توضيح: دراسة الحالة التي نحن بصددها مستوحاة إلى حد كبير من دراسة حالة أكاديمية منشورة سابقاً. ستُنشر هذه الحالة في هارفارد بزنس ريفيو العربية، إلى جانب تعليقات الخبراء والقراء.
تحدث أنطوان لفترة قصيرة على الهاتف بينما كان جالساً على رأس الطاولة في قاعة اجتماعات شركة "جي جي جي" (GGG)، لكنه أقفل الخط فجأة ثم جلس وأخذ نفساً عميقاً وقال: "حسناً. لقد حُدد التاريخ. سنفتح فرع فردان في يوليو/تموز".
"هذا خبر رائع! هذا يعني تقريباً ستة أشهر قبل الموعد المحدد! ردت والدة أنطوان، ثم أضافت "هذه أخبار رائعة للشركة وللبنان!".
فردان هو أحد أحياء بيروت الثرية وشركة "جي جي جي" على وشك فتح المجمع التجاري (المول) الأول في فردان والأكبر الذي تملكه. ستفتتحه قبل خمسة أشهر من الموعد المحدد وبكلفة أقل بنسبة 30% من الميزانية المقررة، مع توفير قدره 100 مليون دولار.
"ثم ماذا؟" سأل أنطوان. لم يبد عليه الحزن أو الحيرة. لم يبدُ حتى كما لو أنه يطرح سؤالاً، وإنما مجرد ذكر شيئاً لا بد من مناقشته.
"ثم نواصل العمل!" أجابت أمه بعزم. تردد صوتها قوياً وواضحاً في قاعة الاجتماعات الفارغة.
اتجه أنطوان بنظره إلى صورة قديمة معلقة على الحائط. هي صورة التُقطت قبل ما يقرب 40 عاماً، في اليوم الذي افتتح فيه والده برنار أول متجر كبير لشركته في شمال بيروت. كان أنطوان بالكاد في العاشرة من عمره، لكن ذكرى ذلك اليوم لا تزال ماثلة بوضوح شديد في ذهنه.
شعروا في ذلك اليوم من أيام الحرب الأهلية اللبنانية، وكأن القنابل وطلقات الرصاص قد صمتت. ففي ذلك اليوم، مع افتتاح متجر "جي جي جي" الضخم، شعرت البلد بأن الحياة مستمرة، وأن الأمل لا يزال حياً.
ولكن للأسف، بعد عامين فقط من ذلك اليوم السعيد، فر أنطوان من لبنان ليعيش بسلام في أوروبا مع والدته وإخوته الثلاثة. ولم يعد سوى بعد مرور 20 عاماً إلى موطنه الأصلي، للانضمام إلى الشركة كمدير إداري.
في الوقت الذي عاد فيه أنطوان، تغيّر لبنان بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فيما كان البلد يحاول تضميد جراحه الكثيرة. وتغير أنطوان كذلك، وأصبح رجل أعمال ناجح وصاحب سمعة دولية، وأصبح زوجاً وأباً. وتغيّر إخوته أيضاً. والد أنطوان وحده لم يتغير.
افتتح برنارد أول متجر للملابس في شبابه، وبفضل حسه التجاري وبصيرته الثاقبة وكده في العمل، طور شركته إلى شركة كبيرة للبيع بالتجزئة تملك مركزين كبيرين للتسوق وعدة فروع. وبعد 70 عاماً تقريباً كان لا يزال يدير الشركة كما لو كان يدير أول متجر لديه. كان ينبغي أن يمر كل قرار عبره، حتى شراء ورق حمام للمركز التجاري كان يتطلب توقيعه.
لذلك، عندما انضم أنطوان وأخوه الأصغر إلى شركة العائلة، كان عليهما أن يعملا ويكبرا تحت إشراف برنار. لم يكن ذلك بالأمر السهل. كان برنار يتحلى بحس إنساني عميق، لكنه كان أيضاً رجل أعمال يتصف بالصرامة والتطلب. لقد حرص في كثير من الأحيان على اختبار الأخوين، وتأليب أحدهما على الآخر، لاكتشاف وتقييم قدراتهما القيادية الحقيقية.
في النهاية، اختار برنار أنطوان ليكون وريثاً له. ثم أسس شركة ائتمانية عائلية لضمان سيطرة أنطوان على شركة "جي جي جي". عندما مرض برنار وبعد وفاته، أصبح أنطوان رئيساً ومديراً تنفيذياً لفترة أولية مدتها خمس سنوات، مُددت لثلاث سنوات أخرى بعد مناقشات مكثفة وجهد دبلوماسي طويل بذلته والدته. بعد ثماني سنوات ناجحة ومليئة بالأحداث، انتهت الفترة الائتمانية، وما عاد يفضل البقاء رئيساً للشركة، ما لم يكسب هذا الحق.
قالت والدته: "أنت الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة. الشركة تحتاج إلى قيادتك ورؤيتك. عائلتنا بحاجة إلى قيادتك ورؤيتك، الآن أكثر من أي وقت مضى!".
أجاب أنطوان: "الشركة تحتاج إلى قيادة ورؤية مدير محترف مستقل. جي جي جي كبيرة جداً وذات بنية مركبة ولا يمكن أن تبقى شركة عائلية. الخلافات العائلية تستنزف الكثير من الموارد. لا يمكنني الاستمرار في الذهاب إلى المحكمة للدفاع عن نفسي أمام دعاوى أخي. كلانا يعرف أنه لن يرفع دعوى ضد رئيس تنفيذي مستقل".
"هل تذكر ما حدث في المرة الأخيرة؟" سألت والدته.
لم يجب أنطوان. بالطبع يذكر. عينت الشركة مديراً إدارياً موهوباً من خارج العائلة، لكنها تركته يفشل. كان هو وشقيقه يفتقدان للخبرة، وكان والدهما المريض حياً ولا يزال رسمياً الرئيس التنفيذي. وسرعان ما تخلت العائلة عن الفكرة بمجملها.
واصلت الأم: "جي جي جي هي شركة العائلة، هي إرثنا".
"يا أمي، لا توجد شركة عائلية من دون أعمال مهنية. أنا أدير العائلة طيلة الوقت، حتى يسمحوا لي بإدارة الشركة. لا أعرف كم من الوقت يمكنني الدفاع عن الشركة وحمايتها من العائلة".
توقف أنطوان. إنه يفهم تماماً أهمية العائلة. لقد بذل كل ما في وسعه للموازنة بين متطلبات العمل ومطالب إخوته، على الرغم من عدم اتفاقه معهم في كثير من الأحيان.
وهو يفهم أيضاً تماماً أهمية الحفاظ على جذورهم. تماماً مثل والده، شغل مقعداً في البرلمان لعشر سنوات تقريباً. لقد أحب لبنان، لكنه أدرك أنه بلد غير مستقر وسوق صغير جداً. عدا عن ذلك، كان اللاعبون الإقليميون الكبار يؤثرون في البلد.
واصل أنطوان الكلام: "تحتاج جي جي جي لأن تنمو على المستوى الدولي. كانت تجربة عمّان نكسة بالنسبة لنا، لكن علينا المحاولة مرة أخرى".
انسحبت الشركة مؤخراً من أول عملية توسع دولي فاشلة في الأردن. لم يثبط الأمر عزيمة أنطوان. ومع ذلك، كان لمشروع الأردن تكلفة رأسمالية، مالية وشخصية. العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين عارضوا التوسع باتوا الآن يعايرونه بقولهم: ألم أقل لك هذا؟ وكان أشقاء أنطوان، الذين انضموا جميعاً إلى مجلس الإدارة، منزعجين جداً من فشل تجربة الأردن، ومن مشروع فردان، ومن أي مبادرة أخرى يطرحها أنطوان خلال الاجتماعات. فهم دائماً يعطون الأولوية لتوزيع الأرباح على الاستثمارات. وحدهم أعضاء مجلس الإدارة المستقلين الذين عينهم أنطوان كانوا يفهمون ويدعمون خطط تنمية الشركة.
"يجب أن ينتخبني إخوتي لكي أبقى رئيساً. تعلمين أنهم كانوا يطالبونني بالتنحي قبل حتى أن أتولى المنصب. لن يمددوا لي".
"سأكلمهم بالطريقة نفسها مثلما كنت أفعل دائما".
"كل ما فعلتُه كان لصالح جي جي جي ولعائلتنا. كان من أجل مصلحتهم أيضاً. ومع ذلك، لا يوجد ما يجمع بينهم بقدر استيائهم مني. كم مرة يجب علي أن أتشاجر مع إخوتي؟".
"ستقاتل عدد المرات التي تحتاج جي جي جي أن تقاتل من أجلها، مع البنوك ومع الشركاء ومع المنافسين. ومع إخوتك".
نظر أنطوان إلى والدته وقال: "كل خطوة في حياة الشركة تحتاج إلى القائد المناسب. بنى أبي الشركة، وأنا حولتها إلى شركة أعمال مهنية بمعنى الكلمة. تحتاج جي جي جي الآن إلى قائد يتولى قيادة المرحلة التالية".
انضمت الأم إلى عضوية مجلس شركة العائلة قبل سنوات عديدة، في البدء مع زوجها على رأس الشركة، ثم مع ابنها أنطوان. أما أبناؤها الآخرون فقد حرصوا على ألا يجعلوا جلسات المجلس مملة فكانوا يصنعون الخلافات والمواجهات وأعمال الانتقام والقضايا والمحاكم.
لقد دعمت اتخاذ قرارات صعبة عدة مرات من قبل. شهدت العديد من المعارك وتوسطت من أجل الصلح عدة مرات.
كانت تعرف أن ابنها أنطوان قائد قوي وكفؤ ولديه كل ما يحتاجه لقيادة جي جي جي قدماً. لم تكن مستعدة لرؤيته يستسلم. أرادت له ألا يستسلم.
ولكن هل كان يستسلم، حقاً؟ أم أنه اتخذ آخر خطوة ضرورية، مهما كانت صعبة، للحفاظ على تراث الشركة للأجيال القادمة؟ إذا لم يتمكن أربعة أشقاء من إيجاد طريقة للعمل معاً بوئام، فما الذي سيحدث عندما يجتمع أبناؤهم في مجلس الإدارة؟ من ناحية أخرى، هل يمكن لشركة عائلية أن تتطلع إلى المستقبل حتى وإن لم يكن يديرها ويقودها أحد أفراد الأسرة؟
الأسئلة: هل يجب على أنطوان الاستمرار في إدارة أعمال العائلة؟ هل يجب عليه تعيين مدير تنفيذي من خارج العائلة؟ هل يتعين عليه ربما أن يتنحى عن منصبه كرئيس أيضاً؟ إذا كان الأمر كذلك، هل يجب على جي جي جي تعيين شقيق أو رئيس مستقل مكانه؟
شاركونا أفكاركم عبر ترك تعليقاتكم في الأسفل. إذا رغبتم في أن يؤخذ نشر تعليقكم بعين الاعتبار، يرجى التأكد من تضمين اسمكم الكامل واسم الشركة التي تعملون فيها أو الجامعة التي تنتسبون إليها وعنوان بريدكم الإلكتروني.