ينصّ القانون اللبناني رقم 161 الصادر بتاريخ 17 أغسطس/آب 2011 المتعلق بالأسواق المالية، على التالي: "(...) على الحكومة اللبنانية اعتماد ما يلي: تحويل "بورصة بيروت"، خلال مهلة سنة من تاريخ مباشرة مجلس "هيئة الأسواق" مهامه، إلى شركة مغْفلة لبنانية تؤسس في بيروت وتحمل تسمية "بورصة بيروت ش.م.ل".
في الواقع هذا الأمر لم يحدث بعد، لكنه قد يحدث يوماً ما قريباً. غير أن "بورصة بيروت" و"هيئة الأسواق المالية في لبنان" تواجهان العديد من التحديات لكي يصبح التشغيل جاذباً لكبرى الشركات العالمية التي تُعنى بتشغيل الأسواق المالية.
نحن اليوم في مرحلة تجري فيها عملية إصدار القوانين، لكن تحويل العمليات من "بورصة بيروت" إلى الشركة المغفلة لم يتم بعد. ولتحقيق ذلك، ستتم دعوة الشركات العالمية التي تُعنى بتشغيل الأسواق المالية للتنافس على العطاء. وكلما ازدادت جاذبية إطار عمل "بورصة بيروت"، أعربت المزيد من الشركات عن اهتمامها، لا سيما الشركات المشغلة لبورصات "نيويورك" و"اليابان" و"يورونكست" و"ألمانيا" وغيرها.
الموضوع واسع بحد ذاته. إن النقاط التالية تتطرق الى بعض التحديات التي تؤثر على النظرة إلى أسواق بيروت المالية، والتي هي أكثر ما يهم في هذه المرحلة.
التحديات التي تؤثر على النظرة لأسواق بيروت المالية
في الحوكمة
الهيئة الحاكمة لـ "بورصة بيروت" هي "هيئة الأسواق المالية في لبنان"، وهي كيان قانوني منوط باستقلالية إدارية ومالية، يرأس مجلس إدارتها حاكم "المصرف المركزي اللبناني" بموجب القانون. وبهذه الطريقة، تتبع "بورصة بيروت" بشكل غير مباشر السياسة التي يضعها "المصرف المركزي". إذا كان "المصرف المركزي" محافظاً بالسياسة النقدية، فمن المرجح أن يعتمد الاتجاه نفسه في سياسة الأسواق المالية، والعكس صحيح. غير أن ثمة فكراً مقابلاً يقول إن سياسة محافظة لبورصة ذات نشاط خفيف مثل "بورصة بيروت" لن تكون جاذبة للطامحين الى الطرح العام الأولي.
معادلة المخاطر والعائدات
بالحديث عن السياسة المحافظة، دعونا نعرض القضية التالية: يتطلب إدراج الأوراق المالية المدعومة بأصول (Asset-Backed Securities)، موافقة "هيئة الأسواق المالية في لبنان"، في حين لا يتطلب ذلك موافقة "هيئة الأوراق المالية والتداولات" في الولايات المتحدة، على الرغم من أن حقيقة أزمة الولايات المتحدة لأعوام 2007-2009 تعود جزئياً إلى هذا النوع من الأدوات العالية المخاطر.
ولوضع الأمور في سياقها، ينبغي أن نوضح أن ما جعل الأسواق الأميركية جاذبة هو حقيقة أنها أسواق حرة. وعندما وقعت الأزمة، كان على "هيئة الأوراق المالية والتداولات" أن تنظّم، حيث صدر قانون دود- فرانك: فرض المزيد من الشفافية والإفصاح لتسهيل الحصول على المعلومات. وبالتالي التحليل من قبل المستثمرين؛ فرض تسجيلاً معجّلاً على الاكتتابات العامة للأوراق المالية المدعومة بأصول (العروض الجاهزة، واستثنى من التسجيل الأوراق المالية المدعومة بالأصول التي تباع عبر توظيفات خاصة. حتى العروض الجاهزة لم يصبح تسجيلها استنسابي. هكذا تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على جاذبية أسواقها المالية.
ماذا قد يتغيّر إذا اختارت فقط "هيئة الأسواق المالية في لبنان" التداول بالأدوات المتدنية المخاطر؟
ثم تأتي الصورة
يجري اليوم حوالي 80% من العمليات على البنوك المحلية، بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه أن "هيئة الأسواق المالية" تخضع لسلطة "المصرف المركزي". إن السير في هذا الاتجاه سيحول "بورصة بيروت" إلى منصة تُعنى بقطاع واحد، وقد يكون ذلك غير جاذب للقطاع غير المصرفي الذي هو بحاجة إلى جمع الأموال لعملياته. هذه الفكرة تذكر نقطة الحوكمة.
وأيضاً الربحية
تعمل الشركات المشغلة للأسواق المالية بوصفها مؤسسات تجارية تبغي الربح، تماماً كما سوف تعمل الشركة المغْفلة التي سيتم إنشاؤها لإدارة "بورصة بيروت". بمعنى آخر، يجب أن تكون مربحة ومصدر دخلها يتكون أساساً من رسوم الشركات المدرجة لديها: الشركات الجديدة التي يتم إدراجها تدفع الرسوم، والعمليات التي يتم إجراؤها تُفرض أيضاً عليها الرسوم، سواءً كانت على الأسهم أو السندات أو عقود الخيارات أو غيرها.
نتيجة لذلك، لكي تتمكن أي شركة مشغِلة للأسواق المالية بإدارة "بورصة بيروت"، يجب عليها أن تستشعر رغبة الشركات بالإدراج، فضلاً عن وجود نشاط مرتفع في السوق.
ومع هذه السياسة المحافظة، لن يتم إدراج العديد من الشركات، وبالتالي سيتم إجراء عدد أقل من العمليات، وكذلك فرض رسوم أقل وبالتالي أرباح أقل للشركة المشغِلة.
المُصدّرون
اليوم، تُدرج "بورصة بيروت" الشركات المحلية فقط، لكن القانون رقم 161 ينص على أن إحدى مهام "هيئة الأسواق المالية" هي "تنظيم الأسواق المالية وتطويرها في لبنان والسعي إلى زيادة استخدام هذه الأسواق من قبل المستثمرين والمصدرين، في لبنان والخارج". هذه بداية. هناك حاجة إلى مزيد من التحسينات، مثل تهيئة ظروف خاصة للشركات الناشئة والشركات العائلية، من أجل تشجيعها على الإدراج.
يجري دعم تمويل الشركات الناشئة، وخاصة شركات التكنولوجيا، من قبل "المصرف المركزي" عبر السياسات المتبعة والتنظيمات الصادرة، وبالتالي فإن بيئة الشركات الناشئة آخذة في التطور. إن إنشاء شروط خاصة لملاءمة متطلبات الشركات الناشئة ستشجعها على الإدراج والظهور وجمع الأموال لتوسيع نطاق عملياتها.
فيما يخص الشركات العائلية، فلديها ثقل وازن على الاقتصاد المحلي، ولكنها غير مستفيدة من الاستثمار الخارجي في رؤوس أموالها لغياب الحوافز وركود السوق وحاجز السيطرة النفسي الموجود لدى المساهمين، الأمر الذي يرتد سلباً على الأسواق ويُدخِلها في حلقة مفرغة. قد تكون الشروط الخاصة لإدراج الشركات العائلية حافزاً لجمع الأموال ودخول الأسواق وكسر الحاجز النفسي وبالتالي تحسين الاقتصاد.
المنافسون الإقليميون
نقلاً عن تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" حول "دور الأسواق المالية الشرق أوسطية في حوكمة الشركات"، فإنه وفقاً لـ "إرنست آند يونغ"، جُمعت 844 مليون دولار فقط في الأسواق المالية الإقليمية في عام 2011، أي أقل من ثلث الـ 2.8 مليار دولار التي جُمعت في عام 2010".
يمكن أن يُعزى هذا الضعف أساساً إلى الأزمة المالية، لكنه استمر بسبب الجمود السياسي والنزاعات المسلحة والتباطؤ الاقتصادي الذي تشهده المنطقة.
في هذا كله، تُعتبر "بورصة بيروت" صغيرة نسبياً مع القليل لتخسره والكثير لتكسبه. يمكن أن يُسهم الاستقرار والانتعاش والتحسن السريع في التشريعات الضامنة للأسواق الحرة، مع فرض متطلبات الشفافية المتقدمة، في تحسين وضعية "بورصة بيروت" في الأسواق المالية الشرق أوسطية.
تزعم المجموعة المشغِلة لـ "" على موقعها، أن "لندن هي بلا منازع منصَة الإدراج المفضّلة للشركات الآتية من الشرق الأوسط وإفريقيا".
والسؤال الآن: ماذا لو شغّلت المجموعة المشغلة لـ "سوق لندن للأوراق المالية" "بورصة بيروت"، وجعلتها بلا منازع منصَة الإدراج الإقليمي المفضّلة للشركات الآتية من الشرق الأوسط وإفريقيا؟