تتلقى المؤسسات في جميع القطاعات المزيد من المطالبات من المستثمرين والعملاء والموظفين وشريحة أوسع من حملة الأسهم لصياغة بيان غاية واضح للشركة. لا تتمحور الغاية حول تعظيم الربح، بل حول السبب الذي وُجدت المؤسسة من أجله.

ويجب أن يتضمن بيان الغاية شرحاً واضحاً لدور المؤسسة في تحقيق الأهداف الإنسانية أو الاجتماعية أو البيئية، ويجب أن يكون مقنعاً وصادقاً وملهماً. غير أننا رأينا العديد من بيانات الغاية التي تتراوح، بحسب وجهة نظرنا، بين بيان غامض، مثل بيان شركة دلتا (Delta): “رفع العالم” (Lift the World)، وبيان مبالغ فيه مثل بيان شركة سيسكو (Cisco): “دعم مستقبل شمولي للجميع” (to power an inclusive future for all) وبيان باهت مثل بيان شركة ديكاثلون (Decathlon): “إفادة الناس” (to be useful for people).

إتقان صياغة بيان غاية الشركة مهم جداً، فهو يوضح ما تطمح الشركة إليه ويبعث رسائل إلى الموظفين بشأن ما تمثله شركتهم، وهذا البيان هو الخطوة الحيوية الأولى على طريق تبنّي غاية صادقة والسعي نحو تحقيقها. غير أن قادة المؤسسات غالباً يواجهون صعوبة في صياغة بيان غاية مناسب وملهم بسبب قلة التوجيه فيما يتعلق بما يتطلبه من حيث نقاط التركيز وشمولية النظرة وشكل التعبير.

أجرينا عملية تحليل مفصلة لمجموعة من 66 بيان غاية من المؤسسات الكبرى حول العالم، ونظرنا في صياغتها لتقييم وضوحها واتصالها بالنشاطات الأساسية للمؤسسة، إضافة إلى مصداقيتها. وتحدثنا إلى كبار القادة والموظفين، ودرسنا النصائح المتعلقة بأفضل الممارسات في هذا المجال. وبناءً على المعلومات التي توصلنا إليها حول الأساليب الناجحة والفاشلة في عملية الصياغة، تمكّنا من تطوير إطار عمل تشخيصي يساعد القادة على صياغة أفضل بيان غاية مناسب لحالتهم الخاصة.

إطار عمل لصياغة بيان فعّال لغاية الشركة

يحمل إطارنا اسم سيبر (SABRE)، ويتضمن 4 أبعاد محددة لمحتوى بيان الغاية (أي ما يعنيه) وبعداً واحداً لصياغة بيان الغاية (أي الكلمات والجمل والتراكيب المستخدمة فيه). يمكن للقادة تقييم بيانهم الحالي أو المقترح وفقاً لكل بعد من هذه الأبعاد.

البعد الاجتماعي

يشير أساس أي بيان غاية صراحة إلى مشكلة أو عدة مشكلات محددة إنسانية أو اجتماعية أو بيئية تسعى المؤسسة إلى حلها أو التخفيف منها.

في أغلب الأحيان، نرى بيانات غاية تشير ببساطة إلى هذه المشكلات بلغة عامة جداً، والأسوأ هو ألا تذكرها على الإطلاق؛ في الواقع، تنتمي 68% من البيانات التي حللناها إلى الفئة الثانية. رأينا بيانات غاية تتمحور صياغتها حول طموحات الأداء أو الأرباح، وهي في هذه الحالة تشير إلى مهمة أو هدف محدد، لا إلى غاية.

أما البيانات الواضحة التي تتحدث عن الفوائد الاجتماعية، فبيان شركة فيليبس (Philips) خير مثال؛

في فيليبس، نسعى إلى تحسين صحة الناس ورفاهتهم من خلال الابتكار البنّاء. نسعى إلى تحسين حياة 2.5 مليار شخص في السنة بحلول العام 2030، بمن فيهم 400 مليون شخص في المجتمعات المهمشة. وبوصفنا شركة تكنولوجية، نعمل -مع الحاصلين على رخص علامتنا التجارية -على الابتكار من أجل الناس مؤمنين على الدوام بمبدأ واحد: ثمة طريقة لتحسين الحياة على الدوام.

بالنسبة إلى مَن يجدون صعوبة في توضيح دور منتجاتهم وخدماتهم في تحسين الوضع الاجتماعي أو دعم الصالح العام، فقد يكون ربط الغاية بطريقة عمل الشركة فكرة واقعية ومعقولة. على سبيل المثال، حددت شركة بيع الأغذية بالتجزئة ألدي (Aldi) غايتها كما يلي: “توفير القيمة والجودة لعملائنا من خلال الالتزام بالإنصاف والفاعلية في كل ما نفعله”.

الصدق

سيقيّم موظفو الشركة وأصحاب المصلحة الخارجيين، بمن فيهم العملاء والمستثمرون، قدرتهم على الوثوق ببيان الغاية ونزاهته في التعبير عن الأهداف الحقيقية للمؤسسة، وسيبحثون عن الأدلة في أنحاء المؤسسة كافة وخارجها لتوجيه عملية التقييم هذه. فإذا كانت الغاية المعلنة للمؤسسة في بيانها هي تحسين الصحة، ولكنها لم تتوقف عن بيع منتجات التبغ على سبيل المثال، فسوف يستنتج أصحاب المصلحة أن الغاية تسقط أمام اختبار المصداقية.

ومن المرجح أن يكون الموظفون أكثر قدرة على كشف كذب بيانات الغاية، إذ لاحظنا أنهم عندما يلاحظون تضارباً بين البيان المُعلَن والواقع اليومي في حياة المؤسسة يصابون بخيبة أمل تفقدهم ارتباطهم بالشركة، بل قد تدفعهم إلى اتخاذ قرار الاستقالة. يمكن طرح أسئلة عن بيان الغاية ضمن الاستطلاعات الدورية لآراء الموظفين لمساعدة القادة على تحديد نقاط القصور فيه، كما سيشعر العملاء والمستثمرون على حد سواء بالخيبة إذا اكتشفوا أن الشركة ليست صادقة في بيان غايتها، فيتهمونها بأنها تستخدم غاية زائفة للتستر على مآرب أخرى.

على سبيل المثال، يوحي بيان غاية شركة بلاك روك (BlackRock) بالصدق، لأنه يرتكز على ما تفعله الشركة وأسلوب عملها: “باعتبارنا جهة مختصة بإدارة الاستثمارات ووكيلاً ائتمانياً ينوب عن عملائنا في هذا المجال، نسعى في بلاك روك إلى مساعدة الجميع على تحقيق الرفاهة الاقتصادية”.

بطبيعة الحال، ليس الصدق صفة ثابتة، فالغاية التي تبدو صادقة يوماً ما قد تصبح كاذبة في اليوم التالي بعد دعاية سلبية. على سبيل المثال، أعلنت شركة فولكس فاغن (Volkswagen) عن التزامها بتوفير سيارات مستدامة لمستقبل أفضل، لكنها اتُّهمت بممارسة “الغسل الأخضر” بعد اكتشاف تلاعبها بنتائج اختبارات الانبعاثات في 2015، ما أدى إلى فضيحة “ديزل غيت” (تشبيهاً بفضيحة ووترغيت) ودفعت الشركة غرامات باهظة وتراجعت الثقة فيها في أنحاء العالم كافة.

الإقناع

تتسم بعض بيانات الغاية بدرجة عالية من المبالغة إلى درجة يصبح من المستحيل تحقيقها، وللأسف أخفق الكثير من بيانات الغاية من حيث المصداقية لهذا السبب بالذات. قد تكون الطموحات المبهمة مثل “تحسين العالم” إيجابية، لكنها ستدفع أصحاب المصلحة إلى طرح السؤال: كيف؟

تتضمن أفضل بيانات الغاية تصريحاً واضحاً عن قدرة المؤسسة على استخدام مواردها بطريقة واقعية وقياس تقدمها نحو تحقيق الغاية. على سبيل المثال، يُظهر بيان غاية شركة أسترا زينيكا (Astra Zeneca)، “نسعى إلى توسيع حدود العلم لتقديم أدوية يمكن أن تغير حياة المرضى” قوة من حيث الإقناع، فمن السهل أن نتخيل سعي شركة أدوية إلى تطوير أدوية جديدة ومهمة.

الإشارة إلى المستفيدين

يتضمن بيان الغاية الأشد تأثيراً إشارة واضحة إلى الشرائح الاجتماعية أو المناطق البيئية التي ستفيدها المؤسسة، لكن بعض الشركات لا تذكر في بيان غايتها المستفيدين من هذه الأهداف على الإطلاق، وهكذا تبقى مجردة وبعيدة عن الواقع.

على سبيل المثال، يقول بيان شركة مارس (Mars): “يبدأ عالم الغد الذي نريده بطريقة عمل شركتنا اليوم”، دون توضيح الأطراف أو الشرائح المستفيدة من منتجات الشركة. من ناحية أخرى، يذكر بيان غاية شركة آبل المستفيدين من منتجاتها، أي عملاءها، بوضوح أشد: “تسعى الشركة إلى تقديم أفضل تجربة مستخدم لعملائها من خلال التجهيزات والبرمجيات والخدمات المبتكرة”.

الجاذبية

يتعلق العنصر الأخير من إطار العمل سيبر بكيفية صياغة البيان. أفضل بيانات الغاية جذابة وملهِمة، تخاطب القلب بقدر ما تخاطب العقل، وتتميز بأنها لا تُنسى، وذلك بسبب العديد من العوامل الإيجابية. عندما تُكتَب البيانات بصياغة طويلة جداً، تصبح غير واضحة، وتفقد قدرتها على جذب انتباه الناس. لا شك في أن الشركة ترغب في توضيح غايتها بتفصيل أدق، لكن العنوان الأساسي للبيان يجب أن يكون مختصراً وجذاباً. ومن الأمثلة على هذا بيان غاية شركة جنرال ميلز (General Mills) المختصر والجذاب: “صنع أغذية يحبها العالم”.

ربط العناصر المختلفة معاً

نعتقد أن أي مؤسسة قادرة على تطوير بيان غاية يحقق جميع المعايير السابقة. على سبيل المثال، بيان شركة نوفو نورديسك (Novo Nordisk):

“هدفنا هو تحفيز التغيير للتغلب على مرض السكري وغيره من الأمراض المزمنة الخطيرة، مثل السمنة المفرطة وأمراض الدم والغدد الصماء النادرة، ونسعى إلى تحقيقه من خلال ريادتنا للابتكارات العلمية وتوسيع نطاق انتشار أدويتنا، والعمل على منع الإصابة بالسكري ومعالجته حتى الشفاء التام”.

ذكرت نوفو نورديسك بوضوح المشكلة الاجتماعية التي تسعى إلى حلها، ويتوافق بيانها مع طموحاتها الأساسية، ويمكننا أن نرى فعلياً أنها تستطيع استخدام مواردها لتحقيق هذه الطموحات. كما يذكر البيان الأطراف المستفيدة من عمل الشركة، وهو موجز ويعبر عن الطموح.

باستخدام إطار العمل سيبر، لتوجيه نقاشات صياغة بيان الغاية، يستطيع القادة وضع بيان غاية ملهم وصادق وقابل للتطبيق، ويوضح لأصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين أدوارهم في مواجهة تحديات العصر الأساسية.