يوظّف أفضل المدراء عادة أشخاصاً أذكياء ليعملوا تحت إمرتهم. ولكن ماذا لو كان مرؤوسوك المباشرون أذكى منك؟ كيف تتولّى إدارة أناس يمتلكون خبرة أو معرفة أكبر من تلك الموجودة لديك؟ وكيف يمكنك أن تكون مرشداً وموجّهاً لهم إذا لم تكن تتمتّع بذات المستوى من الخبرة؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
لا شكّ في أن ترقيتك إلى وظيفة تشمل تولّي المسؤولية عن مجالات تقع خارج نطاق خبرتك، يمكن أن تكون أمراً مرعباً جدّاً. فموظفوك يمكن أن يطرحوا عليك أسئلة لا تعلم الإجابات عنها، وقد لا يفهمون الوضع فهماً كاملاً. "عندما تكون خبيراً تقنّياً، فإنك تعلم قيمتك بالنسبة للمؤسسة"، تقول واندا والاس، الرئيسة التنفيذية لمنتدى القيادة (ليدرشيب فورام) ومؤلفة كتاب "الوصول إلى القمّة". "لكن عندما لا تكون خبيراً في المضمون والمحتوى - أو عندما لا تكون "أفضل" خبير في المحتوى التقني، فإنّ ذلك يجعلك تعاني في الإجابة عن السؤال التالي: ما هي قيمتي؟" فالإجابة عن ذلك السؤال تحتاج إلى تغيير في الذهنية. "لم يعد دورك يقتصر على أن تكون شخصاً واحداً يقدّم كل الإسهامات"، كما تقول ليندا هيل، وهي الأستاذة الجامعية في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب "كيف تكون مديراً". "وإنّما وظيفتك هي أن تهيئ الأرضية، وهذا يعني بأنه سيكون لديك مرؤوسين أكثر خبرة منك، وأكثر اطلاعاً على آخر المستجدّات، وأطول باعاً يعملون تحت إمرتك". ورغم أنّ هذا الأمر قد يجعلك تشعر بقدر كبير من عدم الارتياح من الناحية المهنية في بادئ الأمر، إلا أنّه يحمل لك نتائج إيجابية مستقبلاً. "كلّما ارتقيت إلى مرتبة أعلى ضمن مؤسستك، كان منتظراً منك اتخاذ قرارات في مجالات قد لا تكون لديك فيها الخبرة أو التجربة المطلوبتين"، يقول روجر شفارتز، الاختصاصي بعلم النفس المؤسسي ومؤلف كتاب "قادة أذكياء، فرق أذكى". "فهذه هي بداية التحوّل في مسارك المهني والوظيفي". وفيما يلي بعض النصائح التي تساعدك في جعل هذا التحوّل يسير بأكبر قدر ممكن من السلاسة.
واجه مخاوفك
من الطبيعي أن تشعر بالقلق أو بعدم الأمان تجاه قدرتك على تولّي إدارة شخص يمتلك خبرة أو معرفة تفوقان ما هو لديك. "فالعمل ينطوي على عواطف وانفعالات"، كما تقول والاس. "وعندما تقود مجموعة من الأشخاص يعرفون عن تفاصيل العمل اليومي أكثر منك، فإنك ستحسّ بشعور مرعب". ووفقاً لشفارتز، تتمثّل الخطوة الأولى في أن تحدّد ما إذا كانت مخاوفك تستند إلى الواقع أم أنها من نسج الخيال. "إذا لم يكن أحد قد أخبرك شيئاً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنك بحاجة إلى أن تلقي نظرة أعمق في داخلك وإلى أن تطرح على نفسك السؤال التالي: ما هو مصدر هذا الخوف؟" وتوافق هيل على فكرة شفاترز مضيفة بأن تجاهل الشك بالنفس يمكن أن يكون أمراً خطيراً. السبب الأهم لذلك هو أنك، "إذا شعرت بأنّك مهدّد فإن الناس الآخرين سيلتقطون تلك الإشارات". أمّا السبب الثاني فهو أنك "إذا لم تشعر بالارتياح تجاه تقديم الإرشادات والتوجيهات لشخص أكثر خبرة منك، فقد تلجأ في نهاية المطاف إلى تجاهل ذلك الشخص".
اطلب المشورة من الآخرين
حاول أن تتواصل مع مدراء آخرين ربّما يكونون قد واجهوا تحدّيات مشابهة. "فالحديث مع الأقران، والموجّهين، والمرشدين عن مشاعرك ومخاوفك بخصوص عدم كفايتك لأداء المطلوب" سيساعدك بالشعور بقدر أقل من العزلة، وقد يعطيك أفكاراً حول كيفية التعامل مع الوضع، تقول والاس. كما قد يكون من المفيد أن تتحدّث إلى مديرك، وفقاً لشفارتز. "اطرح عليه مخاوفك، واسأله عن السبب الذي دعاه إلى اختيارك لتولّي هذا الدور وما هي القيمة التي تضيفها إلى العمل"، يضيف شفارتز. هذا لا يعني بأنّك شخص كثير التذمّر. فعلى حدّ رأيه، "ليس هناك أي مشكلة في طلب التطمينات. كما أن الإجابات التي يقدّمها مديرك ستدلّك على نقاط قوّتك والجوانب التي يحتاج مرؤوسوك إلى تطوير فيها.
حاول أن تزيد معلوماتك
في مؤسسات الأمس، كان المدير هو المعلّم، بينما كان يتعيّن على الموظفين أن يتعلّموا منه وأن ينفّذوا الأشياء بحسب الأوامر المعطاة لهم. أمّا اليوم، فإن "التعلّم هو عملية متبادلة" كما يقول شفارتز. قل لمرؤوسيك المباشرين بأنك ترغب في أن تتعلّم منهم وأظهر لهم ذلك عملياً من خلال "خلق فرص تساعد على حصول هذا الشيء"، يقول شفارتز. أما والاس فتضيف إلى ذلك قائلة: "لست بحاجة إلى أن تصبح خبيراً تقنياً، لكنك محتاج إلى أن تعرف ما يكفي من التفاصيل لتعلم أين تقع المشاكل". وهي تقترح ملازمة أعضاء الفريق كظلّهم ليوم كامل أو حتى لساعتين "مع طرح الكثير من الأسئلة الغبية عليهم". حاول أن تعرف ما هي الأمور التي تقلقهم، وما هي العقبات التي يواجهونها، ومن هم الأشخاص الذين يمكن أن يزوّدوهم بمعلومات مفيدة. فوفقاً لوالاس: "حاول أن تتعرّف بالتفصيل على ما يقوم به الموظفون في فريقك. فهذا الأمر يشكّل حافزاً هائلاً لهم".
واجه أي قضية تعترض سبيلك
إذا عبّر أعضاء فريقك عن مخاوفهم تجاه قدرتك على القيادة، أو إذا سمعت بأنّ الشائعات السلبية الدائرة في المكتب تطالك، فإنك بحاجة إلى مواجهة القضية مباشرة ودون مواربة. وعندما تتعامل مع مرؤوس يبدي سلوكاً عدوانياً علنياً أو يسعى جاهداً ليحلّ مكانك في منصبك، فإنك يجب أن تكون صريحاً و"أن تكون مستعدّاً لإبداء ضعفك"، بحسب شفارتز الذي يقترح عليك قول أشياء من قبيل: "أعلم بأنّك تمتلك خبرة وتجربة أكبر ممّا امتلك، وأعلمُ أيضاً أن لديك بعض المخاوف تجاه هذا الأمر. لكن لا تواجهه بطريقة تحاول فيها بأن تحمي اعتدادك بنفسك". عوضاً عن ذلك، حاول أن تتحدّث مع ذلك الشخص بشيء من الفضول المعرفي وناقشه "في الأشياء التي بوسعك القيام بها للمساعدة في تلبية احتياجاته". لكن هيل تذكّرك بأنّ هدفك هو "معرفة الطريقة الأنسب لكي تعملا معاً، وكيف ستقدّم الدعم له".
قدّم رأيك بأداء الآخرين واطلب رأيهم بأدائك
من الحماقة أن تفكّر في تقديم رأيك بأداء مرؤوسك المباشر في المجال الذي يعتبر هو خبيراً فيه، ولاسيما عندما لا تكون لديك المؤهلات الفنية التي تسمح لك بفعل ذلك، كما تقول والاس. لذلك احتفظ بتعليقاتك إلى المجالات التي تتمتّع بالسلطة والمشروعية فيها، بحسب رأيها. حاول أن تعثر على القضية الأكثر أهمية وكن محدّداً في كلامك. قل له مثلاً: "أودّ الحديث معك حول الطريقة التي تتواصل بها مع فريق المبيعات". اعطه مثلاً، وتحدّث معه حول ما حصل، وحول النتيجة. ولكن حاول أيضاً أن تأخذ من الآراء بمقدار ما تعطي، بحسب رأي هيل التي تقول: "يجب أن توضح للشخص الآخر بأنك أنت أيضاً مرتاح لتلقّي رأيه فيك وفي أدائك. فهذه هي الطريقة التي ستساعدك على أن تتطوّر وتصبح شخصاً أفضل".
حاول أن تقدّم قيمة مضافة إلى فريقك
لعلّ الطريقة الأفضل لكي يكسب المدير بها مصداقيته وجدارته بالثقة هي أن يُظهر "القيمة المضافة التي يقدّمها إلى فريقه" كما تقول والاس. وقد يتضمّن ذلك "كيف تؤلّف بين قلوب الناس، أو كيف تستفيد من شبكاتك لإنجاز المهام المطلوبة، أو كيف تتواصل مع جميع الأطراف المعنيّة، أو نظرتك الواسعة إلى الأمور". تقول هيل بأنّه ينبغي عليك أيضاً أن تظهر رغبتك في مساعدة موظفيك على الارتقاء في حياتهم المهنية. وهي تقترح طرح أسئلة من قبيل: "ما الذي تطمح إلى تحقيقه مستقبلاً؟ وما هي الأشياء التي ترغب في تعلّمها؟ وما الذي تحتاجه منّي؟" ويضيف شفارتز قائلاً: "لست محتاجاً إلى تكون بمثابة المرشد أو الموجّه لذلك الموظف، لكنّك بحاجة إلى مساعدته على التطوّر والارتقاء".
امنح الموظفين بعض المساحة
بوصفك أنت القائد، فإن واحدة من أهم مسؤولياتك تتمثّل في "خلق بيئة تسمح للناس بأن يعبّروا عن مواهبهم فيها"، بحسب هيل. وهذا الأمر يتطلّب منك أن تتعلّم كيف ترجع خطوة إلى الوراء لكي تسمح لذلك الشيء بأن يحصل. وتضيف هيل قائلة: "لم يعد دورك يتطلّب منك أن تكون الشخص الأذكى في الغرفة بعد الآن. وإنّما يتمثّل دورك في إفساح المجال أمام الآخرين. ففريقك يجب أن يشعر بأنك موجود لخدمته دائماً" تماماً كما يحاول الأب والأم أن يساعدا ابنهما الصغير على تعلّم المشي. وتتابع هيل كلامها: "كن حاضراً، لكن لا تمسك بيد الموظف طوال الوقت". كما تُعتبر الشفافية ضرورية. فوفقاً لولاس: "حدّد بذكاء ما هي المعلومات التي يجب أن تنقل إليك بالضبط، وما هي الوتيرة التي يجب إطلاعك بها على آخر المستجدّات". قل لفريقك متى تحتاج إلى تقديم تقرير إلى كبار القادة في الشركة يشرح لهم التقدّم المُحرز، "فعندما يعلم المرؤوسون المباشرون السبب الذي يدفعك إلى التمحيص في التفاصيل، فإنهم سيُبدون قدراً أكبر من التحمّل. ولكن عندما لا يقدّم لهم أحداً تفسيراً بخصوص ما يجري، فإن ذلك سيقودهم إلى الشعور وكأنّك لا تثق بهم".
اظهر بأنكّ شخص واثق، لكن دون مبالغة
حتى لو شعرت أحياناً بأنك غارق في وضع صعب للغاية، فمن المهم أن تبدي القدر الصحيح من الثقة بالنفس. لكن "يجب أن يكون هناك توازن" كما تقول والاس. "إذا ظهرت في عيون الآخرين بوصفك شخصاً يمتلك ثقة مفرطة بالنفس، فإن موظفيك لن يثقوا بك" وسينظر إليك الناس على أنك شخص مغرور. "وفي المقابل، إذا بدوت شخصاً خائفاً حتى الموت، فإنك لن تُعتبر شخصاً يتمتّع بالمصداقية". كما يتعيّن عليك أن تتعلّم كيف تجعل الناس يشعرون بحضورك كأحد المدراء التنفيذيين. وليس هناك وصفة سرّية لذلك: كن هادئاً، وكن محترماً، وخذ نفسك وخذ الآخرين على محمل الجد. اعلم متى تكون التفاصيل ضرورية، ومتى لا تكون ضرورية. "فعندما يراك فريقك حاضراً ورابط الجأش وسط كبار المدراء، فإنهم سيقدّرونك حقّ قدرك".
وتذكّر المبادئ التالية
ما الذي يجب أن تفعله
- تحدّث مع مديرك عن الصفات والمزايا التي تضيفها إلى دورك الذي تشغله
- حاول أن تعثر على طريقة لإضافة القيمة إلى فريقك ولمساعدة موظفيك على التقدّم في مسارهم المهني
- حاول أن ترجع خطوة إلى الوراء لكي تمكّن موظفيك من أداء عملهم دون أن تتدخّل فيه كثيراً
ما الذي يجب أن تتجنّبه
- لا تتجاهل شعورك بشيء من عدم الأمن؛ وحاول التهدئة من انفعالاتك السلبية، واطلب المشورة من الآخرين بخصوص كيفية التعامل مع هذه الانفعالات والمشاعر
- لا تشعر بأن المعرفة الموجودة لدى مرؤوسك المباشر تشكّل مصدر تهديد بالنسبة لك؛ عوضاً عن ذلك حاول البحث عن فرص لكي تتعلّم منه
- لا تكن مغروراً؛ فإذا ما ظهرت في نظر فريقك بأنك شخص مفرط الثقة في نفسه، فإن هذا الفريق لن يثق بك
الحالة النموذجية الأولى: حاول تثقيف نفسك في المجال الذي يُعتبر مرؤوسك المباشر بارعاً فيه
في مطلع هذا العام، أعلنت إميلي برنز، الرئيسة التنفيذية لشركة ليرنيفور، عن رغبتها في تعيين مدير للشؤون التكنولوجية في شركتها الناشئة التي تتّخذ من بوسطن مقرّاً لها والتي كانت إميلي قد أسّستها لمساعدة الناس في العثور على مدرّسين وموجهين ومشرفين محليين ودورات محلية.
مرشحها المثالي لشغل الوظيفة كان يجب أن يمتلك أرفع المهارات في مجال التطوير، وأن يجيد عدداً من لغات البرمجة، وأن يمتلك فهماً عميقاً للتكنولوجيات الناشئة في مجال الإنترنت. باختصار، كانت إميلي بحاجة إلى شخص يمتلك معارف وقدرات لم تكن هي شخصياً تحوز عليها. تقول إميلي: "الجزء الأصعب في عملية تعيين الناس الذين يمتلكون خبرات لا تمتلكها أنت هو كيف تجري تقويماً لقدراتهم. وأنا أدركت بأنني بحاجة إلى أن أثقّف نفسي بما يكفي في المجال الذي يبرعون فيه".
لذلك عمدت إميلي إلى المطالعة بكثافة؛ وتحدّثت إلى أشخاص آخرين ضمن هذا القطاع لتطلّع منهم على آخر المستجدّات والتطوّرات الحاصلة فيه. "لقد تعلّمت كيف أقيس جودة منتج العمل حتى لو لم أكن قادرة على إنجاز العمل بنفسي. وعرفت أيضاً الزمن المطلوب لإنجاز المهام، وما هي الأشياء القابلة للإنجاز، وما هي الأشياء غير القابلة للإنجاز".
لقد كان لعملية البحث هذه ميزتان: أولاً، جعلت عملية التوظيف أسلس، وثانياً، ساعدت إميلي في تولّي مسؤولية إدارة هيثير، المديرة الجديدة للتكنولوجيا لديها. حيث تقوم إميلي بصياغة الرؤية التي توضح "شكل النجاح المطلوب" وتشرحها لهيثير، لكنّها لا تعطيها تعليمات تفصيلية حول كيفية تحقيق هذه الرؤية. تقول إميلي: "أنا أفهم البنية البرمجية لتطبيقنا الإلكتروني بشكل عام، وبالتالي أستطيع أن أخبر مديرة شؤون التنكولوجيا لدي ما الذي أحتاجه منها، لكن أترك لها اختيار الطريقة الأنسب لإنجاز المهمّة".
اليوم تعمل إميلي وهيثير معاً لتعزيز موقع الشركة بحيث تتمكّن من الحصول على تمويل محتمل قد يكون متاحاً لهذا النوع من الشركات. وقد اختارتا المقاييس التي تحتاجانها لتعزيز التطبيق الإلكتروني والمزايا الجديدة التي يجب إضافتها إليه. وفي هذا الصدد تقول إميلي: "تتفهّم هيثير الأسباب التجارية الإجمالية التي تدفعنا إلى فعل هذه الأشياء؛ وهي قادرة دوماً على العثور على طرق تسهم في تحسين التكنولوجيا لدينا، كما أنها تطرح على الدوام أفكاراً توفّر علينا الوقت أو المال". وتختتم إميلي كلامها قائلة: "إذا كنت تعلم كيف تؤدّي المهمّة الموجودة بين يدي شخص ما، يمكنك أن تخبره كيف يجب أن ينجزها. ولكن عندما لا تعلم ذلك، فما عليك ساعتها إلا أن تصغي وأن تبدي احترامك".
الحالة النموذجية الثانية: قدّم لأعضاء فريقك الدعم والموارد المطلوبة
في مرحلة مبكرة من حياة ميرديث هابرفيلد المهنية، عُيِّنت في منصب نائب الرئيس في إحدى الشركات المتخصّصة بتقديم خدمات التسويق، وأوكلت إليها مسؤولية فريق كبير مليء بالناس الذين كانوا "أكثر خبرة وأكثر قدرة" منها. تقول ميرديث متذكّرة تلك الحقبة: "كانوا أدرى منّي بالطريقة الأنسب لبناء الشركة".
كانت ميرديث قد عانت حينها من أزمة ثقة: "فكّرت وقتها بيني وبين نفسي وطرحت على نفسي السؤال التالي: "كيف يمكنني أن أقود هؤلاء الناس؟ وما هي القيمة التي أضيفها إليهم؟""
لقد ساعدتها محادثة أجرتها مع أحد المُرشدين في تغيير وجهة نظرها. فقد ذكّرها هذا المرشد بأنها قد عُيِّنت في منصبها لسبب: حيث أن من يتربّعون على أعلى الهرم في الشركة كانوا يعتقدون بأنّ لديها ما تقدّمه. كما أكّد لها هذا المرشد بأن واجب المدير لا يتمثّل في أداء الوظيفة نيابة عن موظفيه، وإنّما في مساعدتهم على تحسين أدائهم في العمل. تشرح ميرديث الأمر قائلة: "كانت وظيفتي هي البحث عن الأشياء التي لم يروها ومساعدتهم على التألق بشكل أكبر. كما أخبرني المرشد بأن شعوري بعدم الأمن لن يكون سوى حجر عثرة في طريقي، لذلك توجّب عليّ التخلي عن القلق من فكرة تفوّق هؤلاء المرؤوسين عليّ".
ومنذ تلك اللحظة فصاعداً، ركّزت ميرديث، بحسب قولها على تقديم "الرؤية والتوجّه والاستراتيجية". وأضافت: "كنت أسهر على تزويد فريقي بكلّ ما يحتاج إليه لكي يزدهر".
لقد عزمت ميرديث على تكوين علاقات قويّة مع أعضاء فريقها والمحافظة على هذه العلاقات، لذلك منحتهم هامشاً واسعاً للتحرّك. وقد وثقت بخبراتهم وتجاربهم ولم يكن يهمّها كثيراً ما هي الطريق التي يسلكونها لكي ينجزوا أعمالهم. "لقد حمّلت أعضاء فريقي المسؤولية عن نتائجهم، وليس عن نشاطهم، وأعطيتهم مساحة هائلة لكي يتحرّكوا ضمنها بغية تقديم النتائج المرجوّة،" تقول ميرديث.
كما أظهرت ميرديث تواضعها أيضاً. فعندما كان مرؤوسوها المباشرون يطرحون عليها أسئلة لا تعرف الإجابة عنها فإنها لم تكن تخجل من البحث عن أشخاص يعرفون الإجابات عن هذه الأسئلة، سواء كان هؤلاء الأشخاص من داخل الشركة أو من خارجها. وقد حرصت على نسب الفضل إليهم في كل النتائج التي كانوا يحققونها. تقول ميرديث: "مشاركة الناس مجدهم والاحتفال معه علناً هو أمر هام للغاية. فقد أظهر ذلك بأنني لم أكن أتطلّع إلى لعب دور البطلة أو الخبيرة".
بعد مرور أربع سنوات عليها في منصبها، بيعت الشركة بأكثر من مئتي مليون دولار إلى شركة أخرى مدرجة في البورصة. أمّا اليوم فإن ميرديث تشغل منصب الرئيسة التنفيذية المؤسسة لمجموعة ثينك – هيومان، وهي عبارة عن مجموعة متخصّصة بتقديم خدمات الإرشاد والتوجيه والمشورة في مجال الإدارة. تقول ميرديث: "عندما أنظر إلى الوراء وتحديداً إلى تلك السنوات، أراها على أنها بمثابة الماجستير في إدارة الأعمال الذي حصلت عليه في الميدان".