مع تطور المشهد الإعلامي بسرعة غير مسبوقة، قادة قليلون تمكنوا من التعامل مع تعقيداته بالمرونة والرؤية التي يتمتع بها الرئيس التنفيذي لمجموعة زينك ميديا البريطانية، مارك براونينغ. منذ توليه القيادة في 2019، قاد براونينغ هذه القوة الإعلامية المدرجة في البورصة عبر سلسلة من الاضطرابات العالمية، بدءاً من جائحة كوفيد-19 وصولاً إلى الاضطرابات الجيوسياسية، مع الحفاظ على رؤية استراتيجية واضحة. تحت قيادته، وسعت زينك حضورها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحققت حضوراً قوياً في الرياض لدعم الاقتصاد الإبداعي في المملكة وأهداف رؤية 2030. في حوار خاص مع هارفارد بزنس ريفيو العربية، يشارك براونينغ رؤاه حول القيادة، وتطوير المواهب، ودور الحكومات في تشكيل أنظمة الإعلام، والإمكانات التحويلية للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في سرد القصص. وإليكم نص الحوار:
1. قدت مجموعة زينك ميديا البريطانية، منذ أبريل/نيسان 2019، بعد مسيرة طويلة في آي تي أن برودكشننز شهدت عدة تحولات كبيرة. ما هي الدروس القيادية التي تعلمتها في آي تي أن ووجدتها قابلة للتطبيق (أو بحاجة إلى تعديل) في دورك الحالي في زينك، خصوصاً في ظل بيئة الشركة العامة وطموحاتها العالمية؟
الأمر الحاسم في أي مجموعة إعلامية بارزة، سواء كانت مملوكة للقطاع الخاص أم العام، هو الوضوح المطلق في الطموحات الاستراتيجية. في زينك، وضعنا خطة نمو مدتها ثلاث سنوات في يناير/كانون الثاني 2020. تلتها أحداث مثل جائحة كوفيد-19، وبريكست، والحروب، وأزمات الطاقة، لكن الالتزام بالخطة مكننا من تنفيذ الاستراتيجية بالكامل بحلول ديسمبر/كانون الأول 2023. الدرس المستفاد هو أنه على الرغم من تغير التكتيكات، يجب أن تبقى الاستراتيجية واضحة. إنها دراسة حالة توضح لماذا تتفوق الاستراتيجية على التكتيكات.
2. اضطر العديد من الرؤساء التنفيذيين للتكيف ديناميكياً خلال هذه الفترة. كيف توازن بين الاستراتيجية والمرونة في اتخاذ القرارات؟
السرعة هي ميزة تنافسية. أحب قيادة شركات تتخذ قرارات أسرع من المنافسين، ولكن ليست مجرد قرارات أسرع، بل قرارات أفضل. نحن نعمل بوتيرة عالية، مثل الضغط العالي الموجود في قطاع الرياضة، كأن تكون أول من يصل للكرة. في زينك، حتى مع نحو 500 موظف، فإن أي قرار إداري يتخذ بمشاركة ثلاثة أشخاص بالحد الأقصى. والاجتماعات محددة بمدة لا تتجاوز 30 دقيقة. فالوقت والطاقة هما أغلى الموارد للقيادة، والحفاظ عليهما يضمن اتخاذ قرارات أفضل وأسرع.
3. إدارة فرق أكبر بعقلية ريادية لا بد أنه يمثل تحدياً. ما هو النهج الذي تتبعه؟
تركيز المواهب هو المفتاح. أركز على عدد قليل من القادة أصحاب المهارات العالية الذين يعملون على نحو مستقل. يحددون الأهداف، وينفذونها، ويعملون باعتبارهم سفراء للشركة. هذا الهيكل يسرع اتخاذ القرارات مع الحفاظ على المساءلة.
4. بالانتقال إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، افتتحت زينك مؤخراً فرعاً في الرياض. ما الذي دفعكم لاختيارها دون مدن خليجية أخرى؟
كان لدينا بالفعل حضور إقليمي قوي في قطر. إنما قرار التأسيس في الرياض كان استراتيجياً: فهي مدينة نابضة بالحياة، وقابلة للاستثمار، واقتصادها في نمو مستمر. كما أن رؤية 2030 والمشاريع الضخمة في الرياضة والثقافة والسياحة والذكاء الاصطناعي تجعلها سوقاً مثالية لسرد القصص. ومن خلال وجود فرق على الأرض؛ يمكننا تعزيز العلاقات، والتأهل لمزيد من الأعمال، واستثمار مواردنا حيث نرى إمكانات أكبر.
5. هل واجهتم تحديات عند تأسيس وجودكم في السعودية؟
التحدي الرئيسي هو بناء الوعي في سوق سريعة الحركة. مجرد الحضور ليس كافياً؛ يجب أن يكون ما نقوم به معروفاً. يشمل ذلك التعليم والتواصل حول قدراتنا، بالإضافة إلى الفهم الثقافي.
6. بصفتكم الشركة الإعلامية الوحيدة المدرجة في بورصة لندن، كيف يشكل ذلك نهجكم تجاه الابتكار؟
أن نكون شركة عامة فهذا يفرض علينا ضرورة الالتزام بالشفافية والحوكمة. ويتطلب ذلك تحديد طموحات واقعية والالتزام بها. أجد أن هذا الانضباط يتماشى مع أسلوبي القيادي وهو يدعم الابتكار ولا يعوقه.
7. كيف توازن بين الاستثمار في المحتوى المتقدم، والتجارب الغامرة، والعوائد المتوقعة للمساهمين؟
نقيس النجاح في ثلاثة مجالات: الثقافي، والإبداعي، والتجاري. ثقافياً، نركز على الاحتفاظ بالعملاء، وتطوير الموظفين، ودمج المواهب المحلية. أما إبداعياً، فنقيس العملاء العائدين، والتقييمات، والجوائز. وتجارياً، نركز على العائد على الاستثمار عادة خلال سنة إلى ثلاث سنوات. على سبيل المثال، عمل على مشروع الذكاء الاصطناعي لشركة جي 42 في الإمارات 630 شخصاً، وحقق عائدات بملايين الدولارات.
8. يعتبر رأس المال البشري محور استراتيجيتكم. كيف تقيمون المواهب المحلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتطورونها؟
تطور المشهد في هذه المنطقة تطوراً هائلاً. قبل عقد من الزمن، كانت الخبرات تأتي أساساً من الخارج. أما الآن، فتنمو المواهب المحلية بسرعة. أصبحنا ندمج بين الخبراء الدوليين والمحترفين المحليين لبناء المهارات في البلد. على سبيل المثال، في إنتاج الفيلم السعودي "جود"، كان لكل دور خارجي معادل محلي يراقبه ويتعلم منه. اليوم، الجيل الجديد من المبدعين عالي الكفاءة، ونهجنا يضمن نظاماً مستداماً للمواهب.
9. ما هو الدور الذي تؤديه الحكومات في رعاية اقتصاد إعلامي إبداعي قابل للاستمرار؟
تحدد الحكومات الاستراتيجية والاتجاه. دورنا هو التنفيذ والتعليم والتعاون. من خلال الشراكة مع الوزارات والجامعات والمبادرات الثقافية، نساعد على تطوير المواهب المحلية وتحقيق الرؤية. إنها علاقة تكافلية: نستثمر مواردنا الخاصة إلى جانب التوافق مع أهدافهم الاستراتيجية.
10. ما هي الأولويات الاستراتيجية لزينك ميديا في المنطقة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة؟
نهدف لرفع حصة المنطقة من أعمالنا بنسبة 20% إلى 40%. ومجالات التوسع تشمل التلفزيون، والفعاليات، والموسيقى، والرياضة، والفنون، والمحتوى الغامر. نستثمر في المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وسرد القصص الغامر، والمراكز الإقليمية، خصوصاً في الرياض. ستكون الشراكات مع شركات الإنتاج المحلية والهيئات الحكومية أساسية، وسنواصل توظيف المواهب الناطقة بالعربية لتوسيع عملياتنا. الهدف هو الجمع بين الخبرة الدولية والرؤى المحلية لإنتاج محتوى يلقى صدى محلياً وعالمياً.
11. كيف تدخل التكنولوجيا، خصوصاً الذكاء الاصطناعي، ضمن هذه الرؤية؟
يسمح لنا الذكاء الاصطناعي بتقليل التكاليف، وتسريع الإنتاج، والابتكار في سرد القصص. وتضع دول الخليج، خصوصاً الإمارات والسعودية، نفسها بصفتها مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، وهو ما يتماشى تماماً مع استراتيجيتنا. نحن نرى إمكانات هائلة لتحويل صناعة المحتوى، والفعاليات، والإنتاج الإعلامي في المنطقة.
12. أخيراً، ما هو الدرس الأساسي للقادة الذين يعملون في أسواق معقدة مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
برأيي، إن وضوح الاستراتيجية، وسرعة اتخاذ القرار، والاستثمار في المواهب عالية الأداء هي الأساس. وتطبيق هذه العناصر مع الالتزام الطويل الأمد، والتعاون مع الجهات المحلية، والابتكار التكنولوجي، سيولد صيغة للنمو المستدام. يوفر الشرق الأوسط فرصاً هائلة للشركات المستعدة للاستثمار بحكمة، والشراكة محلياً، والتنفيذ بانضباط. وفي زينك، هذا بالضبط ما نلتزم به.