ما فائدة إحضار كامل هويتك الذاتية إلى العمل؟

6 دقائق

وفقاً للحكمة التقليدية، إذا أردت النجاح في العمل فعليك أن تجد طريقة للتأقلم معه ثقافياً واتباع قواعده. وتقول النظرية إن أفضل استراتيجية للنجاح هي إخفاء نقاط اختلافك، وهذا ما يفعله كثير من الأقليات الثقافية، ومنها النساء والأقليات العرقية.

وعندما بدأنا بالتمعن في الطرق التي مكنت المهنيين ذوي البشرة الملونة من النجاح في مجالات يقل فيها تمثيلهم، توقعنا أن يخبرنا كثير منهم أنهم اتبعوا نسخة ما من هذه الاستراتيجية من أجل تحقيق تقدم. ولكن لم يكن هذا ما سمعناه في مقابلاتنا مع صحفيين أميركيين من أصول آسيوية وأفريقية. وكما قلنا في تقريرنا المنشور في "مجلة العلوم التنطيمية" (Organization Science)، أخبرنا جميع هؤلاء الصحفيين الذين يعتبرون مهنيين ناجحين، أنهم لم يختاروا التأقلم مع مؤسساتهم لإضافة القيمة لها والتقدم بمسيراتهم المهنية، بل اختاروا التميز عن طريق تسليط الضوء على نقاط اختلافهم واستنهاض هوياتهم الذاتية.

كيف يمكنك تحقيق الفائدة القصوى من نقاط اختلافك في العمل، وخصوصاً إذا كنت منتمياً لإحدى فئات الأقليات الثقافية؟ هناك أربع استراتيجيات. (تحذير: تحمل كل من هذه الاستراتيجيات مخاطر سنستعرضها بعد لحظات).

قدم وجهة نظر فريدة. إذا كنت منتمياً لإحدى فئات الأقليات، فقد يكون لديك وجهات نظر ورؤى وخبرات تختلف عما يملكه كثير من زملائك، وهذا ما يساعدك على إنجاز عمل دقيق. خذ مثلاً أحد الصحفيين الذين أجرينا مقابلات معهم، وهو أميركي من أصول أفريقية، كُلف بكتابة مقالة عن الأميركيين الأفريقيين في المساكن العامة. فلاحظ أن المقالات الموجودة عن هذا الموضوع ركزت على الصور النمطية السطحية، مثل "الأم التي تحمل طفلاً يستند إلى خاصرتها وتتدلى سيجارة من بين شفتيها". ولكن على اعتباره شخصاً عاش تجربة شخصية واعتاد على الصور النمطية، كان يعتقد أن هناك قصصاً أكثر دقة ينبغي نقلها. وعن طريق البحث المتعمق، كتب قصة أغنى تقدم للقارئ فهماً أعمق عن المساكن العامة. ربما أدرك المحررون أن هذه المقالة ستعزز انتشار صحيفتهم وستلقى قبولاً لدى قرائها المتنوعين، فوافقوا عليها وعادت بالفائدة على الصحيفة ومسيرة الصحفي المهنية على حد سواء.

قد تمنحك رؤيتك الفريدة على اعتبارك فرداً من أقلية ثقافية فهماً أفضل لاحتياجات فئتك وميزاتها، وفهماً لعجز المنتجات الموجودة في تلبية تلك الاحتياجات. ولا تنتمي أمثلتنا المفضلة إلى مجموعة الصحفيين الذين أجرينا المقابلات معهم، وإنما إلى قطاع مشاريع الأعمال الحرة. خذ مثلاً رائدة الأعمال "بيثاني فرانكل"، إذ عرفت أن هناك كثير من النساء يستمتعن مثلها بالمشروبات ولكن لا يحبون عدد سعراتها الحرارية. اعتبرت "فرانكل" هذا الأمر فرصة، فابتكرت مشروباً معبأً يحتوي 100 سعرة حرارية فقط، وأسست شركة "سكيني غيرل كوكتيلز" (Skinnygirl Cocktails) لبيعه، وهي شركة استطاعت بيعها بعد عدة أعوام بمبلغ يقال أنه وصل إلى 100 مليون دولار. هذه هي قوة الرؤية القائمة على الهوية الذاتية في العمل.

أما المصممة "كريستينا مالون" فتعتمد على خبرتها مع الإعاقة للقيام بعملها في شركتها "أوبن ستايل لاب" (Open Style Lab)، وهي شركة غير ربحية شاركت في تأسيسها وهي مختصة بتصميم ألبسة ومنتجات أخرى خاصة بذوي الإعاقات الذين يمثلون 15% من تعداد السكان العالمي ولكن لا تتم تلبية كثير من احتياجاتهم. وصف سوق الألبسة التكيفي وحده بأنه فرصة تقدر بعدة مليارات من الدولارات وأنه "أحدث واجهة للأزياء". استنهضت كل من فرانكل ومالون هويتيهما الذاتيتين من أجل توليد رؤى تجلب الفائدة لمؤسستيهما ومسيرتيهما المهنيتين.

قم بضبط الجودة. لربما رغبت بمشاركة رؤاك كي تساعد على صياغة إعلانات أو منتجات أو اتصالات حساسة. في بعض الأحيان قد تختار تسليط الضوء على الرسائل التي لا تراعي الحساسيات. وصف كثير من الصحفيين الذين أجرينا مقابلات معهم مواقف استطاعوا من خلالها لفت انتباه زملائهم إلى بعض النواحي المسيئة من القصة والتعابير المستخدمة فيها. وواحدة منهم صحفية كانت الأميركية الوحيدة من أصول آسيوية في غرفة الأخبار، وقالت لنا أن زملاءها كانوا يطلبون منها على الدوام مراجعة وصفهم للآسيويين في مقالاتهم، حرصاً على ألا يرسموا توصيفات أو صوراً نمطية مسيئة من دون قصد. وعلى الرغم من أنه دور غير رسمي ولا يرغب به أحد، إلا أنها أصبحت بكامل رغبتها الشخص الذي يلجأ إليه الجميع من أجل طرح هذه الأسئلة، وعاد هذا التعاون بالفائدة عليها وعلى زملائها والمؤسسة بأكملها. كان من الممكن أن تعود هذه المشورة الحكيمة بالفائدة على شركات كثيرة واجهت غضب الجمهور مؤخراً بسبب إنتاج إعلانات ومنتجات لم تراع الحساسيات الثقافية، ومنها "دولتشي آند غابانا" و"آتش آند إم".

ابن جسوراً بين نقاط الاختلاف. قد تثير بعض جوانب هويتك الذاتية المنتسبة لإحدى فئات الأقليات فضول عملائك وزملائك، ويمكن أن يوجهوا إليك أسئلة أو تعليقات آملين بصدق أن يتمكنوا من فهمك على نحو أفضل. وقد تكون بعض هذه الأسئلة مبنية على صور نمطية أو افتراضات منفرة عن فئتك، ولكن إذا طرحت باحترام، حاول تقبلها واعتبرها فرصاً لبناء جسور بين نقاط الاختلاف وإنشاء نوع من التواصل. قالت لنا صحفية أميركية هندية أنها تفعل ذلك عندما يخبرها الآخرون عن مدى حبهم للطعام الهندي، وهذا أمر يتكرر معها كثيراً. قد يشعر البعض في هذه المواقف بالإساءة، ويفضلون إنهاء المحادثة، وهذا أمر مفهوم، ولكن كانت هذه الصحفية تقبل الخوض في المحادثة بهدف بناء علاقات أقوى. وكانت صحفية أميركية آسيوية أخرى تسمع تعليقات كثيرة حول خلفيتها العرقية والثقافية المفترضة، فأصبحت تأخذ بعض الوقت كي تشرح أن عائلتها تملك جذوراً عميقة في إحدى الدول الكاريبية. وإذا أدت هذه المحادثات إلى تحقيق تعلم صادق وتقارب أكبر، فستساعد على نشوء تعاون في العمل مستقبلاً.

اغرس بذور الوئام. عندما يكون انتماؤك لإحدى فئات الأقليات إشارة إلى درجة من التشابه أو الخبرة المشتركة أو الجدارة بالثقة، فسيتمكن من مساعدتك أيضاً على التواصل مع فئات الأقليات الأخرى. إلا أن امتلاك هوية شائعة لا يضمن الوئام. شرحت لنا إحدى الصحفيات طريقة تقربها من امرأة تعرضت لموقف حساس عن طريق التواصل معها على عدة مستويات مختلفة من الهوية الذاتية، على اعتبارها امرأة أميركية أفريقية وأم ومتدينة. ومكنها الوئام الذي بنته من كتابة قصة قوية وجرئية عن فقدان هذه المرأة لابنها بسبب جريمة كراهية.

وينبغي توخي الحذر في استخدام كل من هذه النهج الأربعة لاستنهاض الهويات الذاتية للأقليات، لأن كلاً منها يحمل المخاطر. فلنفكر بكل منها وبطريقة التعامل معها.

التصنيف. يمكن أن يكون استنهاض هويتك الذاتية مفيداً بطرق عديدة، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى تصنيفك، أي احتجازك في مشاريع العمل التي ترتبط بشكل محدد وضيق بفئة الأقلية التي تنتمي إليها هويتك الذاتية، على الرغم من تمتعك باهتمامات ومهارات على نطاق أوسع. في مقالة رائدة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، نشرت عام 1996، قال كل من ديفيد توماس وروبن إيلي إن خطر التصنيف يكون كبيراً بشكل خاص عندما تولي المؤسسات مركزاً متدنياً نسبياً للمشاريع أو الأقسام التي تركز على الأقليات. ويحاول بعض أفراد الأقليات الحد من خطر التصنيف عن طريق بذل كل ما في وسعهم لضمان أن يشمل نطاق عملهم دائماً مشاريع لا صلة لها بالفئات التي ينتمون إليها.

المقاومة. في بادئ الأمر، قد لا يتمكن بعض رؤسائك وزملائك من فهم أو تقدير أفكارك الجديدة النابعة من انتمائك لفئة من الأقليات، وخصوصاً إذا كانت هذه الأفكار تشكل تهديداً لأفكارهم أو للوضع الراهن. وفي هذه الحالات، حاول كثير من الصحفيين إيصال أفكارهم بصورة مباشرة وموضوعية، عن طريق شرح آراءهم بطريقة دقيقة ومنطقية من أجل نزع فتيل أي إحساس بالتهديد. كما عمل كثير من المهنيين من الأقليات بجد لتطوير علاقات إيجابية مع الزملاء ذوي التفكير المتفتح الذين يمكنهم الاستماع بصدر رحب ويحتمل أن يقدموا دعمهم عند الحاجة إليه.

الإفراط في التعميم. يمكن أن تشكل خبرتك المرتبطة بهويتك الذاتية رؤى قيمة، إلا أنه يمكن ألا تنطبق هذه الرؤى على الجميع. وعندما تشارك رؤاك النابعة عن هويتك الذاتية، ذكر الآخرين بتنوع فئتك نفسها، واستخدم المؤهلات الملائمة من أجل تجنب التعميم الشامل غير الدقيق لأفرادها.

الإرهاق. قد يؤدي استمرارك باستنهاض هويتك الذاتية والتعامل مع المخاطر التي تنشأ عنه إلى استنزافك شخصياً. لذلك يجب أن تتنبه لهذا الاحتمال وأن تعمل على إدارة طاقتك الموجودة. مثلاً، كن انتقائياً في بناء الجسور. أخبرنا بعض الصحفيين الذين أجرينا معهم مقابلات عن اتباعهم هذه الاستراتيجية وأثرها الكبير، وذلك من خلال استثمار طاقة أكبر في بناء الجسور بين نقاط الاختلاف مع الزملاء، وليس مع الغرباء الذين لن يروهم مرة أخرى. بينما لم يستنهض كثير من الصحفيين هوياتهم الذاتية إلا عندما بدا لهم ذلك أصيلاً، أي صادقاً مع اهتماماتهم ومهاراتهم الأصيلة ومتوافقاً معها. يمكن أن يوقع عدم الأصالة أثراً على راحتك.

ليس استنهاض الهوية الذاتية أمر يحدث من تلقاء نفسه، وإنما هو عملية نشطة، ويجب عليك اختيار الوقت والطريقة المناسبين لاستنهاض هويتك الذاتية في العمل. وهذا يعني أن انتماءك إلى إحدى فئات الأقليات الثقافية سيمكنك من إيقاع أثر كبير على طريقة استفادة مؤسستك من الفوائد الموعودة للتنوع في مكان العمل. فأنت تتمتع بتفويض أكبر مما تظن، وستكافئك المؤسسات الذكية على ممارسته.

وإليك أمر أخير يجب عليك تذكره، ستتمكن عن طريق استنهاض هويتك الذاتية من إطلاق طاقتك الإبداعية. وصفت واحدة من الصحفيين الذين قابلناهم هذه الممارسة أنها تشبه موسيقى الجاز كثيراً، وقالت أنها تتيح لها الإبداع بالعزف على رؤاها المرتبطة بهويتها والتوصل إلى طرق جديدة رنانة لكتابة قصصها. لا يعني ذلك أن جميع قصصها تدور حول العرق، ولكن من خلال اعتمادها في كتابة قصصها على تجربتها العرقية ورؤيتها تمكنت أحياناً كثيرة من إضافة أبعاد جديدة إلى قصصها وجعلها أفضل بالنسبة لقرائها، وخدمة مصالح الجريدة التي تعمل فيها، كاستكشاف ما تقوم به فئات الأقليات على اختلافها مقارنة بالتيار العام في مجالات مثل الاستثمار. أخبرتنا الصحفية أنها تشعر بمحبة مكان العمل لها عندما تقوم بذلك.

لقد أحببنا تشبيه الجاز ونود أن نستخدمه مرة أخرى. يكون استنهاض الهوية الذاتية في أفضل أحواله عملاً جماعياً، وسيكون رائعاً أن تعزف نغمات منفردة تستعرض صوتك الفريد، ولكن إذا تمكنت من القيام بذلك مع وجود لحن حساس وداعم تعزفه إحدى أفضل الفرق خلفك، فسيكون الأمر أروع. حصل الصحفيون المنتمون للأقليات في دراستنا، والذين حققوا أكبر قدر من النجاح في عملهم، على دعم جماعي من مدرائهم وزملائهم تجلى بإظهار الاحترام والتفاهم وإتاحة المجال لهم للتعبير عن أفكارهم. وهذا ما يجعل الإنجازات واللحظات السحرية الحقيقية تتحقق، لذلك، تكون نصيحتنا للموظفين والمؤسسات على حد سواء: اسمحوا بعزف الموسيقى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي