لماذا نخفي أفضل أعمالنا عن أعين الآخرين؟

3 دقائق

يمكن لصاحب العمل تتبع كل تحركاتك، بغض النظر عن المكان الذي تجلس فيه ضمن المؤسسة. فهناك دافع قوي للتدقيق في السلوكيات كلّها – مثل بيانات مراقبة الأداء والتي تتبّع أداء الموظف لحظة بلحظة – والغرض هو ضمان ألا يكون هناك أي أعمال غير منتجة أو غير أخلاقية تجري في الكواليس.

إلا أن هذا القدر من الشفافية يمكن أن يرخي بثقله على الأداء ويقود إلى تراجعه، ناهيك عن الضربة التي سيتلقاها الإبداع والإنتاجية نتيجة الرغبة الكبيرة في السيطرة. كما أن الاضطرار إلى الاختيار بين هذا وذاك فقط هو أمر غير مقبول، حتى في عصر تعتبر فيه حماية السمعة أمراً أساسياً، لأن هذا العصر أيضاً هو عصر الابتكار وحل المشاكل المعقدة.

ويمكننا أن نرى هذا التأثير السلبي على الإبداع والإنتاجية من خلال نتائج دراسة سلوكية أجرتها شركة "ليغو" للألعاب: ففي هذه الدراسة، أدار الآباء حياة أطفالهم بصرامة هائلة، حيث لجؤوا إلى تصميم غرف الأولاد المشاركين في الدراسة "تصميماً مفرطاً في الدقة" كما أنهم "رتّبوها ترتيباً شديداً" – بحيث إنهم لم يتركوا مجالاً لأي نوع من اللعب المبدع حقاً. أما رد فعل الأطفال تجاه العيش في هذا النوع من البيئات المضبوطة ضبطاً شديداً، وتحت مراقبة صارمة من الأهل، فقد تجلّى في إخفاء ألعابهم المفضلة عن الأعين. وخلاصة القول هو أن الأطفال أرادوا شيئاً من الخصوصية ليتمكّنوا من اللعب بحرية أكبر مع قدرة أكبر على الإبداع – وللحصول على ذلك، أخفوا الأشياء الغالية جداً على قلوبهم.

والحال ذاته ينطبق على العمال الذين يخفون أكثر أفكارهم وأساليبهم لحل المشاكل بطريقة إبداعية بعيداً عن الإدارة عندما يشعرون بأنهم يخضعون لمراقبة دقيقة، لأنهم يخشون من معاقبتهم جراء عدم اتباع المعايير المفروضة عليهم بعناية. فهم يتبعون الخط المرسوم لهم، بحيث يُتركون وشأنهم. لكن ذلك للأسف يعني بأن الموظفين لن يفصحوا لإدارتهم عن التحسن الذي أحرزوه وعن العبر والدروس المستفادة من تجاربهم. ونحن هنا أمام واحد من أكبر فخاخ الشفافية: المدراء يعتقدون أنهم يرون أكثر ضمن بيئة شفافة تماماً، لكنهم في واقع الأمر يرون أقل.

في عالم يكون فيه أي شيء ظاهر قابلاً للمراجعة والتقييم على الأرجح، فإنّ الناس سيتجاوبون بالأسلوب الذي تنتظره منهم: فهم سيخفون الأشياء الأهم عن العين في مسعى منهم للتلاعب في طريقة نظر الآخرين إليهم والتأثير فيها.

لنأخذ على سبيل المثال ما حدث في إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما التغييرات التي جرت في طريقة إجراء الجولات التفقدية الدورية على المرضى ضمن المستشفيات. فأهالي المرضى وأفراد عائلاتهم باتوا الآن يشاركون في النقاشات الدائرة أثناء هذه الجولات التفقدية، ما يعني أن بعض المحادثات التي اعتاد الأطباء والعاملون الآخرون في الرعاية الصحية عليها فيما بينهم قد أصبحت من المحرمات. صحيح أن الطريقة "السقراطية" ربما كانت سابقاً هي المعيار المتّبع في تعليم الأطباء المقيمين، إلا أن طرح شيء خاطئ أمام المرضى وعائلاتهم قد يؤدي إلى خسارة المصداقية. كما أن وجود المريض باعتباره شاهد مباشر على عملية حل مشكلة تتعلق بتشخيص معقد هو أمر قد يتسبّب بالقلق أكثر من أن يقود إلى الارتياح.

فما هو الحل إذاً؟ يكمن الحل في العثور على تلك المساحة المناسبة ما بين الشفافية والخصوصية. لقد لاحظت أنا وبيتاني غيرشتاين، الباحثة في كلية "هارفارد للأعمال"، وجود مقاربة ذكية في قسم زراعة الكبد في المركز الطبي ضمن "مستشفى الأطفال" في مدينة سنسيناتي: يمكنكم معالجة المشكلة والتدريس في الكواليس في مكان يتمتع بالخصوصية قبل القيام بالجولات التفقدية. فهذا الأمر سيُشعِر العاملين في الرعاية الطبية بقدر أكبر من الحرية في إجراء الجولات التفقدية بشفافية أكبر، لأن عملية الاستكشاف المعقدة والإشكالية تكون قد حصلت أصلاً في الكواليس.

كل هذا يتوافق مع ما لاحظته أنا وزميلتي في المؤسسات الأخرى. فعندما يكون بمقدور الموظفين حلّ المشاكل دون تسليط الضوء عليهم، فإنهم سيتّخذون موقفاً أقل دفاعية، ونتيجة لذلك، سيصبحون أكثر إبداعاً وإنتاجية.

ربما تجدون هذا الأمر يصحّ في عملكم أيضاً. فعلى الأرجح ستكونون أكثر ميلاً إلى مشاركة الآخرين ما تعلّمتموه إذا لم تكونوا خائفين من أن يُستعمل ضدّكم أثناء مراجعة الأداء أو من أن يؤثر على سمعتكم. ففي نهاية المطاف، إن الأطفال المشاركين في دراسة "ليغو" التي تطرّقت إليها أعلاه كانوا سعداء جداً في عرض ألعابهم وأفكارهم السرية على الباحثين، لأنهم لم يكونوا يخشون العقوبة على ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي