أثناء مشاركتي كمتحدثة مؤخراً في أحد المؤتمرات النسائية الذي نظمه البنك، قالت لي إحدى النساء: "أنا ممتنة جداً "لبرنامج البنك الخاص بعودة الأمهات إلى العمل بعد إجازة رعاية الطفل". سألتها "لماذا أنت ممتنة؟". فبدا عليها كأن سؤالي أربكها. فاستطردتُ قائلة: "ألا توفر الشركة هنا المال عبر محاولتها استبقاء موظفها الماهر بدلاً من الاضطرار إلى توظيف موظف جديد وتدريبه؟ ألن تكون الشركة قادرة على جعلكم القدوة للجيل الجديد من الأمهات والآباء الموهوبين الذين على وشك الإنجاب أيضاً؟".
لا ينظر معظم الآباء والأمهات الجدد إلى ذلك نظرة إيجابية، لاسيما في الولايات المتحدة، إذ ينتابهم شعور بالذنب، بدلاً من ذلك. الذنب مع الامتنان لأبسط الطرق في التعامل مع حقيقة بشرية بسيطة تتمثل في إنجاب الأطفال.
وبينما قد لا تكوني قادرة على إصلاح النظام الذي أنت فيه، يمكنك دفعه للأمام عبر تضافر الجهود للتركيز على ثلاثة أشياء عند عودتك إلى العمل بعد إجازة رعاية الطفل وهي: إحساسك بذاتك ورئيسك وثقافة شركتك. وإدارة تلك الأمور الثلاثة بشكل استراتيجي ستجعل رحلتك أسهل بكثير، فضلاً عن أنك ستسهمين أيضاً في مساعدة شركتك في التكيف مع واقع القرن الحادي والعشرين.
اقرأ أيضاً: هل يجب تقديم الدعم للآباء المطالبين بإجازات أبوة أسوة بإجازات الأمومة؟
عليك ببناء إحساسك الخاص بك عبر التوافق مع شريك حياتك
لا شك أن ترك بيئة العمل خلال إجازة رعاية الطفل لفترة تتراوح بين بضعة أسابيع وسنوات قليلة أمر قد يتسبب في شعورك بالذنب. فبالإضافة إلى فقدانك القدرة على النوم ليلاً، ستنقلب حياتك رأساً على عقب، وستصبحين مسؤولة عن إنسان ضعيف وعاجز، الأمر الذي يجعل الآباء والأمهات الجدد يشعرون في نهاية المطاف بأنهم بعيدون عن دائرة العمل. وغالباً ما يشعرون أيضاً بأنهم بعيدون عن أحداث الحياة نفسها.
وكلما اتسمت وتيرة وثقافة العمل بالسرعة والضغط أحس كثيرون بأنهم يتراجعون ويخرجون من مسار العمل. لكن عليكِ ألا تصدقي ذلك. فهناك العديد من الطرق التي يمكنك فيها تطوير سيرة مهنية. وإذا كان لديك شريك حياة، فإن الخطوة الأولى هنا تتمثل في مواءمة أهدافك معه.
إذ يحتاج الزوجان العاملان إلى صياغة خطة شاملة ومشتركة لكل منهما معاً، بحيث تشكل السيرة المهنية الخاصة بكل فرد منهما جزءاً منها. فإذا ظللتما تحاولان إدارة هاتين السيرتين بشكل منفصل بعضها عن بعض، فسينتهي المطاف بكما إلى خطر المنافسة بدلاً من التعاون. وهذا بالتأكيد أمر يدمر الثقة. فضلاً عن تأثيره بالغ الضرر على علاقتكما.
ويجب أن يتضمن الحوار الذي عليك أن تجريه مع شريك حياتك 3 أمور:
- الأبوة والأمومة: أي نوع من الآباء والأمهات يريد كل فرد منكما أن يكون عليه؟ هل سيتولى أحدكما المسؤولية بشكل أساسي والآخر بشكل ثانوي، أم سيكون الأمر بشكل مشترك؟ قد يبدو هذا بديهياً، ولكن لدى عديد من الأزواج افتراضات قائمة بالفعل جاءت نتيجة لثقافاتهما أو تاريخ آبائهما أو الأوساط الاجتماعية لهما. عليكما التحدث في ذلك بكل وضوح. لأن مستقبلكما يعتمد على هذا الأمر. ويجب عليكِ ألا تكتشفي ذلك فجأة كما فعلت إحدى المتدربات عندي، ذلك أنها اكتشفت أن فكرة زوجها الجرّاح عن المشاركة في تربية الأطفال تتمثل في قضاء بضع ساعات من ظهيرة اليوم مع ابنهما في الحديقة.
- السيرة المهنية: ما نوع السيرة المهنية التي يهدف إليها كل فرد منكما؟ ما الأهداف القصيرة والمتوسطة وطويلة الأجل لكل منكما؟ كيف ستكون طريقة أدائكما مهنياً خلال العشر سنوات القادمة؟ عليكِ النظر في وتيرة عملِك ووتيرة عمل شريك حياتك على المدى الطويل. حيث يمكنكما معاً تحقيق أهدافكما المهنية إذا أخذتم في اعتباركما ما سبق جيداً، ولكن ربما يكون من الصعب أن يحقق كل منكما ذلك في الوقت نفسه، أو أن تحققا كل ذلك سريعاً.
- الرعاية: كيف تبدو شبكة الدعم الخاصة بكما؟ من سيقدم الدعم لكما، ومن سيتكفل بإدارة ذلك؟ ما الخطة البديلة الأولى وما الخطة البديلة الثانية؟ هل يمكنكما الاعتماد على الأسرة، أو على مصادر خارجية، أو على الأصدقاء؟ سيتطلب الأمر مجموعة كبيرة من الأشخاص، فعليكما عدم نسيان ذلك، ولا تظنا أنكما قادران على مواصلة حياتكما في هذه المرحلة دون مساعدة. عليكما طلب تلك المساعدة، والتخطيط لها، وصياغتها. وبعد ذلك المشاركة في إدارتها.
ويتمثل الخطأ الأبرز، الذي يقع فيه عديد من الأمهات والآباء العائدين إلى العمل، في وجود مزيج من الرغبة في الأداء المثالي مع عدم القدرة على التحمل في سبيل تحقيق ذلك. ذلك أنهم يريدون فعل الكثير ويريدون أن يكونوا مثاليين في جميع المجالات: السعي للمثالية المهنية، والمثالية في مجال الأمومة والأبوة، والمثالية في الشراكة الزوجية. وهو ما يكون كفيلاً، بالتأكيد، في التسبب في إنهاكهم. عليك نسيان تحقيق المثالية. يجب هنا الاسترخاء والتنفس بعمق، والاستعداد لسباق طويل، وليس لسباق مسافات قصيرة.
عليك بالتواصل مع مديرك والتأثير فيه لتحقيق ما تريدين
وحالما يكون لديكِ خطتك الواضحة، وتكونين على توافق مع شريك حياتك، يأتي الدور على البدء في وضع خطة للتواصل مع مديرك.
فإذا كنتِ في مؤسسة يهيمن عليها الذكور، فلن يشعر معظم القادة فيها بالراحة مطلقاً حيال إجراء محادثة حول الموازنة بين الأطفال الرضع وطموحات العمل في ظل وجود عدد كبير من النساء صغيرات السن والبارعات اللواتي عدن للتو من إجازاتهن. بل إنهم يريدون تقليص أمثال تلك المحادثات مع العدد المتزايد من الرجال الذين يرغبون في أن يشاركوا بالكامل في تربية أبنائهم، لا سيما إذا قاموا أنفسهم "بالتضحية" (بحسب تعبير الآباء أنفسهم) بحياتهم الشخصية لصالح حياتهم المهنية. وبصرف النظر عن عدد محدود من بيئات العمل التقدمية، يقع عبء إدارة هذه العملية على عاتقك.
سيحاول بعض المدراء، بشكل ما، افتراض بعض الأمور حول الأمهات والآباء العائدين إلى العمل في محاولة منهم لإعفائهم من إنجاز المهمات الصعبة. في حين قد يحاول الآخرون، على النقيض من ذلك، اختبار ما إذا كنتِ لا تزالين تتمتعين "بالطموح" ويعرضون عليكِ ترقية في مكان بعيد.. في الصين. وفي كلتا الحالتين، ستحتاجين إلى التعامل مع هذا الأمر والضغط بوضوح لتحديد الأدوار المسندة إليكِ أو الحصول على الترقيات التي تتوقعينها، أو الحدود التي تريدينها. لا تتوقعي من رئيسكِ أن يعرف أفكاركِ الداخلية أو يحل الصراعات التي لا مفر منها. عليكِ عرض المشكلة، وخطة العمل، والحل المتوقع. ثم التحقق من ذلك بانتظام.
وتذكري: عليك ألا تعبري عن امتنانكِ، أياً كانت استجابة مديرك. يجب على كل امرأة أن تضع في اعتبارها أن 60% من خريجي الجامعات هن نساء، فضلاً عن أنهن يشكلن نصف كادر العمل في أغلب الشركات. ومن ثَم أنتِ مستقبل الشركة، فساعدي مديرك في معرفة كيف يمكنه إدارتك بشكل أفضل. أما بالنسبة للرجال فعليهم معرفة أنهم قدوة لازمة لتحقيق المساواة بين كل من الرجال والنساء. وعليهم تثقيف الرجال الأكبر سناً منهم حول التغيير الذي طرأ على الجيل الجديد في وجهات النظر والمرونة التي تقدمها التكنولوجيا.
احرص على فهم ثقافة الشركة التي تعمل فيها وتعديل نمط عملك وفقاً لذلك
إذ لا تزال الأنظمة وثقافات الشركات تفترض حتى اليوم أن العمل طوال اليوم وحتى في أيام العطلات هو المعيار السائد، وأن على الموظفين الموافقة على ذلك أو الرحيل، والعمل لسنين دون ترقية. وهذه هي القاعدة. كما أن افتراض أي أمر عدا ذلك، بما في ذلك وجود أطفال لدى 86% من النساء بين سن 40 و44، هو استثناء تتحمله الشركات على مضض. فضلاً عن أن أغلبية الرجال الذين يعيشون في عائلة يعيلها كلا الزوجين، يرون أنه من المحرج الحديث مع رجال الجيل السابق، الذين يتساءلون بدورهم عن نوع الرجال الذين يريدون البقاء في المنزل والعناية بالأطفال!
يمتلك بعض الشركات سياسات رائعة، لكنها لا تتواءم مع مدراء غير قادرين على تطبيقها ببساطة. تأكد إذن من معرفتك بالقواعد الموجودة في شركتك. واعمل على التواصل مع زملاء آخرين ممن لديهم أطفال في حال لم تكن مدركاً لتلك القواعد.
فغالباً ما تكون السياسات موجودة، لكن تطبيقها مختلف بين جيل وآخر. حيث صرح ثلثا الرجال الذين استُطلعت آراؤهم بأنهم مستعدون لأخذ إجازة رعاية الطفل إذا علموا أنها لن تؤثر سلباً في حياتهم المهنية. ولكن الأزمنة تتغير بسرعة. وعلى الرجال والنساء معاً أن يكونوا جزءاً من هذا التغيير الذي نريد جميعنا أن نراه.
ولذا تناقشي مع شريك حياتك، وتواصلي مع مديرك، واستعدي لسباق طويل في حياتك الجديدة. ودّعي طفلك بلطف وحنان في نهاية إجازة رعاية الطفل وقبل تركه في مركز الرعاية النهارية (وتأكدي أنه سيكون بخير)، واستمتعي جيداً بما تفعلينه بإدارة حياتك الأسرية والمهنية على نحو صحيح ومنضبط.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأسباب التي تجعل من إجازة الأبوة أمراً مهماً حتى للرؤساء التنفيذيين؟