أين ترى نفسك بعد 10 سنوات من الآن؟ هل تطمح إلى أن تكون ضمن الإدارة التنفيذية العليا، وأن تقود الأشخاص والتغيير؟ إذا كنت تريد ذلك، فستحتاج إلى إتقان فن التأثير، وهو مهارة يمكن تعلمها مثل أي مهارة أخرى.

يمكن تعريف التأثير على أنه القدرة على التأثير على الشخصية أو التطور أو السلوك، ويتطلب بناء رابط عاطفي قوي بنفسك وبالآخرين. غالباً ما يكون مَن يتقنون فن التأثير ماهرين في الاستفادة من المشاعر التي تدفع تصرفات الأشخاص. وهذا يفسر السبب في أن التأثير مرادف للقيادة: وراء كل قائد عظيم جيش من الأتباع الذين يدعمون رسالته أو قضيته. في الواقع، عندما تصنف مجلة التايم أكثر 100 شخصية تأثيراً على مستوى العالم، لا تتألف أكبر فئة من نجوم الرياضة أو الموسيقى أو فاعلي الخير، بل من قادة مثل ميشيل أوباما وشي جينبينغ وجاسيندا أرديرن وبوب آيغر.

كيف يفعلون ذلك؟

أجرينا مؤخراً تحليل ميتا للإجابة عن هذا السؤال. كان هدفنا الأساسي هو اكتشاف كيف أتقن القادة الأكثر تأثيراً هذا الفن عبر التاريخ، وما أشكال التأثير التي لا يزال يمارسها القادة الناجحون حتى اليوم. وكان أرشيف البيانات المتسلسلة زمنياً الشاملة لعدة دول، وهو مكتبة تضم بيانات جُمعت على مدار 200 عام من أكثر من 200 دولة، نقطة انطلاق ممتازة. تمثلت معايير بحثنا في تحديد الكتب والمقالات التي ظهر فيها مصطلحا “القيادة” و”التأثير” معاً، من قاعدة بيانات تضم 700 ألف كتاب ومقالة.

وما أثار دهشتنا هو مناقشة نهجين باستفاضة، لدرجة أن 95% من المؤلفات التي حددناها ذكرت هذين المصطلحين بالوتيرة نفسها تقريباً التي ذُكرت بها “القيادة” و”التأثير”.

يركز النهج الأول (التبادلي) على التعاملات الفعلية والفعالة بين القائد ومرؤوسيه، وتحسين الوضع الحالي من خلال تحديد الخطوات التي يجب اتخاذها على المدى القصير. في النهج الثاني (التحويلي) يكون القادة قدوة ويشجعون مرؤوسيهم ويقدمون لهم رؤى ويحمسونهم ويرفعون معنوياتهم ويحرصون على إرضائهم.

بعد أن ضيقنا نطاق البحث عن هذين النهجين الشائعين، أردنا أن نعرف كيف يستخدمهما القادة اليوم وأيضاً إذا ما كانوا لا يزالون يستخدمونهما. ولذلك استطلعنا رأي ألف قائد من القادة ذوي الأداء العالي في 17 دولة و11 سوقاً رأسية، بما يشمل التمويل والتأمين وصناعة الأدوية والتكنولوجيا، وطرحنا عليهم الأسئلة التالية (من بين أسئلة أخرى):

  • كيف تؤثر في الآخرين؟
  • كم مرة تحيد عن هذا النهج؟
  • هل تعتبر نفسك قائداً أم تابعاً؟
  • كيف يمكنك زيادة تأثيرك؟

أكدت النتائج التي توصلنا إليها أن التأثير التبادلي والتحويلي لا يزالان الطريقتين الأكثر انتشاراً اللتين يمارس بهما القادة سلطتهم على الآخرين اليوم. ويجب أن تفهم كلتيهما لتتمكن من إتقان فن التأثير.

التأثير التبادلي

وجدنا أن المسؤولين التنفيذيين، أو الأشخاص الذين في مواقع سلطة، غالباً ما يستخدمون التأثير التبادلي في أماكن العمل ذات الهيكل الهرمي المتدرج من أعلى إلى أسفل، ما يعني أن الأشخاص في قمة الشركة، مثل الرؤساء التنفيذيين أو الإدارة العليا، يتخذون القرارات الرئيسية التي تتصرف بقية الشركة بناءً عليها. وبالتالي ينجح هذا النهج في الأزمات وفي المشاريع التي تتطلب عمليات خطية ومحددة.

شركة تويتر من الأمثلة على الشركات التي يبدو أنها تعمل بهذه الطريقة. عندما أجرينا مقابلة مع مَن كان آنذاك نائب رئيس تويتر لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، بروس دايزلي، أوضح أنه عندما يقود فريقاً، يكون هو المتحكم فيما يحدث في هذا الفريق ويوضح جيداً ما يجب فعله لتحقيق الأهداف. قال: “لا أؤمن بتلطيف الكلام في أثناء التواصل أو استهلال الرسائل بكلمات إيجابية مصطنعة أو اتخاذ الخيار السهل المتمثل في ‘تجنب القيادة'”. في حين أن مَن لا يعرفونه جيداً قد يجدون هذا غير مريح بعض الشيء، فإنهم سرعان ما يثقون به ويدركون أنه يتجنب الغموض ويسرّع الفهم. فهو يتعامل بالحقائق لا الآراء ويتوقع من الآخرين التفكير بعقلانية في حجتهم.

سواء فعل القادة ذلك باستخدام سياسة الجزرة والعصا، أم لا، فإن القادة مثل بروس الذين يستخدمون التأثير التبادلي لا يبنون بالضرورة رابطاً شخصياً مع مرؤوسيهم. أخبرنا العديد من القادة الذين درسناهم أنه نتيجة لهذا الافتقار إلى الروابط الشخصية، فإنهم يجدون صعوبة في التأثير على سلوك الأشخاص بمرور الوقت، على الأقل دون أن يبدوا متعجرفين ويتسببوا في شعور فرقهم (وأنفسهم) بالتوتر. من الأمثلة على ذلك، يبحث بروس حالياً عن علاج للاحتراق الوظيفي. لذلك، خلصت دراستنا إلى أنه في حين أن التأثير التبادلي مفيد، فإنه يجدي نفعاً على المدى القصير فقط.

التأثير التحويلي

وجدنا أن هناك قادة آخرين ينجزون الأمور عن طريق التشجيع والدعم وتجاوز ما هو مطلوب منهم. ينبع التأثير التحويلي من التعاطف. وعادة ما يُستخدم في أماكن العمل ذات الهيكل المسطح. على عكس المؤسسات التي تعمل من أعلى إلى أسفل التي يحتفظ فيها مَن في القمة بأكبر قدر من المعلومات والسلطة، فإن تلك التي لديها هياكل مسطحة تشجع على حل المشكلات والتعاون عن طريق إزالة الطبقات الهرمية داخل المؤسسة، ما يعني عدداً أقل من المرؤوسين المباشرين والقادة.

تفضل نائبة رئيس في شركة ويسترن يونيون، كارين بيني، اتباع نهج أكثر تعاطفاً. فقد قالت: “عندما لا تسير الأمور على ما يرام، يحتاج الأشخاص إلى معرفة كيف تتكيف، مع إظهار جوانب ضعفك “. على الرغم من أن الكثيرين منا تعلموا أن إظهار الضعف هو نقطة ضعف، تؤمن كارين أن السماح للآخرين بمعرفة مخاوفك وآمالك ومشاعرك الحقيقية هو الخطوة الأولى لبناء نوع الرابط العاطفي الذي يحث على العمل. غالباً ما يشكل القادة أمثال كارين، الذين لا يمانعون التحلي بالشفافية مع مرؤوسيهم، رابطاً شخصياً أعمق. ونتيجة لذلك، يُبنى مستوى أعمق من الثقة، وهذه الثقة هي أساس التأثير، كما أخبرتنا كارين.

بالنسبة لقادة المستقبل، الذين من المرجح أن يعملوا ضمن هياكل تزداد تسطحاً، تشير أبحاثنا إلى أن إتقان التأثير التحويلي أهم من إتقان التأثير التبادلي، ومن السهل معرفة سبب ميل مَن يطمحون إلى القيادة نحوه. فكرة القيادة ذاتها آخذة في الانقراض لأن العالم يتجه نحو طرق عمل أكثر مرونة وتشاركية، والمؤسسات التقليدية المتدرجة من أعلى إلى أسفل “تتسطح” وتتفكك.

كيف تتقن فن التأثير؟

فيما يلي 4 طرق لإتقان فن التأثير، الآن وفي المستقبل:

  1. ابنِ علاقات مع الأشخاص الذين تريد التأثير فيهم. إذا كنت تتولى منصب المدير لأول مرة، فاقضِ وقتاً في التعرف على أعضاء فريقك وبناء الثقة والعلاقات الجيدة وتعزيز الروابط الشخصية. اسألهم: “ما الذي فعله مدراؤكم السابقون وتريدونني أن أفعله أو لا أفعله؟”. سيثبت هذا السؤال مصداقيتك على الفور ويُظهر اهتمامك بهم. وسواء كان مديرهم الأخير جيداً أو سيئاً، ستوفر إجاباتهم رؤى ذات قيمة، مثل أنها ستُظهر أكثر ما يقدّرونه. قد تحتاج إلى إعادة ضبط توقعاتهم وإعطائهم سبباً للتفاؤل.
  2. استمع جيداً. يريد الأشخاص أن يقودهم أشخاص يحبونهم، لكن هذا لا يعني أنك يجب أن تصبح صديقاً للجميع. بصفتك مديراً، لكي تكون محبوباً يجب أن تكون مهتماً باحتياجات فريقك ومتفاعلاً معها ومتفهماً لها، بوصفك قائداً لهم وليس صديقاً لهم. تذكر أنك غالباً ما تكون نقطة اتصالهم بالرؤية الأكبر للمؤسسة، ومهمتك هي أن تبقيهم على دراية بالصورة الكبيرة وأن تستمع إليهم وتزودهم بالموارد التي يحتاجون إليها للنجاح. لكي يحبك الجميع ويحترموك، احرص على تنحية تحيزاتك جانباً، والتواصل باستمرار، والتصرف بناءً على ما تسمعه (وليس الاستماع فحسب).
  3. التزم تجاه فريقك. إذا لم تكن ملتزماً تجاه فريقك، فلماذا إذاً سيتّبعونك؟ ابحث عن طرق لكي تُظهر للآخرين أنك ملتزم تجاههم على المستويين الجماعي والفردي. من الأفضل القيام بذلك من خلال عرض رؤيتك لما يبدو عليه النجاح، والسبب في أن أدوارهم ضرورية لتحقيقه، وبناء فرص للنمو على طول الطريق. تذكّر أن الأشخاص لن يتحملوا المسؤولية إذا لم يقتنعوا بالخطة نفسها، لذا أجرِ محادثات ثنائية بصورة منتظمة بحيث تتيح لك إظهار التزامك وبناء “أتْبَاع” في آن واحد.
  4. كن قدوة. الفعل البسيط المتمثل في تقدير أعضاء فريقك، سواء من خلال بضع كلمات دالة على الثناء في نهاية أسبوع عصيب أو الإشادة بدورهم المحوري في مشروع نُفِّذ مؤخراً، يمكن أن يحفزهم للغاية. بوصفك مديراً يشغل هذا المنصب لأول مرة، فإن أحد أفضل الأسئلة التي يجب طرحها على موظفيك هو “كيف تحب أن تتلقى الثناء أو التقدير؟”. ستساعدك الإجابات التي تتلقاها على معرفة كيفية الثناء على أعضاء فريقك والإعراب عن تقديرك لهم.