إليك هذا المقال الذي يتحدث عن التباعد الاجتماعي في مكان العمل تحديداً. لقد زعزع فيروس "كوفيد-19" (Covid-19) مكان العمل وأعاد تشكيله بسرعة بالغة. ففي غضون أسبوع طلبت المؤسسات في جميع القطاعات من ملايين الموظفين العمل عن بعد من منازلهم. ودون سابق إنذار، بل وفي العديد من الحالات دون تحضير من أي نوع، وجد المدراء أنفسهم مضطرين إلى قيادة فرق افتراضية، والعديد منهم كان عليه أن يفعل ذلك لأول مرة.
من الصعب أن تدير نفسك أثناء التزامك بالحجر الصحي عن طريق تطبيق التباعد الاجتماعي في مكان العمل دون التعامل مع الآخرين وجهاً لوجه ودون اتباع نظام يوم العمل العادي. والآن أضف إلى ذلك مهمة إدارة فريق في ظل تلك الظروف، خاصة عندما لم تكن قد فعلت هذا من قبل. إنه أمر شاق.
كما أن الظروف المسببة للضغط والشعور بالشك المتزايد والإحساس العام بالتشتت، تجعل الأمر أكثر صعوبة. ففي ظل الحجر الصحي، يتضاعف كل جانب من جوانب دور المدير ويصبح أكثر تعقيداً. لذا ستحتاج إلى إعادة ضبط التوقعات ذات الصلة بكيفية إنجاز العمل، وتكييف أسلوبك في الإدارة مع ظروف التباعد الاجتماعي في مكان العمل الجديدة.
لمساعدة المدراء الجدد في الاضطلاع بهذا الدور، أو حتى المدراء ذوي الخبرة الذين يحتاجون إلى توجيه إضافي في هذه الأوقات العصيبة، أقدم لكم فيما يلي أفضل توصياتي لدعم التعلم المستمر والحالة الصحية الجيدة للموظفين.
أعد ضبط توقعاتك. معظم الفرق مهيأة اجتماعياً ومعتادة على العمل المتزامن وفق معايير موحدة، حيث يعملون معاً في المكتب نفسه تحت ظروف العمل نفسها وفقاً لجدول العمل نفسه. ولكن في أجواء الحجر الصحي، يجب على المدراء مساعدة فرقهم على الانتقال بشكل فوري إلى العمل اللامتزامن وفق معايير مخصصة تناسب الظروف المختلفة للعاملين. لذا ستحتاج إلى إعادة ضبط التوقعات ذات الصلة بكيفية إنجاز العمل، وذلك بالتخلي عن تحديد مواعيد معينة وتحديد طريقة محددة لإتمام المهام والسماح لأعضاء الفريق بإتمام مهامهم وفقاً لشروطهم الخاصة. وهو ما يعني التركيز على النتائج وإتاحة قدر أكبر من المرونة.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل لكي لا تُضيع عاماً من عمرك بينما تنتظر انفراج أزمة كورونا؟
ابقَ على تواصل بصورة منتظمة. تبين البحوث في مجال تقييم العلاقات الاجتماعية أن فترات التواصل القصيرة أكثر فاعلية في رفع المعنويات وتعزيز الاندماج واستدامتهما. لذا استخدم الرسائل الفورية لتبقى على تواصل بصورة منتظمة. ولا تدع نصف يوم الموظف يمر دون تفقّده. ربما عليك أن تعقد اجتماعاً يومياً، ومن الأفضل أن يكون عبر الفيديو، مع تناوب مسؤولية إدارته. ضع توقعات بأن يكون الجميع حاضراً وليس مشتتاً. وقدّم نموذجاً يُحتذى به لما يعنيه أن تكون عضواً متعاوناً في فريق افتراضي.
ادعم التعلم المستمر ولكن اجعل الدروس مختصرة. لا يجب أن نوقف التعلم في ظل هذه الظروف الجديدة، ولكن قد يكون من العملي بقدر أكبر أن تستخدم التعلم المصغر. ركز على مشاركة دروس قصيرة حول موضوع واحد في مقطع مدته من 5 إلى 10 دقائق. يمكن أن تتناول تلك الدروس أداة أو سلوك أو مهارة محددة. اجعل أعضاء الفريق يتناوبون على تقديم هذه الدروس واسمح لهم بتحديد موضوعات التدريب. ويمكنك أيضاً أن تطلب من عضو آخر في الفريق أن يلخص الدرس ثم تقود مناقشة قصيرة حول تطبيق ما تعلمه كل عضو من الدرس ومدى أهميته والآثار المترتبة عليه.
خصص مدرباً لكل زميل لتعزيز الدعم المتبادل. تلبية احتياجات كل عضو في الفريق يستنفد طاقة معظم المدراء بشكل سريع. لذلك من أجل توزيع المسؤوليات، قسّم أعضاء الفريق إلى أزواج بحيث يعمل أحدهما بوصفه زميلاً ومدرباً للآخر. فهذه القيادة المشتركة تقدم دعماً متبادلاً وتقي من العزلة العاطفية. اطلب من كل مدرب أن يتفقد زميله يومياً وأن يُقيّم مدى الاندماج في العمل والرفاه الصحي بوجه عام. وإذا لم يكن الموظف أدى هذا الدور سابقاً، قد يكون من المفيد أن تقدم له بعض التوجيه في هذا الصدد.
استخدم نبرة الصوت بوصفها مؤشراً بديلاً للملاحظات التي كانت تُقدَّم وجهاً لوجه. من الصعب فهم الإشارات العاطفية لموظفيك عندما لا تكون معهم في الغرفة ذاتها. ولذلك بدلاً من الاعتماد على المعلومات غير اللفظية ولغة الجسد، يجب الآن أن تعتمد على إشارات بديلة مثل النص ونبرة الصوت والتواصل عبر الفيديو من حين لآخر. انتبه بشكل خاص للغة المستخدمة في المراسلات الكتابية، ومعدل الاتصالات الصوتية ونبرة الصوت المستخدمة أثنائها، وأي إيماءات جسدية أثناء التواصل بالفيديو. إذا كنت تعرف موظفيك جيداً، فإن أي تغيير في تلك الأنماط سيساعدك في مرحلة مبكرة على معرفة ما إذا كان هناك عضو في الفريق يحتاج إلى مزيد من الدعم.
كن متفائلاً وخفف من شعور فريقك بالخوف. التفاؤل معدِِ، والقادة الذين يُظهرون الأمل والثقة في المستقبل يتمكنون على نحو أفضل من مساعدة فرقهم على إيجاد معنى وهدف لعملهم، لاسيما في ظل الظروف المثيرة للتوتر. ولا تنس أن تستخدم الفكاهة للتخفيف من حدة الأوضاع. وتذكر أن الخوف يعرقل المبادرات ويقيد الإبداع ويؤدي إلى الإذعان بدلاً من الالتزام. وأخيراً، ضع في اعتبارك أن القيود غالباً ما تكون بمثابة عامل التمكين الذي يشعل شرارة الابتكار. لذا ادعُ فريقك لاستغلال تلك الظروف باعتبارها حافزاً للخروج بأفكار جديدة.
تواصل مع فريقك حتى إن لم يكن هناك مستجدات. الغموض يغذي الشعور بالقلق. وكلما زدت من تواصلك مع فريقك ومشاركة المعلومات معه، قلَّت احتمالات حدوث فراغ معلوماتي ضمن فريقك. لذا احرص على التواصل بصورة منتظمة حتى إن لم يكن لديك أي معلومات جديدة لمشاركتها مع الفريق. فالحفاظ على الشفافية أثناء الأزمات من خلال مشاركة آخر المستجدات بشكل متكرر هو التعبير الأمثل عن حسن النية والتعاطف والاهتمام الصادق بفريقك.
قِس مستويات التوتر والاندماج في العمل باستمرار. وضِّح لفريقك أن همك الأكبر هو الحفاظ على صحتهم. وخصص وقتاً لمراقبة مستوى اندماجهم في العمل من خلال طرح سؤالين سريعين بصورة دورية على كل عضو في فريقك. الأول: على مقياس من 0 إلى 10، قيّم مستوى التوتر الذي تشعر به حالياً. والثاني: باستخدام المقياس نفسه، قيّم مستوى الاندماج في العمل بشكل عام. قد يكون حدسك أو انطباعك عن الشخص خاطئاً، لذا من المفيد الحصول على ردود كمية وليست انطباعية.
البشر مخلوقات اجتماعية للغاية يتوقون إلى الشعور بالانتماء. والأمان النفسي، حيث يشعر أعضاء فريقك بالشمول والأمان لأن يتعلموا ويقدموا مساهمات ويواجهوا الوضع الراهن دون خوف من التعرض للإحراج أو التهميش أو العقاب بطريقة ما، هو أمر بالغ الأهمية حتى في ظل ظروف الحجر الصحي. فعندما تُهيئ هذه الظروف لفريقك وتحافظ عليها، فأنت بذلك تسمح لفريقك بأن يستمر في الأداء والمساهمة بشكل جيد، بل يشعرهم بإنسانيتهم أيضاً، وهو الأمر الأكثر أهمية في مثل هذه الأوقات العصيبة.