بسبب التطور الملحوظ في الأبحاث العلمية والطب، ازداد متوسط العمر المتوقع أكثر من ضعفين بين عامي 1900 و2021. مع ذلك، ثمة أمراض كثيرة لا تزال دون علاج، وهذا يعني أنك إذا كنت مديراً، قد يضم فريقك فرداً مصاباً بمرض عضال في مرحلة ما من حياتك المهنية.
عند تشخيص موظف بمرض عضال، فإن مواصلة العمل تمنحه إحساساً بأنه يحيا حياة طبيعية ذات مغزى، كما أن العمل يسمح له بالحفاظ على الروابط الاجتماعية ويشعره بأنه إنسان منتج.
وفي الوقت نفسه، سيواجه المعنيون بهذا الموقف جميعاً الصعوبات، فإدارة موظف يعاني مرضاً عضالاً تختلف عن تحديات العمل النموذجية المتعلقة بتحقيق النتائج؛ إذ يتمحور الأمر حول الموازنة بين مسؤولياتك القيادية وهذه المرحلة المشحونة عاطفياً لأنها ستنتهي بفقدان شخص تعرفه وتحبه أنت وفريقك.
ركزنا في بحثنا الأخير على أثر إصابة موظف بمرض عضال في سلوكيات المدراء القيادية. في حين يتطلب هذا الموقف من المدراء على اختلاف مستوياتهم أن يجمعوا بمهارة بين التعاطف والالتزام بالمسؤوليات القيادية، اكتشفنا أن المدراء الجدد يواجهون صعوبة في التعامل مع هذا الأمر لأنهم يفتقرون إلى الخبرة اللازمة للموازنة بين التعاطف وتلبية متطلبات الدور القيادي. كما اكتشفنا أيضاً أن بعض المدراء قد يعاني عبئاً عاطفياً عندما محاولة دعم الزميل المصاب بمرض عضال والحفاظ على معنويات الفريق وإنتاجيته في الوقت ذاته، يواجه المدراء في هذه الحالة ضغطاً مرهقاً لأنهم يحاولون إدارة مشاعرهم وتقديم الدعم الكافي والحفاظ على الاستقرار في مكان العمل.
وسّعنا بحثنا حديثاً (وسيصدر البحث الجديد قريباً في مجلة بي إم جيه ليدر BMJ Leader)، لأننا أردنا أن نفهم كيف يتغلب المدراء على التحدي الصعب جداً المتمثل في إدارة موظف مصاب بمرض عضال. أجرينا مقابلات شبه منظمة مدة كل منها 60 دقيقة مع 21 مشرفاً أدار كل منهم موظفاً مصاباً بمرض عضال، وتولى 18 منهم دوره حديثاً. ركّزت الأسئلة على تجاربهم والتحديات التي واجهوها، والاستراتيجيات الأكثر فعالية من وجهة نظرهم في دعم فرد مصاب بمرض عضال، طرحنا عليهم هذه الأسئلة من بين أسئلة أخرى:
- هل يمكنك وصف التحديات التي واجهتها عند إدارة موظف مصاب بمرض عضال؟
- ما هو الأسلوب الذي اتبعته عند إجراء محادثات مع موظف مصاب بمرض عضال حول عمله واحتياجاته؟
- ما هي الخطوات التي اتخذتها لضمان نقل معارف الموظف المصاب بمرض عضال إلى أعضاء الفريق الآخرين؟
- ما هي الاستراتيجيات التي لاحظت أنها الأكثر فعالية لدعم الموظف المصاب بمرض عضال والحفاظ على معنويات الفريق في الوقت نفسه؟
بالإضافة إلى المقابلات التي أجريناها، أمضينا ما يصل إلى 3 أيام في مؤسسة كل مدير لمراقبة ديناميات الفريق والتفاعلات في مكان العمل. تحدثنا أيضاً إلى 10 موظفين مصابين بمرض عضال وإلى 20 من زملائهم في تلك المؤسسات، وجمعنا وجهات نظرهم حول الأساليب الناجحة للتعامل مع هذا الموقف. بعد ذلك، قاطعنا هذه المعلومات مع المقابلات التي أجريناها مع المشرفين، ما زودنا برؤى مهمة حول الصعوبات الفعلية التي يواجهها المدير في دعم موظف مصاب بمرض عضال والممارسات الفعالة التي تسمح له بدعمه.
أتاح لنا إجراء الأبحاث داخل أماكن العمل التي تحدث فيها هذه المواقف مراقبة التفاعلات والممارسات والبيئة العامة مباشرة، وتمكنا من خلال هذه الاستقصاءات من فهم الصعوبات الاستثنائية والممارسات الفعالة في هذه المواقف الحساسة بعمق أكبر.
بناءً على المعلومات التي جمعناها، توصلنا إلى 3 نصائح مترابطة لمساعدة كل من المدراء الجدد وأصحاب الخبرة على التعامل مع الجانبين العاطفي والعملي لفقدان الزميل الوشيك، ومن خلال اتباعها، نأمل أن يتمكن المدراء من خلق بيئة داعمة تقدّر احتياجات الموظف المصاب بمرض عضال وتحترمها وتحافظ على معنويات الفريق، وتضمن استمرارية العمل.
ادعم الموظف المصاب بمرض عضال
الخطوة الأولى هي ضمان أن الموظف يشعر بالأمان والانتماء، ويتطلب ذلك التركيز على جانبين.
أشرك الموظف
التحدث إلى موظفك حول احتياجاته هو أسلوب عملي يتيح لك تقديم الدعم العاطفي الذي يحتاج إليه، وإفساح المجال له للتعبير عن احتياجاته يوضح لك وضعه ويساعدك على تحديد ما يجب فعله والغاية التي ستعملان على تحقيقها، كما أنه يمنح الموظف شعوراً بأنك تقدره وتحترمه.
يقول أحد المدراء: "عندما عبّرت سمر عن رغبتها في إرشاد فرد ما ليتولى العمل على مشاريعها، شَعرَتْ بأنها تعمل على تحقيق غاية بنّاءة، ما سمح لها بترك بصمة دائمة". وبالمثل، قال أحد الموظفين المصابين بمرض عضال: "عندما ناقشت مع مديري الطريقة التي أردت بها نقل مسؤولياتي وإجراء تغييرات على دوري، شعرت بالطمأنينة وبأنني أتحكم بعملي".
اعمل على تلبية احتياجات الموظف
من الضروري تكييف بيئة العمل بما يلبي الاحتياجات الجسدية والعاطفية للموظف المصاب بمرض عضال. قد يتضمن ذلك إعادة هيكلة مسؤوليات أفراد الفريق أو منح الموظف المصاب بمرض عضال خيارات مثل العمل عن بعد أو ساعات العمل المرنة أو الإجازات الطويلة. يمكن أن تحسن هذه المرونة جودة حياته وتزيد قدرته على الإسهام بفعالية.
قال لنا موظف مصاب بمرض عضال: "سمح لي العمل من المنزل بالحفاظ على احترامي لذاتي ومنحني القدرة على التحكم بساعات العمل؛ إذ تمكنت من إدارة طاقتي والإسهام في الشركة بطريقة هادفة، ما جعلني أشعر بأنني أحظى بتقدير الآخرين لا شفقتهم". وبالمثل، ذكر أحد المشرفين التأثير الإيجابي لتعديل جدول عمل موظف مصاب بمرض عضال: "غيرنا ساعات عمل ماجد لتكون أكثر مرونة، حتى يتمكن من العمل عندما يشعر بالقدرة على ذلك ويرتاح عند الحاجة، الأمر الذي منحه الطمأنينة لأنه تمكن من متابعة العمل الذي يحبه دون أن يرهق نفسه". يقول عضو في أحد الفرق: "عندما أدركنا أن الشركة مستعدة لتعديل قواعد العمل لتتناسب مع حاجات شخص يمر بوقت عصيب، شعرت بالفخر لأنني أنتمي إلى هذا الفريق؛ إذ أظهر ذلك اهتماماً بالإنسان وليس بالعمل فقط". كما شارك عضو آخر في الفريق قائلاً: "بسبب ثقافة الشركة التي تولي أهمية للمرونة، صارت أسهل علينا مساندة زميلنا المصاب بمرض عضال وتقديم الدعم اللازم له دون تردد".
من الخيارات الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار، تنفيذ مبادرة لتخطيط الأدوار المستقبلية، بحيث يمكن للموظف المصاب بمرض عضال المشاركة في تصميم الهيكل المستقبلي لدوره أو قسمه، الأمر الذي يُظهر احتراماً لخبرته، ويمنحه فرصة لإحداث تأثير دائم في مستقبل المؤسسة.
راقبنا خلال بحثنا مؤسستين اتبعتا هذا الأسلوب. رأى المدراء في إحداهما أن إشراك الموظف المصاب بمرض عضال في التخطيط لنقل دوره يمنحه إحساساً بالسيطرة وبأنه يعمل على تحقيق غاية بنّاءة في وقت عصيب. مع ذلك، يجدر ذكر أن كل موظف قد يستجيب لهذا الأسلوب بطريقة مختلفة، ففي حين قد يحب البعض المشاركة في عملية التخطيط المستقبلي، فإنها قد تكون مثيرة عاطفياً بالنسبة إلى آخرين فيفضلون أخذ دور غير رسمي فيها، وهو ما لاحظناه في المؤسسة الثانية.
حافظ على معنويات الفريق
بعد تهيئة بيئة الدعم اللازمة لإدارة موظف مصاب بمرض عضال، من المهم بالقدر ذاته أن تهتم بمشاعر أفراد الفريق ومعنوياتهم. وإليك ما يجب فعله في هذا الصدد.
تحدث إلى أفراد الفريق صراحة مع مراعاة مشاعرهم
عند التحدث مع أعضاء فريقك حول الموقف، استخدم لغة تتسم بالتعاطف وقدم لهم معلومات واضحة وواقعية عن وضع زميلهم، فهذا سيدفعهم إلى تقديم الدعم إليه بثقة أكبر.
يمكنك أن تقول: "يواجه زميلنا تحديات صحية خطيرة، ونحن ملتزمون بدعمه بكل الطرق الممكنة، من الضروري أن نحافظ على قوتنا وتماسكنا خلال هذه المحنة". يعزز هذا الكلام الإحساس بالأمان ويظهر أن المؤسسة تولي أهمية لرفاهة أعضائها جميعاً.
مارس الاستماع الفعال
لدعم أعضاء فريقك، يشير بحثنا إلى أنه من الضروري توفير أوقات ومساحات محددة لهم للتعبير عن مشاعرهم واستيعاب الموقف، والمناقشات الجماعية أو الجلسات الإرشادية أو الاجتماعات غير الرسمية مفيدة جداً في ذلك. يمكنك الاستعانة بقسم الموارد البشرية أو برنامج مساعدة الموظفين في مؤسستك للحصول على الموارد والإرشادات حول كيفية فعل ذلك.
يذكر أحد المدراء كيف كان يعقد مناقشات جماعية أسبوعية يستطيع الجميع مشاركة مشاعرهم فيها. وفرت هذه الجلسات للموظفين إطاراً واضحاً للمناقشة وكانت مفعمة بالتعاطف في الوقت ذاته، ما سمح لهم بالتعبير عن مخاوفهم وتبادل الدعم. أظهرت النتائج التي توصلنا إليها أيضاً أن الحاجة إلى الدعم العاطفي تتطور مع تقدم المرض، لذا يجب على المدراء التحلي بالمرونة وتعديل أسلوب هذه المناقشات ووتيرتها بناء على احتياجات أعضاء الفريق وملاحظاتهم.
خلال هذه المناقشات، أظهر أنك تصغي باهتمام من خلال الإيماء برأسك والحفاظ على التواصل البصري وقول عبارات التأكيد مثل "أفهمك" أو "أعي ما تقصده"، فعندما تظهر اهتماماً حقيقياً باحتياجات أعضاء فريقك، ستعزز التماسك والتعاطف بينهم حتى في أصعب الظروف.
اعمل على ضمان استمرارية العمل
في حين أن دعم الفريق أمر بالغ الأهمية، فالمدير يتحمل مسؤولية إضافية تتمثل في التأكد من إنجاز العمل المطلوب، وفيما يلي كيفية التعامل مع هذه المهمة الصعبة:
اتخذ إجراءات فورية
لضمان انتقال المسؤوليات بسلاسة، من الضروري التصرف بسرعة بمجرد معرفة خبر إصابة الموظف بمرض عضال. يشير بحثنا إلى أنه على المدير العمل على نحو وثيق مع الموظف لتوثيق مسؤولياته الأساسية والعمليات المكلف بها ومعارفه الاستثنائية، وثمة عدة طرق لفعل ذلك.
يمكنك تكليف أحد أعضاء الفريق بملازمة الموظف على الفور لمراقبة المهام اليومية والانضمام إلى الاجتماعات الأساسية وتعلم العمليات الأساسية مباشرة. على سبيل المثال، إذا كان الموظف يدير علاقات محددة مع العملاء أو يضطلع بمهام متخصصة، فيمكن أن يشارك زميله المكلف بملازمته في هذه الأنشطة لفهم التفاصيل الدقيقة المعنية. مع تغير الحالة الصحية للموظف المصاب بمرض عضال، يمكن تعديل عملية الملازمة إلى جلسات افتراضية أو لقاءات موجزة، ما يسمح بمواصلة نقل المعارف حتى إذا تدهورت صحة الموظف.
هناك خيار آخر يتمثل في ربط الموظف المريض بأعضاء الفريق حتى يقدم لهم الإرشاد، ما يوفر نهجاً تفاعلياً لنقل الأفكار العملية. عند إضفاء الطابع الرسمي على جلسات الإرشاد هذه من خلال إجراء اجتماعات منتظمة ووضع أهداف واضحة، ستضمن نقل المعرفة بطريقة منهجية. أخبرنا قادة أحد الفرق أن "كمال قدّم الإرشاد للعديد من أعضاء الفريق، وكانت المعرفة التي نقلها لهم لا تقدر بثمن". لا يسهّل هذا النهج نقل المهارات الأساسية فحسب، بل يوثّق أيضاً العلاقات ويعزز الثقة بين أعضاء الفريق.
أشرك الجميع في عملية نقل المسؤوليات
يشير بحثنا إلى أن إشراك أعضاء الفريق في المناقشات حول نقل المسؤوليات هو أمر أساسي للحفاظ على الإنتاجية والروح المعنوية. تحدث أحد المدراء عن تجربته في عقد اجتماعات أسبوعية تركز على موضوع نقل المسؤوليات بهدف تشجيع أعضاء الفريق على طرح أسئلة حول هذا الأمر وتقديم آرائهم حول تحديد أفضل طريقة للإشراف على المشروعات التي كان زميلهم المصاب بمرض عضال يديرها، وأوضح المدير قائلاً: "ساعد هذا المستوى من الشفافية والمشاركة على تعزيز قوة الفريق وتماسكه خلال هذه الفترة الصعبة".
في الحالات التي قد لا يتوافر فيها وقت كافٍ لنقل المسؤوليات بالكامل بسبب التغيرات المفاجئة في صحة الموظف، فمن الضروري وضع خطة طوارئ. يمكن أن تشمل تحديد المهام الحاسمة التي يجب أن يتولاها الآخرون على الفور، وتعيين أفراد مؤقتين للعمل على المشروعات العاجلة، ووضع مستند أو نظام أساسي مشترك يضيف إليه الموظفون المعلومات الأساسية ويعدّلون محتواه بانتظام. أوضح أحد المدراء كيف أنشأ فريقه خطة طوارئ تتضمن تدريباً متعدد التخصصات لأعضاء الفريق على المهام الحاسمة وتوثيق العمليات وجهات الاتصال الرئيسية. سمح هذا الاستعداد لأفراد الفريق بإعادة تعيين المسؤوليات بسرعة ومواصلة العمل بأقل قدر من العوائق عندما توفي زميلهم فجأة. يتيح هذا التخطيط الاستباقي للفريق الحفاظ على مرونته وتركيزه، حتى في مواجهة التغيرات المفاجئة.
من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن للمدراء اتباع أسلوب عملي يتسم بالتعاطف ويتناول الاحتياجات العاطفية والوظيفية لكل من الموظف المصاب بمرض عضال وفريقه، ما يخلق بيئة عمل داعمة ومرنة. لن يساعدك هذا الأسلوب على الوفاء بمسؤولياتك القيادية فقط، بل سيعزز أيضاً ثقافة التعاطف والدعم التي تؤثر تأثيراً إيجابياً في المؤسسة بأكملها.
وفي نهاية المطاف، فإن التعامل مع مثل هذه المواقف الحساسة بعناية ومراعاة مشاعر الآخرين يمكن أن يعزز تماسك الفريق ويعزز الروح المعنوية العامة في مكان العمل. يمثل الدعم الذي يتبادله الزملاء خلال الظروف العصيبة انعكاساً لإنسانيتهم، ولقوة الترابط في مكان العمل، ومن خلال إعطاء الأولوية للتعاطف والتواصل، فإننا نحترم كرامة كل فرد ونقدر إسهاماته.