يجب على قادة اليوم أن يكونوا في الخطوط الأمامية للعمل وألا يكتفوا بتفويض المهام للموظفين وتركهم فحسب من أجل وضع استراتيجية إدارة المهارات بطريقة صحيحة. يمكن للمهارات أن تدخل مؤسسة وتخرج منها عبر مجموعة متزايدة من الخيارات، كمنصات العمل الحر، وعمليات التعهيد الجماعي، والعمل وفق عقود مؤقتة أو العمل بدوام جزئي. وأظهر مؤشر العمالة غير الثابتة الصادر عن مؤسسة "مان باور غروب" في العام 2013، أن 40% من الأعمال الاستشارية لدى المجموعة قد مزجت بين العمالة الثابتة والمؤقتة.
مع أن بيئة المهارات تشهد تطورات كفيلة بتقديم المزيد من الخيارات، إلا أن أنظمة إدارة المهارة لم تواكب هذه التطورات. فالأنظمة التقليدية منقسمة بين تخصصات متعددة، كالموارد البشرية (التي تركز على العمالة الداخلية المثبتة) وآليات التزويد (والتي تركز على العمالة الخارجية المؤقتة)، وتعمل كل واحدة منها وفق أهداف متباينة وغير متوازية. وهذا يجعل معظم المؤسسات تفتقر إلى منظور موحد وواضح بخصوص الموظفين الذين يعملون لديها على اختلاف أصنافهم، وعدم وجود استراتيجية متكاملة للاستفادة من الموظفين مع مراعاة الوقت والتكلفة والترتيبات التعاقدية. وقد وجدت مؤسسة "مان باور غروب" أن 80% من الشركات لا تمتلك صورة واضحة يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بمجموع العاملين معها.
اقرأ أيضاً: الخيار الأمثل: استخدم نظرية اللعبة لصياغة الاستراتيجية
ولهذا الوضع مخاطر متزايدة، وذلك لأن العمال المؤقتين وغيرهم من الذين يعملون بدوام جزئي يحوزون مقداراً أكبر من المهارات الاستراتيجية الأساسية التي لديك، ويتعاملون مع أمور حساسة ذات علاقة بالملكية الفكرية. ولا شك أن متطلبات العمل التي تتغير بشكل متسارع قد تعيق جهود إعادة تدريب العمالة الموجودة، وذلك كي تتمكن المؤسسات من امتلاك القدرات المهمة والتي تشهد تطورات سريعة من خلال الاعتماد على ترتيبات استخدام بديلة، عادة ما تتمثل في المزج بين عدة أشكال من التوظيف. وعادة ما يعمل موظفو العقود المؤقتة إلى جانب الموظفين الدائمين، إلا أنهم غالباً ما يؤكدون حقيقة أنهم يعملون وفق ترتيبات مختلفة، وكأنهم يقولون بأعلى صوتهم: "نحن نُقيم بشكل مختلف". ويكون موظفو العقود المؤقتة أكثر انخراطاً في العمل حين يشعرون بالرابط الاجتماعي في بيئة العمل ويمتلكون حس الاستمرارية فيها، أما أنظمة العمل ضعيفة التنسيق، فقد تتسبب في شعورهم بالاغتراب عن بيئة عملهم.
فلم تعاني أنظمة العمل التقليدية من ضعف التنسيق؟ إن قسم الموارد البشرية عادة هو الذي يتحكم بنظام التوظيف سواء للموظفين بدوام كامل أو جزئي. فهدف هذه الدائرة هو جذب الموظفين ودمجهم في بيئة العمل وتطويرهم والحفاظ عليهم- أي جلب المهارات إلى المؤسسة والاستفادة منها وتنظيم دورانها. فأنظمة الموارد البشرية تركز على العلاقات طويلة المدى وتحقيق الأداء المتميز، وتستثمر الكثير في اختيار الموظفين وتطويرهم، ويعود هذا الاستثمار بالنفع على المؤسسة خلال مسيرة عمل الموظف الطويلة معها. أما قسم التزويد، فهو الذي يتحكم عادة بنظام "تخطيط الموارد" في المؤسسة فيما يرتبط بموظفي العقود. والهدف في هذا القسم هو تحقيق متطلبات العمل ضمن الوقت المحدد بأدنى قدر من التكلفة والمخاطرة، وذلك بالاعتماد على مزودين للخدمة يجري الاختيار منهم. وهذا ما يجعل مديري التشغيل، بوصفهم "المستفيدين" الأخيرين من المهارة التي يجري توظيفها، يختارون بين طريقتين من الطرق الموجودة لتوفيرها (أو قنوات استقدام العمالة): فإما أن يجري الاعتماد على قسم الموارد البشرية لجلب الموظفين، أو الاعتماد على قسم التزويد لجلب موظفين بعقود مؤقتة. وهذا الانفصال بين قسمي الموارد البشرية والتزويد هو ما يعني أن أي خيار من بين الأمرين غير ناجع في ذاته، وهذا ما يدفع المدراء التشغيليين إلى تجاوز كلا القسمين. فقد يقوم المدير التشغيلي بفتح قناة أخرى خاصة بهم لاستقدام المهارات وذلك مثلاً عبر توظيف المتعاقدين، وإعداد بيانات خاصة لوصف العمل للتعاون مع أشخاص أصحاب أداء أو سمعة معروفة في مجالهم. وهنالك قنوات استخدام أخرى قد تشتمل على التعاون مع وكالات موظفي العقود المؤقتة، ومنصات العمل الحر وغيرها من الوسائل. أما النتيجة فقد تكون نظاماً يتسم بالعشوائية ومصادر اعتباطية لاستقدام المهارات وترتيبات للعمل تكون غير واضحة لمعظم قادة الأعمال.
ويمكن للمؤسسات أن تكتشف القيمة غير المستغلة وتحد من المخاطر التي تواجهها حين تقوم أقسام الموارد البشرية وأقسام التزويد فيها بمشاركة المعرفة فيما بينها والعمل سوية لخلق استراتيجية متكاملة للاستفادة من المهارات. ولننظر إلى هذا المثال في شركة مستحضرات دوائية حيوية تشهد نمواً سريعاً في أعمالها.
لقد نجحت هذه الشركة التي ارتبط صعودها بتقديم أدوية ناجحة ومرتفعة الثمن بالوصول إلى هدفها المبدئي في تحقيق طفرة في النمو عبر توظيف المهارات، وليس عن طريق تحقيق مستوى مثالي من الكفاءة بين مجموع الطاقم العامل فيها. وفي العام 2014 وضعت الشركة هدفاً استراتيجياً لمضاعفة إيراداتها بحلول العام 2020، وقد تطلب هذا وجود تركيز منضبط على مسارات استراتيجية ومحددة للنمو. ولكن زيادة التركيز الاستراتيجي تتطلب منهجية جديدة للتعامل مع القوى العاملة. فلم يعد يمكن الاكتفاء بتعيين المزيد من الموظفين لتحقيق كل متطلب جديد، وإنما برزت الحاجة إلى منهجية أكثر شمولية وتكاملاً بحيث يتم تحسين سرعة العمل لدى الموظفين، وتعزيز جودة أدائهم ومرونتهم بالإضافة إلى الحد من التكلفة وتحقيق التوازن بين القيمة والمخاطرة فيما يتعلق بمجمل الاستثمار الحاصل في المهارات.
استراتيجية إدارة المهارات
فيما يلي 5 دروس استفادتها هذه الشركة من الاعتماد على منهجية جديدة ومتكاملة للتعامل مع المهارات:
الحرص على فهم واقع القوى العاملة لديك
لقد احتاجت هذه الشركة امتلاك صورة واضحة بخصوص الطاقم العامل لديها بأكمله من موظفين دائمين وغير دائمين. وبدعم من شركة "تابفين" للحلول المتكاملة لإدارة القوة العاملة، وهي إحدى الشركات التابعة لمؤسسة "مان باور غروب"، فقد جمعت الشركة بيانات من أنظمة الموارد البشرية والتمويل، مثل نظم معلومات الموارد البشرية (HRIS)، ونظم إدارة الموارد (VMS)، ونظم تعقّب طلبات التوظيف (ATS)، بالإضافة إلى النظم المالية المختلفة مثل (GL/Finance) و(A/P). وقد ساعد تحليل هذه البيانات بتوضيح المصادر المتوفرة في المؤسسة بأكملها. فقد كانت المؤسسة بداية تعتقد أن 90% من القوى العاملة لديها تتألف من موظفين دائمين و10% من المتعاقدين الخارجيين، ولكن البيانات كشفت أن هذه النسب هي 73% و27% لكلا الفئتين. وعند انتهاء التحليل وضعت المؤسسة نظام تخطيط القوى العاملة لديها والذي ساعد على توفير لوحات التحكم والبيانات المتكاملة التي كانت من قبل مخزنة في أنظمة متعددة. وقد نجحت الشركة في ضبط مزيج القوى العاملة بما يتناسب مع استراتيجيتها، وذلك عبر تحسين قنوات استقدام المهارات، ونطاق سلطة المدراء (عدد العاملين تحت إدارتهم)، وتنقل الموظفين.
اقرأ أيضاً: الاستراتيجية العظيمة تبدأ برئيس تنفيذي موجود في الخطوط الأمامية
تدريب القادة حول كيفية الاستفادة بشكل أفضل من القوى العاملة المختلطة وأهمية القيام بذلك
كشفت البيانات أن تخطيط القوى العاملة الذي يركّز حصرياً على الموظفين الاعتياديين الذين يعملون بدوام كامل لا يكفي لتحقيق الاستفادة القصوى من 27% من غير الموظفين. وقد مثل هذا تهديداً حقيقياً على النمو الاستراتيجي، وذلك بسبب وجود استراتيجية غير مستدامة ترتبط بتكاليف غير مقبولة، بالإضافة إلى ما يرتبط بذلك من دوران العمال والتشويش الحاصل في القوى العاملة. إلا أن مسؤولي الموارد البشرية ومدراء التشغيل لم يكونوا يدركون حقيقة ما كشفت عنه البيانات. لقد اجتمعت الإدارة العليا والفريق التنفيذي في الموارد البشرية مع مسؤولي الموارد البشرية ومع كل عضو من أعضاء اللجنة الإدارية، وقدّموا إليهم تحليلات عن القوى العاملة ليظهروا لكل فريق إداري في كل وحدة الواقع المتعلق بالقوى العاملة لديهم. وقد نجحت ورش العمل هذه على تشجيع المدراء التشغيليين وتعزيز قدراتهم على النظر من زاوية مختلفة إلى الأهداف والخيارات المتعلقة بالقوى العاملة لديهم.
وضع استراتيجية واحدة متكاملة للقوى العاملة أحد مبادئ استراتيجية إدارة المهارات
إن الانتقال من طفرة النمو إلى النمو المستدام يعني الاعتماد على خيارات جديدة في العمل، تتجاوز الاكتفاء بتعيين موظفين جدد. إن فرصة إثبات قيمة هذه المنهجية الجديدة قد أتت من مصدر غير متوقع. لقد كان قسم التمويل في الشركة يطور خطة لنفقات التشغيل لثلاث سنوات، وكان قسم الموارد البشرية في الوقت ذاته قد وضع خطته الجديدة. وكشفت خطة الموارد البشرية عن بعض الجوانب التي أدت إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة تتمثل في وضع مسؤولي الموارد البشرية في الفريق الخاص خطة نفقات التشغيل. وهكذا تعاون قسما الموارد البشرية والتمويل على تحويل العملية التقليدية الخاصة بالربط بين عدد الموظفين وميزانيات المحاسبة إلى نظام متكامل لتحسين تخطيط القوى العاملة ونفقات التشغيل. وساعدت أداة التنبؤ بأنماط القوى العاملة في دعم قادة الأعمال والتمويل والموارد البشرية حول العالم في وضع خطط نفقات التشغيل في مؤسساتهم، إذ أتاحت للمدراء فرصة التفكير بنطاق واسع من خيارات القوى العاملة في تقاريرهم التنبؤية، وإدراك قدرة ذلك على تحقيق الأهداف الخاصة بنفقات التشغيل.
تعزيز التعاون بين قسمي الموارد البشرية والتزويد
لقد أثبتت هذه النجاحات المبكرة على الإمكانات الكبيرة المرتبطة بالتعاون بين قسمي الموارد البشرية والتزويد، ولكن كسر حالة الجمود بينهما قد تطلبت بعض التغييرات الهيكلية في واقع الأمر. وهنا أيضاً كانت بعض الحوادث كفيلة بتقديم الفرصة المثالية لفعل ذلك. ففي العام 2015، وحدت الشركة مجموعة من أقسام التزويد في إدارة استراتيجية واحدة. وفي الوقت نفسه قدّم قسم الموارد البشرية تقارير تحليل أدوار العمل المركزية، كالأدوار الاستراتيجية، والمهام الجوهرية، والأدوار الداعمة. وعند الجمع بين الأمرين كان بالإمكان أن تتجاوز التحليلات الخاصة بالقوى العاملة النسب الخاصة بدوران الموظفين، أو استقدام الموظفين، أو التنبؤات الخاصة بالموظفين، وتصل إلى النظر في أثر كل واحد من هذه الجوانب على النمو وتوفّر العمال والتكلفة والجودة، بالإضافة إلى المقارنة بين المهارات التي تم استقدامها عبر مصادر مختلفة، وكان ذلك كفيلاً بتحسين القدرة على اتخاذ قرارات واعية وهادفة بخصوص المهارات في الشركة.
الاستفادة من البيانات في مجالات أخرى عدا القرارات الخاصة باستقدام المهارات
لقد تشجع القادة بفضل النجاح الحاصل على النظر إلى جوانب أخرى غير تلك المتعلقة بالقرارات الخاصة بقنوات استقدام المهارات. وهنالك مثال على ذلك من قسم الأبحاث والتطوير. فبهدف زيادة الفاعلية والتنوع انتقل قسم الأبحاث والتطوير من بنية إقليمية إلى نموذج مركز التميز، بحيث تم إنشاء فرق عمل صغيرة تضم علماء كبار وناشئين. وكانت تحليلات العمل التقليدية تركز على الموظفين التقليديين الذين يعملون بدوام كامل، وقد بدا أن هذا التغيير قد حد من نطاق سيطرة كبار العلماء. وانخفض عدد العلماء الناشئين المسؤولين أمام كل واحد من كبار العلماء. وقد اعتبر ذلك هدراً لا داعي له، لأنه دليل على وجود زيادة في المدراء غير الفاعلين. أما النظام الجديد فقد تمكّن من تحديد كافة أنواع العمال، وكشف أن العديد من العملاء الناشئين (أصحاب الأداء المتميز) كانوا موظفين مؤقتين. وفي حين بدا كبار العلماء الذي يشرفون على هؤلاء الموظفين أقل كفاءة في النظام القديم، لأن هذا النظام كان معنياً بالموظفين الدائمين وحسب، إلا أن نظم التحليل الجديدة كانت قادرة على معرفة القيمة الاستراتيجية للعمال المؤقتين، مما أبان عن أهمية كبار العلماء الذين يشرفون على عملهم.
اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الرقمية الجيدة تخلق سحباً جاذبياً
إن بيئة العمل المتطورة تتطلب استراتيجية إدارة المهارات مدروسة مع تحسين كافة ترتيبات العمل بطريقة استراتيجية، وذلك على مستوى الموظفين الدائمين وغيرهم. وهذا يتطلب مستوى أفضل من التكامل بين أنظمة الموارد البشرية وأنظمة التزويد. ولا شك أن القادة الأفضل في أقسام الموارد البشرية والتزويد في المستقبل هم القادرون على تمثيل مزيج أشبه بمفهوم "هندسة قوة العمل"، يكون مناسباً على مستوى هندسة العمليات والإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية. لقد حان الوقت لدعوة قادة الموارد البشرية والتزويد في مؤسستك إلى العمل معاً للتعامل مع التحديات المتعلقة بالقوى العاملة في المستقبل.
اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية