هل يمكن إدارة آمال المرضى حقاً؟ لقد أعلنت مراكز خدمات برنامجي "ميديكر" و"مديكايد" (CMS) التي تقدم خدماتها الطبية في الولايات المتحدة الأميركية عن مبادرة "الرعاية الأولية أولاً" (Primary Care First)، التي تضم مسار مكافأة حديث للرعاية بالسكان من ذوي الحالات الصحية الخطيرة: ستكون ممارسات الرعاية الأولية المشاركة مسؤولة عن المساعدة في انتقال الأفراد المنتسبين لشريحة السكان من ذوي الحالات الصحية الخطيرة من معالجة شافية إلى رعاية ممتازة في مرحلة الاحتضار. وستتطلب هذه المكافآت من الكثير من الأطباء السريريين تعلم مجموعة مختلفة من المهارات: إدارة آمال المرضى تحديداً.
بعث الأمل
يخفي الأطباء السريريون في أحوال كثيرة معلومات عن تقدم المرض واحتمالية الشفاء بعد العلاج خوفاً من تحطيم آمال مرضاهم. وينبع هذا الخوف من الافتقار إلى المعرفة بطبيعة إدارة آمال المرضى ودينامياته في الحالات الصحية الخطيرة. لا يعتبر الأمل كياناً موحداً يعيش أو يموت مع فرص العلاج أو التعافي، بل عملية تتكشف جوانبها مع تقدم المرض، سواء أكان هذا العلاج ناجحاً أم لا.
يمر المرضى من ذوي الحالات الصحية الخطيرة بمرحلتين مختلفتين من الأمل مع تقدم حالتهم المرضية. أولاً، يدعمهم الأمل المركّز خلال مرحلة العلاج الدقيقة بينما يركزون على أهداف العلاج أو التعافي الظاهرية والملموسة. ولكن إذا أصبح العلاج غير فعال، وهذا أمر حتمي في حالات الأمراض المزمنة، فحينها يجب إطلاق الأمل المركّز، وإلا فسيتراجع إلى نوع من الأمل الكاذب الذي من شأنه أن يؤدي إلى الإفراط في العلاج، وتحديداً حالات الإدخال غير المرغوب إلى المستشفيات.
ولكن خسارة الأمل المركّز مؤلمة. يمر الأشخاص عادةً بحالة من الحزن عند معرفتهم أنّ مرضهم لا شفاء منه. هذه حالة عابرة، وإن طالت دون مبرر، فقد يشير ذلك إلى تقييم للحزن المعقد أو الاكتئاب. إطلاق الأمل المركّز مهم لأنه يتيح فرصة للأمل الداخلي، الذي يتمحور حول أهداف شخصية مثل جودة الحياة أو البحث عن معنى. يعتبر الأمل الداخلي سمة فطرية، على الرغم من أنّ تطوره قد يكبحه الإنكار والصدمة العاطفية في مرحلة مبكرة من الحياة، أو الضغوط من الأطباء السريريين الذين يقدمون علاجاً أكثر مما ينبغي للمرضى الذين قد يفضلون الرعاية المريحة بدلاً من ذلك ولكن لا يُسألون عن هذا الأمر أبداً.
نوع آخر من الإدارة
إدارة الأمل مختلفة عن إدارة العلاج، حيث يتدخل الأطباء السريريون وفقاً للتعليمات والبروتوكولات، ويحكمون بالنجاح أو الفشل من خلال مقاييس فسيولوجية موضوعية. ويسفر هذا النهج عن نتائج عكسية عند قيام الأطباء السريريين بتطبيقه على عملية بعث الأمل.
المرضى الذين يواجهون مرحلة الاحتضار يكونون هم وأسرهم سريعو التأثر. ويمكن أن يؤدي وضع التوقعات وإطلاق الأحكام إلى أعباء إضافية على الأشخاص الذين يواجهون الموت، ويعزز حالة الارتياب لديهم. وحتى العبارات التي تنطوي على نوايا حسنة، مثل "ستكون على ما يرام"، يمكن أن تزعج الأشخاص الذين يكونون على يقين أن الأشياء لن تكون على ما يرام بعد استقبالهم الأخبار السيئة. ومن الأكثر إنسانية وفعالية الحضور دون قيد أو شرط والمساعدة في بعث الأمل لدى المرضى بطريقة لطيفة تتسم بالرأفة.
إدارة الضغط أشبه بتدريب شخص ما لديه إمكانات عظيمة، ولكن توقعاته ومزاجه تأثرت بوجود رئيس مستبد وفاسد. هذا هو بالضبط نوع الضرر النفسي الذي يمكن أن يسببه المرض غير القابل للشفاء، ومن المفارقات أنّ العلاج الطبي الحديث يمكن أن يعززه أيضاً. عند خضوع الأشخاص الذين كانوا عاديين سابقاً إلى العلاج في المستشفيات بعد إصابتهم بمرض خطير، قد يبدؤون في التصرف كرهائن لجماعة إرهابية، وهي حالة لا تُفضي إلى إيجاد أمل داخلي.
وتتطلب إدارة الأمل وجود سمات مهمة في الأطباء السريريين، وهي سمات لا يجري التأكيد عليها عادة في التدريب الطبي التقليدي. وتتضمن هذه السمات التعاطف العميق، والقدرة على وضع إطار جديد للانتكاسات الطبية، والصبر في مواجهة الإنكار، والرحمة في مواجهة المعاناة الشديدة، والوضوح الذهني والعاطفي للرؤية من خلال اليأس.
المبادئ والممارسات لكيفية إدارة آمال المرضى
يستطيع الأطباء السريريون دعم المرضى وأسرهم خلال المسيرة الحافلة بالتحديات التي ترافق بعث الأمل. بعض الأساليب (موصوفة هنا بالكامل) المعتمدة من خلال التأمل الداخلي، ولا يجري نشرها ببساطة مثل أدوات في حقيبة أدوات معينة، يمكن أن تكون مفيدة:
- تخفيف الألم والأعراض الأخرى. يسبب الألم حالة من اليأس، بينما تسمح السيطرة على الألم بنشأة الأمل الداخلي. يتدرب مقدمو خدمات رعاية المحتضرين والرعاية المخففة للآلام على ذلك.
- طرح أسئلة متفهمة. غالباً ما يريد الأطباء السريريون المستعجلون تقديم أخبار سيئة بسرعة حتى يمكنهم الانتقال إلى الحالة التالية. ولكن عندما تكون الأخبار بأنّ ذلك المرض غير قابل للشفاء، يمكن لأسئلة معينة أن تساعد المرضى في الرحلة من ذلك الأمل المركّز إلى الأمل الداخلي، وهي أسئلة مثل "علامَ تأمل أن تحصل من العلاج"؟ و"بماذا تأمل أن نستطيع مساعدتك؟".
- مساعدة الجسم في أن يكون معلِّماً. حالات الانكماش والأعراض الجديدة مثيرة لليأس، ولكنها تتضمن في أحوال كثيرة معلومات مفيدة يستطيع الأطباء السريريون استخدامها لمساعدة المرضى خلال حالة الإنكار، ولوضع خطط هادفة. ويمكن أن يراها الأطباء بمنزلة فرص لمساعدة المرضى في فهم حقيقة تقدم المرض وتقبّله.
- الاستناد إلى الباب. إذا كانت الرسالة التي يحاول الطبيب السريري إيصالها تؤدي إلى الاستنكار، فقد تأتي محاولة كسر الباب بنتائج عكسية. ونستبدل بهذا الطرق بلطف، وعندما يُفتح الباب قليلاً، فإن مواصلة المحادثة بالشكل الذي يناسب المريض ربما يبني الثقة على مدى عدة لقاءات. في الغالب، سيفتح المريض الباب، ليس فقط للطبيب السريري، بل أيضاً من أجل الحصول على وعي أكبر بالذات، وهو الترياق لحالة الإنكار.
- تعلم الرؤية في الظلام. التعاطف يعني الإحساس بما يشعر به المريض، و البقاء في حالة تركيز عاطفي. والرحمة تعني الوقوف بجدية مع المرضى، والسماح لهم بمعرفة أنّ الطبيب السريري يمكن أن يتحمل نفس هذا الوضع الذي يجدونه لا يحتمل، فربما يستطيعون هم أيضاً تحمله مع مرور الوقت. هذا النوع من الشجاعة الصامتة مُعدٍ.
- التركيز على الجانب الآخر لليأس. الاكتئاب هو متلازمة سريرية يتعين تحديدها ومعالجتها، ولكن اليأس مختلف. عندما يدرك الأشخاص أنهم في طريقهم إلى الموت، يمكن أن يكون اليأس استجابة حتمية. وقد يتوقعه الأطباء السريريون ويتقبلونه ويعملون معه. وقد يُرى اليأس على أنه الشكل النهائي للاستسلام، وخطوة ضرورية للشفاء عندما يكون العلاج مستحيلاً، وتمريناً للإطلاق النهائي الذي سيحدث في وقت الوفاة. الإيمان يعني المعرفة بشيء ما حقيقي يكمن وراء ظلام اليوم، وليس بالضرورة في مصطلحات دينية (إلا إذا كان ذلك مهماً لدى المريض)، كجانب من ممارسة روحانية.
البحث عن شركاء
ويجب على أطباء الرعاية الأولية ألا يتولوا وحدهم مساعدة المرضى وأسرهم خلال عملية الانتقال من العلاج إلى الرعاية في مرحلة الاحتضار. وتشجع مبادرة "الرعاية الطبية أولاً" مؤسسات رعاية المحتضرين والرعاية المخففة للآلام على التعاون مع الأطباء السريريين، الذين قد يفتقرون إلى الوقت أو التدريب لتوجيه المرضى خلال عملية بث روح الأمل فيهم.
ويمكن لهؤلاء الأطباء البدء بهذه المحادثات المهمة، ثم تسليمها إلى فِرق مدرّبة لمواصلتها في الأماكن التي يعيش بها المرضى. وهذا يمكِّن الأطباء السريريين من التعامل مع عدد أكبر من المرضى، مقارنة بالعدد الذي بإمكانهم التعامل معه وجهاً لوجه. والنتيجة هي اتخاذ قرار مشترك يرتكز على الشخص ويحسن تجربة الرعاية لدى المرضى، ويعمل على تحسين المخرجات السريرية. وكما بيّن تقييم برامج الإدارة المتقدمة للأمراض، فإن إدارة الأمل تخفض الهدر في الإنفاق، ولكن بالأسلوب الصحيح، من خلال التأكد من أنّ أولويات المرضى من ذوي الحالات الخطيرة هي التي توجِّه إلى رعايتهم بالفعل.
اقرأ أيضاً: