حينما تجري تغييرات تنظيمية في شركتك سواء تلك المتعلقة بتغيير الاستراتيجية، أو تغيير قيادات الإدارة، فلا بد أن تكون مدركاً أن تلك التغييرات ستؤثر بالضرورة على أداء موظفيك، وهذا ما أقرّه الموظفون من جميع أنحاء العالم، وفقاً لدراسة حديثة تحدثت عن كيفية مساعدة الموظفين في فهم التغيير.
بداية من تغيير القيادات، وعمليات إعادة الهيكلة، إلى عمليات الدمج والاستحواذ، وصولاً إلى التغييرات التنظيمية، يبدو أن هناك اضطرابات مستمرة في القوى العاملة، ولكن وفقاً لدراسة استقصائية شارك فيها أكثر من نصف مليون موظف أميركي، فإن ثلثهم تقريباً لا يفهم الأسباب التي تكمن وراء حدوث التغييرات في شركاتهم.
سيحمل هذا الأمر بالطبع تأثيراً سلبياً على شركة تحاول إجراء تغييرات بداخلها. فعندما لا يفهم الموظفون سبب حدوث التغييرات، فإن ذلك سيشكل عائقاً أمام التزامهم بتلك التغييرات وتنفيذها، كما يمكن أن يؤدي إلى مقاومة الموظفين لتلك التغييرات. وتعتبر الأخيرة عاملاً رئيساً في فشل الكثير من تحولات التغيير داخل الشركات.
أربعة جوانب أساسية لمساعدة الموظفين في فهم التغيير
لذلك من الخطأ أن يفترض المدراء التنفيذيون، وأولئك المسؤولون عن قيادة التغيير أن الموظفين يفهمون السبب وراء تلك التغييرات. وإنما يجب عليهم تخصيص بعض الوقت لشرح التغييرات، وتوضيح السبب وراء إجرائها، وأهميتها. ويمكنني القول، استناداً إلى خبرتي في دعم مبادرات التغيير التنظيمي، إن هناك أربعة جوانب أساسية لمساعدة الموظفين في فهم التغيير، والالتزام به، وبالتالي الإسهام في نهاية المطاف في نجاحك.
1-إلهام الأشخاص من خلال تقديم رؤية مقنعة للمستقبل.
خلال أوقات الشك والتخبط التي تصاحب إجراءات التغيير، يحتاج الأشخاص الذين يطالهم التغيير إلى الحصول على رؤية واضحة للمسار الذي ينتظرهم. لذلك من الضروري مشاركتهم ما تعرفه؛ بما في ذلك ما هو التغيير، ومتى يحدث، وكيف يحدث، ولماذا يحدث. ولكن بالنسبة لمعظم مبادرات التغيير، سيكون من المفيد أيضاً البدء بسرد قصة تشرح لموظفيك بوضوح "الصورة الكبيرة"، والتي تتضمن سبب التغيير، وأهمية إجرائه، وكيف سيؤثر بشكل إيجابي على المؤسسة على المدى الطويل. ويتعيّن أن يكون هذا بمثابة الأساس لكيفية التواصل بشأن دفع التغيير قدماً والمضي للأمام.
إذا أردت النجاح في هذه الخطوة، يجب أن تبدأ قصتك بسرد المهمة الأساسية للشركة، وبعد ذلك تقديم رؤية مستقبلية ملهمة ومقنعة، والإجابة عن هذا السؤال بدقة: "كيف تساعدك التغييرات التي تقوم بها اليوم على تحقيق رؤيتك للغد؟".
وعلى سبيل المثال، في عام 2017، كانت شركة إف إم سي كوربوريشن (FMC Corporation) -أحد عملائنا- في طور الإعداد للاستحواذ على جزء كبير من شركة حماية الحاصلات الزراعية دوبونت كورب بروتكشن (DuPont Crop Protection)، وكان من شأن عملية الاستحواذ تحويل الشركة لتصبح خامس أكبر شركة لحماية الحاصلات الزراعية في العالم. وفي سبيل إجراء تلك التغييرات، قامت الشركة بتطوير حملة اتصالات داخلية موحدة، أطلق عليها اسم "طبيعة الغد"، وكانت مهمتها توضيح الرؤية والأسباب التي تدفع الاستحواذ.
وأوضحت الحملة بالفعل كيف ستحصل شركة إف إم سي على مجموعة أوسع من المنتجات، وكيف ستتبوأ مكانة عالمية واسعة، وتتملك قدرات وإمكانيات من البحوث والتطوير كاملة الاكتشاف، وكيف سيساعد كل ذلك الشركة على تحقيق طموحاتها في مساعدة العملاء على توفير الغذاء للأعداد المتزايدة من السكان بطريقة مستدامة. وعلى الرغم من أن عملية التكامل لا تزال قيد التنفيذ، إلا أن الحملة خلقت الإثارة بين الموظفين بشأن عملية الاستحواذ، وما زالت تستخدم اليوم لتنفيذ وعد شركة إف إم سي الجديدة.
غالباً ما تكون أحداث التغيير غير مؤكدة وغير مستقرة ومثاراً للضغط والتوتر بل ومحفوفة بالمخاطر، إلا أن وجود معنى أو هدف واضح وراء التغيير من شأنه أن يعزز تلك الإجراءات. فإذا استطعت أن توضح هذه القضية بتفاصيلها، فستضمن فهم موظفيك لاستراتيجية العمل بشكل كامل.
2-إبقاء الموظفين على اطلاع من خلال توفير اتصالات منتظمة.
إجراءات التواصل مع الموظفين ليست مهمة تقوم بها مرة واحدة فقط، وتنتهي بعد ذلك؛ فإبقاء الموظفين على علم بالمستجدات أمر يجب عليك القيام به في كل خطوة من خطوات عملية التغيير. وقد وجدت الدراسات أن التواصل المستمر هو أحد العوامل الرئيسة في نجاح إجراءات التغيير في شركتك. ولكن عند التفكير في كيفية التواصل بشأن التغييرات، ضع في اعتبارك ما يلي:
كن واضحاً ومتوافقاً: يجب أن تعود جميع اتصالاتك إلى أصل السرد الذي وضعته وطورته من البداية، كما يتعين عليك تكرار التأكيد على قضية التغيير وتقديم رؤية مستقبلية مقنعة.
لن يكون لديك جميع الإجابات: في كثير من الأحيان، لن يكون لديك جميع الإجابات التي يبحث الموظفون عنها، وهذا من شأنه أن يخلق نوعاً من القلق وعدم اليقين. لذلك من المهم التركيز على ما تعرفه، وفي الوقت ذاته أن تكون صريحاً بشأن ما لا تعرفه. فإذا لم تكن لديك إجابة، أفصح عن هذا بكل بصراحة. وحينها دع الموظفين يعرفون أنك ملتزم بالتواصل معهم بكل صراحة وشفافية، وستبحث الأمر وتتواصل معهم قريباً حالما تتوافر لديك معلومات أكثر.
لا تنسَ توضيح عبارة "ما الذي يعنيه التغيير بالنسبة لي؟": من أهم العبارات التي قد تصادفك في حملة التواصل الخاصة بالتغيير من قبل الموظفين هي "ما الذي يعنيه التغيير بالنسبة لي؟"، فإذا كان الموظفون يفهمون ما ينطوي عليه التغيير بالنسبة لهم شخصياً، فستراهم بنفسك وهم يلتزمون بالتغيير ويمتلكون أمره. وعلى العكس تماماً، فإن الفشل في توضيح "ما الذي يعنيه التغيير بالنسبة لي" لن يؤدي إلا إلى إعاقة جهودك.
قبل بضع سنوات، توليت مسؤولية دعم الاتصالات الخاصة بالتغيير من أجل دمج شركتين رائدتين في مجال الصحة الحيوانية. كان رئيس إحدى المؤسستين جيداً بشكل استثنائي في توصيل ونقل كيفية استفادة كل موظف من الموظفين من عملية الدمج. ولم يكن الأمر يتعلق بفرص العمل الجديدة أو زيادة الحصة السوقية للشركة فحسب؛ إنما راح يؤكد على أن التغيير سيحقق شغفهم المشترك فيما يتصل بالحفاظ على صحة الحيوانات؛ كما راح يؤكد لهم كيف ستتمكن المؤسستان معاً من تقديم حلول ومنتجات وتقنيات جديدة للعملاء لم يكن ممكناً تقديمها لهم من قبل.
3- تمكين القادة والمدراء من قيادة عملية التغيير.
تتطلب التغييرات أو التحولات الكبيرة في الشركات، مطالبة الموظفين بتبني سلوكيات أو مجموعة مهارات معينة من أجل تحقيق النجاح. ويضحى الأمر أسهل عندما يبدأ أولاً كبار القادة والمدراء بتبني هذه السلوكيات الجديدة، حيث يزيد ذلك احتمالية تحقيق التغييرات بنجاح بمعدل خمسة أضعاف، وفقاً لدراسة.
في تلك الحالات المرتبطة بإجراء التغييرات، لا يكفي تزويد هؤلاء القادة والمدراء بالمعلومات والموارد فحسب، وإنما هم بحاجة إلى الشعور بالثقة في قيادة التغيير، لأن الأمر يضحى أكثر صعوبة بالنسبة لهم، خاصة أنهم يحتكون بشكل مباشر مع الموظفين، وبالتالي يواجهون المزيد من الضغوط لتقديم إجابات أفضل، ولدعم فرقهم.
لذلك من الضروري أن تكون مدركاً أن طريقة قيادتك لإجراءات التغيير ستنتقل إلى القادة الأصغر، والذين بدورهم يؤثرون بعد ذلك على موظفيك وعلى مشاركتهم في التغيير، واجتذابهم إليه.
إذاً، تمكين القادة والمدراء أمر في غاية الأهمية، لذلك يتعيّن على المدراء التنفيذيين وقادة التغيير مساعدتهم على فهم أساسيات التغيير. ويشمل ذلك طريقة تحويلهم إلى قادة فعالين في أوقات التغيير، وكيفية تفاعل الأفراد مع التغيير واجتيازه، وسبل التعامل مع العوائق والعقبات أو المناطق أو المجالات التي تنطوي على مقاومة.
على سبيل المثال، حضرت مؤخراً اجتماعاً خارج مكتب العمل لأحد العملاء، والذي كان في طور تنفيذ تحول كبير في مؤسسته للخدمات المشتركة، ورغم أن الغالبية العظمى ركزت على سبب التغييرات في المؤسسة، وما الذي سيحدث، إلا أنهم خصصوا أيضاً وقتاً محدداً لتدريب القادة وتعزيز مهاراتهم، لأنهم هم في النهاية الذين ستقع على عاتقهم مسئولية قيادة التغيير.
ويستطيع القادة الاختيار من بين عمليات التدريب على مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك كيفية تغيير الأتمتة والذكاء الاصطناعي لأعمالهم، وكيفية تطبيق التفكير التصميمي "Design Thinking" لحل مشاكل العمل، وأساسيات إدارة التغيير. على سبيل المثال، خلال جلسات التفكير التصميمي، طُلب من القادة حل مشكلات وتطوير حلول حول التحديات الواقعية التي قد يواجهها الموظفون خلال عملية التحول. ونتيجة لذلك، أصبح القادة -بعد هذه الجلسات- أفضل استعداداً لدعم كيفية دفعهم للتحول قدماً في المستقبل.
4- ابحث عن طرق مبتكرة لإشراك الموظفين في التغيير
عند التخطيط لإجراء التغييرات الرئيسة، من المهم طلب إبداء الآراء والتعليقات وإشراك الجميع في العملية. وسيزيد ذلك احتمالية دعم التغيير من جانب الموظفين أنفسهم، بل ويجعلهم أكثر مناصرة وتأييداً للتغيير.
في إطار التحضير لمعاملة حماية المحاصيل، التي سبق ذكرها، بين شركة إف إم سي وشركة دوبوت قام القادة بترشيح أكثر من 150 موظفاً من موظفي شركة إف إم سي ليكونوا جزءاً من شبكة أنصار التغيير "Change Champion Network". وتأسست المجموعة بهدف إشراك وجذب أقرانهم، والإجابة عن الأسئلة والاستفسارات، وإثارة شغف الموظفين حول مستقبل الشركة. وبالفعل كانت المجموعة مورداً أساسياً للزملاء من الموظفين، وكانت بمثابة قناة مشتركة للتعليقات والملاحظات من القادة للموظفين والعكس.
هناك طريقة أخرى لإشراك الموظفين وقيادة الالتزام فيما يتصل بالتغيير، وهي اكتشاف الأفراد الذين يتبنون التغيير ويظهرون السلوكيات المرغوبة. على سبيل المثال، أراد أحد العملاء مؤخراً قيادة تحول ثقافي أكثر انفتاحاً وشفافية، وإشراك الموظفين وجعلهم يلتفون حول القيم المؤسسية التي تم إطلاقها مؤخراً. وكجزء من التنفيذ، ابتكرت الشركة جائزة جديدة تقديراً للموظفين الذين تبنوا القيم المؤسسية لشركتهم داخل وخارج العمل. وسمحت الشركة للموظفين بترشيح أقرانهم، وجرى التصويت على الفائزين من قبل المؤسسة بأكملها، وتم الإعلان عن الفائزين في اجتماع مفتوح ضم جميع الموظفين. لم يقتصر هذا الأمر على مكافأة أولئك الذين كانوا قدوة ونماذج للتغيير، بل سمح للمؤسسة بأكملها بالاشتراك في العملية والانخراط فيها.
القدرة على قيادة التغيير بفعالية داخل مؤسستك أمر بالغ الأهمية، حيث يؤثر على ثقافتك وعلى دخلك الصافي، لذلك تزداد احتمالية تفوق الشركات التي تتسم بزيادة فعاليتها وكفاءتها في إدارة التغيير على نظرائها في مجال أعمالها بمعدل ثلاثة أضعاف ونصف.
وأسوأ شيء يمكنك فعله في هذا الشأن، هو افتراض فهم الموظفين للتغييرات التي تمر بها، حيث سيعرض ذلك مبادرة التغيير لديك للخطر. لذلك في المرة التالية التي تعتزم فيها الدخول في مشروع للتغيير، احرص على التفكير في طريقة تستطيع بها إلهام سفرائك الأكثر قوة وإعلامهم وتمكينهم وإشراكهم، وقيادة شركتك بنجاح نحو المستقبل. وفكر أيضاً بكيفية مساعدة الموظفين في فهم التغيير.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مقاومة التغيير لدى الموظفين في المؤسسة؟