العمل مجهد بالفعل. وفي حال أنك تخفي إعاقة ما، ستجد أن المشكلات اليومية التي تتوالى عليك كل صباح والمواعيد النهائية والسياسات المتعلقة بوظيفتك تتضاعف وتثقل كاهلك بمزيد من الأعباء. وبالتالي فإنك تعيش في خوف دائم من أن يُكشف أمرك. فتعمل وقتاً إضافياً لإخفاء حقيقتك. لكن اعلم أنك لست الوحيد.
في دراسة بعنوان "الإعاقات والشمول" التي أجراها "مركز ابتكار المواهب" (Center for Talent Innovation)، اكتشفنا أن 30% من القوة العاملة تتلاءم مع التعريف الاتحادي الحالي لمن لديهم إعاقات، وأن الأغلبية يخفون إعاقتهم. فقد تبين أن 39% فقط من الموظفين ذوي الإعاقة صرحوا بإعاقتهم لمدرائهم. بينما أفصح عدد أقل (24%) عن إعاقتهم لفرقهم، وصرّح (21%) عن إعاقتهم لمسؤولي الموارد البشرية. أما الذين أفصحوا للعملاء بأنهم يعانون من إعاقة معينة فلم تتجاوز نسبتهم الـ (4%).
بعض الموظفين لم يكن لديهم خيار سوى الكشف عن إعاقتهم. في استطلاع للرأي أجريناه، أخبرَنا 13% من الموظفين أن إعاقاتهم (أو على الأقل إحدى إعاقاتهم، إذ أن بعضهم ذكر أن لديه أكثر من إعاقة) كانت واضحة ومرئية الناس. فهذه الفئة من الموظفين يستخدمون كرسياً متحركاً أو يعتمدون على كلب قيادة العميان أو يضعون طرفاً اصطناعياً. إلا أن أكثر من نصف الموظفين (أي ما يعادل 62%) ذكروا أن إعاقتهم غير مرئية، عملاً بمبدأ: "لا أحد سيعلم أنني مصاب بإعاقة ما لم أخبرهم بذلك". وتشمل بعض الإعاقات الخفية: الإصابة بالاكتئاب وبعض الأمراض العقلية الأخرى واضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه (ADHD) ومرض السكري، وغيرها. أما بالنسبة لـ (26%) المتبقية، يمكن أن تكون إعاقاتهم مرئية أو غير مرئية، وهذا يتوقف على ظروف عملهم. على سبيل المثال، شخص لديه ضعف في الرؤية، قد يستخدم عصا المشي فقط في الأماكن غير المألوفة له. نظراً لأن الكثير من الإعاقات غير مرئية (أو غير مرئية في بعض الأحيان)، يجب على معظم الأشخاص الذين يعانون من إعاقة أن يقرروا بتروٍّ متى يكشفون عن إعاقتهم وفيما إذا كان يجب أن يكشفوا عنها أم لا ولمن يمكن أن يكشفوا عنها.
في دراستنا هذه، حسبنا الفائدة المرجوة من الكشف عن هذا الجانب من هويتك، وتبين لنا أنّ الموظفين ذوي الإعاقات، الذين يكشفون لمعظم الناس الذين يتفاعلون معهم أن لديهم إعاقة، يشعرون بالسعادة والبهجة في عملهم أكثر من ضعف ما يشعر به الموظفون الآخرون الذين يخفون إعاقاتهم عن الجميع (65% مقابل 27%). كما أنهم أيضاً أقل عرضة عادةً للإحساس بالتوتر أوالقلق (18% مقابل 40%) أو الإحساس بالعزلة (8% مقابل 37%).
من خلال المقابلات الشخصية التي أجريناها، رأينا أن إبراز ظروف الإعاقة التي لديك في أسلوبك القيادي له فوائد على المدى الطويل. لنتناول حالة كريس شليتشتي، مهندس تطوير برمجيات في شركة مايكروسوفت، ويعاني من ضمور عضلي. يؤدي كريس، بالإضافة إلى مسؤوليات وظيفته الأساسية، دور "منسق تيسيرات ذوي الإعاقة" لفريقه، حيث يضمن أن المنتجات تلبي احتياجات جميع الأشخاص من ذوي الإعاقات المختلفة. حيث ذكرت ميليسا زميلته في العمل: "إذا واجهتم سؤالاً هندسياً يتعلق بتيسيرات ذوي الإعاقة، فإن كريس هو الشخص الأول الذي يفيدكم بالحل". حيث تسمح رؤية كريس الفريدة بتحديد حاجات السوق غير الملباة والعمل على اجتراح ابتكارات جديدة لصالح جهة التوظيف التي يعمل لديها، وإعاقته هي السبب في هذه الهبة الفريدة.
بعد كل هذه المكافآت الشخصية والمهنية التي يحصل عليها أولئك الذين يكشفون عن إعاقاتهم، فلماذا تخفي إعاقتك إذن؟
منذ عام 1990، يحظر قانون الأميركيين ذوي الإعاقة (Americans with Disabilities Act) صراحةً التمييز على أساس الإعاقة. لكن الحقيقة المجردة لشروط حماية الموظفين هي أنها تتناقض مع تجربة العمل اليومية، حيث أن ثقافة العمل المهيمنة تشير ضمناً، إن لم تشجع علناً، على الانصياع والامتثال لمعايير المجتمع طواعية. وقد أعرب لنا الموظفون ذوو الإعاقات عن عدد لا يحصى من الأسباب التي تدفعهم لإخفاء إعاقاتهم: الخوف من التعرض للمضايقة أو التحرش، والقلق من أن علاقاتهم مع زملاء العمل قد تتغير. وصرح الكثيرون عن توجسهم من نظرة مديرهم الذي قد يراهم كسالى أو أقل كفاءة، وبالتالي قد يتعطل تقدمهم الوظيفي نتيجة لذلك.
للأسف، لا يوجد حل سحري. ولكن بمجرد أن تكتشف أن مكان عملك يتبنى ثقافة شمول الجميع، يمكنك اتخاذه خطوات تجاه الإفصاح عن إعاقتك، وبهذا تتخلص من وطأة إبقائها طي الكتمان.
ابحث عن إشارات دالة على الدعم. توجد طرق مختلفة تشير بها المؤسسات إلى الموظفين والموظفين المحتملين بأنها تأخذ سياسات الشمول على محمل الجد وأنها تدعم كل موظف يكشف أن لديه إعاقة معينة. أثناء عملية التوظيف، ستحرص تلك المؤسسات على تكوين انطباع أول جيد، والاتسام بالشفافية حول طلب ترتيبات تيسيرية في موقع العمل، وكذلك أثناء عملية تقديم طلبات التوظيف وعملية إعداد الموظفين الجدد. لا بد من أن تتأكد ما إذا كانت جهة التوظيف تدرج الإعاقات في بيان التنوع لديها وتسلط الضوء بوضوح على شبكات التقارب بين ذوي الإعاقات وبرامج التوجيه والترتيبات التيسيرية أثناء مرحلة تعريف الموظفين الجدد بالمؤسسة ومن خلال موقعها الإلكتروني.
تعرف على مديرك. عندما يكشف الموظفون عن إعاقاتهم، معظمهم يكشف ذلك لمديره المباشر. وهذا أمر منطقي، حيث إن المدراء لديهم تأثير مباشر على إمكانية الحصول على ما يلزم من معدات ويمكن أن يساعدوك أيضاً في تخفيف أعباء العمل والتعامل معك بنوع من المرونة. وقد حددنا في "مركز ابتكار المواهب" ست سمات تشير إلى القائد الشامل: ينصت هؤلاء القادة للجميع، ويقدمون تقييمات عملية، ويتقبلون النصيحة، ويحفزون أعضاء الفريق، ويشجعون على اقتراح أفكار جديدة، ولا ينسبون الفضل لأنفسهم في نجاح الفريق. عندما يكون للموظفين ذوي الإعاقة قادة شاملين، فإن احتمال تعرضهم للتمييز أو التحيز ضعيف جداً. لذلك في حال أظهر مديرك سلوكيات تدل على أنه يتبنى الشمولية، فهذا يعطيك الأمان أكثر لتفصح عن إعاقتك.
ابحث عن زميل تثق به. إذا كنت لا تشعر بالارتياح في أن تكشف عن إعاقتك لمديرك، فلا بد لك من أن تبحث عن زميل تثق به. رغم صعوبة الموقف، ابحث ضمن الشركة التي تعمل فيها عمّا إذا كان لديها برنامج زمالة رسمي أم لا. على سبيل المثال، برنامج زمالة الصحة العقلية في شركة "أكسنتشر" (Accenture)، والمتوفر حالياً في 17 دولة، يدرب الموظفين على أن يكونوا بمثابة نقطة الاتصال الأولى بالزملاء الذين يعانون من حالة معينة مرتبطة بالصحية العقلية. تم حتى الآن تدريب 3,000 شخص على الاستماع، وتوفير معلومات عن الموارد، والمساعدة في توصيل الموظفين بمجموعات الدعم المهني. حيث تقول كيرستن دوهيرتي، المديرة في قسم الشمول والتنوع في شركة أكسنتشر (ِAccenture) في المملكة المتحدة: "التحدث بكل صراحة ووضوح يخفف من صعوبة الإفصاح عن إعاقتك ويُشعرك بأنه لا بأس من أن يعرف الآخرون حقيقتك".
انضم إلى (أو أسس) مجموعة موارد الموظفين. تعتبر مجموعة موارد الموظفين أو مجموعات التقارب التي يتم تأسيسها للموظفين من ذوي الإعاقة، ومقدمي الرعاية أيضاً، مجموعات شائعة على نطاق واسع ضمن الشركات. من بين الشركات التي شاركت في مؤشر المساواة في الإعاقة لعام 2017 التابع لمؤسسة "ديسأبيليتي إن" (Disability:IN)، وُجد أن 88% من الشركات لديها مجموعة موارد موظفين أو مجموعة تقارب مخصصة للموظفين ذوي الإعاقة، و76% من الشركات توفر خاصية إجراء محادثات عبر الإنترنت تربط الموظفين بزملائهم من ذوي الإعاقة. بالإضافة لوجودك ضمن مجتمع متعاطف، يمكن أن توجهك هذه المجموعات نحو الموارد والعروض المتاحة للموظفين، حتى لو لم تكن مستعداً للتصريح عن إعاقتك إلى فريقك أو مدرائك.
إذا كان لديك إعاقة غير مرئية، فمن حقك أن تكشف عنها في الوقت الذي ترغب فيه، إن كنت ترغب في الكشف عنها من الأساس. ولكن إذا كانت ثقافة شركتك، أو حتى أحد زملائك، تمهد الطريق أمامك للإفصاح عن إعاقتك، فإن اختيارك الكشف عن وجود إعاقة لديك يمكن أن يساعدك على النجاح والازدهار. حيث سيقل شعورك بالتوتر وستتمكن من الانخراط والاندماج والتكيف مع بيئة العمل المحيطة بك والتصرف على طبيعتك.