كيف تُتقن فنّ إدارة النزاعات قبل أن تتولى قيادة أي مشروع؟

6 دقيقة
تجنب النزاعات
أولغا بانكوفا/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من المستحسن بدء أي مشروع جديد بتبني عقلية صحية للتعامل مع النزاعات بين أعضاء الفريق، إذ يتطلب النزاع المنتج أن تقدّر جميع الأطراف المطالب المتضاربة والحاجة إلى المفاضلة بينها لضمان حسن سير العمل، لكن لا تفترض أن أصحاب المصالح يفهمون مواقفهم بوضوح أو يتعاطفون مع احتياجات الآخرين ومطالبهم. بصفتك مدير مشاريع فعالاً، يتمثل دورك في تعزيز الوعي بوجهات النظر المختلفة داخل الفريق وفهمها واحترامها، مهمتك هي تسخير القوى المتعارضة وضمان صنع القرارات بالاستفادة من وجهات النظر المتنوعة مع الفهم التام لعواقبها، وتحقيق أفضل توازن بين الأولويات المختلفة. سيتطلب الوفاء بهذه المسؤولية أن تتبنى مفهوم النزاع المنتج وأن تصقل المهارات المرتبطة بإدارته.

إذا كنت مبتدئاً في إدارة المشاريع، فقد تعتقد أن مفتاح النجاح هو تجنب النزاعات قدر الإمكان لضمان أن ينجز فريقك مهامه ويفي بالمواعيد النهائية ويتجنب المشاجرات؛ قد ترى نفسك وسيطاً يحافظ على الانسجام داخل الفريق. يبدو نهج تجنب النزاعات وإرضاء الجميع مثالياً من الناحية النظرية، لكنه لا يتماشى مع الجوهر الحقيقي لإدارة المشاريع الفعالة.

والسر الحقيقي لنجاح إدارة المشاريع هو خلق بيئة تتوقع النزاعات التي ستنشأ حتماً من المطالب المتعارضة متوقعة وتقدّرها وتتيح حلها بطرق تحسّن نتائج المشروع والشركة عموماً. مدير المشاريع الناجح ليس مجرد “صانع سلام” يتجنب النزاع، بل هو مدير نزاعات ماهر ومحترم أيضاً. يجب على مدير المشاريع الفعال تعزيز المهارات من أجل:

كشف التعارضات والمقايضات

تجمع المشاريع العديد من أصحاب المصلحة الذين لديهم وجهات نظر وأولويات ومجالات خبرة مختلفة. على سبيل المثال، قد يصرّ فريق المبيعات على وضع خطة توجيهية للمنتج مليئة بالميزات الجديدة، في حين يصرّ الفريق الهندسي على الحفاظ على استقرار المنصة، ويرفض فريق التشغيل ما يشتت تركيزه الشديد على التوزيع السلس والفعال. اختلاف المصالح ليس علامة على أن المعنيين لا يتمتعون بروح الجماعة أو أن المشروع محكوم عليه بالفشل، بل يعكس في الواقع المتطلبات المتنوعة والمتضاربة أحياناً لأي مشروع. يتمثل دورك مديراً للمشروع في خلق بيئة آمنة وبنّاءة حيث يمكن للجميع فهم هذه المطالب المتعارضة والعمل معاً للتوصل إلى أفضل مسار عمل وتحقيق أفضل النتائج الممكنة، مع مراعاة الموارد المتاحة والقدرة على تحمل المخاطر.

وفي غياب من يستطيع فتح نقاش حول هذه المقايضات يميل كل طرف غالباً إلى وجهة نظره الوظيفية الضيقة، فيتعثر المشروع، وعندما لا يُعرف من لديه سلطة اتخاذ القرار يتوقف تقدم المشروع لعدم إبداء أي طرف استعداده للموافقة على الخطة. من ناحية أخرى، إذا كانت إحدى الفِرق تتمتع بالنفوذ وسلطة اتخاذ القرار، فقد تفرض على الآخرين قراراً لا يصب في مصلحتهم. عندما تنشأ مثل هذه المواقف، يبدي المعترضون ردود فعل مختلفة تتراوح بين الاحتجاج العلني وتأخير عملية التخطيط، وتقويض القرار سراً دون معارضته مباشرة، وتنفيذ الخطة على مضض على الرغم من المخاطر الكامنة التي قد تسبب مشكلات لاحقاً. ردود الفعل هذه ليست جيدة، وعلى الرغم من أن طرح النزاعات في النقاش قد يجعله يبدو بطيئاً ومشحوناً، فهو نهج أكثر أماناً وكفاءة من تجنب الحديث عنها.

تأسيس دينامية منتجة للنزاعات

من المستحسن بدء أي مشروع جديد بتبني عقلية صحية للتعامل مع النزاعات بين أعضاء الفريق، إذ يتطلب النزاع المنتج أن تقدّر جميع الأطراف المطالب المتضاربة والحاجة إلى المفاضلة بينها لضمان حسن سير العمل، لكن لا تفترض أن أصحاب المصالح يفهمون مواقفهم بوضوح أو يتعاطفون مع احتياجات الآخرين ومطالبهم. في الواقع، قد يكون من الصعب تعزيز الوعي الذاتي والتعاطف في بيئة تعزز الأهداف الذكية والمستوى العالي من المساءلة من أجل ضمان استمرار تركيز الأفراد على أولوياتهم الوظيفية. بصفتك مدير مشاريع فعالاً، يتمثل دورك في تعزيز الوعي بوجهات النظر المختلفة داخل الفريق وفهمها واحترامها،

يمكنك أن تبدأ مشروعاً جديداً بفعالية من خلال إجراء تمرين جماعي لتحديد التعارضات الإيجابية داخل الفريق وفهمها، تتمثل الخطوة الأولى من التمرين في مساعدة كل عضو في الفريق على توضيح مهاراته الفردية التي يقدمها إلى الفريق والقضايا التي سيركز عليها، بعد ذلك اطلب منه تحديد أصحاب المصلحة الذين يجب عليه تمثيلهم والدفاع عنهم. أخيراً، اكتب وصفاً موجزاً للتعارض المحتمل لكل دور في أثناء مناقشات المشروع. على سبيل المثال، يركز فريق المبيعات على المنافسة ويمثل مصالح العملاء المحتملين ويصرّ على حل متميز، في حين يركز فريق العمليات على التسليم الميسر ويمثل مصالح موظفي التصنيع والخدمات اللوجستية ويطالب بحل قابل للتوسيع. يمكنك العثور على تعليمات أكثر تفصيلاً حول كيفية أداء هذا التمرين من هنا.

بعد عملي على تنسيق مئات الجلسات لتنفيذ هذا التمرين، يمكنني أن أشهد على التغيير الإيجابي الذي يحدثه من خلال منح كل فرد في الفريق الشعور بشرعية الدفاع عن متطلبات دوره بأنه مستعد لمواجهة المواقف المناقضة لها. من المفيد إبقاء الخريطة الناتجة عن التمرين في متناول الجميع، لتصبح نقطة مرجعية يمكن العودة إليها لتيسير المناقشات الصعبة.

تشجيع الخلاف وإدارة النزاع

حتى في أثناء أداء هذا التمرين التمهيدي للمشروع، من الشائع ألا يعبّر بعض أعضاء الفريق عن آرائهم أو وجهات نظرهم، ومهمتك بصفتك مديراً للمشروع إنشاء بيئة آمنة تتيح للفريق النظر في جميع الخيارات والمخاطر والمقايضات ذات الصلة. بالاعتماد على خريطة التعارضات التي نتجت عن التمرين، يمكنك أن تقول مثلاً: “ركزنا على التصميم ولم نناقش التنفيذ بعد. حسّان، ما أفكارك حول تأثير التصميم المقترح في سهولة التنفيذ؟ ما العوامل التي يجب أن نأخذها في الاعتبار؟” استمر في دعوة الأفراد إلى المشاركة حتى تُطرح جميع وجهات النظر الفريدة في المناقشة.

بصفتك مديراً للمشروع، يجب أن تشجع أعضاء الفريق على الاختلاف فيما بينهم بفعالية وضمان منحهم فرصاً منصفة لطرح وجهات نظرهم غير المألوفة وآرائهم المعارضة والحقائق المتعارضة. لتحفيز المناقشة وإبراز الخلافات، يمكنك طرح أسئلة من قبيل “ما المخاطر التي لم نعالجها بعد؟” أو “من قد يعارض هذه الخطة وعلى أي أساس؟” أو “كيف يمكن أن تفشل هذه الخطة، وما الذي يتعين علينا تعديله لتقليل المخاطر؟”. في الثقافات التي تحرص على تجنب النزاعات، يجب أن تعمل على خلق مسافة عاطفية عن الخلاف من خلال طرح المخاوف على أنها سيناريوهات افتراضية، مثل السؤال عن المشكلات المحتملة أو مَن قد يعترض، بدلاً من حث شخص ما على التعبير عن مخالفته مباشرة.

إدارة التوتر

ليس كل نزاع مفيداً أو مثمراً. عندما تتحول تفاعلات الفريق من تعارض مثمر إلى نزاع هدّام، يجب أن تكون قادراً بصفتك مديراً للمشروع على إعادتها إلى المسار المثمر مجدداً. ولربما اضطررت إلى التدخل، مثلاً إذا قاطع أحد أعضاء الفريق حديث زميله أو عارضه أو قلل من شأنه. تعتمد خطوتك الدقيقة على الموقف. لكن فكر في استراتيجيات مثل تشجيع من يسيطرون على المحادثة على إفساح المجال ليشارك الآخرون فيها، أو مطالبة من لا يستمع بإعادة صياغة مخاوف زميله قبل الرد، أو قول شيء مثل: “نعلم أن المشروع ينطوي على أولويات متزاحمة، لذلك دعونا نتحدث قليلاً عن طرق دمج احتياجات فريق ضمان الجودة في خطة المشروع”.

إذا كان سلوك شخص ما يسبب ارتباكاً للفريق بأكمله أو أخذت الخلافات منحى شخصياً، فسيصعب عليك التحكم في التفاعلات بين المشاركين. لذلك خصص بعض الوقت قبل الاجتماعات للتحدث إلى أي فرد مثير للجدل عن توقعاتك منه ومناقشته صراحة حول المشكلات المحتملة التي قد تدفعه للتفاعل سلباً في أثناء الاجتماع. إذا وقعت تفاعلات سلبية أو غير مهنية، فمن المهم التحدث بشأنها مع الشخص المعني على انفراد وتوضيح أثر سلوكه في المشروع. إذا استمرت المشكلات، فقد يكون من الضروري التحدث إلى مدير ذلك الشخص ليس بهدف الشكوى منه أو الوشاية به، بل بهدف مشاركة المشكلات المستمرة وطلب المشورة حول كيفية التعامل معه وإبراز أفضل ما لديه.

التأثير في أصحاب السلطة

يتحمل معظم مدراء المشاريع قدراً كبيراً من المسؤولية، لكنهم يفتقرون غالباً إلى السلطة الرسمية لاتخاذ القرارات المهمة، لذلك يجب أن يتمكن مدراء المشاريع من التأثير في صانعي القرار الرسميين والرعاة التنفيذيين الذين يتمتعون بالسلطة. عندما يتعلق النزاع بشخص يتمتع بسلطة أكبر من سلطتك، فمن المفيد اتباع 4 مبادئ توجيهية:

  • احرص على ربط مخاوفك بأهداف المشروع المعلنة، ومن الأفضل أن تربطها بالأهداف التي صرح بها قائد المشروع. على سبيل المثال، يمكنك القول: “أدرك أن إنجاز المشروع في الوقت المحدد هو الأهم بالنسبة لك، وأخشى أن النطاق الذي تقترحه سيؤخره”. بهذه الطريقة، توضح أن اعتراضك يصب في صالح المشروع.
  • عبّر عن مخاوفك بطريقة تصف تصرفات الشخص بموضوعية. على سبيل المثال، إذا كان الراعي التنفيذي يهيمن على المحادثة، يمكنك أن تقول: “لقد لاحظت أن الحوار يتوقف عندما تطرح رأيك قبل الآخرين، كيف نضمن أن نستمع إلى جميع المشكلات ونعالجها على الفور بدلاً من تأجيلها؟”
  • إذا كنت بحاجة إلى إثارة قضية خلافية مع شخص يتمتع بالسلطة، فمن الضروري توضيح هدفك من ذلك. على سبيل المثال، إذا كانت الشركة تقدّر الشفافية، يمكنك أن تقول: “أنا أثير هذه القضية لأنني أحاول أن أرتقي إلى مستوى قيمة الشفافية التي تتبناها شركتنا”. إذا كنت تتخذ إجراءً يحقق مصلحة المشروع، فقل مثلاً: “على الرغم من صعوبة مناقشة هذه المشكلة معك، أعتقد أن ذلك ضروري للحصول على دعم فريق التسويق”.
  • اترك مجالاً للمرونة من خلال تقديم اقتراحاتك بصيغة أسئلة لا وجهات نظر نهائية؛ فكر مثلاً في استخدام كلمات مثل “يمكن” بدلاً من “يجب”. على سبيل المثال، بدلاً من الإصرار على تأجيل أمر ما إلى المرحلة الثانية، يمكنك أن تقول: “هل يمكننا ترك هذا الأمر إلى المرحلة الثانية؟” يتيح طرح الاقتراحات المعارضة في صيغة أسئلة مجالاً للتعديلات إذا كان لدى الشخص الصاحب السلطة رد فعل سلبي قوي.

بصفتك مديراً للمشروع، فأنت حجر الأساس الذي يحافظ على تماسك أعضاء الفريق ويوحّدهم، ودون توجيهاتك قد تتشتت جهودهم في اتجاهات مختلفة. مهمتك هي تسخير القوى المتعارضة وضمان صنع القرارات بالاستفادة من وجهات النظر المتنوعة مع الفهم التام لعواقبها، وتحقيق أفضل توازن بين الأولويات المختلفة. سيتطلب الوفاء بهذه المسؤولية أن تتبنى مفهوم النزاع المنتج وأن تصقل المهارات المرتبطة بإدارته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .