"لا يسعني تصديق قدرتك على إدارة كل تلك المسؤوليات"، تلك هي أكثر التعليقات المتكررة التي أسمعها من العملاء والزملاء وحتى الأصدقاء هذه الأيام، سواء في بداية اجتماع ما عبر الفيديو أو عند إجراء مكالمة ما وحتى في أثناء عملنا على تنفيذ عمليات المراجعة المعتادة قبل الاجتماعات.
ودائماً ما يُصيبني ذلك التعليق بالدهشة، فأنا أستاذة تدرّس في الجامعة، واستشارية تقدم المشورة لمختلف المؤسسات اليوم تقريباً. وأنا باحثة أشترك مع زملائي في العمل على العديد من المشاريع. وأنا زوجة لرجل متلزم بعمله وتحاول أن تكون مبدعة بشأن الاستمتاع بوقتها مع عائلتها خلال فترة الإغلاق العام. وأنا أم لأربعة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 7 سنوات وأصغرهم تخطى الستة أشهر. عندما أسمع عبارة "لا يسعني تصديق قدرتك على إدارة كل تلك المسؤوليات"، تكون إجابتي "وأنا أيضاً"، حتى إن لم تكن إدارتي لها مثالية أو جيدة في بعض الأحيان.
ومن المؤكد أنه يوجد العديد من الأفراد العاملين في جميع أنحاء العالم الذين يواجهون صعوبة في التوفيق بين مهامهم منذ بدء جائحة "كوفيد-19"، مثلي تماماً. وقد سمعت بالفعل الكثير منهم يشتكون من واقعهم الصعب وتجاربهم السيئة، ومن المؤكد أن أغلبهم يواجهون تحديات بالغة الصعوبة، بما فيهم العاملين في الخطوط الأمامية والمصابين بالفيروس وأولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية نتيجة حوادث العنصرية الأخيرة في الولايات المتحدة. أما بالنسبة لأولئك الذين يديرون تحديات أقل صعوبة، فقد توصلت إلى قناعة أن الفرق بين الشعور بالرضا والشعور بخيبة الأمل عند الخلود إلى النوم نهاية اليوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوقعات التي وضعناها لأنفسنا. لذلك، من الضروري خفض مستوى تلك التوقعات. والأهم من ذلك، لا بدّ لنا من استغلال هذه الأوقات لتحويل توقعاتنا إلى توقعات أكثر منطقية.
والقيام بذلك يتطلّب منا التركيز على أربعة مبادئ بسيطة.
اسعَ إلى السعادة وليس إلى الكمال.
معظمنا ننساق وراء رغبتنا في السعي وراء الكمال، وقد حققنا تلك الرغبة واستفدنا منها حتى. إلا أننا غالباً ما نبالغ في سعينا إلى الكمال. وحتى قبل انتشار الجائحة، وجد بحث أجراه عالما النفس المتخصصان في دراسة الشخصيات، توماس كوران وأندرو هيل قيام عدد متزايد من الناس بالسعي إلى تحقيق أهداف بعيدة المنال. وأجرى عالما النفس دراسة على أكثر من 40 ألف طالب من طلاب الجامعات الأميركية والبريطانية والكندية بين عامي 1989 و2016، ووجدا أن السعي وراء الكمال قد ازداد بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، بنسبة 33% منذ عام 1989. ويبدو أننا بدأنا ننساق وراء خرافة معاصرة مفادها أن الحياة يجب أن تكون مثالية، في الوقت الذي أصبح فيه تحقيق الكمال نتيجة مستحيلة ويساهم في تعزيز مشاعر القلق والاكتئاب الخطيرة. ومن المؤكد أن من يتمسّك بالكمال يضع نفسه على طريق الفشل والاضطراب النفسي.
لذلك، بدلاً من السعي وراء الكمال، نحتاج إلى السعي وراء السعادة. وأذكر نفسي بذلك الهدف كل يوم. وأحاول التحلي بالصبر عندما أستغرق وقتاً أكثر من المتوقع في إنجاز مهمة ما. حتى أنني أطلب من صغاري الحديث عما جعلهم سعداء وما يشعرون بالامتنان له في يومهم على طاولة العشاء كل مساء.
تقبّل احتمال ارتكاب الأخطاء بعقل فضولي.
في منتصف ليلة حافلة في مطعم "أوستريا فرانشيسكانا" الشهير في مدينة مودينا في إيطاليا، تبرّع تامر، أحد مساعدي الطهاة، بإعداد الحلويات بعد اضطرار طاهي الحلويات الرئيس إلى مغادرة المطعم بشكل مفاجئ. وبينما كان يُعدّ فطائر الليمون، سقطت إحدى تلك الفطائر على الأرض عن غير قصد. تسمّر تامر في مكانه عندما شاهد طاهي المطعم الرئيس ومالكه، ماسيمو بوتورا، الفوضى. لكن بدلاً من أن يُبدي بوتورا انزعاجه، استلهم فكرة جديدة. واليوم، أصبح أحد أكثر أطباق الحلويات شعبية في المطعم طبق يُدعى "عفواً! لقد أسقطت فطيرة الليمون"، حيث تُعدّ تلك الفطيرة بعناية لتبدو وكأنها في حالة فوضى، وتُصنع بوضع طبقة رقيقة ورغوية من كريمة الزاباجليون على مكعبات الليمون، إضافة إلى مربى البرغموت والتفاح بالتوابل، وبضع قطرات من الفلفل الحار وزيت الليمون، ونبات القبار الحلو من جزيرة قرب ساحل صقلية، وتُقدّم مع شراب الليمون وقطع من البسكويت.
وأعتبر هذه القصة مثالاً أحتذي به هذه الأيام، إذ نادراً ما تسير أيامي كما هو مخطط لها. فعادة ما يقاطع أحد أطفالي الأربعة مكالمات الأعمال التي أجريها عبر منصة "زووم" بشكل غير متوقع، أو اضطر في بعض الحالات إلى أن أتوقف عن كتابة جملة ما فجأة، حتى عندما يتضح أن سبب الشجار في المنزل كان ناجماً عن قيامي بإعداد وجبة غداء مختلفة عن الوجبة التي وعدتهم بإعدادها. أنا أسعى إلى أن أكون مثل بوتورا، بمعنى أن أنظر إلى الأخطاء والحوادث بعقل فضولي.
ركّز على ما هو منطقي بالنسبة لك.
الشخص الآخر الذي أثار إعجابي عند لقائي به في أثناء العمل على كتابي الأخير، "موهبة متمردة" (Rebel Talent)، هو الكابتن تشيسلي "سولي" سولينبرغر، الذي تمكّن من الهبوط بطائرة تجارية بأمان في نهر هدسون في يوم بارد من شهر يناير/ كانون الثاني عام 2009 بعد أن تعطّل محرّكا الطائرة. نظر سولي فيما وراء الخيار الأكثر وضوحاً، والذي يتمثّل في الهبوط في أقرب مطار، وتوصلّ إلى حل أفضل وأكثر إبداعاً.
وغالباً ما ندفع أنفسنا إلى تقبّل أفضل مسار للعمل، خاصة عندما نقبع تحت وطأة الضغوط. إلا أن النهج الأفضل يتمثّل في التفكير في مجموعة واسعة من الخيارات ووجهات النظر. تأمل النصائح التي نسمعها حول أهمية الحصول على نوم جيد للحفاظ على صحتنا ورفاهتنا. لا يمكنني أن أتذكر آخر مرة تمكّنت فيها من النوم أكثر من بضع ساعات دون انقطاع أو بعد الساعة السادسة صباحاً، وذلك بسبب الكوابيس، أو اضطراري إلى مرافقة أحد أكبر أطفالي إلى الحمام، أو استيقاظ طفلتي البالغة من العمر أربع سنوات وصراخها الهستيري لعدم قدرتها على العثور على سريرها في الساعة الثالثة صباحاً. ولا بأس في ذلك. وأنا أضحك اليوم على التوصيات المتعلقة بالنوم، إذ من الواضح أنها لا تنطبق عليّ هذه الأيام. أخبرني بعض زملائي أنه لم يسبق لهم أن كانوا أكثر إنتاجية من هذه الأيام. وأقرّ بعض أصدقائي أنه لم يسبق لهم أن كانوا أكثر صحة أو راحة من هذه الأيام أيضاً. لم أشهد شخصياً تلك التجارب ذاتها في ظل تدابير الإغلاق العام، ولا بأس في ذلك، بل أبتسم لإنجازاتهم وأضحك على حقيقة أن الرياضة بالنسبة لي غالباً ما تقتصر على الركض وراء أطفالي في جميع أرجاء المنزل هذه الأيام. وهو ما يقودني إلى المبدأ الأخير.
ابحث عن وقت للضحك.
جميعنا نستمتع بالضحك، لكن من منا يخصص وقتاً له، خاصة عندما تكون الأخبار مرعبة جداً؟ قد نتفق جميعاً على أن الاستماع إلى نكتة مضحكة، والتحدث إلى الأشخاص الذين يتمتعون بروح الدعابة، ومشاهدة الأفلام الكوميدية هي أنشطة ممتعة، لكن هل نخصص وقتاً لتلك الأنشطة في يومنا؟ من المهم أن نخصص وقتاً لتلك الأنشطة في أثناء الأزمات لأن للتسلية فوائد جمة. فوفقاً لدراسة أجريت عام 2015، يجعلنا الضحك أكثر انفتاحاً على الأشخاص الجدد ويساعدنا في بناء العلاقات. وقد يساعدنا أيضاً في تنظيم عواطفنا في مواجهة التحديات، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها عالمة النفس في جامعة ييل إريكا بوثبي. ويمكن للضحك أن يحسّن صحتنا وأن يجعلنا أكثر قدرة على التعلّم. والأهم من ذلك: الضحك معد.
وعلى الرغم من كل المشاعر السلبية التي تحيط بنا اليوم، لا ينبغي أن تكون مهمة العثور على ما يضحكنا مهمة صعبة. عندما طلبت من طفلتي البالغة من العمر ثلاث سنوات أن ترتدي ملابسها قبل الخروج من المنزل هذا الصباح عدة مرات، ثم وجدت طفلتي البالغة من العمر أربع سنوات ترسم على يديها بدلاً من القماش، سمحت لنفسي أن أضحك بدلاً من أن أنزعج. وبعد أسبوعين من فرض تدابير الإغلاق العام، لاحظت أنا وزوجي أننا سريعا الغضب في بعض الأحيان وأننا ندلي بانتقادات لا داعي لها. ما الحل؟ قررنا أنه إذا أراد أحدنا انتقاد الآخر (على سبيل المثال، "كان بإمكانك وضع الأطباق في غسالة الصحون بدلاً من تركها في الحوض")، أن ندلي بتعليقاتنا مع أداء رقصة جنونية، وأن نحوّل لحظة مفعمة بالتوتر إلى لحظة مفعمة بطيبة القلب.
كثيرة هي المواقف التي أصبحت خارج سيطرتنا اليوم، إلا أن خيار التعامل مع كل يوم وماهية التوقعات التي نضعها لأنفسنا هو خيار نصنعه بأنفسنا. وحان الوقت اليوم لاتباع هذه المبادئ لننعم بالسلام.