التقنية تُحدث تغييراً في النقل وعلى المدن التكيف مع ذلك

3 دقائق

لم يستغرق الأمر سوى بضع سنوات حتى تجعل خدمات النقل حسب الطلب الرحلات أكثر راحة في العديد من المدن، الأمر الذي كان مبعثاً لسعادة سكان المدن في جميع أنحاء العالم. وسيصبح التجول في المدن أسهل وأسرع وأكثر أماناً، نظراً لأن الابتكارات وفرت لمزيد من الناس السيارات ذاتية القيادة والمركبات الكهربائية والاتصال بالبيانات داخل السيارة وآليات تشارك السيارات ووسائل النقل، وغيرها من التقنيات.

ومن شأن مثل أوجه التحسن هذه أن تساعد في خفض التكاليف الناجمة عن الازدحام المروري (التي تبلغ حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي على الصعيد العالمي)، وخفض حوادث السير (إذ حدثت 1.25 مليون حالة وفاة في عام 2015 بسبب حوادث السير)، وتلوث الهواء (الذي يتسبب بمشكلات صحية مثل أمراض الجهاز التنفسي). وقدّرت شركتا "ماكنزي" و"بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" (Bloomberg New Energy Finance) أنه في 50 منطقة حضرية في شتى أنحاء العالم، يمكن أن يحقق الانتقال السريع إلى أنظمة التنقل المتقدمة 600 مليار دولار من الفوائد المجتمعية حتى عام 2030.

بيد أن التحول إلى أنظمة التنقل من الجيل المقبل لن يكون من السهل على المدن إدارته. إذ إننا لا نعرف مدى سرعة حدوث أوجه التقدم أو كيف سيبدو التحول.

وأظهر بحث، على سبيل المثال، أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل النقل الخاصة التشاركية مثل تطبيقات النقل حسب الطلب، زاد احتمال استخدامهم لوسائل النقل العامة أيضاً. ولكن إذا بدأ عدد كبير للغاية من سكان المدن في الاعتماد على المركبات الخاصة والمركبات المشتركة، فربما تزداد حركة المرور سوءاً، ويمكن أن تعاني أنظمة النقل العام بشدة من التكاليف التي يلزمها دفعها مقابل الصيانة والتحديثات.

وتضع هذه الديناميات المعقدة سلطات البلديات في مأزق. واختارت بعض هذه السلطات نهج التريث والترقب، مفضلة مراقبة اتجاهات مجال التنقل ووضع تدابير في السياسات العامة حسبما يقتضي ظهور هذه الاتجاهات. ولهذا النهج ما يبرره، بالنظر إلى مدى صعوبة التنبؤ بسلوكيات شركات النقل التقليدية وخدمات التنقل المتقدمة وسكان المدينة.

بيد أنه يبدو من الصواب أن يتصور المسؤولون ما يجب أن يبدو عليه التنقل خلال خمسة أعوام إلى 15 عاماً من الآن ووضع سياسات لتحقيق ذلك المستقبل بأسرع مما كان سيصل خلاف ذلك. وسيتيح القيام بذلك لواضعي السياسات أداء دور أكثر فاعلية في تشكيل ما سيبدو عليه هذا المستقبل. إذ ربما يفكر المسؤولون الذين يأملون في الاستفادة القصوى من مزايا التنقل المتطور في العديد من الاستراتيجيات الأساسية.

وإحدى هذه الاستراتيجيات هي كيفية تصميم أساليب جديدة للتنقل تراعي ظروف المدينة أو المنطقة والتحديات الخاصة بها. على سبيل المثال، من المرجح أن تستفيد المدن المكتظة بالسكان في الاقتصادات النامية، مثل دلهي وإسطنبول ومومباي، من توسيع نطاق أنظمتها للنقل العام واستكمالها بخدمات النقل حسب الطلب التي تعتمد على السيارات الكهربائية. ويشير تحليلنا إلى أن المدينة النامية والكثيفة والمتوسطة الحجم يمكن أن تحقق 600 مليون دولار من الفوائد المجتمعية السنوية من أوجه التقدم في التنقل بحلول عام 2030. وسينجم ما نسبته 80% من هذه الفوائد عن الحد من الحوادث والإصابات والوفيات المرورية، وهي فائدة كبيرة لسكان هذه المناطق المكافِحة سريعة النمو.

وفي الوقت نفسه، يمكن لقطارات الأنفاق ذات الدخل العالي أن ترتقي بمستوى هذا النموذج من خلال تطوير نظام تنقل متكامل حقاً يجمع بين النقل العام وتشارك السيارات والمركبات الذاتية والبنية التحتية الذكية وأكثر من ذلك. وتتمثل إحدى السبل التي يمكن للمدن من خلالها تسريع التكامل بين أنظمة التنقل في تقديم خدمة قائمة على التطبيقات للتخطيط للرحلات التي تستخدم طائفة من طرق النقل المحلي ودفع ثمنها. وبالنسبة إلى المدن المتقدمة مثل لندن وشنغهاي وسنغافورة وأمثالها من المدن، يمكن أن يُسفر نموذج "التنقل السلس" عن فوائد مجتمعية تصل إلى 2.5 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. وأخيراً، من المرجح أن تشهد مناطق التمدد العمراني ذات الدخل العالي، التي لا تزال السيارات فيها ضرورية تقريباً، مظاهر تحسّن كبيرة بسبب الاستخدام المكثف للمركبات ذاتية القيادة.
وفيما تمضي المدن قدماً، يجب على المسؤولين التفكير فيما يتعين عليهم فعله بالأرض والطرقات لأن الأشخاص والمركبات يتحركون بأنماط مختلفة. إذ ستتعطل حركة المرور إن كان عدد متزايد من الأشخاص يدخلون السيارات المشتركة ويخرجون منها بجانب الرصيف. وربما يساعد تحديد مناطق لالتقاط الركاب وإنزالهم في تيسير انسياب حركة المركبات. ويمكن اجتزاء  مثل هذه المناطق، وكذلك الاستخدامات الأخرى الأكثر أهمية للأراضي في المناطق الحضرية، من أماكن وقوف السيارات، التي سيقل الطلب عليها كثيراً بعد استخدام المركبات بشكل أكثر كفاءة.

ويمكن للمدن أيضاً استكشاف الفرص لتحسين إمكانية الحصول على وسائل النقل وضمان استفادة جميع سكانها من أوجه التقدم في التنقل. إذ تحتوي كل مدينة تقريباً على مناطق تعاني من ضعف خدمات النقل العام، فضلاً عن مجموعات، مثل كبار السن، تجد صعوبة في استخدام الحافلات والقطارات. ومن شأن توفير إمكانية الحصول على مجموعة متنوعة من المركبات منخفضة التكلفة وعند الطلب أن يعزز فرص هذه المجموعات، وفي الوقت نفسه يتيح أيضاً للمدن الاستغناء عن طرق النقل العام ذات الاستخدام المحدود.

وستنطوي أوجه التقدم في التنقل على انعكاسات كبيرة على المدن في شتى أنحاء العالم. وستكون المدن التي تحظى بالأسبقية في تطوير خطط متكاملة للتنقل في وضع أفضل لجني الثمار التي ستوفرها التقنيات الجديدة لسكانها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي