في الثورة الصناعية الرابعة: لن تقل أهمية العمل البشري بل ستزيد

4 دقائق

نظراً للتزايد الملحوظ في فعالية وكفاءة أجهزة العمل وأنظمته التي تعمل بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتزايد قلق البشر من أن يتحولوا إلى مجرد عمالة زائدة. ولكن لا يجب أن يكون الحال على هذا النحو. فوفقاً لدراسة شهيرة أجرتها شركة ماكنزي، يمكن وبيسر، أتمتة حوالي 45 في المئة من الأنشطة التي يقوم بها البشر في العمل – أي أن يتم تنفيذها بواسطة التقنيات الحالية والمجربة والتي لا تتطلب مدخلات بشرية. ومع ذلك، لا تتعدى نسبة الوظائف التي يمكن جعلها مؤتمتة بالكامل نسبة الـ5 في المئة. بينما ستتم إعادة صياغة معظم الوظائف وتغييرها بدلاً من ذلك، بحيث تصبح بعض أنشطتها النموذجية مؤتمتة.

تستتبع إعادة الصياغة هذه أكثر بكثير من مجرد إعداد قائمة مهام أو توصيف وظيفي: فهي تعيد صياغة التعاون ودور العمل البشري بشكل عميق. ما يخلق تحديات جديدة وعاجلة للغاية في مجال القيادة.

وظائف مانعة التسرب الحلقية

لاحظ الخبير الاقتصادي مايكل كريمر من جامعة هارفارد أنّ معظم عمليات الإنتاج تتطلب سلسلة من المهام والأنشطة اللازمة لإنشاء منتج نهائي بنجاح. وتعتمد قيمة المنتج النهائي على أداء كل خطوة عبر هذه السلسلة بمستوى عال، إذ قد تؤثر المدخلات الرديئة في أي من هذه الخطوات سلباً، ما قد يقلل بشدة من قيمة المنتج النهائي. ويوضح كريمر هذا الأمر من خلال تشبيهه بمكوك الفضاء تشالنجر.

أقلع المكوك الفضائي تشالنجر في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية في وقت متأخر من صباح 28 يناير/كانون الثاني مع العام 1986. وفي غضون أقل من دقيقتين، انفجر في الجو وسقط فجأة متحطماً في المحيط الأطلسي. ما أدى إلى وفاة الطاقم المكون من سبعة أفراد على الفور.

ما الذي تسبب في هذه النهاية المأساوية لهذا المشروع الذي استغرق العديد من السنوات والذي بلغت قيمته عدة ملايين من الدولارات؟ لم تقم مانعة التسرب، والمكونة من إطار مطاطي دائري غير مكلف، بعملها بشكل جيد، وذلك بسبب درجة الحرارة المنخفضة على غير العادة في ذلك الصباح. بعبارة أخرى، فإنّ قيمة المكوك الفضائي الذي بلغت تكلفته عدة ملايين من الدولارات والمليء بأحدث التقنيات، والذي تم تجميعه واختباره بعناية من قبل كبار الخبراء في العالم، يمكن أن تنخفض بسرعة إلى الصفر بسبب فشل مجرد مانعة تسرب مطاطية دائرية فقط.

أشار الخبير الاقتصادي ديفيد أوتور من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، من خلال التوسع في هذه الرؤية، إلى أنّ طبيعة العمل في النظام الاقتصادي المعقد تذكّرنا بالوظائف الصغيرة التي تشبه دور تلك المانعة المطاطية. وتساهم المهام الفردية في إنجاز عمل أضخم، إلى جانب المهام التي يقوم بها الآخرون. وكما ذكر أعلاه، فإنّ كلمة "الآخرون" هذه تتضمن على نحو متزايد أنظمة تعمل من خلال الذكاء الاصطناعي، مثل خوارزميات أتمتة العمليات التي يقوم بها البشر والرجال الآليين.

تتمثل إحدى الخصائص المميزة لهذه الأنظمة في موثوقيتها في أداء المهام على مستوى عال باستمرار. هذا له بعض التأثير المضاد على الحدس: إذ كلما زادت جودة المهام التي يؤديها الآخرون، كلما زادت أهمية المساهمات الفردية كل على حدة. فإذا كنت تعمل في نظام يؤدي فيه معظم زملائك عملهم بشكل سيء، ستنخفض قيمة المنتج النهائي، بغض النظر عما إذا ارتكبت أي أخطاء. وقياساً على ذلك لو تمّ تصميم المكوك الفضائي وبناؤه بشكل سيء، فلن تبرز خطورة فشل المانعة الحلقية في تأدية دورها أبداً. وعلى هذا النحو، كانت جودة المانعة الحلقية في نهاية المطاف أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى المكوك المصمم والمبني وفقاً لأعلى المعايير. لذلك، بمجرد أن تزداد موثوقية وجودة كل مهمة يقوم بها الآخرون، تزداد أهمية مهمتك أيضاً.

من المهم أن نعي الدرس الذي أعطتنا إياه المانعة الحلقية ونستعد لتحديات القيادة الجديدة والعاجلة في ظل ما قامت به الثورة الصناعية الرابعة من تحويل أنظمة الإنتاج وطبيعة العمل بشكل جذري.

ما ينبغي أن يفعله القادة

تتمثل النتيجة النهائية للقيادة خلال الثورة الصناعية الرابعة في ضمان أن تتعاون مجموعات مترابطة من الأشخاص من جهة، والنظم الاصطناعية من جهة أخرى، وذلك لتحقيق نتائج جماعية لا يمكن لأي منهما تحقيقها بشكل منفصل. ولكي يتمكن القادة من إنجاز ذلك لا بدّ لهم من النجاح في مواجهة ثلاثة تحديات جديدة.

جعل العمال سريعي التطور.

تستلزم المهن المتطورة ضرورة أن يكتسب البشر مهارات وكفاءات جديدة وبسرعة، وأن يتعلموا كيفية أداء المهام المختلفة ولو جزئياً على الأقل بعيداً عن المهارات التي تتطلبها مهنهم الحالية. إذ تجعل وتيرة التغيير السريعة في الثورة الصناعية الرابعة المهارات قديمة الطراز بشكل متسارع، وبالتالي تخلق ضغطاً مستمراً لضرورة توسيع دائرة المهارات باستمرار. وعلى هذا الأساس، لا يمكننا التوقف عن التعلم عندما نكون في منتصف العشرينيات عندما نأخذ بعين الاعتبار التزايد المتوقع لمتوسط عمر الإنسان. إذاً، لكي نتكيف مع ما يقرب من 40 إلى 50 عاماً من الحياة المهنية النشطة المتوقّعة لنا، لا بدّ من أن نكوّن آلات مستمرة التعلم لمواكبة التعلم الآلي.

مساعدة العمال على تلبية المعايير المطلوبة.

بما أنّ الأجهزة التي تعمل باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي تؤدي باتساق ما يصل إلى 45 في المئة من مهام العمل بشكل موثوق، ستزداد أهمية البشر، مثلهم مثل المانعات الحلقية. إذ سيزداد الضغط على البشر نتيجة زيادة معايير الأداء المطلوبة لتلائم معايير الرجال الآليين والخوارزميات، (اعتماداً على المهارات المكتسبة حديثاً، والتي لم يكتسب العمال خبرة طويلة تتناسب معها) وزيادة خطورة ارتكاب الأخطاء التي يمكن أن تؤدي إلى حالات فشل ذريع.

إدارة فرق مختلطة جديدة.

لم تعد الأنظمة الجديدة التي تستند في عملها إلى الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات تحت سيطرة البشر. بل تعمل آلات التعلم حالياً كأقران لهم عندما تقوم بنفس المهام التي يؤديها البشر - أو على الأقل الأجزاء القابلة للتوقع والمعتمدة على التكرار من تلك المهام - أو حتى كمدراء، عندما تقوم بتحديد المهام للبشر كي يتحسن إنتاجهم. إنّ العمل إلى جانب زميل اصطناعي أو تلقي الأوامر من مدير اصطناعي يضع ضغطاً على البشر للتكيف مع أنماط جديدة من التواصل والتعاون.

لا يقع عبء مواجهة هذه التحديات الثلاثة على القائد فحسب لزيادة كفاءة مؤسسته. بل من واجبات الإنسان على وجه الخصوص مساعدة الأشخاص الذين يعتمدون عليه في تلبية احتياجات أسرهم وتحقيق احتياجاتهم الشخصية والمهنية.

ستتغير طبيعة العمل البشري في سياق تنافسي واجتماعي يحثّ خطاه في التطور بسرعة متزايدة. إذ لن يقتصر التغيير على المتطلبات، بل سيشمل معنى القيادة أيضاً. وبغض النظر عمن يقوم بتنفيذ مهمة ما – سواء كان رجلاً  آلياً، أو إنساناً، أو الاثنين معاً - يجب على القادة أن يحافظوا على بوصلتهم الأخلاقية استناداً إلى القيم التي تجعلنا بشراً، ما يجعل من المستحيل تفويض هذه المهمة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي أو إدارتها من قبل هذه الأنظمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي