ما أكثر مواردك ندرة في العمل؟
يجيب معظم الناس من دون تردد بأن المورد الأكثر ندرة هو الوقت. بالتأكيد، الوقت هو مورد محدود، لكنني أود أن أقول إنه ليس أكثر مواردك ندرة. في نهاية المطاف، يمتلك الجميع القدر نفسه من الوقت، وعلى الرغم من ذلك، فإن الاختلافات الفردية في الإنتاجية يمكن أن تكون هائلة.
يمكن أن تكون الإجابة الأفضل عن ذلك السؤال هي الانتباه؛ أي القدرة الشخصية على التركيز على الأمور المهمة وتخصيص الوقت الكافي لها. أشار العالم الحائز جائزة نوبل، هربرت سيمون، قبل 40 عاماً، إلى أنه عندما تكون المعلومات وفيرة، يصبح الانتباه هو المورد الأكثر ندرة.
إدارة الانتباه
لذلك، من المحتمل أن يكون التحدي الأكبر الذي نواجهه بوصفنا قادة وأفراداً في العمل هو إدارة الانتباه. يتطلب هذا الأمر اتباع نهج مدروس ومنضبط حول كيفية تقسيم وقتنا بين الأنشطة المختلفة، وحول كيفية تشجيع الآخرين على التركيز على الأمور المهمة. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
أولاً، ركز على دورك بوصفك مسهماً فردياً في الفريق. إذا كان الانتباه هو أكثر مواردك ندرة، فإن الخطوة الأولى التي يجب عليك اتخاذها هي تنظيم نفسك وضبطها لتقليل المقاطعات ومشتتات الانتباه. لذلك، إذا كنت تعمل على مشروع يحتاج إلى تركيز حقيقي، مثل كتابة تقرير، فعليك ضبط هاتفك على الوضع الصامت، وإغلاق تطبيق البريد الإلكتروني آوتلوك وتطبيق فيسبوك. على الرغم من أن هذه الأمور معروفة وبديهية، فإنه من الغريب تكرار إهمالنا لها وعدم التزامنا بتنفيذها ومدى سهولة تشتت انتباهنا.
التوقف عن جمع المعلومات
الأمر الثاني والأكثر صعوبة، هو تحديد الوقت المناسب للتوقف عن جمع المعلومات. عندما كنت طالب دكتوراة، كانت تكلفة الحصول على المعلومات مرتفعة؛ إذ كنت أضطر إلى الذهاب إلى المكتبة للحصول على نسخ من التقارير السنوية أو الأبحاث الأكاديمية. على الرغم من انخفاض تكاليف الحصول على المعلومات إلى حد كبير في الوقت الحالي، فإن سهولة الوصول إليها يدفعنا غالباً إلى مواصلة جمع المعلومات حتى بعد حصولنا على بيانات كافية لاتخاذ القرارات أو إعداد التقارير. كيف يمكننا تجنب هذا "الشلل التحليلي"؟ أفضل طريقة هي صياغة فرضيتك أو حجتك في وقت مبكر، بحيث تتمكن من تركيز بحثك على تأكيدها أو دحضها. إذا لم تنجح هذه الطريقة، يمكنك ببساطة تحديد موعد نهائي لإنجاز المهمة. عند العمل مع زملائي، أتبع قاعدة تساعدني على تجنب الانخراط في عملية بحث غير محددة المدة، وذلك من خلال الحرص على إنجاز مهمة ما وإرسالها إليهم في نهاية اليوم.
اتخاذ القرارات
ثالثاً، على الرغم من أننا نعيش في عصر الانتشار الواسع للمعلومات، يجب ألا نتردد في إدراج حدسنا وعواطفنا في اتخاذ القرارات. على الرغم من وجود رغبة شديدة في البحث عن دلائل تدعم كل حجة نقدمها، فإن أنجح قادة الأعمال، مثل جاك ويلش وستيف جوبز وجيف بيزوس، سعوا باستمرار إلى الجمع بين التفكير العقلاني والحدسي. يُعد الحصول على رؤية شاملة ومفهومة للموضوع أكثر فائدة وقيمة من تجميع البيانات وتحليلها دون فهم عميق.
أخيراً، على الرغم من توافر كثير من المعلومات، فمن المهم أيضاً تخصيص وقت للتفكير في تلك المعلومات. هذه تقنية بسيطة تشبه التأمل أو اليقظة الذهنية؛ إذ إنها تعني ببساطة أخذ فترات استراحة خلال اليوم، ربما في أثناء التنقل أو ممارسة التمارين الرياضية، وذلك لاستيعاب المعلومات والمحفزات التي تعرّضت لها ولكي تسمح لأفكارك بالتبلور. عندما لا أستطيع التركيز، فإنني أمارس السباحة مدة نصف ساعة؛ إذ يساعدني ذلك في تصفية ذهني وتوضيح أولويات عملي التالية.
الآن ركز على دورك بوصفك مديراً. تذكّر أن أعضاء فريقك عرضة لفقدان التركيز وتشتت الانتباه مثلك تماماً؛ إذ إنهم حساسون للغاية للمحفزات والإشارات التي تأتي من القيادة العليا. على سبيل المثال، إذا بدأت الحديث عن مبادرة وشيكة لخفض التكاليف، فإنك ستؤثر على تركيز انتباه فريقك، حتى لو لم تقصد ذلك. تُعد التعديلات على المسميات الوظيفية وتصميم مكان العمل وجدول أعمال الاجتماع الأسبوعي وقرارات الترقية إشارات تلفت الانتباه وتشكّل مجتمعة رؤية الأشخاص حول الأمور التي تحمل أهمية، وبالتالي، تؤثر على سلوكهم. صاغ هذه الفكرة أول مرة المؤلفان توم دافنبورت وجون بيك في كتابهما "اقتصاد جذب الانتباه" (The Attention Economy).
إذا بدأت التفكير في دورك بوصفك مديراً لانتباه فريقك، فإليك بعض النصائح البسيطة التي يجب عليك اتباعها. أولاً، من الضروري التأكد من وضوح رسالتك وبساطتها. إذا ركزت على أمور مختلفة كل أسبوع، فمن الممكن أن يُصاب أفراد الفريق بالارتباك والتشتت وقد يفقدون الاهتمام بتوجيهاتك ورسائلك ولا يعطونها الاهتمام الكافي. لكن إذا كررت الرسالة نفسها باستمرار، فمن المحتمل أن يكون لها تأثير كبير على سلوك فريقك. على سبيل المثال، يبدأ معظم شركات التعدين كل اجتماع بما يُسمى "مشاركة السلامة"، وهي قصة عن حادث متعلق بالسلامة وقع مؤخراً، تُعد هذه الطريقة بسيطة وفعالة لتعزيز الوعي حول السلامة والحفاظ عليها في مقدمة الأولويات.
ثانياً، حدد بوضوح محور الانتباه الافتراضي لفريقك، حتى تتمكن من وضع استراتيجية حول كيفية تحويل تركيز فريقك نحو أمور أخرى. إليك مثالاً على ذلك، كانت إحدى شركات البرمجيات العالمية تخسر فرصاً واعدة في آسيا بسبب تفضيلها لاحتياجات السوق الأوروبية (مقرها الرئيسي تاريخياً) عند اتخاذ القرارات. نقل الرئيس التنفيذي عمله (مؤقتاً) إلى آسيا؛ وتبدلت مواعيد اجتماعات الفريق العالمي بين الصباح في أوروبا وبعد الظهر في آسيا؛ وتناوب على رئاسة الاجتماعات كل من الموقعين؛ وتضمن جدول الأعمال مناقشة المسائل الإقليمية بالإضافة إلى المسائل العالمية. من خلال تعديل هذه الإشارات الرمزية نسبياً، حدث تحول ملحوظ في السلوك نحو التركيز بصورة أكبر على آسيا دون فقدان الاهتمام بأوروبا، وذلك بدلاً من إجراء تغييرات جذرية في نظام المكافآت أو الهياكل الإدارية.
تتمثل مهمتنا الرئيسية بوصفنا مدراء في استخدام الموارد النادرة بكفاءة. في عصر الصناعة، كانت الموارد النادرة تتمثل في رأس المال والعمالة، أما في عصر المعرفة، فأصبحنا ننظر إلى المعرفة والمعلومات بوصفها موارد نادرة يجب علينا الاستفادة منها، لكن الآن، ازداد انتشار المعلومات على نطاق واسع وأصبحت المعرفة مشتركة ومتبادلة بين الشركات، وبالتالي، أصبح أهم مورد نادر هو انتباهنا وانتباه موظفينا، لذلك، يجب علينا أن نكون أكثر ذكاءً بشأن كيفية إدارة هذا المورد الثمين.