تدفع الشركات التي تقوم بتنفيذ ممارسات إدارية أكثر تنظيماً لموظفيها أجوراً أكثر إنصافاً. وهذه إحدى نتائج بحث جديد قمنا بتقديمه في اجتماع الرابطة الاقتصادية الأميركية (American Economic Association) في شهر يناير/كانون الثاني 2019. بحثنا أولي ومستمر إلا أنّ هذه النتيجة صادمة وقوية على ما يبدو. ولنكون صادقين، فقد فاجأنا ذلك.
في عامي 2010 و2015، أجرى مكتب تعداد السكان بالولايات المتحدة مسح الإدارة والممارسات التنظيمية (MOPS) بالشراكة مع فريق أبحاث يضم متخصصين في هذا المجال، بمن فيهم واحد منا (نيكولاس بلوم)، إلى جانب إريك برينجولفسون وجون فان رينين. ويجمع هذا المسح معلومات حول استخدام الممارسات الإدارية المرتبطة بعملية المراقبة (جمع البيانات وتحليلها حول سير العمل) والأهداف (وضع أهداف قصيرة الأجل وبعيدة الأجل، صعبة ولكنها قابلة للتحقيق) والحوافز (مكافأة أصحاب الأداء المتميز مع تدريب أصحاب الأداء المتدني أو إعادة تعيينهم أو فصلهم من عملهم) على نطاق عينة نموذجية شملت حوالي 50,000 محطة تصنيع في الولايات المتحدة في كل موجة مسح. نشير إلى الممارسات التي تتسم بقدر أكبر من الوضوح أو الطابع الرسمي أو التكرار أو التحديد على أنها "ممارسات أكثر تنظيماً". وقد استطاع الباحثون، من خلال مسح الإدارة والممارسات التنظيمية والمعلومات ذات الصلة، تحديد مدى أهمية استخدام هذه الممارسات الإدارية المنظمة بالنسبة للشركات وعلى مستوى الاقتصادات بالكامل، حيث تميل الشركات التي تقوم بتنفيذ أكبر عدد من هذه الممارسات إلى الأداء بشكل أفضل. أردنا أن نعرف ما تأثير هذه الممارسات الإدارية على الموظفين.
ووجدنا أن الشركات التي تمتلك ممارسات إدارية أكثر تنظيماً حسب مسح الإدارة والممارسات التنظيمية دفعت لموظفيها أجوراً أكثر إنصافاً، بقياس الفرق بين أجور الموظفين لدى أعلى 90% وأدنى 10% في كل شركة.
إن كان هناك ما يقال، فقد توقعنا أن يحدث العكس. ثمة تصور عام يمثل في أن المسؤولين التنفيذيين الأقوياء في الولايات المتحدة، من ميت رومني إلى جاك ويلش وشخصية مسلسل "30 روك" الخيالية جاك دوناغي، يخصصون أرباحاً في أغلب الأحيان للأشخاص الأعلى أجراً في شركاتهم. افترضنا أن وجود إدارة أكثر تنظيماً سيؤدي إلى مكافأة أصحاب الأداء المتميز مقارنة بغيرهم، وبالتالي زيادة التفاوت داخل الشركة. وكما يظهر من المخطط أعلاه، فإن الواقع مختلف تماماً، وهذا صحيح حتى بعد التحكم في عوامل التوظيف واستخدام رأس المال وعمر الشركة والقطاع التجاري والدولة ومستوى تعليم الموظفين.
وكما هو موضح، يمكن تنظيم الممارسات الإدارية التي قاسها مسح الإدارة والممارسات التنظيمية إلى ثلاثة تصنيفات: المراقبة أو الأهداف أو الحوافز. يكشف بحثنا عن أنّ العلاقة السلبية بين الإدارة المنظمة والتفاوت في الأجور تنتج عن علاقة سلبية قوية بين استخدام ممارسات المراقبة المنظمة والتفاوت في الأجور. وفي المقابل، وُجدت علاقة إيجابية بين الاستخدام المرتفع لممارسات الحوافز المنظمة والتفاوت، على الرغم من ضعف هذه العلاقة. بعبارة أخرى، تشير نتائجنا إلى أنّ الشركات التي تقوم بجمع معلومات محددة ومتكررة حول أنشطتها التجارية وتحليلها تميل إلى امتلاك فجوة أصغر بين دخل الموظفين في أعلى هرم توزيع الدخل ودخل الموظفين في قاعدة هذا الهرم.
ما الذي يجري هنا؟ لا يستطيع بحثنا الإجابة عن هذه السؤال حتى الآن، ولكن لدينا بعض الفرضيات.
تظهر الأبحاث السابقة أن الشركات ذات الممارسات الإدارية الأكثر تنظيماً تعتبر أكثر ربحية في المتوسط، ويوجد منذ وقت طويل دليل على أن الشركات تقوم بمشاركة بعض الأرباح مع موظفيها عندما تحقق أرباحاً إضافية. وربما تخصص الشركات ذات الممارسات الأكثر تنظيماً هذه الأرباح ليحصل الموظفون ذوي الأجور المنخفضة على حصة أكبر من الأرباح.
ويمكن أن تؤدي هذه العلاقة إلى زيادة في الكفاءة، حيث قد تمتلك الشركات ذات الممارسات الأكثر تنظيماً موظفين ذوي دخل متدن يتسمون بكفاءة كبيرة، نتيجة للتدريب أو الممارسات الرقابية، وتعكس أجورهم تلك الكفاءة الإضافية.
وأخيراً، يمكن أن تركز الشركات ذات الممارسات الأكثر تنظيماً بشكل أكبر على مهام معينة وتعتمد بشكل أكبر على التعهيد الخارجي. وتتجه الكثير من الشركات إلى التعهيد الخارجي لمهام مثل التنظيف وتقديم الوجبات والأمن والنقل. وإذا كان التعهيد شائعاً بقدر أكبر لدى الشركات التي تستخدم ممارسات أكثر تنظيماً، فلن يكون الموظفون الذين يقومون بمهام خارج نطاق المهام الرئيسة للشركات على قوائم الأجور المباشرة فيها. إذا كانت الوظائف المتعهد بها أقل أجراً من الوظائف التي يقوم بها الموظفون، فإن بيانات الأجور لدى الشركة ستكون أكثر إنصافاً.
وعلى الرغم من عدم وضوح ما تعنيه العلاقة بين الإدارة والتفاوت في الأجور حتى الآن في الصورة الكاملة للتفاوت، إلا أنها تشير إلى شيء مذهل بالنسبة للشركات. قد يعتقد بعض المدراء أن الشركات الناجحة تخصص أرباحاً للأشخاص الأعلى أجراً في الشركة، ما يؤدي إلى زيادة التفاوت. ويقترح بحثنا أن ذلك ليس بالضرورة ما هو عليه الحال، حيث يعتبر وضع الأهداف وحث الموظفين على تحقيقها ومراقبة تقدمهم نحو إنجازها، سمات بارزة للشركات الناجحة. ومهما كانت الأسباب، يبدو أن هذه الممارسات تسير جنباً إلى جنب مع أجور أكثر إنصافاً.