هل شعرت يوماً بالإنهاك في العمل بعد عودتك من الإجازة؟ لست أتحدث عن الإرهاق بسبب الشجار مع عائلتك في منتجع عالم ديزني طوال الأسبوع، بل عن معرفتك طوال الوقت الذي قضيته في إجازتك أن هناك عالم العمل ينتظر عودتك.
أنظمة الإجازات لدينا معطلة بالكامل، إنها لا تعمل.
يعمل نظام الإجازات التقليدي في الشركات بطريقة تشبه ما يلي: لديك مجموعة من أيام الإجازة سنوياً، وغالباً ما تكون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، فتملأ استمارة معدة منذ عام 1996 من أجل طلب الإجازة، ويوقع مديرك عليها ثم توثقها لدى مساعد الفريق أو تدخلها إلى قاعدة بيانات مروعة، إنه إجراء إداري مزعج. وبعد ذلك، يضطر معظم الموظفين إلى حشر أعمال إضافية بجنون في الأسبوع أو الأسابيع السابقة للإجازة كي يتمكنوا من الاستمتاع بعطلتهم والانفصال عن المكتب فعلياً. وعندما نفتح الرسائل التي وصلتنا أثناء غيابنا، يشتد الضغط الذي نعاني منه مع إدراك أننا سنواجه كومة أكبر من الأعمال تنتظرنا عند عودتنا. يا له من كابوس.
بالنسبة لمعظمنا، من الصعب حقاً الاستفادة من أوقات الإجازة في استعادة النشاط وتجديد الطاقة. فلا عجب من أن مشكلة نسب الغياب لدى معظم الشركات لا تزال مشكلة هائلة، وذلك مع كشوف الرواتب التي تكثر فيها إشارات الإجازات المرضية وإجازات العجز المؤقت والإجازات نتيجة الضغط الزائد. في المملكة المتحدة، تقول وزارة العمل والمعاشات التقاعدية أن الغياب عن العمل يكلف اقتصاد البلاد ما يزيد على 100 مليار جنيه إسترليني سنوياً. ونشر معهد القوة العاملة تقريراً حكومياً أنتجته شركة حلول القوة العاملة سيركيديان (Circadian)، أطلقت فيه على الغياب عن العمل اسم "قاتل الدخل الصافي" وهو يكلف الشركات 3,600 دولار لكل موظف ساعيّ و 2,650 دولاراً لكل موظف براتب مقطوع في كل عام. ويقول مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسات أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين أغنى دول القرن الواحد والعشرين التي لا تفرض على الشركات منح موظفيها إجازات مدفوعة الراتب، وهذا يزيد الأمر سوءاً. (يمكنك مراجعة خارطة العالم هذه على موقع ويكيبيديا من أجل معرفة تصنيف دولتك فيما يتعلق بهذا الأمر).
هل سيساعد حصولنا على مزيد من الإجازات مدفوعة الراتب؟ ليس بالضرورة. وفقاً لبحث أجرته رابطة السفر الأميركية بالتعاون مع شركة أبحاث السوق جي إف كيه (GfK)، فإن ما يزيد على 40% من الأميركيين يخططون لعدم أخذ إجازاتهم مدفوعة الراتب على أي حال.
إذن، ما هو النظام المتقدم الواجب اتباعه؟ هل هو السياسة المتبعة في شركات أدوبي ونتفليكس وتويتر، التي تسمح لموظفيها بأخذ ما يشاؤون من الإجازة حينما يريدون؟ تبدو الإجازات المفتوحة غير المحددة رائعة نظرياً، أليس كذلك؟ إنه أسلوب متقدم جداً، أليس كذلك؟ لا، هذا النظام لا يعمل أيضاً.
ما الذي يحصل فعلياً في نظام الإجازات المفتوحة هذا؟ عقلية المحارب، وضغط النظراء، وإشارات اجتماعية تقول إنك كسول متراخ إذا لم تكن موجوداً في المكتب. قام ماتياس ماير، الرئيس التنفيذي لشركة التقنية الألمانية ترافيس سي آي (Travis CI)، بكتابة مقالة بشأن تخلي شركته عن سياسة الإجازات المفتوحة وقال فيها: "عندما لا يعرف الموظفون عدداً محدداً لأيام الإجازة المسموحة ستشهد أحداثاً مثيرة للاهتمام. إذ سيتردد الموظف في أخذ عدد كبير من أيام الإجازة لأنه لا يريد أن يكون من يأخذ أكبر عدد من الإجازات. يصبح الأمر سباقاً نحو الانهيار، وليس لجعل الفريق مرتاحاً وسعيداً".
القصد هنا هو أنه في نظام الإجازات المفتوحة، على الأغلب لن تأخذ عدة أسابيع للسفر عبر أميركا الجنوبية بعد حفل زفافك، بسبب وجود ضغط اجتماعي كبير ضد الغياب لفترة طويلة. فأهداف العمل والمواعيد النهائية هي أمور ملحة، ولن تجد أحداً من زملائك يحزم متاعه ليسافر إلى الصين هذا الصيف، ولذلك لن ترغب بالذهاب إلى هناك أيضاً. كما أنك لا تريد أن تخذل فريقك، ولذلك ستضع حلمك بزيارة مدينة ماتشو بيتشو جانباً إلى الأبد.
ما الحل؟
عطلة إلزامية مجدولة متكررة.
أجل، هذا صحيح، نظام جديد كلياً لإدارة الإجازات، نظام أثبت بحث أولي نجاحه بفعالية أكبر بكثير.
قال المصمم ستيفان ساغمايستر في حديثه ضمن فعاليات تيد (TED) بعنوان "قوة العطلة" إنه يأخذ إجازة لمدة عام كامل كل سبعة أعوام، يقول: "في عام العطلة هذا، لن نكون حاضرين لتلبية أي من عملائنا. يكون مكتبنا مغلق تماماً. ويمكنكم تخيل مدى روعة هذا الوقت والنشاط الذي يمتلئ به". وينبه إلى حاجة هذه العطلة الطويلة إلى كثير من التخطيط كي تتمكن من تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها بعد قضاء وقت طويل في العمل.
لماذا يقوم بذلك؟ يقول: "نحن نقضي أول 25 عاماً من حياتنا في التعلم، ثم نمضي 40 عاماً أخرى في العمل. ثم في نهايتها هناك مرحلة تقاعد تبلغ 15 عاماً. وارتأيت أن نقتطع خمسة أعوام من مرحلة التقاعد تلك وتوزيعها بين أعوام العمل". وقال إن عام العطلة هذا هو مصدر إبداعه وإلهامه وأفكاره للأعوام السبع التالية.
تعاونت مؤخراً مع شاشانك نيغام، وهو الرئيس التنفيذي لشركة سيمبلي فلاينغ (SimpliFlying) العالمية لاستراتيجية الطيران التي تتألف من 10 موظفين، من أجل طرح سؤال بسيط، ألا وهو: "ماذا لو أجبرنا الموظفين على أخذ إجازة مجدولة لمدة أسبوع كل سبعة أسابيع؟".
كانت الفكرة نموذجاً مصغراً عن مبدأ ساغمايستر في أخذ عطلة لمدة عام كامل كل سبعة أعوام. وكانت إلزامية تماماً. وفي الحقيقة، قمنا بتصميمها على النحو التالي: لا يتقاضى الموظف مرتب أسبوع العطلة إذا اتصل بالمكتب بأي وسيلة، سواء كانت رسالة إلكترونية أو واتساب أو سلاك أو غيرها. حاولنا فرض عقوبة مالية على الموظف إذا عمل في الوقت الذي يجب ألا يعمل أثناءه، وذلك في سبيل تأسيس قاعدة تتعلق بالانفصال تماماً عن المكتب أثناء الإجازة.
تم تصميم النظام على ألا يسمح لك بتحديد وقت إجازتك. قد يقول البعض أن هذا جانب سلبي، ولكن بحسب هذه التجربة، كنا نؤمن أن وضع بنية محددة سيكون ذو فائدة كبيرة. وسيعرف الفريق والزبائن مسبقاً أن أحد الموظفين سيكون في إجازة لمدة أسبوع. والمغزى هو أنك ستذهب في إجازة فعلاً، وكذلك الأمر بالنسبة للجميع. ولذلك ليس هناك أي سؤال أو معاملة ورقية أو شعور بالذنب فيما يتعلق بعدم الحضور في المكتب.
بعد تطبيق هذه التجربة لمدة 12 أسبوعاً، طلبنا من المدراء تقييم مستويات إنتاجية الموظفين وإبداعهم وسعادتهم قبل الإجازة الإلزامية وبعدها. (واستعنا مقياس لايكرت المؤلف من 5 نقاط، باستخدام جمل بسيطة مثل: "يبدي رافي إبداعاً في عمله" مع خيارات تتراوح بين رقم 1 وهو يعني الرفض بشدة، و5 وهو يعني الموافقة بشدة). وما الذي وجدناه؟
ارتفع مستوى الإبداع بنحو 33%، ومستوى السعادة بنحو 25%، ومستوى الإنتاجية بنحو 13%. بالطبع ما هذه النتائج إلا مجرد عينة صغيرة، ولكن هناك مغزى كبير منها. وعندما نتعمق أكثر في موضوع الإبداع نجد أن النقاط التي يسجلها الموظف الوسطي كانت 3.0 قبل الإجازة و4.0 بعدها. وبالنسبة للسعادة، كانت نقاط الموظف الوسطي قبل الإجازة 3.2 وأصبحت 4.0 بعدها. أما بالنسبة للإنتاجية فقد كانت نقاط الموظف الوسطي 3.2 قبل الإجازة وارتفعت إلى 3.6 بعدها.
تتكامل هذه النتائج مع التقييمات التي حصلنا عليها من الموظفين الذين كتبوا منشورات عن تجربتهم مع هذه الإجراءات بعد عودتهم من إجازاتهم الإلزامية، وعما فعلوه أثناءها. فتحدث كثيرون عن حصول الموظفين أخيراً على الوقت لشطب الأمور التي يرغبون القيام بها من القائمة، كإقامة معرض فنون مثلاً، أو تعلم لغة جديدة أو السفر إلى مكان لم تتسن لهم زيارته من قبل.
الجدير بالذكر أن هذه شركة صغيرة، ولم نختبر النتائج على مؤسسة كبيرة بعد. ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل يمكن لأمر بهذه البساطة أن ينجح في مؤسستك؟
كانت هناك نقطتين من التقييمات البناءة التي أتتنا من الاختبار، وهما:
- كان التواتر أكثر مما يجب. وجد الموظفون أن مرة كل سبعة أسابيع (على الرغم من أنها تبدو جيدة نظرياً) كان أكثر مما تحتمله شركة صغيرة كشركة سيمبلي فلاينغ. فميزتها التنافسية هي المرونة، وإلزام الموظفين بالعطل سيعطل إيقاع العمل. اقترح نيغام إجراء تعديل وفرض العطلة كل 12 أسبوعاً. ولكن بحسب تقييمات الموظفين أعدنا تصميم النظام إلى أسبوع عطلة كل 8 أسابيع.
- كانت التجزئة ضرورية. فلنفرض أن موظفين أو ثلاثة يعملون معاً كفريق إنجاز المشاريع. وجدنا أنه من غير المنطقي أن يذهبوا في عطلة واحداً تلو الآخر، إذ يتعطل العمل بوجود حالات غياب متتالية. فراجعنا الترتيبات وحرصنا على ألا يذهب موظف في عطلة بعد عودة الآخر تماماً. فمن الضروري أن يكون التصميم على مستوى عال وأن يناسب عمل الشركة.
لا زال هذا البحث في بدايته، ولكنه يؤكد أمراً نوّهنا له منذ البداية، وهو أن أنظمة الإجازات معطلة ولا تقوم بمهمتها الأساسية. وإذا عدت من إجازتك وأنت لا تزال مرهقاً فهذا يعني أنك لم تستفد من الابتعاد عن العمل.
ما الذي يجعل الابتعاد عن العمل أمراً في غاية الأهمية؟
لننظر إلى الاقتباس المأخوذ عن تيم كرايدر الذي كتب مقالة "فخ الانشغال" لصحيفة نيويورك تايمز، إذ يقول:
"التوقف عن العمل ليس مجرد إجازة، وليس تساهلاً أو خطيئة. بل هو ضروري للعقل تماماً كضرورة فيتامين "د" للجسم، وإذا حُرمنا منه سنعاني من مرض نفسي يشوهنا كما يشوهنا الشلل. فالمساحة والهدوء اللذان يوفرهما التوقف عن العمل هما شرطان أساسيان للابتعاد عن الحياة ورؤية الصورة كاملة، ومن أجل بناء روابط غير متوقعة وانتظار أن تضربنا صواعق الإلهام المفاجئة. ومن باب المفارقة، هذا أمر ضروري لإنجاز أي عمل".
أصلح نظام الإجازات لديك، وستتمكن من إنجاز عمل أفضل وأكثر أهمية.