امنح الأولوية في التوظيف للمهام لا للمقابلات

6 دقائق
إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة
مارشا ستراوب/غيتي إميدجيز

ملخص: تبالغ الشركات في اعتمادها على المقابلات الشخصية في عملية التوظيف، ولكن ثبت لنا أنها ليست مؤشراً فعالاً على الأداء المستقبلي وفيها مجال كبير للتحيز، ويمكن الاستعاضة عنها بنهج آخر يتمثل في إخضاع المرشح الذي ينجح في اختبار الفرز الأولي إلى اختبار عملي صغير للمهارة الأساسية المطلوبة في الوظيفة، مثل تكليف المبرمج المرشح بحلّ مشروع ترميز برمجي صغير. يخوض المرشح بعد اختبار "إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة" هذا حوار متابعة حول مهمة الاختبار، وهذا أسلوب فعال للعثور على المرشحين الأكفاء الذين قد تغفل عنهم روبوتات التوظيف التي تركز على ملفات السير الذاتية.

 

يتعين على مدير التوظيف تعيين الشخص "الأنسب" في الوظيفة المعنية وفقاً لمتطلباتها، ولكن كيف سيتمكن من تحديده؟

هذا السؤال بسيط ولكن الإجابة عنه صعبة وتنطوي على مخاطر كبيرة، فتكلفة عدم شغل الوظيفة تتراوح بين تأخير جداول العمل وتقويض مستوى الخدمة، كما توضح الحسابات أن تكلفة شغل الوظيفة بالشخص غير المناسب تتراوح عادة بين 30% و50% من راتبه أو أكثر. لطالما افتقرت الأساليب التقليدية المتبعة في فرز المرشحين وتعيينهم إلى الدقة، ولكن بالنظر إلى سرعة تغير طبيعة العمل نفسها تزداد القيود التي تحدّ أداء هذه الأدوات أكثر فأكثر.

من المعروف أن الشركات الناشئة تصنع منتج الحدّ الأدنى للتحقق من طلب المستهلكين على المفهوم قبل الاستثمار في بناء النسخة المحسّنة؛ ماذا لو اتبع مسؤول التوظيف أسلوباً مماثلاً للتعرف إلى المرشحين بصورة أفضل وتبسيط عملية التوظيف ورفع مستوى الملاءمة بين كفاءاتهم الحقيقية والوظيفة المعنية وزيادة التنوع في عملية التوظيف؟ نعتقد أن ذلك ممكن بالفعل.

لكن كي تتمكن من تنفيذ ذلك يجب أن تعتزم تغيير مفهومك عن مقابلات التوظيف التي أخذت شكلها الحالي من الفحص الجسدي للجنود في أثناء الحرب العالمية الأولى. وحتى إن كانت الأسئلة المطروحة في المقابلة مهمة فعلاً فالمقابلات ليست مؤشراً فعالاً على الأداء المستقبلي، بل توضح كفاءة المرشح في الإجابة عن الأسئلة ومعارفه النظرية وقدرته على ترتيب المعلومات حسب الأولوية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الميزات مطلوبة في الوظيفة المعنية.

كما تزيد المقابلات التقليدية احتمالات تعيين شخص يتوافق مع صورة مسؤول التوظيف الذاتية، وهو خطأ معرفي يسمى "الأنا الأصغر" (mini me)؛ ليس بإمكاننا السيطرة على هذا الخطأ، بل نظنّ أننا نفكر على نحو موضوعي (يسمي عالم النفس التنظيمي، آدم غرانت، هذه الحالة بتحيز "أنا لست متحيزاً"). فكر في الأمر: عندما يخرج المرشح من مكتبك أو من الاجتماع الافتراضي على منصة زووم، ما الذي يجعلك ترى أن المقابلة ناجحة؟ غالباً ما يتولد هذا الاعتقاد من شعورك بالترابط مع المرشح على إثر اكتشاف التشابه بينكما لا الاختلاف، وبطبيعتنا البشرية نعتمد شعور الترابط هذا بديلاً للكفاءة. وفي عالمنا الذي نركز فيه على تحقيق أهداف التنوع والمساواة والشمول، تعدّ مقابلة العمل فعلياً أداة تزيد صعوبة تحقيق هذه الأهداف.

لكن شركات كثيرة لا تعرف لمقابلات التوظيف بديلاً على الرغم من إدراكها لعدم جدواها؛ تحكم اختبارات السمات الشخصية على كفاءة المرشح بناءً على حالة مسؤول التوظيف المزاجية غالباً، ويمكن أن يساعد الفرز بواسطة الروبوت في تقليص عدد ملفات السير الذاتية المقدمة، ولكنه فوضوي ويفوت الكثير من الملفات المتميزة لا سيما أنه لم يعد من الممكن تصنيف الوظائف كالسابق، كما أن خبرات العمل السابقة ليست مؤشراً فعالاً على الأداء المستقبلي في أغلب الأحيان. تبدو بعض أساليب إدخال عناصر الألعاب وآليات عملها في عملية التوظيف (يعرف باسم التلعيب - gamification) واعدة، ولكنها حتى اليوم لم تركز سوى على أخلاقيات العمل والذكاء العاطفي والمحاكمة الظرفية، كما وُصفت تكنولوجيا تقييم الموظفين قبل التعيين بأنها "جامحة" قد تؤدي إلى تبعات غير مقصودة على أصحاب السمات المحمية مثل العِرق والنوع الاجتماعي والأصل القومي.

لكن ثمة طريقة أفضل؛ نقترح نهجاً نسميه "إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة". علامَ ينطوي هذا النهج؟ ينطوي على تقليص أحد مسارات التقدم إلى أصغر فرضية قابلة للاختبار والعمل عليها ومراقبة النتائج؛ إن كانت جيدة فبالإمكان الاستمرار، وإن لم تكن جيدة فمن الضروري تصحيح المسار. نعتقد أن هذا الأسلوب يبشر بنتائج واعدة في عملية التوظيف.

قضى أحدنا (جيف) عدة أعوام في توظيف الكتّاب في شركتنا وكان يقيّم مهارات المرشحين عن طريق تكليفهم بمهمة تأليف قائمة على تصور سيناريوهات بعد المكالمة التمهيدية. يتبع كثير من الصحف والمجلات أساليب اختبار الكتابة أو التحرير لتقييم المرشحين، ولكن جيف قيمهم بأسلوب تحليلي بدرجة أكبر: بعد أن يسلم المرشح مهمته، يجري جيف معه محادثة متابعة لفهم ما كتبه على الورق وخياراته في صياغته. يمنحنا هذا الأسلوب صورة عن أداء المرشح، ولكنه يمنح المرشح صورة أفضل عن الوظيفة نفسها إذ ترتبط مهام الاختبارات بعناصر حقيقية من مسؤوليات الدور، ومع تكرار اتباع هذا الأسلوب تمكنا من بناء قاعدة بيانات عن ردود فعل المرشحين شكلت حلقة تقييم إيجابية تساعدنا في تقييم المرشح التالي على نحو أفضل. يقول جيف: "شكّل أسلوب التوظيف هذا نقطة تحول مفصلية وأدى إلى تعيين عدد من الموظفين المتميزين بحق، كما أتاح لي تعيين أشخاص من بيئات غير تقليدية لأني لم أهتم بتطابق معلومات ملفات سيرهم الذاتية مع التوصيف الوظيفي، فالعملية نفسها تدلنا على المرشح المناسب".

فلنركز لحظة على الاسم الذي أطلقناه على هذه العملية: إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة، يعني "الحد الأدنى المقبول" أن يكون الاختبار بسيطاً ومختصراً قدر الإمكان ويوفر البرهان المطلوب في الوقت نفسه، ويعني "إثبات الكفاءة" ببساطة شديدة أن يثبت الاختبار امتلاك المرشح المهارات المطلوبة للعمل في الوظيفة، ولن يكون الاختبار مجدياً إذا أثبت امتلاك المرشح مهارات مهمة ومثيرة للاهتمام ولكنها ليست ذات صلة بالوظيفة أو لا تشكل مؤشراً على أدائه المتوقع.

بما أن اسم "إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة" طويل، أطلقنا على العملية الاسم المختصر: "الكشف"، وهو مستمد من لعبة البوكر، إذ يشير إلى المرحلة التي يكشف اللاعب فيها أوراقه. يمكن أن يساعد اختبار إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة على الكشف عن المهارات المطلوبة في كثير من الوظائف المختلفة.

تختلف ظروف العمل باختلاف الوظائف لا شك؛  من السهل تكليف كاتب طموح بتأليف نص زائف، أو إشراك مستشار طموح في ورشة عمل مع فريق أحد المشاريع، أو مطالبة موظفة مبيعات طموحة بتنفيذ اتصال غير مرتب له (اتصال بارد)،  ولكن ماذا عن الوظائف في مجال التصنيع، حيث تتمتع الحركة الجسدية والقدرة على التكيف مع الظروف غير المتوقعة بأهمية فائقة؟ أو في مجال مكافحة حرائق الغابات حيث يصارع العاملون ألسنة اللهب العشوائية في ظروف يصعب تخيلها؟ ستكون العملية مجدية أيضاً؛ يمكننا عن طريق تخطيط التصورات وأدوات الواقع الافتراضي القائمة على الذكاء الاصطناعي محاكاة أي حالة واقعية تقريباً، غير أنه ليس من الممكن توقع ردود الفعل البشرية تجاه هذه المواقف، وإنما يمكن رؤيتها من خلال عملية الكشف.

يمكن أتمتة (ميكنة) عملية الكشف، لأن البحث عن 5 كتّاب يختلف بدرجة كبيرة عن تعيين آلاف الموظفين، وإحدى الأدوات المفيدة هي "تقييم ما قبل التعيين" التي تنطوي على أحد أشكال الاختبار، وكانت متبعة منذ أيام امبراطورية سلالة هان في الصين القديمة. وبما أن هذه الطريقة تتميز بإمكانية تطبيقها بصورة غير شخصية وعلى نطاق واسع، ازدادت شعبيتها مع بدء انتشار الجائحة على اعتبارها طريقة لتقليص عدد ملفات السير الذاتية للمتقدمين إلى الوظائف من 10 آلاف إلى ألف فقط. تعمل بعض عمليات التقييم هذه على قياس أبعاد معينة، مثل الذكاء العاطفي أو أخلاقيات العمل أو الكفاءات الأساسية (ولكن هذه الأبعاد ليست مؤشراً فعالاً على الأداء المستقبلي)، ولكن إذا صممنا عملية التقييم قبل التعيين بعناية فستشكل أداة مفيدة جداً على اعتبارها جزءاً من عملية أكبر.

هذا ما تفعله الشركة التي نعمل لديها، ديلويت، في عملية اختيار مطوري البرمجيات المتكاملة (full-stack)، إذ تتبع نهج الحد الأدنى المقبول بتكليف المتقدم ببناء برنامج ما فعلياً، وأحد أسباب اتباعها هذا الأسلوب هو التطور السريع في مجال تطوير البرمجيات وما يترتب عليه من افتقار تاريخ عمل المتقدمين إلى الدقة.  قد يدّعي شخص ما أنه مطور برمجيات، ولكن هل يملك القدرة على تطوير البرمجيات المتكاملة حقاً بأسلوب عمليات التطوير الحديثة؟ ولذا تشجع شركة ديلويت اليوم إجراء عدد أكبر من مقابلات التوظيف الموجهة بناء على قدرات المتقدم الفعلية في الترميز البرمجي.

لكن ما زالت عملية التقييم البشرية ذات دور حاسم؛ عيّن أحدنا (ستيف) مرة مرشحة في دور استشاري من دون أن تتوافق مع سياسة الشركة فيما يتعلق بتعيين الخريجين الجدد. كان اسمها إيلين، واستغرقت 5 سنوات للحصول على درجتها الجامعية بدلاً من 4، ولم تدرس إدارة الأعمال ولم تتخرج في أي من الجامعات التي تعين الشركة خريجيها عادة، ولكنها كانت مطورة برمجيات تتمتع بخبرة في إدارة مصنع للهيدروكربون، ووضحت في رسالتها التعريفية سبب سعيها إلى تغيير مسارها المهني، ما يدل على نضجها، كما أنها قطعت رحلة استغرقت ساعتين كاملتين للقائنا. وفي اجتماعنا معها شرعت في العمل على مسألة طرحناها عليها وسرعان ما قدمت لنا حلاً أنيقاً وذكياً غفلنا عنه نحن ومئات الموظفين الآخرين؛ لا شك في أن روبوت التوظيف كان سيرفض إيلين التي أصبحت اليوم مديرة إدارية في قسم الاندماج والاستحواذ.

النهج القائم على محاكمة العقل البشري وعملية الكشف المعدّة بعناية هو نهج موجّه قادر على التنبؤ بالأداء المستقبلي أكثر من الأسلوب المتبع في الكثير من الشركات اليوم بالاعتماد على ملفات السير الذاتية، ولم تعتمد شركات كثيرة هذا النهج على نطاق واسع بعد، ولكن بعضها بدأ بالفعل إعادة النظر في عمليات التوظيف التقليدية المتشددة، وهذه بادرة خير. كتب صديق ستيف وجيف وموجههما، جو فولر، مؤخراً مقالاً مدعوماً بالحجة المقنعة عن هذا التوجه في هارفارد بزنس ريفيو، ونتوقع أن يصبح من الطبيعي أن تتطور مقابلات التوظيف إلى مجموعة موجّهة من خطوات الحد الأدنى المقبول، ولربما تمثلت في أن يقضي مسؤول التوظيف يوماً أو اثنين في العمل مع المرشح والتعرف عليه وعلى مهاراته وقدراته عن قرب من دون تقييد أي منهما بأي التزام. والأفضل هو أن نحول "اقتصاد الأعمال المستقلة" إلى خط إمداد دائم لتوفير الموظفين؛ اطرح مهمة موجهة لمجتمع العاملين المستقلين واطلب منهم العمل عليها، ثم حدد أصحاب الأداء المتميز وادعهم إلى العمل في أدوار بدوام كامل وأجور مرتفعة،

من الضروري أن يجرب عدد أكبر من الشركات نهج "إثبات الحد الأدنى المقبول من الكفاءة".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي