كيف تدير وقتك بفعالية والسيطرة عليه؟ في كثير من الأحيان، يقضي الكثير من النصائح حول إدارة الوقت برفض الدعوات لحضور الاجتماعات، أو بخفض وتيرة قراءة البريد الإلكتروني. لكن، قد تسبب هذه التصرّفات خلافات بينك وبين زملائك. فهل من طريقة لفرض الحدود التي تحتاج إليها لإنجاز أعمالك، دون التأثير سلباً على زملائك في المكتب؟ كيف يمكنك إدارة الوقت والحفاظ على علاقاتك سليمة؟
ما يقوله الخبراء عن كيف تدير وقتك بفعالية
يقول بن داتنر، الخبير في علم النفس التنظيمي، ومؤلف كتاب "لعبة اللوم" (The Blame Game): "إدارة الوقت تدور في أساسها حول كيفية تنظيم مهامك، ولا شك في أنها ستؤثر على الآخرين، باستثناء بعض الحالات النادرة". وبالتالي، عند اعتماد أي مقاربة جديدة، من الضروري أن تفكر في انعكاساتها المحتملة على الأشخاص المحيطين بك، ولكن دون أن يمنعك ذلك من مواصلة محاولاتك، كما تقول جولي مورغنسترن، خبيرة إدارة الوقت ومؤلفة كتاب "لا تقرأ بريدك الإلكتروني أبداً في الصباح" (Never Check E-Mail In the Morning). وتابعت: "إن أكبر فخ نقع فيه على صعيد إدارة الوقت، هو تكريسه لخدمة الآخرين". أما الحل، بنظر إليزابيت غريس سوندرز، وهي مدربة في مجال إدارة الوقت ومؤلفة كتاب "الأسرار الثلاثة لاستثمار الوقت بفعالية" (The 3 Secrets to Effective Time Investment)، هو "التركيز على الهدف الطويل الأمد للمهام التي تنجزها". وفيما يلي طريقة تخوّلك إنجاز عملك بطريقة تضمن سعادة زملائك.
- امنح الأولوية لعملك وليس لوضع نفسك في متناول الآخرين: لمعرفة كيف تدير وقتك بفعالية كبيرة، تأكد أولاً من حسن تحديد أولوياتك خلال وقت العمل. فإن كنت تبالغ في التركيز على إرضاء الآخرين، فقد يعني ذلك أنك تضحي بالإنتاجية. وتقول مورغنسترن في هذا الصدد: "إن أعظم قيمة لك ليست السهولة التي يمكن للآخرين الوصول إليك بها، ولكن في قدرتك على حل المشكلات وإنجاز الأمور". وتوافقها سوندرز الرأي قائلة: "فكر أقل في مشاعر الأشخاص، وأكثر في الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة"، وتذكر أن وظيفتك هي إنجاز المهام التي توفر القيمة الأعلى.
- اطلب آراء زملائك: لا شك في أن ذلك لا يمنحك حجةً لاعتماد المقاربة التي تعجبك لإدارة الوقت. ويوصي داتنر قائلاً: "لا تعتمد سلوكاً أحادي الجانب. وإياك على سبيل المثال، أن تأتي يوم الاثنين وتقول، لقد شاركت في حلقة دراسية، وأوصاني مديرها بقراءة بريدي الإلكتروني مرة في اليوم، وبالتالي، هذا ما سأفعله بالتحديد". وبدلاً من ذلك، اختبر تقنيات مختلفة، واعمل على رصد المقاربة التي سترضي الجميع. ويشرح داتنر قائلاً: "أطلق بعض الأفكار الأساسية، وأفصِح عنها لفريق عملك. بإمكانك، مثلاً، أن تسألهم: ما الذي تفضلونه؟ أن أتوقف عن قراءة بريدي الإلكتروني صباحاً، أو أمتنع عن قراءة البريد مرة في الأسبوع للتركيز على المشاريع؟" وكذلك، اعرف كيف ستنعكس أفعالك على الآخرين. وفي هذا السياق، يقترح داتنر قول كلام من قبيل: "أعرف أن ذلك سيُكسِبني ثلاث ساعات، ولكنه يحرمني من قضاء ساعة برفقتكم. فكيف أعوضكم عن ذلك؟".
- جازف: لعلك تخشى ألا يستجيب الآخرون جيداً لإحدى التقنيات الجديدة، لكن سوندرز تؤكد أن هذا الاعتقاد خاطئ في معظم الأحيان. وتضيف: "غالباً ما تكون القيود مجرد نسج من خيالك. فعندما يختبر عملائي مقاربات جديدة، تحقق نجاحاً في 99% من الحالات. لذلك، تسلَّح بالثقة، واعلم أن الآخرين سيقطفون ثمار ذلك في معظم الأحيان". وقد تتطلّب المسألة مخالفة النظام. وتقول سوندرز على هذا الصعيد: "اعتاد الناس أن يشعروا بالإنهاك والتوتر، حتى أنك قد تشعر بذنب كبير، إن أردت اتخاذ خطوات تهدف إلى إدارة وقتك بطريقة أفضل. ولكن من الضروري أن تكون مستعداً للخروج من دوامة الجنون التي أنت فيها".
- وضّح ما تفعله واشرح السبب: بُعيد اتخاذك قراراً حول المقاربة التي تريد اعتمادها لإدارة الوقت، اطرح على زملائك المنطق الذي اعتمدته في خيارك هذا. على سبيل المثال، إن أردت رفض الدعوات إلى الاجتماعات، تقترح سوندرز أن تشرح السبب – لتقل، على سبيل المثال، إنك تعمل على مبادرة كبيرة أخرى، وتؤكد أن أعضاء آخرين من فريق عملك سيحضرون الاجتماع، وتخبرهم بأنك تسلط الضوء حالياً على الموضوع المطروح، وإلى ما هنالك. وإن كنت قررت عزل فترة زمنية على جدول أعمالك وتكريسها لإنجاز مشروع مهم، فأرسل رسالة إلكترونية لزملائك، تشرح لهم فيها سبب عدم توافرك لخدمتهم، لأن تقنيات من هذا القبيل ستسمح لك باحترام حاجات الآخرين وتخولك ادخار الوقت.
- درّب الناس على ما عليهم توقعه: في بعض الأحيان، لا يكفي إخبار الناس بما ستغيّره، ولكن عليك إعادة تعليمهم كيفية التفاعل معك. تقول مورغنسترن: "إن كنت تجيب عن رسائل إلكترونية كل ثلاث دقائق، فمعناه أنك دربت الناس على توقع حضورك المستمر. وإن أردت تغيير ذلك، فتأكد من إعلام الجميع – بما يشمل أهم العملاء، وفريق عملك المباشر، ورب عملك - بكيفية وموعد حصول أي تواصل بينك وبينهم". وتضيف سوندرز: "بعض عملائي كانوا محظوظين لأنهم تلقوا رسالة من مجيب تلقائي، كُتب فيها على سبيل المثال: أجيب عن بريدي الإلكتروني كل 24 ساعة. وإن كانت المسألة أكثر إلحاحاً، فيرجى الاتصال بي أو توجيه رسالة خطية إلى هاتفي". ولا شك في أن هذه الطريقة لم تنجح مع الجميع، ولكن الفكرة قضت باختبار مقاربات مختلفة إلى حين رصد مقاربة تناسب وضعك تحديداً.
- اختر الوقت المناسب: قد يكون إحداث تغييرات في طريقة عملك مسبباً للخلل. وبالتالي، يوصي داتنر باختيار التوقيت المناسب لإطلاق مقاربتك الجديدة. ويقول: "تأكد من من عدم القيام بذلك في مرحلة أزمة حساسة". وقد ترغب في التأكد من أن مكانتك جيدة بما فيه الكفاية للمطالبة بإحداث تغيير في الروتين السائد. يقول داتنر: "ستودّ تحقيق أداء جيد ونيل رضا الناس في آن واحد. ومتى سارت الأمور على ما يرام، وجدت في متناولك رأس مال اجتماعي تنفقه".
- أقدم على خطوتك بالتعاون مع الآخرين إن أمكن: من بين المنافع المتأتية عن تغيير مقاربتك أنه سيتسنى لك تحسين طريقة إدارة الوقت، ويستفيد منها أيضاً فريق عملك. وتوصي مورغنسترن قائلة: "من الضروري أن يكون المدراء رواداً في إدارة الوقت، فيُرسون نمطاً تعتمده الأقسام الخاضعة لإشرافهم". وبالتالي، قد يتفق الجميع على قراءة البريد الإلكتروني بوتيرة أقل، أو على الاجتماع بمعدل أقل، ولوقت أقصر. ولكن تذكروا أن التقنيات ذاتها قد لا تناسب الجميع. وتقول سوندرز في هذا الصدد: "يؤكد البعض أن الحل الذي ناسبهم سينجح مع الجميع، مع أنه ما من حل واحد يناسب الجميع".
مبادئ ينبغي تذكرها لمعرفة كيف تدير وقتك بفعالية
- ما ينبغي فعله:
o اشرح للآخرين كيف ولماذا تغيّر عاداتك.
o اقترح عدداً من التقنيات لمعرفة الأفضل لك ولزملائك.
o كن من دعاة الحاجة إلى تحسين إدارة الوقت داخل فريقك.
- ما لا ينبغي فعله:
o الافتراض أنك ستقوم بعمل أفضل إذا كنت متاحاً دائماً.
o اعتماد مقاربة أحادية الجانب. فمن الضروري أن تشرك الآخرين في خياراتك.
o محاولة تطبيق تقنية جديدة خلال فترة من الانهماك الشديد، أو عندما يكون الآخرون غير راضين عنك.
دراسة حالة أولى: من الضروري أن توضح أسبابك
جسيكا تاكر محللة مبيعات في شركة إنتاج سلع استهلاكية، وبعد ستة أشهر من توليها وظيفتها الجديدة، اكتشفت أن الاجتماعات الطويلة والمفتقرة إلى الفعالية كانت عقبة أمام إنجاز عملها. وبالتالي، قررت رفض المزيد من الدعوات إليها. وقالت : "لقد ألهمتني مديرة مديري، التي اعتمدت سياسة قاسية تقضي بعدم حضور الاجتماعات، ما لم تتوفر غاية واضحة لها، مرفقة بجدول أعمال، وما لم يكن لديها ما تقدمه و/أو تكتسبه منها". وقبل أن تجري هذا التغيير، قالت لمديرها إنها ستختبر المقاربة الجديدة، ومن ثم ناقشتها مع فريقها، وأعلمت بها أيضاً زملاءها في فرق العمل الأخرى.
وفي البدء، سادت بعض المخاوف، إذ خشيت المجموعات الأخرى أن تفوتها معلومات في حال غابت جسيكا (لأنها توزع تقارير المبيعات على مجموعات العمل الأخرى). ولكن تبين أن الأمر ليس بمشكلة، إذ بدأت جسيكا تتقاسم أحدث المستجدات مع المتحدث باسم فريقها، وكان الأخير يربطها ببقية المجموعة. وأفضت قائلة: "لا أسعى لزيادة أعباء العمل التي يتكبدها زملائي، لكن في بعض الأحيان تتطلب المسألة أخذاً ورداً. وأنا أحاول حتماً توخي الإنصاف. فإن ذهب زميل لي إلى الاجتماع في أحد الأسابيع، ذهبتُ إلى الاجتماع التالي له". وهكذا، ما عادت جسيكا مقيدة كما في السابق، وراحت تستجيب لمطالب زملائها بسرعة أكبر، وقالت في هذا السياق: "في النهاية، أصبح لدي وقت أكبر أكرّسه لجوانب مهمة من وظيفتي".
إلى ذلك، اكتشفت جسيكا أنها باتت الآن أكثر تنظيماً على صعيد إرسال الدعوات إلى الاجتماعات. وأوضحت: "في بعض الأحيان، لا أرسل الدعوات، لأنني أدرك أن حضور بعض الأشخاص ليس ضرورياً، أو أستوعب أنني أمام مسألة يمكنني مناقشتها مع شخص أو شخصين، دون تخصيص أي وقت رسمي لها".
دراسة حالة ثانية: تحلى بالمرونة في مقاربتك الجديدة
أندرو واتسون مدير وحدة أعمال في شركة صناعات طيران، ولم يسمح له وقته بإنجاز المهام المطلوبة منه، لانهماكه المستمر بحضور اجتماعات كثيرة، وتوافره الدائم في خدمة فريق مدراء البرامج ورؤساء الأقسام. اشتكى من الأمر قائلاً: "لم أعد أملك الوقت لإنجاز المهام المطلوبة مني". وعليه، قرر بالتعاون مع مساعدته الإدارية تكريس ساعة من روزنامة أعماله اليومية لنفسه، على امتداد الأسبوع، وفي الوقت ذاته. وقال: "قررت مساعدتي عدم جعل هذا الوقت شاغراً على جدول أعمالي، إلا إن اعتبرته سلطة عليا من الأولويات". وبما أن أندرو كان معروفاً بتقاربه من الناس وتوافره لخدمة الآخرين، خشي أن يخيّب التغيير ظن فريق عمله، وأن يجعلهم يشعرون بأن المسائل التي تهمهم ستظل معلقة.
وخلال الاجتماع التالي مع فريق العمل، أوضح أندرو للجميع التغيير الحاصل على روزنامة أعماله، وشرح ما سيفعله في هذا الوقت خلال فترة تجريبية، قبل أن يعتمد هذه المقاربة بصورة روتينية. وأخبرهم بأنه على الرغم من إقفال باب مكتبه خلال الساعة المذكورة، سيكون بوسعهم مقاطعته إذا صادفوا مسألة مهمة أو ملحّة. كما، سألهم عن رأيهم بالموضوع. وقال، "كان أعضاء فريق العمل ممتنّين، لأنني أعطيتهم أسباب التغيير، ومنحتهم فرصة للتأثير في كيفية تطبيقه". على الرغم من أنه كان يُقاطَع أحياناً خلال الساعة المذكورة (من رب عمله أو زملائه، ولكن نادراً من الأشخاص الخاضعين لإشرافه مباشرة)، عززت هذه المقاربة إنتاجية أندرو. وأصبح قادراً على التركيز على مشاريع مهمة، مع أنه بقي متوافراً في خدمة فريق عمله متى كان الأمر ضرورياً بالفعل.
اقرأ أيضاً: