ما هي المقاييس التي تهم فعلاً عند تتبع أداء خدمة الزبائن؟

7 دقائق
إدارة مقاييس خدمة الزبائن
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في حين يعمل قسم واحد في الشركات عادة على إدارة مقاييس خدمة الزبائن التكتيكية، فلا بد من أن تتضمن ابتكارات خدمة الزبائن الاستراتيجية، التي تعكس ما يمر به الزبون فعلياً وليس ما تمرّ بها الشركة في عملياتها، الأنشطة المنسقة لعدة أقسام. يواجه كثير من القادة مشكلة “اللامبالاة المؤسسية” (organizational indifference)؛ حيث يركز مدراء الأقسام الأخرى بصورة طبيعية على المقاييس التي تقول الإدارة العليا إنها الأهم والتي يحملون مسؤوليتها. من أجل التغلب على هذا العائق التنظيمي وإنشاء ابتكارات فعالة بحق في خدمة الزبائن، يتعين على القادة طرح مشاريع تجريبية تشكل فرصاً محدودة لتجربة الابتكارات غير المسبوقة واكتشافها.

يقدم المؤلفان خطة من 3 نقاط يمكن لفرق الإدارة الابتكارية استخدامها لإنشاء مشاريع تجريبية لخدمة الزبائن الاستراتيجية تتيح لها التعلم بطرق عملية والتغلب على اللامبالاة المؤسسية.

 

أكبر مشكلة يواجهها المدراء في مجال خدمة الزبائن هي أنهم يوجهون تركيزهم شبه الكامل إلى مشكلات خدمة الزبائن اليومية التكتيكية ويعجزون عن تطوير فرص خدمة الزبائن الاستراتيجية الكامنة التي تساعدهم على استبقاء أهم زبائنهم وزيادة أعدادهم. إليك مثالاً عن حالة نمطية.

منذ بضعة أعوام، عملنا على تيسير ورشة عمل للمسؤولين التنفيذيين حول خدمة الزبائن، حيث اجتمع نحو 30 مديراً رفيع المستوى في جلسة استمرت يوماً كاملاً. شاركنا في الجلسة نتائج آخر بحث أجريناه ودعونا قادة أقسام خدمة الزبائن في عدد من الشركات الشهيرة، مثل سلسلة فنادق “ريتز كارلتون” و”ديزني” وغيرها، إلى مشاركة رؤاهم ذات الصلة. في نهاية اليوم عملنا على إدارة جلسة ناقش المشاركون فيها أفكارهم وتجاربهم في تحسين خدمة الزبائن.

بدأنا الجلسة بطرح السؤال التالي: “ما هي خدمة الزبائن؟” حصلنا على عدد من الإجابات المتوقعة أو غير المتوقعة عن هذا السؤال المباشر: استلام الطلبات وشحنها، والرد على الاتصال الهاتفي في غضون 30 ثانية وتفادي مطاردة الاتصالات الهاتفية (محاولتك الاتصال بشخص في أثناء محاولته الاتصال بك وعدم التمكن من إجراء المحادثة بينكما)، ودورات الطلبيات السريعة وما إلى ذلك. كانت صلة الوصل بين هذه الأجوبة هي أنها جميعها من المقاييس التكتيكية.

والأهم هو أن هذه المقاييس كلها داخلية، وهذه مشكلة شائعة. مثلاً، ما فائدة معدلات تلبية الطلب المرتفعة إن كان الزبون قد حصل على عدد كبير من سلع غير التي طلبها؟ أو إن كان عدد طلباته أكثر من عدد الطلبات الاقتصادي بمعدل الضعفين؟ أو إن كان اتصاله الهاتفي متعلقاً بمشكلة اضطراب الخدمة التي لم تكن ستنشأ أساساً لو تم الرد على اتصاله بسرعة؟

مقاييس خدمة الزبائن المهمة حقاً هي التي تعكس ما يمر به الزبون فعلياً وليس ما تمر به شركتك في عملياتها، والخلط بينهما هو افتراض خاطئ شائع. ليس هذا فحسب، بل ما يهم حقاً هو الصورة التي تتولد لدى العميل عن الخدمة، وهي ما يفترض المدراء ببساطة عادة أنها تعكس الخدمة الفعلية، ولكنهم مخطئون في ذلك، فالصورة التي يحملها العميل عن الخدمة لا تشكّلها تجاربه المعتادة معها بل أسوأ تجاربه حتى وإن كانت نادرة لأنها ستعلق في ذهنه (فكر في المرة الوحيدة التي تناولت فيها وجبة رديئة في مطعم ما).

عند نهاية ورشة العمل، كان المسؤولون التنفيذيون قد وضعوا قائمة طويلة من مقاييس خدمة الزبائن التكتيكية، وطرحنا عليهم سؤالاً مختلفاً: “ما الإجراء الذي يمكن أن تتخذه الشركة المنافسة والذي سيمثل أسوأ كوابيسك؟” في البداية التزمت المجموعة الصمت، ثم بعد عدة دقائق اشتد النقاش وذهب في اتجاه مختلف. تنوعت الأجوبة من حيث الشكل والمضمون، ولكنها جميعها حملت نفس الرسالة الأساسية: “إذا تمكنت الشركة المنافسة من تنسيق عملياتها داخلياً لتحسين قدرة عميلي على توليد الأرباح وإجراءاته في العمل وتموضعه الاستراتيجي فسأقع في ورطة كبيرة؛ سيتخلى عميلي عن علاقته معي وسيذهب إلى الشركة المنافسة من دون تردد”.

كان تحسين كل من قدرة العميل على توليد الأرباح وإجراءاته في العمل وتموضعه الاستراتيجي يمثل الابتكار الاستراتيجي الأهم في خدمة الزبائن بالنسبة لنا جميعاً، ولذلك طرحنا السؤال المنطقي التالي: “إن كانت هذه هي الاستراتيجية النهائية للفوز، وبتنا نعلم سرّ النجاح في المنافسة، فلم لا نقوم بها أولاً؟ يبدو أن لدينا فرصة ذهبية للحفاظ على أهم عملائنا والاستيلاء على أهم أعمال الشركة المنافسة”.

لا يزال صدى جواب هذا السؤال يتردد في أذهاننا؛ إذ قال جميع أفراد المجموعة أجوبة يتلخص جوهرها في عبارة: “لا نستطيع ذلك، لا نستطيع فحسب”.

لم لا؟ كان العائق المشترك بين القادة متمثلاً في عدم قدرتهم على تنسيق عمل الأقسام التشغيلية في شركاتهم حول مبادرات خدمة الزبائن الاستراتيجية المبتكرة، وهو ينبع من التركيز الشديد الذي يحصره كل فريق في أهداف قسمه ومقاييسه، تماماً مثل تركيز مجموعة ورشة العمل على المقاييس التكتيكية الداخلية.

في حين أن قسماً واحداً في الشركة يعمل على إدارة مقاييس خدمة الزبائن عادة، فابتكارات خدمة الزبائن الاستراتيجية تتطلب تنسيق أنشطة عدة أقسام. وفي هذا الصدد، كان لدينا تعريف محدد لمشكلة تسمى “اللامبالاة المؤسسية”، التي لا تنبع من نقص العمل التعاوني الناجم عن سوء نية، بل من نزعة مدراء الأقسام الطبيعية للتركيز على المقاييس التي قالت لهم الإدارة العليا إنها الأهم والتي تحمّلهم مسؤوليتها.

من أجل التغلب على هذا العائق التنظيمي وإنشاء ابتكارات فعالة في خدمة الزبائن الاستراتيجية، يجب على القادة طرح مشاريع تجريبية تمثل فرصاً محدودة لتجربة الابتكارات غير المسبوقة المحتملة واكتشافها.

سرّع التغيير بواسطة المشاريع التجريبية

تواجه كل الشركات مشكلتين متلازمتين تتمثلان في وضع مفاهيم ابتكارات خدمة الزبائن الاستراتيجية مع التغلب على اللامبالاة المؤسسية في آن معاً. تفشل شركات كثيرة في اتخاذ إجراءات حاسمة في كلا المجالين فتعرّض نفسها لخطر الهزيمة أمام الشركات المنافسة ذات الإمكانات الأعلى والقدرة الأكبر على التنسيق.

إليك مثالاً على شركة نجحت في ذلك. منذ نحو 30 عاماً، انضم الفرع الكندي من شركة الرعاية الصحية “باكستر” (Baxter) إلى مستشفى صغير من عملائه لاستكشاف طريقة التوصل إلى ابتكارات تعود بالفائدة على الطرفين. كان اختيار شركة “باكستر” للمستشفى حكيماً إذ إن حالته مثالية للابتكار؛ كان مؤسسة محلية وصغيرة نسبياً وحديثة التشييد تضم كادراً من الموظفين الجدد وتحتاج إلى تطوير إجراءات وعمليات جديدة، وكان الرئيس التنفيذي الشاب متلهفاً لإنشاء ابتكارات تسهم في تغيير القطاع.

عمل رئيس المستشفى التنفيذي مع شركة “باكستر” على إنشاء فريق مشترك لاستكشاف طرق جديدة للعمل معاً، وفي الوقت نفسه عملا على تطوير عدة ابتكارات مهمة في سلسلة التوريد ومنها أول نموذج ناجح للمخزون الذي يديره التاجر، الذي أصبح الآن دعامة رئيسة في المجال.

ولّدت هذه العملية عدة نتائج حاسمة:

أولاً، لأن المستشفى كان عميلاً صغيراً نسبياً فقد شكل طريقة منخفضة المخاطر لتعمل إدارة شركة “باكستر” العليا على وضع مفاهيم طرق العمل الجديدة. وبما أنه كان مؤسسة جديدة فقد أتاح للإدارة صقل العمليات الواقعية على نحو عملي مباشر.

ثانياً، أتاح هذا المشروع التجريبي الناجح للمدراء في جميع أقسام شركة “باكستر” الحضور لرؤيته والمشاركة في تطويره. كان بإمكان هؤلاء المدراء التحدث إلى طاقم التمريض والأطباء والإداريين لفهم طريقة سير العمل. وفي الوقت نفسه قدم كثير من هؤلاء المدراء الزوار للفريق المشترك اقتراحات حول طرق تحسين العملية، وأخذ الفريق بهذه الاقتراحات فاكتسب تأييداً واسع النطاق وحسّن العملية في آن معاً.

فلنقارن هذه الحالة مع حالة شركة “بيل” (Bell) الكبيرة التي كانت فروعها منتشرة في الولايات الأميركية الجنوبية في نفس الفترة. كانت هذه الشركة القوية الناجحة شركة إقليمية لتوليد الطاقة تتمتع بموارد وفيرة، وكان قادتها يعملون على صنع قرار بشأن تطوير خدمات الحزمة العريضة للعملاء، وفي حال الموافقة على ذلك كان عليهم تحديد طرق تنظيم هذه الخدمات ودعمها.

كان السبيل الواضح متمثلاً في إجراء دراسة بحثية تقليدية على السوق، والتي بينت نتائجها بصورة طبيعية أن العملاء كانوا مهتمين بالفكرة عموماً ولكن ليس بما يكفي لدفع تكاليف الخدمة بالكامل.

ولكن في الوقت نفسه، قدم المبتكرون في الشركة، الذين عمل جوناثان معهم، اقتراحاً بديلاً: تنفيذ مشروع تجريبي محدود عن طريق تمديد خدمات الحزمة العريضة في مدينة ذات مجتمع راقٍ صغير من أجل الوصل بين “المجتمعات التي ستستفيد من الخدمة” (مثل المدارس والفعاليات الرياضية والنوادي وغيرها) ضمن الشبكة. كانت الفرضية تقول إن هذه العملية ستمنح الزبائن فرصة لإنشاء مسارات تواصل جديدة وفهم القيمة المحتملة بالتجربة المباشرة.

كان ابتكار خدمة الزبائن الاستراتيجية هذا سيشكل باكورة لكثير من الخدمات القائمة على الإنترنت التي باتت اليوم من المسلّمات، وكان سيمنح هذه الشركة دفعة قوية لتسبق الشركات المنافسة بأشواط طويلة.

كانت تتمتع شركة “بيل” بموارد وفيرة، ولكن مبتكريها عجزوا عن حشد تأييد مدراء الأقسام الأخرى بسبب عدم قدرة أي من رؤساء الأقسام على رؤية الفائدة المباشرة التي ستجنيها أقسامهم، وفضلوا توجيه الموارد إلى مشاريع خدمة الزبائن التكتيكية الخاصة بكل قسم، التي كانت تعود بفائدة متواضعة ولكنها قابلة للقياس. في النهاية أنهى قسم التمويل المشروع مبيناً أنه ليس بقادر على توليد عائدات مقنعة مقارنة بعائدات البرامج التشغيلية الحالية التي تعود بإيرادات معينة، مثل استبدال المفاتيح القديمة.

تلاشت هذه الشركة العملاقة التي تحظى باحترام كبير في قطاعها واختفت في نهاية المطاف، إذ اندمجت في شركة إقليمية أخرى من شركات “بيل” ثم اندمجت المؤسسة الناتجة في مؤسسة ثالثة.

طور خدمة زبائن استراتيجية مبتكرة

نقترح فيما يلي خطة من 3 نقاط يمكن لفرق الإدارة الابتكارية استخدامها في إنشاء مشاريع تجريبية لخدمة الزبائن الاستراتيجية تتيح لهم التعلم عملياً والتغلب على مشكلة اللامبالاة المؤسسية.

انتق فرصتك بعناية. تكاليف المشروع التجريبي منخفضة نسبياً، ويمكن أن تكون نتائجه ذات أثر تحويلي، وجوانبها السلبية ضئيلة. ولكن مع ذلك من الضروري أن تتوخى الحذر في اختيار عملاء المشروع التجريبي. عملت شركة “باكستر” بحكمة على اختيار الحالة التي كانت شروطها مثالية لإجراء مشروع تجريبي استكشافي، وتفادت التعامل مع عملائها القدامى لأن ذلك كان سيشكل إشارة تحذيرية بالنسبة لفريق المبيعات.

أحدث تغييرات في أثناء العمل. في كثير من الأحيان تظهر أهم النتائج بعد تطور المشروع التجريبي مع مرور الوقت، ربما بعد عام تقريباً. وستكون مجموعة التغييرات الثانية والثالثة هي الأقوى لأنها تعكس تجربة الزبون وتقييماته في الوقت الحقيقي. تم تكرير تصميم مشروع شركة “باكستر” عدة مرات مع عمل الفريق عن قرب مع كادر موظفي المستشفى وأخذهم باحتياجاتهم ومخاوفهم التي تم اكتشافها حديثاً. يعود عدد قليل جداً من المشاريع الناجحة إلى تنفيذ خطط العمل الأصلية، فسرّ النجاح يكمن في التعلم من التجربة والتطور السريع، ويدرك مستثمرو أنجح المشاريع هذا الأمر تماماً.

أشرك مدراء الأقسام الأخرى في مرحلة مبكرة. ابتكارات خدمة الزبائن الاستراتيجية هي مسألة تخص الشركة بأكملها، لذلك احرص على أن تشرك مدراء الأقسام الأخرى منذ البداية واسمح لهم بأن يقدموا مساعدتهم لتشكيل المشروع واكتشاف الفوائد التي سيعود بها عليهم، وبذلك سيسهمون في نجاحه.

مثلاً، كان نائب رئيس سلسلة التوريد في شركة “باكستر” مهتماً بتجربة نظام اختيار آلي جديد للطلبات. كان قادراً على إدخاله في المشروع التجريبي ليظهر صلاحية النظام والأنظمة الاقتصادية الملائمة له. فضلاً عن ذلك، عندما لاحظ فريق المبيعات أن الإيرادات ازدادت بنسبة تزيد على 35% في هذا المستشفى الذي يعملون معه بصورة وثيقة أصبح يناصره بحماس.

ما إن يثبت الابتكار الناتج جدواه ويكتسب القبول الواسع النطاق، يمكن أن تلتزم الإدارة به وتغير تخطيط الأقسام التشغيلية وتوزيع الموارد ونظام التعويضات من أجل إفساح المجال لنمو الابتكار ونجاحه.

تتيح ابتكارات خدمة الزبائن الاستراتيجية لك إحداث أثر قوي في ربحية عميلك وفعالية إجراءاته في العمل وتموضعه الاستراتيجي؛ هذه هي استراتيجية خدمة الزبائن النهائية الناجحة. ينشئ المدراء الأكثر فعالية برنامجاً شاملاً لخدمة الزبائن يحفز الابتكارات القائمة على التميز الفعال في خدمة الزبائن التكتيكية اليومية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .