ملخص: ثمة عدة أسباب تجعل صناعة القرار في مؤسستك عملية مشحونة بالتوتر، وهي المخاطر العالية المرتبطة بالقرارات، والنفوذ الكبير للمعنيين في اتخاذها، وحالات عدم اليقين المتزايدة. قد يُسهم الدعم الذي يقدمه مجلس الإدارة في حشد جهود المؤسسة لتحقيق أهدافها الطموحة بالفعل، لكن من جهة أخرى، قد يعوق التباين الكبير في الرؤى والقيم بين أعضائه تقدّم المؤسسة في تحقيق أهم أولوياتها، وقد يتسبب في إقالة الرئيس التنفيذي حتى. وبالتالي، يجب على المسؤولين التنفيذيين أن يتخذوا إجراءات استباقية وبنّاءة لجعل الخلافات الخفية علنية، وتعزيز حوار صحي مع أعضاء مجلس الإدارة. أولاً، يجب عليهم تنظيم مسار المناقشات في غرف الاجتماع من خلال طرح مواضيع صعبة وتحفيز المحادثات البنّاءة. ثانياً، يجب عليهم مشاركة معلومات حول الوضع العام لأي قضية بصورة استباقية ومنتظمة. ثالثاً، يجب عليهم تحديد العلامات المبكرة للنزاع بين أعضاء المؤسسة ومعالجتها. رابعاً، يجب عليهم تبنّي منظور طويل المدى، حتى خلال أزمة قصيرة المدى. وأخيراً، يجب عليهم تجنب التحيّز في صناعة القرارات، وتشجيع أعضاء المؤسسة جميعهم على مراعاة الجوانب الإيجابية والسلبية للخيارات جميعها.
قلّت رغبة الموظفين في المشاركة في النزاعات التي زادت وتيرتها في عالم الأعمال اليوم، لكن ثمة ظروف يكون النزاع جزءاً لا يتجزأ منها، بغض النظر عن مدى كرهنا للنزاع. وفي الواقع، يواجه كل من الرؤساء التنفيذيون وفرقهم التنفيذية مواقف مشحونة بالتوتر يومياً، إذ تفاقمت الضغوط الداخلية الروتينية التي تواجه المؤسسات بسبب التحديات الأخيرة مثل ندرة الاقتصاد الكلي، والنزاع العالمي، والزعزعة التكنولوجية، إضافة إلى تحديات أخرى.
لكن يجب ألا يواجه المسؤولون التنفيذيون هذه التحديات بمفردهم. إنهم يحظون بدعم أعضاء مجالس الإدارة بالفعل، لكن وجود المخاطر العالية المرتبطة باتخاذ القرارات، وثقة ذوي النفوذ الكبير للمعنيين في اتخاذها بخياراتهم وشخصياتهم القوية، وكثرة حالات عدم اليقين تزيد من النزاعات بين الأفراد في هذا المستوى من القيادة. بمعنى آخر، قد يُسهم الدعم الذي يقدمه مجلس الإدارة في حشد جهود المؤسسة لتحقيق أهدافها الطموحة بالفعل، لكن من جهة أخرى، قد يعوق التباين الكبير في الرؤى والقيم بين أعضائه تقدم المؤسسة في تحقيق أهم أولوياتها، وقد يتسبب في إقالة الرئيس التنفيذي حتى.
ومن المهم بالتالي أن نتعلم كيفية التعامل مع النزاعات في مجالس الإدارة لأنها تؤثر في الاتجاه والاستراتيجية ومعنويات الموظفين في المؤسسة كلها. ويجب على القادة أن يتخذوا إجراءات استباقية وبنّاءة لجعل الخلافات الخفية علنية، وتعزيز حوار صحي مع أعضاء مجلس الإدارة، لكيلا يصبحوا ضحية لقرارات تُتخذ دون مشاركتهم أو علمهم.
وإليك 5 استراتيجيات لتتعامل مع النزاعات التي قد تحدث في مجلس إدارتك.
تنظيم مسار المناقشات
يتأثر سلوك المؤسسات وأسلوب تعاملها مع النزاعات بسلوك الرئيس التنفيذي. هل أنت معتاد على طرح مواضيع صعبة؟ هل تتقبّل وجهات النظر المختلفة؟ هل سيشعر أعضاء مجلس إدارتك بالحرية في تحدّي آرائك وتقديم الدعم لك في الوقت نفسه؟ هل سيطرحون أسئلة مثيرة للجدل تجنبتها سابقاً؟ هل يمكنك إجراء محادثات بنّاءة لاحقاً؟
عندما حصل أحد عملائي الذي يشغل منصب مسؤول تنفيذي، واسمه أحمد، على ترقية إلى منصب الرئيس التنفيذي لشركة خدمات سريعة النمو تتجاوز قيمتها المليار دولار، قرر بداية تحديد أسلوب تفاعله مع مجلس الإدارة. لم يُعد قائمة رسمية من القواعد التي يومئ الموظفون برؤوسهم عند سماعها وينسونها عندما تظهر الخلافات الحقيقية، بل قدّم مثالاً عملياً عن السلوك الذي يريد من الآخرين اتباعه. وذكر في أول اجتماع له مع مجلس الإدارة المخاوف جميعها التي سمعها في المناقشات الفردية مع مسؤوله التنفيذي وبعض أعضاء مجلس الإدارة. على سبيل المثال، كان أعضاء مجلس الإدارة غير متأكدين من قدرة الشركة على مواصلة نموها الحثيث، وأبدى بعضهم قلقهم بشأن صغر سنّ أحمد. وكان 3 من المسؤولين التنفيذيين المتمرسين الذين أصبحوا تحت إدارته الآن يتطلعون إلى تولّي منصب الرئيس التنفيذي قبل ترقيته، وإذا قرروا ترك العمل في الشركة، فقد يجذبون معهم مساعديهم ذوي القيمة العالية للانضمام إليهم.
بعد أن ذكر أحمد هذه القضايا وغيرها، دعا أعضاء مجلس الإدارة لطرح مخاوف إضافية، وأضافوا مواضيع أخرى بالفعل، وتعاونوا معاً لترتيب كيفية التعامل معها بحسب الأولوية.
أسهم تحديد القضايا الإشكالية بصورة استباقية في منع تفاقم النزاع المحتمل بدلاً من تأجيجه. وعزز أحمد تلك المناقشات الصعبة أكثر بسؤاله: "ما الجوانب التي نتفق عليها؟"، و"ما الجوانب التي نختلف فيها؟"، و"إذا نجحنا في التعامل مع هذه القضية، فما هي الجهات التي قد تتأثر سلباً نتيجة لقرارنا؟ "ما النقاط الأخيرة التي لم نتحدث عنها بعد؟".
يتيح لك تنظيم مسار المناقشات الصعبة مع مجلس الإدارة التصدي لأي نزاع محتمل قبل أن يصبح هدّاماً، ويزيد من ثقة أعضاء مجلس الإدارة في قدرتك على فهم الوضع بدقة، ويتيح لهم تقديم ملاحظات مفيدة لك مسبّقاً.
شرح الوضع مسبّقاً
من المهم في أي نزاع إبلاغ الأطراف جميعها بالقضية ووضعها الراهن مبكراً وبصورة متكررة. وينطبق ذلك على مجلس الإدارة خصوصاً لأن المخاطر مرتفعة، وقد يزداد قلق أعضائه أو يتخذون إجراءات دون علمك إذا تفاقمت الأوضاع.
هل ثمة احتمال أن تتفاقم المشكلة ويتزايد النزاع حولها في المستقبل؟ إذا كان احتمال تفاقمها قائماً بالفعل، فشارك ذلك الاحتمال مع أعضاء مجلس الإدارة لكيلا يُفاجؤوا لاحقاً أو يُعلمهم بها شخص آخر. ضع قائمة بالأسئلة التي قد يطرحها المعارضون لك لتتوقع نوع المشكلات التي قد تثار. إذا حدثت معك مشكلة حرجة وتؤثر على العمل، فاطرحها على الفور. عندما أعمل مع المسؤولين التنفيذيين، أنصحهم بطرح أي اعتراضات قد تثيرها أفكارهم في بداية عروضهم التقديمية ليتسنى للآخرين المشاركة في النقاش عندما يعلمون أن مخاوفهم مهمة ويُنظر فيها بجدية.
تقسيم المشكلة
من النادر أن يكون النزاع بين أعضاء مجلس الإدارة مجرد اختلاف بين رأيين أو أن يحدث إجماع كامل بين أعضائه، إلا في حال حدوث انتهاك واضح للآداب المهنية. وإذا لاحظت تزايد الشكوك أو الاعتراضات حول قرار ما اتخذته مؤخراً، أو غياب الثقة في أحد أعضاء الفريق الذي تدعمه، أو ظهور مخاوف بشأن تراجع معنويات الموظفين في الاستقصاء الأخير مثلاً، فحدد مصادر عدم الرضا. واعرف هوية الأشخاص الذين تتملّكهم تلك المخاوف، وهوية الأشخاص المحايدين، وهوية أولئك الذين يعارضون وجهة نظرك وأولئك الذين يوافقونك الرأي. وتواصل مع أعضاء مجلس الإدارة على انفراد للبحث عن حلفاء بشأن القضايا الحساسة أولاً بدلاً من مواجهتهم ككل؛ ثم تواصل مع المعارضين لآرائك، حتى لو كنت ترغب في تجنبهم.
فهمت الرئيسة التنفيذية لإحدى سلاسل البيع بالتجزئة، أمل، وجود مشكلة حول استراتيجية المنتج من خلال طرحها أسئلة مبطّنة في أثناء اجتماع مجلس الإدارة. وشعرت بوجود توتر في الأجواء بالفعل، لكنها قررت عدم التعامل معه علناً خلال الاجتماع، بل فضّلت التحدث إلى 5 أعضاء من مجلس الإدارة على انفراد. وعلمت من تلك المحادثات الخاصة أن بعض الأعضاء كانوا يشعرون بالقلق بشأن تهديد تنافسي ولم يعبّروا عن مخاوفهم بصراحة، وكانت توقعاتهم متشائمة. فتواصلت أمل معهم مباشرة لتحديد مصادر قلقهم، وحصلت على بيانات جديدة منهم وشاركت المعلومات التي كانت تمتلكها والتي كان أعضاء مجلس الإدارة على غير علم بها. ونجحت في تهدئة المخاوف الإضافية التي أثارت قلق أعضاء المجلس بسبب عدم وعيهم بالتدابير التي تتخذها الشركة بالفعل لمواجهة المشكلة. وشكرت أمل العضوين اللذين أعربا عن قلقهما في اجتماع المجلس التالي، وشاركت الحقائق التي تتعلق بمخاوفهما لمعالجتها وسألتهما: هل توجد معلومات أخرى أجهلها وترغبان في مشاركتها؟ ما وجهة نظر المعارضين؟ وما الدروس التي نستفيدها من ذلك؟".
يمكنك من خلال تحديد وجهات النظر الفردية والتفاعل معها فهم كل وجهة نظر لتفادي تصعيد المشكلة دون داعٍ، فعندما تواجه الأشخاص الذين يختلفون معك في الرأي مباشرة وبفضول، فأنت تُبدي بذلك شجاعتك وثقتك.
التركيز على المنظور الطويل المدى
يجب أن يضع المسؤولون التنفيذيون في اعتبارهم التفكير في المنظور الطويل المدى والشامل. فإذا كان مجلس الإدارة يتفاعل مع أزمة قصيرة المدى (مثل المشهد الاقتصادي)، فاحرص على مراعاة الرؤية الطويلة المدى أيضاً، لأن تغيير طريقة التفكير في التحديات أو توسيع نطاقه ليشمل المشهد التنافسي الأوسع أو منظور العملاء قد يغيّر الحلول التي ننفذها. وقد نتفاعل مع تحدٍ قصير المدى باتخاذ إجراء مهم يؤدي إلى عواقب طويلة المدى. ثمة العديد من الفوائد الواضحة لاتخاذ إجراءات فورية وصارمة خلال أزمة ما بالفعل، لكن هل سيؤدي الالتزام بذلك القرار إلى تكاليف غير متوقعة بعد مرور عام؟
عندما يُجري أعضاء مجلس الإدارة مناقشات قصيرة المدى أو يواجهون أزمات فورية تستدعي منهم اتخاذ إجراءات سريعة، فاطرح عليهم أسئلة شاملة لإعادة توجيه تركيزهم على المنظور الطويل المدى. على سبيل المثال، علامَ سنندم بعد عام من الآن؟ كيف يمكننا تحقيق توازن بين الأمور المالية واستراتيجية المنتج لتجاوز تحديات المدى المنظور والازدهار في المدى الطويل؟ إذا كنتم قلقين بشأن الأثر على الميزانية، فهل فكّرتم في الأثر على العلاقات العامة أو العملاء؟
التفكير في عدة خيارات
يدور العديد من النزاعات حول الاختيار بين "أ" و"ب"، إذ يدافع كل فريق عن رأيه بحزم ويؤكد فوائده، ما يجعل الطرف الآخر أكثر تمسكاً في معتقداته الخاصة والمعارضة.
ومع ذلك، يتطلب العديد من الحالات الصعبة التفكير في احتمالات متعددة بدلاً من تفضيل خيار واحد دون الآخر. يدعو المؤلف باري جونسون هذين الخيارين بالضدّين المترابطين اللذين يعتمد أحدهما على الآخر لتشكيل نظام صحي وفعّال. هل نعطي الأولوية للأعمال على المدى القصير أو للأعمال على المدى الطويل؟ هل علينا التركيز على الجودة أم التكلفة؟ العمليات أم الابتكار؟ والجواب هو نعم! إلا أننا على الرغم من ذلك نستهلك وقتنا وجهدنا في الجدل والتردد بين الخيارين "أ" و"ب" إلى حين يصبح كل منهما غير قابل للتطبيق.
في المرة المقبلة التي تنخرط في نزاع بين خيارين، وهي ثنائية زائفة، اسأل نفسك: "أعلم أن وجهة نظري ضرورية، لكن إذا اخترنا التركيز عليها، فما الجوانب السلبية لهذا الخيار؟" اطلب من كل طرف تبنّي وجهة نظر الطرف الآخر مؤقتاً، بحيث ينظر الطرف "أ" في فوائد الخيار "ب" ومزالقه، والعكس صحيح. وسرعان ما سيتبيّن لك أن لكلا الخيارين جوانب سلبية وجوانب إيجابية، وقد يكون كلاهما ضروري. وينصح جونسون بأن تطلب من الطرفين الاتفاق على كيفية تحقيق أقصى قدر من المزايا وتقليل العيوب في كل من الخيارين بدلاً من الجدال والتركيز على خيار واحد على حساب الآخر.
عند اجتماع الأزمات والنفوذ في المواضيع التي تُناقش عادة بين أعضاء مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، فمن المهم أن تحدد مصادر الضغوط الموجودة، والنبرة الصحيحة للنقاش، ثم تتواصل مع الأشخاص الذين يؤيدون أفكارك ومع المعارضين لها.