5 خطوات عملية تساعدك على إتقان فن الظهور الإعلامي

10 دقائق
الظهور الإعلامي
shutterstock.com/Redaktion93

في عام 1997، عاد ستيف جوبز إلى شركة آبل التي شارك في تأسيسها، بعد سنوات من الإقصاء. كانت الشركة على شفا الانهيار، وأسهمها تتراجع بثبات. وفي أول ظهور إعلامي له بعد عودته، أطل جوبز بهدوئه المعتاد، مرتدياً قميصاً أسود بسيطاً، وتحدث بثقة لا عن المنتجات، بل عن الرؤية. قال: "نحن في مهمة. نؤمن بأن الناس بشغف يستطيعون تغيير العالم نحو الأفضل". لم يكن العرض استعراضاً للعضلات التقنية، بل كان إعلاناً عن نهوض جديد. ومثّلت تلك المقابلة بداية استعادة آبل لمكانتها، وبداية أسطورة إعلامية أصبح جوبز أيقونتها.

لكن خلف هذا الظهور العفوي، كانت هناك تحضيرات دقيقة. كان جوبز يُجري تدريبات مكثفة قبيل كل عرض أو مقابلة، ويراجع الشرائح عشرات المرات، ويتدرب على الإيقاع ونبرة الصوت، وحتى طريقة الوقوف. كان يؤمن بأن كل ثانية على المسرح يجب أن تكون محسوبة. وكثيراً ما استعان بخبراء إعداد الخطابات والعروض الإعلامية لتكون كلماته بسيطة وفعّالة، لكنها مدروسة بعناية.

وعلى غرار ستيف، يدرك القادة المتمرسون أن الحضور الإعلامي المميز لا يحدث بالصدفة، بل يُصقل بالتحضير والأصالة ورواية القصص الاستراتيجية، وأن ما يجعل بعض القادة مؤثّرين بصورة طبيعية حتى قبل أن يتحدثوا، هو القدرة على إبراز الثقة والمصداقية.
إذاً، كيف يضمن القادة أن يكون ظهورهم الإعلامي فعّالاً ولا يُنسى؟ فيما يلي خطوات عملية:

1. حدد رسالة واضحة

يتذكر الأشخاص الرسائل الموجزة والمؤثرة والواضحة التي تحافظ على التفاعل وتساعد على تجنب سوء الفهم والتفسير. تبين الدراسات أن العقل البشري يميل إلى تذكر المعلومات التي تقدَّم في عناصر على نحو أفضل من القوائم الطويلة. لذا، استخدم "قاعدة الثلاثة" في تنظيم رسائلك الرئيسية؛ ركز على الإيجاز قدر الإمكان دون الإخلال بالمعنى، ورتب الكلمات بطريقة إيقاعية جذابة، واتبع نمطاً محدداً للمحتوى. على سبيل المثال، إذا كنت تناقش نمو شركتك، فسلط الضوء على 3 إنجازات رئيسية.

وعند تحديد الفكرة المراد إيصالها وترتيب المعلومات بطريقة جذابة يسهل تذكّرها وفهمها، يمكنك الاعتماد على مبدأ هرم مينتو، أو مبدأ هرم ماكنزي، الذي يرتكز على 3 مستويات:

  1. التركيز على النقطة الرئيسية أو الاستنتاج الذي يثير فضول الجمهور لمعرفة المزيد من التفاصيل.
  2. تقديم مجموعة الحجج والمعلومات التي تجيب عن الحجج المقنعة وراء الرسالة المفتاحية.
  3. تقديم بيانات إضافية، مثل الحقائق والأرقام أو نتائج تدعم الحجج.
    ما يساعدك على تنظيم أفكارك بكفاءة أكثر وإقناع أكبر.

عندما يظهر الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك للإعلام، يحافظ على بساطة رسائله واستراتيجيته، إذ غالباً ما يركز على الابتكار والخصوصية وتجربة العملاء، ما يضمن الاتساق في هوية العلامة التجارية للشركة.

2. استفد من سرد القصص

تجعل القصص المعلومات جذابة ولا تُنسى، إذ تُعد أدمغتنا مبرمجة على حب القصص، وغالباً ما نضع الأمور في إطار الرواية لنستمتع باستهلاك المحتوى. لذا، يجب على القادة تطوير استراتيجيات السرد القصصي لخلق بنية اتصالية قوية تدعم الرسائل الرئيسية التي يريدون إيصالها.

تعتمد مهارة السرد القصصي على الشخصيات والحبكة؛ أي تسلسل الأحداث في القصة. لذا، يجب على القائد ألّا يركز على تصاعد الأحداث فقط ويغفِل المعنى أو طرح الحل النهائي والنقاط المهمة في نهاية الحديث. في تقرير أعدته شركة "ظهور" المتخصصة في الظهور القيادي حول تقنيات الحوار التي استخدمها 14 قيادياً سعودياً من قطاعات مختلفة في 3 برامج خلال شهر رمضان، تبين أن 43% من القياديين لم يلخصوا حديثهم أو يذكّروا بالرسائل الاتصالية المهمة.

يساعدك نموذج هرم فريتاج (Freytag’s Pyramid) في إنشاء سرد منظم مع الحفاظ على جاذبية القصة من البداية حتى النهاية. يبدأ النموذج بالتمهيد للشخصيات والمكان والمعلومات الأساسية التي تساعد على فهم القصة، ثم عرض الأحداث تصاعدياً لتشويق الجمهور، ثم التحول إلى ذروة القصة ونتيجتها، لتتناقص بعدها وتيرة الأحداث وصولاً إلى النهاية.

من خلال امتلاكك لأدوات السرد القصصي يمكنك إضفاء التفاصيل الحسية والبصرية واستخدام الحوار لنقل الأفكار والعواطف. لذا، بدلاً من مجرد ذكر الحقائق، صِغها في شكل سرد. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول: "لقد نمت شركتنا بنسبة 50%"، قل: "قبل 3 سنوات، كنا شركة ناشئة صغيرة. أما اليوم، فقد توسعنا على مستوى العالم ونخدم الملايين".

غالباً ما تشارك أوبرا وينفري، وهي واحدة من أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيراً، قصصاً شخصية تثير المشاعر وتعزز الرسائل الرئيسية، ما يجعل خطاباتها قوية. وكان ستيف جوبز أفضل مَن تقمّص دور مدير السرد القصصي، إذ يقول: "أقوى شخص في العالم هو الشخص الذي يتقن السرد القصصي، فهو يصوغ رؤية جيل قادم بأكمله ويؤسس له القيم ويضع له خطة العمل".

3. استعد للأسئلة الصعبة

تتطلب الإجابة بكفاءة عن الأسئلة التركيز على النقطة الأساسية، وشرح السبب مدعوماً بالأدلة، وذكر الأمثلة والتجارب، ومن ثم إعادة تأكيد النقطة الأساسية. وهذا ما يسمى بـ استراتيجية بريب (Point, Reason, Example , Point – PREP). لكن عند مواجهة أسئلة صعبة واستفزازية يجب على القادة التعامل معها بذكاء للحفاظ على مسار المقابلة.

وإحدى الاستراتيجيات الفعّالة في الرد على الأسئلة الصعبة هي التجسير (Bridging)؛ أي تحويل مسار الأسئلة من سلبي إلى إيجابي من خلال التركيز على نقاط القوة والأفكار التي يريد القادة إيصالها إلى الجمهور. على سبيل المثال يمكن أن تقول: "هذه مسألة مهمة، وما نركز عليه هو...".

عندما سُئل الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، ذات مرة عن منافسة الشركة مع جوجل، أعاد صياغة المحادثة بهدوء، مركزاً على نقاط قوة مايكروسوفت بدلاً من مهاجمة المنافسين مباشرة. وقد عززت قدرته على إعادة صياغة الحوار مصداقيته القيادية.

4. تحدّث بصدق وبساطة

يتواصل الجمهور بصورة أكبر مع القادة الذين يبدون صادقين، وترى الشريكة المؤسسة لشركة هيوليت للاستشارات، ومؤلفة كتاب "الحضور التنفيذي: الحلقة المفقودة بين الجدارة والنجاح"، سيلفيا آن هيوليت، أن القادة الصادقين والمتعاطفين يبنون علاقات أقوى ويعززون ثقة أعمق.

لذا شارك الحكايات أو التجارب الشخصية لإضفاء الطابع الإنساني على رسالتك، وتجنب اللغة الصعبة أو المتخصصة جداً، وركز على القاسم المشترك الذي يربطك بالجمهور، قد يكون المنطقة التي تنتمي إليها مثلاً.

ويبدو أن إيلون ماسك من القادة البارزين الذين يتبعون هذا النهج، إذ غالباً ما يتحدث بصراحة وبساطة في المقابلات، ما يجعله مرتبطاً بالجمهور. وعلى الرغم من تعثّره في بعض الأحيان، فإن حماسته للتكنولوجيا ورؤيته للمستقبل تجد صدى لدى مَن يشاهده ويستمع إليه.

5. تحكم في السرد من خلال التدريب الإعلامي

إن التواصل الواضح والمقنع أمر بالغ الأهمية لبناء الثقة والمصداقية وإدارة السمعة وتحقيق النجاح. لذا، دون التدريب والإعداد المناسب قد يواجه القادة والمدراء التنفيذيون حتى أكثرهم براعةً صعوبة في التواصل بفعالية في المواقف التي تتسم بالضغط الشديد، والتي تصبح أكثر إرهاقاً عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام.

من خلال التدريب الإعلامي، يتعلم المدراء التنفيذيون والقادة كيفية التواصل بفعالية والتفاعل مع وسائل الإعلام في المواقف المخطط لها وغير المخطط لها، ما يساعدهم على صقل مهاراتهم في التحدث والحفاظ على رباطة جأشهم تحت الضغط. لذا، اعمل مع مدرب إعلامي أو تدرب مع زميل موثوق به على الردود لضمان الوضوح والتأثير.

خضعت المديرة التنفيذية السابقة في ميتا، شيريل ساندبرغ، لتدريب إعلامي مكثف لتحسين مهاراتها في إجراء المقابلات. وقد جعلها حضورها المصقول والهادئ صوتاً قوياً وموثوقاً به في مجال الأعمال.

الظهور الإعلامي الرائع لا يحدث بالصدفة، بل هو نتيجة للتحضير، والرسائل الاستراتيجية، والحضور الشخصي القوي. باتباع هذه الخطوات العملية، يمكنك ضمان أن يكون كل ظهور إعلامي فعّالاً وواثقاً ومميزاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي