عندما تشعر أنه حان الوقت المناسب لإنهاء عملك ضمن الشركة، ستواجه صعوبة في إخبار مديرك بالأمر، لكن إخبار أعضاء فريقك الذين عملت معهم مدة طويلة هو الأمر الأكثر صعوبة. ربما كان لبعضهم الفضل في مسيرتك المهنية، فكيف ستخبرهم؟ وماذا بعد تقديم الاستقالة؟ هل يتعين عليك إخبار أعضاء الفريق فرداً فرداً بنفسك، أم أن إرسال رسالة الكترونية سيكون كافياً؟ كيف تخبر الآخرين بطريقة تحافظ بها على علاقاتك التي كوّنتها داخل مؤسستك وتراعي الجو السائد داخلها؟
تقول جودي جليكمان، مؤلفة كتاب "كيف تكون عظيماً في عملك" (Great on the Job) والمساهمة في تأليف "دليل هارفارد بزنس ريفيو للحصول على الوظيفة المناسبة" (HBR Guide to Getting the Right Job): "حتى لو كنت ذاهباً إلى الوظيفة التي كنت تحلم بها، فليس هناك مكسب من إثارة المشاعر السلبية وأنت على وشك المغادرة". حيث تتطلب المغادرة تخطيطاً عميقاً، بما يشمل كيفية إخبار الناس بالأمر، والتوقيت المناسب لنقل مهامك إلى الآخرين"، كما تعتقد كارين ديلون، مؤلفة "دليل هارفارد بزنس ريفيو للأجواء السياسية في العمل" (HBR Guide to Office Politics)، والمؤلفة المشاركة لكتاب "المنافسة ضد الحظ" (Competing Against Luck) أنه "ينبغي عليك إنجاز العملية بطريقة مناسبة، بحيث تسير الأمور كما كانت دائماً، وتشعر بأن كل شيء تحت السيطرة".
الاستقالة من العمل بطريقة صحيحة
وعليه، نجد أنه كما بذلت جهداً كبيراً لتترك انطباعاً عظيماً عندما بدأت وظيفتك، أنت بحاجة الآن إلى مغادرة هذه الوظيفة بطريقة لائقة أيضاً. وإليك الطريقة التي تجعل رحيلك راقياً.
حدد الاستراتيجية المناسبة مع مديرك
إذا أعلنت عن تركك للشركة قبل وضعك الخطط التي تحدّد من سيخلفك في منصبك، ربما تتسبّب في حالة كبيرة من الفوضى غير الضرورية. إذ تؤكد ديلون أهمية وجود مسودة خطة واضحة، تناقشها مع مديرك قبل إعلام الآخرين بخبر مغادرتك. وبهذه الطريقة بوسعك الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بمصير فريقك أو زبائنك.
انقل خبر مغادرتك إلى الآخرين بنفسك
من وجهة نظر غليكمان، لا بديل عن إخبار الناس وجهاً لوجه بالخبر، ولا سيما الأشخاص الذين تربطك بهم علاقة قوية في العمل أو يعملون تحت إشرافك، وكذلك أعضاء فريقك الذين سيتأثر عملهم نتيجة مغادرتك، إذ يجب عليك تحديد الشخص الذي تعتزم إخباره أولاً وتحديد الذي يليه واختيار التوقيت المناسب أيضاً. فكما تقول ديلون: "من الصعب أن تطلب من الناس الحفاظ على سرّك طيّ الكتمان، ولكن لا بأس من مطالبتهم بعدم كشف الموضوع لبضعة أيام حتى تتمكّن من إخبار البقية بالأمر، وهو ما يمنحك الوقت الكافي للحصول على محادثات إفرادية دون أن يشيع الخبر".
ركز على المستقبل
تقول ديلون: "إذا كان سبب مغادرتك هو عدم حصولك على الترقية بسرعة أو بسبب شجار مع أحد رؤسائك، فحاول مقاومة الرغبة الجامحة لديك بالتنفيس عن غضبك عندما تغادر المكان، لأن هذا سيعكر صفو علاقتك مع زملائك ونظرتهم إليك". وعندما يسألك الناس عن سبب مغادرتك، قدّم لهم إجابات من قبيل "لقد حان الوقت لكي أمضي إلى الأمام"، لا تحاول إثارة مشكلتك الخاصة، لأنك على حد رأي ديلون ترغب بأن يُنظر إليك على أنك شخص يبحث عن فرص جديدة، وليس شخص يغادر نتيجة شعوره بالتذمر.
استفد من نفوذك وجيّره لصالح الآخرين
تقول غليكمان: "إذا كان هناك شخص في فريقك يطمح إلى تولّي المزيد من المسؤوليات، فيمكنك أن تقول له بات موقعي شاغراً بانتظار من يشغله، فلماذا لا تتقدّم ليقع الاختيار عليك؟". ولكن احذر أن تَعِدَ أحداً دون أن تكون قادراً على الوفاء بوعدك. وإذا كنت لا تعلم الإجابات عن الأسئلة المطروحة، مثل اسم الشخص الذي سيحل مكانك في منصبك أو سينجز المهام في غيابك، فحاول أن تتعهد بالبحث عن الإجابة. واعلم أن تزكية بعض الناس لإنجاز أجزاء من عملك أو للحصول على فرص مختلفة هو أسلوب عظيم للمغادرة بطريقة لائقة.
تخلص من الشعور الذي يراودك بأنه ليس هناك من يحل مكانك
يمكن للفترة الزمنية الفاصلة بين لحظة إخبارك الناس بقرار مغادرتك وتاريخ المغادرة الفعلية أن تكون عصيبة. لأننا نميل إلى الشعور بأنه لا أحد يصلح لأخذ مكاننا، ولكن فجأة لا تدعى إلى الاجتماعات ولا يُؤخذ رأيك في النقاشات المهمة. لذلك لا تدع شعورك بالإقصاء يشتت انتباهك. إذ لا يمكن جمع المجد من طرفيه بحسب غليكمان. فأنت اخترت المغادرة ويجب أن تعلم بأن الحياة لن تتوقف. حيث تقول ديلون: "من المذهل أن نرى كيف يتحوّل المرء إلى مجرّد بطّة عرجاء. حاول تخفيف تركيزك خلال الأسابيع الأخيرة على حضور كل الاجتماعات، بل حاول التركيز على وداع الناس الذين يهمك أمرهم، وحاول تحديد قنوات للتواصل معهم مستقبلاً، بحيث تحافظ على علاقاتك معهم بعد مغادرتك".
ثابر في عملك حتى آخر يوم
حاول ألا تلطّخ سمعتك التي بذلت جهداً كبيراً لبنائها بالتراخي خلال أسابيع العمل الأخيرة. وحاول أن تغادر الشركة بطريقة راقية مع نقل الملفات والزبائن بطريقة منظمة وفي الوقت المناسب، وكذلك عدم الإخلال بالمهل النهائية لإنجاز المهام بعد مغادرتك. قد تلتقي بمدرائك وزملائك السابقين في شركات أخرى، وخاصّة إذا بقيت تعمل في القطاع ذاته. إذ تقول غليكمان: "مسارك المهني طويل، وأنت لا تعرف أبداً من أين ستأتي الفرصة التالية".
ومنه يمكننا تلخيص المبادئ الواجب فعلها لإنهاء العمل بصورة جيدة:
- أخبر المقرّبين منك بأمر المغادرة شخصياً وليس بواسطة البريد الإلكتروني.
- قاوم الشعور بالإقصاء إذا ما رأيت أنك مستبعد من الاجتماعات والنقاشات في الأسابيع التي تسبق مغادرتك. فأنت في النهاية من قرر ترك عمله.
- ساعد زملاءك من خلال تزكيتهم والتوصية بمنحهم المسؤوليات الجديدة التي ستصبح متاحة بعد مغادرتك.
بالمقابل عليك تجنب فعل ما يلي:
- لا تعلن عن قرارك بالمغادرة من طرف واحد. ناقش خططك مع مديرك بحيث يكون هناك توافق في الرأي بين الجميع بخصوص كيفية التعامل مع مسألة مغادرتك.
- لا تتراخ في عملك بعد أن تعلن عن قرارك.
- لا تنشر بذور المشاعر السلبية من خلال التنفيس والتعبير عن الإحباط أو عبر استغابة الآخرين خلال أيامك الأخيرة في الشركة.
لناخذ مثالاً عملياً عن تشجيع الزملاء على التقدم لتحمل المسؤولية من بعدك. عملت منى لأكثر من 7 سنوات في التسويق ضمن متجر كبير متخصص في بيع الورود، ورغم أنها كانت تحبّ عملها وفريقها، إلا أنها كانت تشعر بأنه حان الوقت لتتخذ الخطوة التالية في مسارها المهني.
وعلى الرغم من حصولها على منصب إداري جديد في سلسلة متاجر كبيرة أخرى متخصصة ببيع الأدوات الموسيقية، فقد أخبرت المسؤولين عنها بقرارها قبل شهر. وانتظرت حتى انقضاء عيد الحب، الذي يعتبر مهماً للمبيعات في الشركة، حتى لا تشتت انتباه فريقها، وجلست بعدها مع أعضاء الفريق فرداً فرداً لتخبرهم بقرارها.
وأوضحت منى أنه من أفضل الأشياء التي فعلتها خلال أسابيعها الأخيرة هو التواصل مع زميل لها، اقترحت عليه تولّي منصبها بعد ذهابها، من أجل تحسين مهاراته، وضمان استمرارية عمل الفريق. وتقول: "كنّا أنا وهو نتولّى منصب نائب الرئيس، بحيث نكمل بعضنا بعضاً. وكلانا انخرط في العمل المتّصل بالتكنولوجيا الرقمية في وقت مبكر، ورغبت في أن أراه يواصل نموّه. إذ كنت أعتقد بأنها فرصة عظيمة له لتعزيز موقعه ومكانه، واقترحت عليه تولّي منصبي إضافة إلى منصبه الحالي وقيادة فريقي القديم ذاته".
وبعدها عرض هذا الزميل الأمر على الإدارة ونال الوظيفة، وبقي على تواصل مع منى حتى اليوم، وما زال الفريق الذي بنته منى ينشط في العمل حتى اليوم.
أما مثالنا العملي الثاني، فهو عن المشاكل المصاحبة للبدء بإجراءات المغادرة قبل الأوان، حيث كان سامر شاباً يشعر بإحباط متزايد نتيجة ممارسات الإدارة السائدة في شركة الإنترنت التي يعمل بها، وبما أنه كان واثقاً من قدرته على الانتقال السريع إلى مجال الاستشارات وفق مبدأ العمل لحسابه الخاص (freelance)، قرر مغادرة الشركة، وأخبر مديره أنه يخطط لترك العمل، ورفض عرضاً كبيراً بزيادة راتبه في مقابل البقاء. وبعد وضع الخطط ليومه الأخير في العمل الذي سيكون بعد أربعة أسابيع، أخبر عدداً من زملائه المقرّبين بالأمر.
لكنه بدأ بعد ذلك يتصرّف بشيء من الفوضوية. حيث يؤكد تصرفه بعدم مسؤولية بعد معرفته أنه مغادر للعمل، كما شعر ذهنياً وكأنّه بات خارج الشركة، وأصبح ينجز الأمور لغرض إنجازها فقط. إذ يقول: "لوّثت سمعتي لأنني كنت طائشاً جداً. وعندما غادرت، جاء موظف جديد واطلع على جميع تقاريري التي تعود إلى الشهر الأخير وأخبر المسؤولين بالعمل السيئ الذي أنجزته". ما أسهم في تلطيخ سمعتي التي بنيتها بكل حرص عبر سنوات طويلة من العمل الشاق. ولكن الجزء الأسوأ برأيه كان عدم إتاحة الفرصة أمامه للاعتذار عن خروجه بهذه الطريقة الطائشة".
وبناءً على ذلك، يقدّم سامر نصيحة لكل شخص يعاني من الشعور بالرغبة في الخروج فقط من مكان العمل متحدثاٌ عن ماذا بعد تقديم الاستقالة: "فكّر في شعورك عندما بدأت العمل، تذكر إحساسك بالإثارة وإمكانية إنجاز أي شيء، ومدى ما تعلمته وتطورته في أثناء وجودك في منصبك، وبقدر رغبتك في المغادرة، كان هناك شيء ما أتى بك إلى هذا المكان في المقام الأول. إذ مجرّد شعورك بالتذمّر من بيئة عملك الحالية لا يعني بأن تجربتك برمتها لم تكن ذات قيمة في تطورك المهني".