ملخص: إذا كنت تسعى إلى الارتقاء في السلم الوظيفي، فيجب عليك عدم الاعتماد على مجرد الالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم المهام وتحقيق نتائج جيدة. يتمتع الموظفون الذين يتقدمون بسرعة في السلم الوظيفي غالباً بعقلية المبتكر. في النهاية، يثبت هؤلاء الأشخاص قيمتهم الفريدة بالنسبة للمؤسسة من خلال طرح التساؤلات وتحدي الافتراضات السائدة واقتراح حلول وأفكار جديدة، وبالتالي، يسهمون في تطوير مؤسساتهم والحفاظ على قدرتها التنافسية. يجذب هؤلاء الأشخاص انتباه كبار المسؤولين بسهولة من خلال تقديم أفكار جديدة باستمرار وحل المشكلات بطريقة استباقية. يمكن لأي شخص بناء عقلية المبتكر من خلال تبنّي الفضول والانخراط في عملية التعلم المستمر وتعزيز التعاون بين أعضاء الفريق.
تخيّل أنك تلعب لعبة فيديو ويجب عليك التغلب على التحديات وكسب المكافآت من أجل الانتقال إلى المستوى التالي. يشبه صعود السلم الوظيفي في العمل هذه اللعبة، لكن بدلاً من محاربة التنانين أو بناء المدن، يجب عليك التعامل مع سياسات بيئة العمل والسعي لتحقيق الأهداف المطلوبة. بالإضافة إلى ذلك، أنت لا تسعى وحدك للحصول على الترقية؛ إذ يتنافس زملاؤك معك للحصول على الفرصة نفسها.
ربما تسأل نفسك: "كيف يمكنني التفوق على الآخرين وتحقيق النجاح في ظل هذه المنافسة القوية لتحقيق الأهداف نفسها؟".
لا يكفي أداء وظيفتك ومهامك بطريقة جيدة عادةً للحصول على الترقية المرجوة. في بيئة الأعمال التي تقدّر التفكير الإبداعي والنتائج المبتكرة والفريدة، يتطلب التميز أكثر من مجرد الامتثال للأوامر وتنفيذ المهام الروتينية. يتمتع الموظفون الذين ينجحون في التقدم السريع في السلم الوظيفي غالباً بصفة مميزة، وهي عقلية المبتكر. في النهاية، يثبت هؤلاء الأشخاص قيمتهم الفريدة بالنسبة للمؤسسة من خلال طرح التساؤلات وتحدي الافتراضات السائدة واقتراح حلول وأفكار جديدة، وبالتالي، يسهمون في تطوير مؤسساتهم والحفاظ على قدرتها التنافسية. يجذب هؤلاء الأشخاص انتباه كبار المسؤولين بسهولة من خلال تقديم أفكار جديدة باستمرار وحل المشكلات بطريقة استباقية.
خذ على سبيل المثال إحدى عميلاتي، باولا بارغ، التي تشغل حالياً منصب نائب الرئيس في شركة خدمات الرعاية الصحية العملاقة، سينكورا (Cencora). تمكّنت باولا من الحصول على ترقيتين خلال عامين فقط من انضمامها إلى المؤسسة، وبدلاً من التقدم تدريجياً من منصب المدير إلى منصب كبير مدراء الإدارة ثم إلى منصب نائب الرئيس، استطاعت الانتقال مباشرة من منصب المدير إلى منصب نائب الرئيس. بدلاً من الاكتفاء بإنجاز المهام اليومية الموكلة إليها، عملت باولا باستمرار على اتخاذ زمام المبادرة لتحسين أنظمة الشركة، فراقبت عمليات الشركة وحددت الثغرات واقترحت الحلول المناسبة وتولت أيضاً قيادة مجتمع من الموظفين على مستوى الشركة، الذي يضم حالياً أكثر من 1,000 موظف مبتكر داخل الشركة. بفضل رؤيتها المستقبلية وتفكيرها الاستشرافي، أصبحت عنصراً أساسياً في فريق الحلول والمنتجات العالمية بشركة سينكورا.
الخلاصة الرئيسية: عندما تتوصل إلى فكرة تسهم في تحسين تجربة العملاء، أو توفر الوقت والمال، أو تعزز أداء مؤسستك في سوق تنافسية، فإن هذه الإنجازات لا تمر مرور الكرام. من خلال امتلاك العقلية الصحيحة التي تركز على الابتكار، يمكنك أن تبرز وتتميز عن الآخرين وتكتسب ميزة تنافسية في مؤسستك. ينطبق هذا على أي موظف يسعى إلى تسريع مسيرته المهنية وتطويرها في أي مستوى وظيفي.
تطوير عقلية المبتكر
أشرتُ في كتابي الأخير "الذكاء التجريبي" (Experiential Intelligence)، إلى أن عقلية الفرد تتشكل من مجموعة من المواقف والسلوكيات والمعتقدات. إذا كان تفكيرك يقتصر على إنجاز الحد الأدنى من المهام معتقداً أنك لن تُحدث أثراً حقيقياً، فمن المحتمل أنك لن تتمكن من التألق والنجاح. من ناحية أخرى، إذا ركزت على تحسين عملك وحياتك الشخصية من خلال الاعتماد على الفضول والإبداع والتعلم المستمر، فستكون قادراً على اكتشاف فرص جديدة وابتكارها في جوانب عملك جميعها. بعبارة أخرى، ستكون أكثر قدرة على تطوير عقلية المبتكر.
إليك كيفية البدء بذلك:
1) كن فضولياً عندما تحاول إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات التي تواجهك.
إن الفضول هو المحرك الأساسي للابتكار؛ إذ يدفعك إلى طرح التساؤلات والتشكيك في الوضع الراهن واستكشاف الفرص والحلول الجديدة. عندما تتعامل مع المهام، حتى المملة منها، بشيء من التعجب والفضول، فمن المرجح أن تكتشف حلولاً جديدة للمشكلات القائمة. يمكن أن تؤدي هذه التساؤلات الاستباقية إلى تحسين العمليات وابتكار المنتجات وتطوير نماذج أعمال جديدة يمكن أن تعزز نجاح مؤسستك إلى حد كبير.
كيف يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع؟
قبل الانخراط في مشروع ما، فكر في طرح أسئلة تساعدك وتساعد الآخرين على التفكير بطريقة مبتكرة وغير تقليدية، مثل: "ما هو السبب الجذري للمشكلة التي أحاول حلها؟"، "كيف تمكنني إضافة أكبر قيمة ممكنة بأسرع وقت وبأقل استثمار؟"، "هل توجد فرصة لإحداث أثر أكبر قد لا يكون واضحاً أو مرئياً في الوقت الحالي؟". الهدف من ذلك هو اكتساب فهم عميق للمشكلة الأساسية وتحديد الافتراضات التي قد تعوق إنتاجيتك وإمكانية تحقيق النتائج المرجوة.
عندما تكون فضولياً وتركز على إيجاد الحلول بهذه الطريقة، يمكنك توجيه طاقتك وجهودك لاكتشاف طرق مبتكرة للتغلب على التحديات بدلاً من الوقوع في دوامة المشكلات نفسها دون العثور على حلول.
على سبيل المثال، لنفترض أن مديرك أسند إليك مشروعاً يبدو مملاً، وهو إعادة تصميم واجهة موقع الشركة الإلكتروني. بدلاً من التذمر وإنجاز الحد الأدنى مما هو مطلوب منك، كن فضولياً وحاول أن تتساءل عن الأهداف الأوسع للمشروع. اطرح أسئلة مثل: "ما الذي يمكن أن يثير دهشة العميل ويرضيه؟". "كيف تمكننا إعادة تصميم عملياتنا بحيث تصبح أفضل وأكثر كفاءة بـ 10 أضعاف؟". يمكنك أيضاً إجراء مقابلات مع المستخدمين لدراسة تجاربهم بهدف التحقق من صحة افتراضاتك قبل البدء بالمشروع وتخصيص الوقت والموارد القيّمة.
تتمثّل الفكرة الأساسية هنا في أن طرح الأسئلة المدروسة ومحاولة الإجابة عنها بطريقة استباقية يمكن أن يميّزك عن الآخرين.
هذا بالضبط ما حدث عندما تولى تود يلين، وهو محلل غير معروف نسبياً في منصة نتفليكس، مهمة تبدو بسيطة ومملة تتمثل في تحسين واجهة المستخدم. بدلاً من مجرد إجراء تعديلات بسيطة على الواجهة والعناصر البصرية، فقد أبدى يلين فضولاً لفهم المشكلة بطريقة أعمق؛ إذ أدرك أهمية فهم سلوك العملاء، لذلك، بدأ بتتبع نوع المحتوى الذي يشاهده الناس والوقت الذي يقضونه في المشاهدة والمحتوى الذي يتابعونه بعد انتهاء مشاهدة المحتوى الحالي والأوقات التي يشاهدون فيها المحتوى خلال اليوم. في النهاية، ساعدته الرؤى المستمدة من هذه البيانات على إعادة تصور كيفية تفاعل المستخدمين مع منصة نتفليكس. تولى يلين قيادة مشروع تطوير خوارزمية تتنبأ بالمحتوى وتقترحه للمستخدمين بناءً على سجل مشاهداتهم.
لم يسهم عمل يلين في تعزيز تفاعل المستخدمين ورضاهم فحسب، بل أصبح شخصية محورية ومؤثرة في تطور الشركة، ما أدى إلى ترقيته إلى منصب نائب رئيس ابتكار المنتجات. تُظهِر مبادرة يلين قوة التفكير الابتكاري وقدرته على إحداث تحول جذري في الأعمال التجارية.
نصيحة احترافية: بعد كل مشروع، احرص على تسجيل الجوانب غير الناجحة أو التحديات التي واجهتها واستخلاص الرؤى والدروس المستفادة منها لتحسين الأداء في المشاريع المستقبلية. من خلال هذه الممارسة، يمكنك اكتساب المرونة والقدرة على التحمل، ما سيسمح لك بتجاوز الانتكاسات والصعوبات والنظر إليها على أنها خطوات أساسية في عملية التعلم، حتى في مواجهة الشكوك أو العقبات. يمكن أن تؤدي هذه المثابرة إلى تحقيق إنجازات كبيرة قد تسهم في تعزيز مسيرتك المهنية وتقدمها.
2) تعزيز التعلم المستمر.
تتغير بيئة الأعمال باستمرار. لاحظ كيف أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم الشركات خلال الفترة الأخيرة. يمكنك ضمان استمرارية ملاءمة مهاراتك ومعارفك ومواكبة التطورات من خلال تخصيص وقت للتعلم المستمر، سواء كنت تفعل ذلك في ساعات العمل أو خارجها. يمكن أن يعزز هذا الالتزام بالنمو قدرتك على الإسهام في مؤسستك ويزيد من فرص الترقية والتقدم في السلم الوظيفي.
كيف يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع؟
خصّص ساعة واحدة أسبوعياً للتعلم. اطّلع على آخر الأخبار والمستجدات المتعلقة بمجال خبرتك، أو احرص على حضور فعاليات أو مؤتمرات للتواصل وبناء العلاقات، أو اتبع دورة تدريبية عبر الإنترنت لتطوير مشاريعك الحالية وتوسيع مجموعة مهاراتك. الهدف من ذلك هو مواكبة أحدث التطورات في المجال، وتحسين المهارات عند الضرورة، واكتساب مهارات عالية ومتميزة في مجال اهتمامك. كلما زادت الأدوات المتاحة لديك، زادت قدرتك على التكيف وتغيير المسار والتفكير بطريقة إبداعية حول كيفية حل المشكلات عند مواجهة تحديات جديدة.
يمكن أن يكون استكشاف الهوايات واكتساب خبرات جديدة خارج إطار العمل مفيداً أيضاً؛ إذ تُظهر الأبحاث أن الانخراط في الأنشطة الإبداعية يمكن أن يساعدنا على بناء مهارات جديدة وتعزيز قدرتنا على الإبداع في العمل. لنأخذ على سبيل المثال عميلي، آلان تشين، وهو مستشار في الشركة الاستشارية في مجال الرعاية الصحية، ذا كرينسكي كومباني (The Krinsky Company). استطاع آلان توظيف مواهبه التمثيلية بنجاح في حياته المهنية بطرق أدت إلى ترقيته. أسهمت ممارسة التمثيل في تطوير قدرته على مراقبة الآخرين وفهم مشاعرهم والتعاطف معهم على مستوى أعمق. من خلال صقل هذه القدرات، تمكّن آلان من فهم عملائه بطريقة أفضل وتعليمهم كيفية التفكير من منظور الزبائن، ما أدى إلى تحسين منتجاتهم على نحو أكبر. سمحت له مهاراته في الارتجال أيضاً بالتفكير بمرونة أكبر عند مواجهة التغييرات غير المتوقعة، وتوجيه فريقه نحو اعتماد أساليب عمل أكثر مرونة.
نصيحة احترافية: احرص على إعداد قائمة بالمهارات التي ترغب في تطويرها. يمكنك اكتساب هذه المهارات والمعارف من خلال البحث عن المقالات ومشاهدة مقاطع الفيديو على منصة تيد (TED) والالتحاق بالدورات التدريبية عبر الإنترنت من خلال منصات مثل لينكد إن أو كورسيرا (Coursera)، بالإضافة إلى متابعة الخبراء المؤثرين في مجال اهتمامك على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد تعلم هذه المعارف والمهارات الجديدة، تمكنك مشاركتها مع فريقك، ما قد يسهم في تقدم المشاريع وتطويرها وتعزيز دورك بوصفك مرجعاً أساسياً في هذه المجالات والمهارات الجديدة.
3) تشجيع التعاون المفتوح.
يزدهر الابتكار في البيئات التي تشجع على تبادل الأفكار ومشاركتها بحرية وتقدّر وجهات النظر المتنوعة. يولد التعاون المفتوح شعوراً بالانتماء وروح الجماعة والمسؤولية الجماعية تجاه المشاريع، ما يزيد من احتمالية تحقيق نتائج مبتكرة. في الواقع، تنشأ الابتكارات العظيمة من خلال العمل والتعاون بين الفِرق والأقسام المختلفة، ويمكن للأشخاص الذين يفهمون كيفية بناء الجسور بين هذه الأقسام الإسهام في دفع عملية الابتكار.
كيف يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع؟
احرص على تنظيم جلسة عصف ذهني شهرية مع فريقك أو زملائك. بدلاً من الاحتفاظ بالأفكار لنفسك والعمل بمفردك على المشاريع، احرص على تولي زمام المبادرة لتسهيل الحوار وتبادل الآراء والملاحظات، ما سيضعك في موقع الشخص المميز الذي يستطيع بناء جسور التواصل بين الأفراد أو الفرق ويدرك أهمية التعاون من أجل تحقيق الابتكار.
على سبيل المثال، لنفترض أنك تعمل على مشروع لتحسين رضا العملاء في قسمك. بدلاً من التعامل مع المشروع بمفردك، نظّم جلسة عصف ذهني شهرية مع فريقك. خلال هذه الجلسات، شجع الحوار المفتوح وادعُ الجميع لمشاركة ملاحظاتهم وآرائهم. لن يؤدي هذا النهج التعاوني إلى توليد مجموعة من الحلول التي تمكن مناقشتها جماعياً فحسب، بل سيعزز أيضاً روح العمل الجماعي والشعور بالهدف المشترك. من خلال تسهيل هذه الجلسات، فإنك تضع نفسك في موقع القائد الذي يتمتع بتفكير استشرافي ويقدّر الإبداع الجماعي، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل على الأرجح.
نصيحة احترافية: احرص على إعداد مذكرة ابتكار أسبوعية لتدوين الأفكار والملاحظات والرؤى. تولى زمام المبادرة في فريقك لمشاركة أفكارك وشجع الآخرين على فعل الشيء نفسه. يسمح لك التأمل والتفكير العميق بتقييم تجاربك وفهم عمليات التفكير التي تستخدمها عند مواجهة المشكلات وتحديد مجالات النمو الشخصي وكذلك المهني. يمكن أن يكشف هذا التأمل الذاتي عن فرص الابتكار وأنماطه والمجالات التي قد يؤدي فيها تغيير النهج إلى نتائج أفضل.
إن تنمية عقلية المبتكر هي أكثر من مجرد هدف للتطوير الشخصي، إنها خطوة مهنية استراتيجية. من خلال تبني هذه العقلية، والسلوكيات المرتبطة بها، يمكنك أن تبرز وتصبح شخصاً خبيراً مفعماً بالحيوية والنشاط ويتمتع بتفكير استشرافي ويستطيع التكيف مع التغيرات، وبالتالي، ستكون مستعداً لقيادة مؤسستك نحو النجاح في المستقبل.