الرضا الوظيفي المنخفض، وأن المعدلات المنخفضة لرضا الموظفين تقدر تكلفتها المادية في أميركا فقط حوالي 550 مليار دولار سنوياً، وحوالي 250 مليار في بريطانيا وألمانيا.

لكن مايثير الاهتمام كمدراء لشركات في المنطقة العربية بحسب دراسة من غالوب عن الحالة العالمية لرضا الموظفين، أن معدلات رضا الموظفين في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر انخفاضا في العالم بغض النظر أن أسباب رضا الموظفين في هذه المناطق يتناسب مع الأسباب العالمية لرضا الموظفين. فمن ضمن الموظفين من سكان المنطقة العربية، تشير الدراسة أن حوالي 10٪ فقط منهم مندمجون في عملهم بمعدلات تتراوح من الأفضل في منطقة الخليج العربي بحوالي 28٪ في قطر، 26٪ في الإمارات إلى 5% في تونس وحتى الـ0٪ في سوريا.

بالإضافة لمعدلات البطالة العالية في المنطقة العربية وعدم الاستقرار السياسي، نلاحظ ايضاً أن هنالك فجوة في التأهيل الأكاديمي، فبين كل أربعة موظفين بشهادات عليا ثلاثة منهم يؤكدون أنهم غير مندمجون في العمل، وهي أيضاً من النسب الأقل في العالم. كل هذه الأرقام تؤكد على ضرورة تركيز مدراء الشركات خاصة في المنطقة العربية على إدماج و تحفيز موظفيهم لتأمين النمو الضروري لعملية الإنتاج وتخفيض التكاليف الناتجة عن الموظفين غير المندمجين في عملهم.

كيفية تحسين العمل

كخطوة أولية لتحسين رضا الموظفين وتطوير الإنتاجية هي إجراء استبيانات لسبر آراء الموظفين واندماجهم بمواضيع بشكل دوري لمحاولة فهم الأبعاد التي ينبغي على الشركة مراعاتها لتحسين رضا الموظفين لديها. أهم المؤشرات التي يجب التطرق لها في هذه الاستبيانات بحسب غالوب، وهي المؤشرات المعتمدة أيضا لدى الهيئة الاتحادية  للموارد البشرية في دولة الإمارات على سبيل المثال، وهي:

  • ما هو المتوقع من الموظفين في العمل
      • تحديد وتوضيح النتائج المتوقعة من أية مهمة هي بلا شك من الأساسات التي يطلبها كل موظف وتندمج تحت مسؤوليات المدير. كيفية تحديد هذه النتائج قد يختلف بين الأقسام والشركات بحسب طبيعة العمل.
  • ما إذا كانوا يتلقون الدعم مع المواد والأجهزة المناسبة
      • التجاوب لطلبات الموظفين في ما يتعلق بالمواد والأدوات المطلوبة لأداء العمل لا يؤدي فقط على كفاءة أعلى في تحسين العمل بل أيضا إلى إضفاء شعور من الامتنان من قبل الشركة للموظفين وان الشركة تساندهم لإنجاز تقدم في المهام والعمل. المدراء الناجحون يتلقون هذه الطلبات بحيادية محاولين مناقشة وتوضيح مدى تعلق الأدوات المطلوبة بنجاح المهام المطلوبة.
  • ما إذا كانت لديهم الفرصة للقيام غالبًا بما يتقنونه
      • لعل مساعدة الموظفين لأخذ المهام والأدوار التي يستطيعون بها استخدام مواهبهم ومهاراتهم المكتسبة هي من أهم خصائص الإدارة الناجحة. مراقبة وتعمل خصائص الشخصيات المختلفة والمتفرّدة للموظفين من خلال الخبرة وتقييم خبرات بطريقة  دورية يمكن المدير من استثمار طاقات كل موظف في المكان والدور المناسب.
  • ما إذا كانوا يتلقون التقدير المناسب مقابل عملهم
      • عندما يسأل الموظفون وحتى المتميزون منهم في عملهم عن فيما هم يتلقون التقدير الزائد من الإدارة، نادرا ما تكون الأجوبة إيجابية. من التحديات التي تواجه الإدارة في فهم الطريقة الأمثل لإظهار التقدير للشخصيات المختلفة في مكان العمل، وايصال هذه التقديرات بطريقة موضوعية وحقيقة مبينة على نتائج تقييم عملية وبشكل دوري.
  • ما إذا كان المدير أو أحد من زملائهم يهتم لأمرهم
      • الشعور بأن أحدهم "مهتم" هو موضوع تختلف أبعاده من شخص لشخص. ولذلك يتعين هنا لنجاح المدير في عمله أن يستمع بطريقة فردية ويتجاوب لحاجات موظفيه على اختلاف شخصياتهم وأن يحاول إيجاد تقارب بين ما يطلبه الأفراد وما يتطلبه اتجاه وأهداف الشركة.
  • التعلم والنمو والتقدم
      • طريقة تدريب وتطوير مهارات الموظفين تتعلق بشكل مباشر بمستقبل الشركة ونجاحها. عندما يتمكن المدير أن يقدم الفرص المناسبة لموظفيه والتي تتعلق بمهارات ومواهب كل فرد على حدا، سيحقق  بالتالي مردودا إيجابيا لكل من الموظفين والشركة في الآن نفسه. كما أن شعور الموظفين انهم يطورون مهاراتهم الشخصية من خلال أدائهم لعملهم سينعكس باندماج اكثر في تحسين العمل وتحقيق نتائج أفضل.
    • ما إذا كانوا يشعرون بأن رأيهم مهم
      • الاستماع لآراء الموظفين ومراعاتها عند اتخاذ القرارات الإدارية يؤدي في معظم الحالات لقرارات ناجحة. هذا لأن الموظفين هم الأقرب لوقائع العمل وتفاصيله المتعلقة بمنظومة الشركة بشكل عام. إضافة لذلك، عندما يشعر الموظفون أن رأيهم متضمن في عملية اتخاذ القرار سيتولون مسؤولية أكبر في تحقيق النتائج المرغوبة وتطويرها.
    • ما إذا كانوا يؤمنون برسالة جهتهم وأهدافها
      • المدراء الناجحون يساعدون موظفيهم ليس فقط لفهم مهامهم، بل أيضا إيضاح مدى تعلق هذه المهام بتحقيق أهداف الشركة ورسالتها.ومن المهم جدا تذكير الموظفين بتأثير عملهم سواء على المجتمع أو الزبائن أو الأمان العام.
  • ما إذا كانوا يشعرون بأن الموظفين الآخرين ملتزمون بأداء عمل يتميز بالجودة
      • يستطيع المدير أن يتحكم بكيفية تقدير كل موظف لزميله بإبراز الامتنان للموظفين المتميزين وتقديم قواعد مقاييس وأهداف تحدد ماهية الجودة في تحسين العمل.
  • ما إذا كان لديهم صديق غالٍ في العمل
    • من مقومات الإدارة الناجحة هي تحفيز الموظفين وتأمين الفعاليات المختلفة لبناء علاقات ثقة وصداقة التي تنعكس بخلق شعور من العمل الجماعي في تحقيق أهداف الشركة.
  • ما هي أفكارهم حول فرص التطور
    • اتباع منهجية منتظمة بشكل دوري في مناقشة آراء الموظفين التي تتعلق بالتقدم والتطور الوظيفي كما على صعيد العمل يتعلق بشكل مباشر برضا الموظفين وأسلوب اداري ناجح.

نلاحظ في هذه المؤشرات الأهم لتقييم رضا الموظفين هو عدم التطرق للأجور والتعويضات المادية، وهذا لأن العلاقة بين الحوافز المادية العالية ورضا الموظفين تكاد تكون شبه معدومة. فالأجر المرتفع و التحفيزات المادية هي أمور ضرورية على الصعيد الشخصي لكنها لاتلعب دوراً رئيسياً في ارتفاع معدل اندماج ورضا الموظفين. وبحسب دراسات من غالوب وغيرها أجريت على صعيد عالمي مع اخذ الاعتبار الاختلافات الثقافية بين البلدان والثقافات، أكدت هذه الدراسات أن رضا الموظفين بغض النظر عن ثقافاتهم لا يتعلق بشكل مباشر بالتحفيز المادي.

من الضروري لأي شركة محاولة سبر أداء الشركة في كل مؤشر من هذه المؤشرات بشكل دوري والاستجابة للمؤشرات ذات القيم المنخفضة لمحاولة تطويرها بشكل مستمر. لكن من الناحية العملية، من أهم الصعوبات التي تواجه الشركات عند إجراء استبيانات على مستوى يشمل جميع الأقسام والموظفين هي صعوبة الوصول لجميع الأفراد في الوقت نفسه مما يؤثر على مستوى مشاركة الموظفين في هذه الاستبيانات والتي قد لا تذود عن 40% في حالة الاستبيانات الورقية.

لتجاوز هذه الصعوبات ظهرت في السنوات الماضية جيل جديد من الشركات التكنولوجية التي طرحت برامج عبر الانترنت لسبر آراء الموظفين بطريقة فورية ودورية. الموظفون يتلقون أسئلة قصيرة ومبسّطة على أجهزتهم المحمولة أو بريدهم الالكتروني بشكل اسبوعي او شهري، مما يمكنهم بعد عدة أسابيع من إبداء آرائهم في كل المواضيع التي تتعلق بجو العمل في الشركة بشكل مبسط ومن دون استثمار أكثر من بضع دقائق شهريا. المدراء في المقابل يحصلون على دراسة فورية مع بيانات ومقارنات بين الأقسام تعطي صورة دقيقة عن المقومات الضرورية لتحسين جو العمل.

هذه الشركات استطاعت أن تقدم حلولاً تفوقت بها عن استبيانات الموظفين الورقية أو الاستبيانات الالكترونية التقليدية، بتقديمها جودة عالية من السرية في جمع المعلومات وتحليلها و تمكنها من تقديم بيانات متقدمة فورية تمكن المدراء من اكتشاف الثغرات والتفاعل معها بشكل مباشر من دون استثمار الكثير من الوقت أو الإمكانيات المادية.

ومن خبرتي كمؤسس ومدير تنفيذي في شركة أوروبية رائدة في هذا المجال "تيم باي"، نلاحظ تفاوتاً ملحوظاً في نتائج إجراء استبيانات الموظفين عبر حلول كـ"تيم باي" ومثيلاتها، مقارنة باستبيانات الموظفين الورقية. ففي دراسة أجريناها في بداية العام الجاري عن تأثير الاستبيانات الدورية في جو العمل لدى الشركات التي تستخدم المنتج بشكل أسبوعي ولأكثر من سنة، نلاحظ تطور بمقدار 11% لرضا الموظفين على جميع المؤشرات التي تتعلق باندماج الموظفين ومعدلات مشاركة أسبوعية تفوق الـ80%. يعود هذا التطور الملحوظ إلى الآلية التي تستمع بها الشركات لآراء موظفيها، فبدل إجراء استبيانات ورقية سنوية طبقت تيم باي ومثيلاتها طريقة مبسطة للاستماع لآراء الموظفين بشكل قصير وبتركيز على موضوع واحد جديد كل أسبوع، مما أتاح للمدراء في هذه  الشركات التجاوب مع النتائج على دفعات صغيرة بحسب البيانات المعدة لهم من تيم باي وبطريقة فورية ومبسطة.

لكن استخدام استبيانات موظفين ذكية وحديثة لا يكفي وحده. أغلب الموظفين بعد أن يتجاوبون مع استبيان لآرائهم يدخلون تلقائيا في حالة ترقب كيف ستتطور الأمور في مكان عملهم. ومن الضروري هنا للشركة أن تعلن ملخصاً ولو قصيراً عن نتائج الاستبيان مع خطة عمل بسيطة لتطوير كل مؤشر. يمكن هنا الاستعانة بمدراء الأقسام كوسيلة لمناقشة النتائج بشكل شخصي مع كل موظف على حدا.

ولتبسيط خطة العمل ومعرفة كيفية تحسين العمل في حال كانت نتائج رضا الموظفين في الشركة منخفضة، كخطوة أولى، وتعد الأهم، يمكن للشركة التركيز بداية على إدماج جميع المدراء والمسؤولين عن الأقسام في الشركة، فعدم اندماج هؤلاء سيؤدي تلقائيا لانخفاض في معدل الرضا العام. إدماج المدراء قد يكون لكثير من الشركات خطوة أولية أبسط تبدأ في التأكد أن كل مدير تتوفر لديه الفرص للتطوير الذاتي و الموازنة بين متطلبات الحياة الخاصة ومتطلبات العمل وغيرها من المؤشرات التي تؤثر برضا المدراء اولا ومن ثم كخطوة ثانية، تقديم خطة عمل أشمل لتحسين رضا الموظفين في الشركة بشكل عام.

اقرا أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي