ملخص: معظم المدراء ليسوا مهيأين لقيادة فرق تعمل عن بُعد، ويتوقع منهم التكيف مع المتطلبات الظرفية المتغيرة وتقديم التوجيه والاستقرار، لذا يجب عليهم أخذ علم السلوك في حسبانهم من أجل ضمان إدارة فرقهم بأكبر درجة من الكفاءة في ظل الغموض المتزايد. يقدم المؤلفون قائمة من 5 تحيزات يجب أن يحترس القادة منها عند إدارة الفرق عن بُعد، إلى جانب بعض الأساليب المثبتة علمياً لتصحيح هذه التحيزات.
في الأوقات التي يلفها الغموض وتملؤها العزلة يلتمس الموظفون التوجيه والاستقرار، وهم معتادون على اللجوء إلى المدراء في مكان العمل. لذا قد يصعب على المدراء تلبية هذه التوقعات، وقلة منهم مهيؤون لمهمة إدارة الموظفين عن بُعد. والأصعب هو فهم السياق الذي يعمل زملاؤك ضمنه ويعيشون فيه إلى جانب التحديات التي قد يواجهونها إذا لم تتمكن من رؤيتهم بصورة دائمة. كل هذا يزيد احتمال وقوع سوء فهم ويضيف قيوداً على العلاقات بين أفراد الفريق.
علمتنا الأبحاث في علم السلوك أن الإنسان يميل لتبسيط القرارات المعقدة باستخدام القواعد العامة أو الاستدلال عندما يواجه مواقف غامضة. في حين أن هذه الاختصارات تتيح لنا العمل بفاعلية حتى وإن واجهتنا التعقيدات، إلا أنها تصبح مصدراً للأخطاء المنهجية واللا واعية أحياناً في أحكامنا، أو ما نسميه "التحيزات". هذه التحيزات ليست جديدة، لكن يمكن أن تسبب بيئة العمل عن بُعد في زيادتها. عن طريق تطبيق مفاهيم علم السلوك سنلقي نظرة معمقة أكثر على أهم التحيزات التي يجب أن يحترس القادة منها عندما يعملون ويديرون موظفيهم عن بُعد، إلى جانب مجموعة مختارة من الأساليب المألوفة والمثبتة علمياً لتصحيح هذه المفاهيم المغلوطة في هذا السياق الجديد.
التحيز التأكيدي
كانت المكاتب توفر عدداً من الفرص للتواصل ومشاركة الأفكار مع زملاء من فرق ووظائف مختلفة، وكان تلقي الآراء العفوية أسهل. أما في عالم العمل الموزع، أصبحت عتبة التفاعلات والطلبات غير الرسمية أعلى بكثير، وتصرفنا حاجتنا إلى تحديد مواعيد لعديد من المكالمات عن التماس الآراء تماماً. عندما يتفاعل الموظف مع الآخرين عن بُعد، فهو يعتمد أكثر على أحكامه الخاصة ويتخلى عن المراجعة النقدية التي يقوم بها الآخرون في سبيل إنجاز العمل. وبالنتيجة يزداد خطر التحيز التأكيدي، أي اتباع الطرق المُرضية للبحث عن المعلومات وتفسيرها بما يؤكد معتقداتنا وقيمنا. وكلما قلّ التعرض للأفكار ووجهات النظر المختلفة تزداد خطورة صنع قرارات أضعف.
كيف نصحح هذا التحيز؟
- اطلب من الزملاء بصورة فردية أن يقيّموا القرارات من وجهات نظرهم واسمح لهم بالتحدث أولاً قبل أن تكشف عن أولوياتك ودافعيتك.
- احرص على أخذ جميع المعلومات في حسبانك، أرغم نفسك وغيرك على جمع وجهات النظر الأساسية والمزعجة حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى جعل عملية صناعة القرار تستغرق وقتاً أطول.
- ابحث عن محامي الشيطان أي شخص يتحدى وجهة نظرك ويختبر قوة حجتك. ثمة أثر جانبي مفيد لهذه الطريقة، وهو أنها تدرب أفراد الفريق على التفكير النقدي.
تحيز الإسناد
يزيد التفاعل المتقطع والمحدود في بيئات العمل عن بُعد من صعوبة فهم مواقف أعضاء الفريق الفردية، ويؤدي الافتقار إلى السياق الذي يعملون ضمنه إلى تعقيد تفسير الإشارات المهمة. لكن أدمغتنا تعمل سريعاً على تعويض النقص في المعلومات وتقفز إلى الاستنتاجات بشأن سلوك الآخرين. ولذلك فنحن عرضة للتأثر بتحيز الإسناد، أي أننا نميل بطبيعتنا إلى إسناد سلوك الآخرين بصورة غير متناسبة إلى سماتهم الشخصية بدلاً من المؤثرات المتعلقة بأوضاعهم وظروفهم. والتمعن أكثر في مجموعة الظروف التي قد يجد الآخرون أنفسهم فيها، كالمشكلات الصحية أو الشخصية، سيزيد قدرتنا على مراعاتهم ويقلل إمكانية لجوئنا للقفز إلى الاستنتاجات.
كيف نصحح هذا التحيز؟
- تمهل وتحقق من الأدلة المتوفرة لديك وفكر ملياً، لا تفترض أن الآخرين يحملون نوايا سيئة وذكر نفسك باحتمال أن تسند سلوكهم إلى أسباب خاطئة.
- كي تتمكن من فهم سلوك زميلك بصورة أفضل، استذكر مواقف اتبعت فيها نفس السلوك،
- فكر في 3 تفسيرات لسلوك معين وما إذا كان يمثل ذاك الزميل حقاً أم لا. هذه الطريقة تعمل كالسحر.
تفكير القطيع
في الاجتماعات التي تضم عدة مشاركين يكون الانتباه ضعيفاً. والاجتماعات الافتراضية متطلبة بدرجة كبيرة إذ إنها تستدعي منا التحديق في شاشاتنا ومتابعة الحوارات بإمعان حرصاً على تحديد المعلومات المهمة، وكل هذا ونحن خاضعون للمراقبة وعلى مدى فترة طويلة. وبالنتيجة تتضاءل رغبة الموظفين في الكلام أو التعقيب أو التحقق من القرارات بصورة أدق. وبالتالي فإن التحيزات الفردية تتضخم بسهولة في المجموعة وتحرف عملية صنع القرار في الفريق بأكمله، ما يزيد خطورة انجراف أفراده فيما يسمى تفكير القطيع. عموماً، كلما ازداد عدد المشاركين في الاجتماع ازدادت إمكانية أن يهيمن بضعة أفراد عليه. وكلما ازداد التجانس ضمن الفريق والإرهاق الناجم عن تجربة الاجتماع الافتراضي ازدادت خطورة الانجراف في تفكير القطيع.
كيف نصحح هذا التحيز؟
- اختر مجموعة صغيرة غير متجانسة، وعين لأفرادها أدواراً ومسؤوليات محددة عندما تكون مضطراً لاتخاذ قرار جماعي مهم.
- أفسح مجالاً للأفكار العشوائية والتقييمات الفردية قبل اجتماع الفريق وفي أثنائه. احرص على تنويع المتحدثين والأدوار والمواضيع وحدد أوقاتاً للاستراحة ضمن برنامج الاجتماع.
- استفد من أدوات التعاون في العمل عن بُعد، مثل تشجيع البدء بإجراء حوارات نقدية أولاً في غرف منفصلة قبل مشاركة المعلومات مع الفريق بأكمله. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إنشاء مساحات آمنة تمنح أفراد الفريق شعوراً أكبر بالراحة للتعبير عن آرائهم.
تأثير الدخول إلى المجموعة
في بيئة العمل عبر الإنترنت فقط قد تزداد صعوبة استقرار الأفراد الجدد في الفريق. فالمسافة الجسدية الكبيرة تقلل مواجهة الزملاء بعضهم لبعض، وتحدّ من فرص خوض أحاديث عفوية وغير رسمية وتقوض التواصل بين أقسام المؤسسة. ببساطة، تفتقر شروط العمل الافتراضية إلى الأحاديث الجانبية أو اللقاءات العرضية التي تتمتع بأهمية كبيرة، وبالنتيجة سيصبح من الصعب أكثر تشكيل الفريق وربط أفراده بعضهم ببعض وتعزيز تماسكهم. يجب أخذ هذا الأمر على محمل الجد، فثمة علاقة طردية بين تماسك الفريق وأدائه، ويبذل الموظف عموماً جهداً أكبر من أجل زملائه الذين يهتم بشأنهم. ولذلك يمكن للاستثمار في التكامل الاجتماعي والتفاعلات بين الأقسام والوظائف منذ وقت مبكر أن يوقع أثراً كبيراً على أداء الفرق الافتراضية في المؤسسة.
كيف نصحح هذا التحيز؟
- اعمل على إلغاء المسافات الجسدية عن طريق إنشاء عادات روتينية في الاجتماعات، وشجع الجميع على الكلام والتحدث صراحة عن نشاطاتهم ومساهماتهم الحالية في العمل وخارجه.
- احرص على تخصيص وقت ضمن برنامج الاجتماع للاطمئنان عن الموظفين من الناحيتين الشخصية والمهنية. احرص على الالتزام بالسؤال عن رفاهة زملائك خارج نطاق مهام العمل الحالية، تماماً كما تفعل عندما تقابلهم ضمن المكتب.
- أجرِ تجارب باتباع أساليب مبتكرة لتعزيز تماسك الفريق وأدائه في بيئة آمنة وإيجابية توفر فرصاً للتفاعل وبناء الروابط افتراضياً.
تأثير نهاية الذروة
في السياق الافتراضي، غالباً ما تكون انطباعاتنا عن جهود الآخرين وأوقاتهم في العمل انتقائية ومحدودة أكثر مقارنة بتعاملنا معهم وجهاً لوجه. إذ لا تعقد الاجتماعات إلا لمناقشة النتائج، ونادراً ما تقدم رؤى فيما يتعلق بالجهد المبذول والمنهجية المتبعة في تحقيق هذه النتائج بالعمل من المنزل. والافتقار إلى الظهور بهذا الشكل يزيد خطورة استخدام معلومات جديدة ومعزولة عن أفراد الفريق (بدلاً من المعلومات التي تمثلهم بصدق) في تقييم أداء أعضاء الفريق، وهذا تحيز غالباً ما يطلق عليه اسم تأثير نهاية الذروة. ينبع هذا المفهوم الخاطئ القوي من نزعتنا لتذكر نهاية التجربة وأبرز اللحظات المشحونة فيها فقط، ويمكن لذلك أن يسبب تشويهاً كبيراً في تقييم أداء أفراد الفريق على نحو سريع ولا إرادي وغير مبرر.
كيف نصحح هذا التحيز؟
- خذ تفضيلات العمل الفردية بعين الاعتبار. تتيح شروط العمل الافتراضية مرونة أكبر في ساعات العمل، ما يتيح لأفراد الفريق العمل ضمن الأوقات التي تصل إنتاجيتهم فيها إلى أقصاها. الإتاحة لا تمثل الجودة.
- خطط لجلسات افتراضية قصيرة ومنتظمة لتقييم الأداء، كجلسات مدتها 15 دقيقة كل أسبوعين مثلاً. سجل الملاحظات فيما بين هذه الجلسات كي تتمكن من تقديم صورة مبنية على المعلومات عن عمل الموظف في الفترة بين جلسة وأخرى.
- استفسر باستمرار عن الطريق الذي أدى إلى نتيجة معينة وناقش الأداء الإيجابي والسلبي تحديداً بصورة فورية.
يؤدي تغيير السياق في أغلب الأحيان إلى تغيير السلوك وبالتالي يؤدي إلى تغيير طرق العمل، والقادة مطالبون بالتكيف مع المطالب الظرفية المتغيرة وتقديم التوجيه والاستقرار اللازمين، ولأجل ذلك يجب أن يأخذوا في حسبانهم الرؤى العلمية حول الأحكام التي يطلقها الإنسان وعملية صناعة القرار كي يضمنوا إدارة الفرق عن بعد بأعلى درجة من الكفاءة في ظل الغموض المتزايد. يمكن أن يكون تقييم هذه القائمة المرجعية غير الشاملة للتحيزات الخمسة الرئيسية ومعالجتها مفيداً للقادة في مسيرتهم، وليس في بيئات العمل عن بُعد فقط بل في حياتهم الشخصية أيضاً. كما يقول المثل، لا تضيّع أزمة جيدة، والأزمة الحالية تحمل الكثير من الفرص.