في فيلم "وول-ي" (WALL-E) من بيكسار (Pixar)، يظهر بعض الأشخاص من ذوي الأجساد الضخمة يقبعون في كراسٍ متحركة بينما تقوم آلات بإلباسهم وتزينهم وتجميلهم وخدمتهم بالكامل. هل هذا خيال؟ ربما لا، أو أقله ليس وفقاً لموجة من التغطية الإعلامية التي تشير إلى سلسلة مذهلة من الابتكارات الخدماتية التي تلوح في الأفق.
انظر فقط إلى الظهور الأول لأمازون غو (Amazon Go)، أول متجر من دون صندوق دفع تطلقه الشركة، حيث تقوم تقنية تصوير رقمي بمراقبة ما ينتقيه المتسوقون من الرفوف، ثم تُحصّل الرسوم تلقائياً من حساب العميل على الإنترنت حال مغادرته المتجر. وفي مكان ليس بالبعيد في سانتا كلارا، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأميركية، يجري تصميم روبوتات للعمل في خدمة الغرف يمكنها التنقل عبر مخطط طابق الفندق والتفاعل رقمياً مع المصعد وأنظمة الهاتف لتقديم المناشف والمشروبات للضيوف. كما وظّفت العديد من الشركات الناشئة في وادي السليكون روبوتات تصنع البيتزا وتجهز السلطة وتجمّع شطائر البيسترو (bistro sandwiches) بلمسة فنية. وفي بوسطن، يعمل أحد الروبوتات مع ممرضات التوليد لتحديد مواعيد ولادة الأطفال. وهناك في الصين مطاعم تعمل من دون نُدُل، وتسمح للعملاء الطلب والدفع من خلال تطبيق وي تشات (WeChat)، وفيها خدم من الروبوتات الآلية يوزعون الطعام على الطاولات الصحيحة. أما في اليابان، فهناك روبوت اسمه بيبر (Pepper) صُمم في الأصل ليرافق كبار السن، لكنه صقل مهاراته في مجموعة متنوعة من الأدوار الخدمية ليؤدي دور مساعد في متاجر تجزئة، ودور نادل في مطعم وغير ذلك.
يستشهد المدراء وغيرهم ممن يستخدمون هذه الأشكال من الأتمتة بفوائدها على رضا العملاء من حيث زيادة الراحة وتخصيص الخدمة ومنح العملاء مزيداً من التحكم بتجاربهم الخاصة. كما أنهم يشيرون إلى تحقيق وفورات في التكاليف – وهي فكرة مغرية بالأخذ بالاعتبار ارتفاع تكاليف العمالة.
إذاً، هل تعتبر أتمتة الخدمات أمراً لا مفر منه؟ ليس تماماً.
بالنسبة للمبتدئين، ليست اقتصادات أتمتة الخدمة ناجحة بشكل تام على مستوى العالم. مثلاً، عندما أدخل أحد مصارف التجزئة المنتشرة في أنحاء الولايات المتحدة خدمات مصرفية عبر الإنترنت، زاد العملاء الذين اعتمدوها من إجمالي حجم معاملاتهم لكنهم بدأوا بزيارة البنك والاتصال به أكثر، ما أدى إلى زيادة في التكاليف وخفض الأرباح الإجمالية. يمكن ملاحظة ديناميكيات مماثلة في الرعاية الصحية. مثلاً، المرضى الذين اختاروا نظام الزيارات الإلكترونية بدأوا يأتون شخصياً إلى مكتب الطبيب أكثر بمرتين من المعتاد. من التفسيرات الممكنة لهذا النمط هو أنّ التقنية الحالية محدودة وظيفياً، وتتطلب من الأشخاص الحصول على مساعدة شخصية إلى جانب استخدام الخدمات المؤتمتة. لكن هذه القيود الوظيفية لا بدّ من أن تأخذ بالتهاوي مع تقدم الابتكار.
هناك تفسير آخر، وهو أنّ البشر مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم يحصلون على قيمة عاطفية من الرؤية والتفاعل مع بعضهم البعض، والأبحاث تُظهر أنّ سلبهم فرصة هذا النوع من الاتصال يؤدي لتقويض أداء الخدمة. في إحدى الدراسات، وجدت أنا وزملائي أنه عندما استخدم عملاء المصارف أجهزة الصراف الآلي أكثر والصراف البشري أقل، انخفض مجمل رضاهم عن المصرف.
نحن نرى أنّ السبب في ذلك وجود عدة عوامل مهمة تقف في وجه الأتمتة:
- الخدمة بإمكانها أن تكون عاطفية أما التقنية فلا. إن كان يؤرقنا التفكير في شيك مصرفي اقترب موعد سداده أو في السبب الذي يجعل الصداع النصفي لا يفارقنا، سنصبح من الباحثين عن النصيحة. لكن حتى لو كان لدى التقنية الإجابات وأمكنها قراءة نبرة صوتنا أو تعابير وجهنا، فإنّ الناس لا يستسيغون فكرة أنّ التقنية "تشعر" و"تستشعر". وهو ما يجعل نتائج توظيف التقنية في أغراض مثل هذه غير مستقرة. مثلاً، يُحوّل الأشخاص الذين يتصلون بشركة متلايف (MetLife) من أجل تسوية مطالبات التأمين المتعلقة بالوفاة إلى نظام للتعزية الرقمية يقدمها نظام برنامج تفاعلي صوتي:
صوت روبوت: "نرغب في متلايف أن نعبّر لك عن تعازينا الخالصة لخسارتك".
أتمتة التعاطف بالتأكيد أرخص من تخصيص موظف بشري لمواساة المفجوعين، لكنها مفاضلة قد يُنظر لها على أنّ فيها نوع من الخداع، لذلك فمن غير المحتمل استدامتها. ربما هذا ما يجعل من غير المستغرب الاستقبال الفاتر من الجمهور حتى الآن لخدمات بيبر للجنائز. (تكلف 350 دولار، مقارنة بـ2200 دولار للكاهن البشري).
- نحن لا زلنا نفضل أن يساعدنا الأشخاص في حل مشاكلنا. هناك طرق عديدة تتفوق بها القدرة التقنية وقوتها الحسابية علينا. أصبحت جوجل وجهتنا المفضلة للحصول على إجابات حول مجموعة واسعة من الاستعلامات؛ وتعلم الآلة يحدد الإعلانات التي تُعرض علينا على الإنترنت ومركز التنفيذ الذي سيشحن لنا طلبنا من أمازون والأفلام التي يوصينا بها نتفليكس. كما أظهر البحث أنّ لا مشكلة لدينا في التفاعل مع قنوات رقمية عندما نبحث عن معلومات. لكن عندما نكون بحاجة لحلول خلّاقة لمشاكل تتعلق بالخدمة، فنحن لا زلنا نفضل التواصل مع بشر مثلنا. إن تعثرنا أو كان هناك غموض في المعلومات أو وجدنا أننا بحاجة لمساعدة في اتخاذ قرار شراء، سنختار التعامل مع شخص محدد.
- عمل أقل للموظفين يعني غالباً عملاً أكثر من جانب العملاء. المسح الضوئي وتعبئة البقالة في الأكياس، بينما نحاول تلمّس طريقنا عبر إجراءات منع الاحتيال المرهقة (ولو أنها لا تضمن حمايتنا كلياً)، هي أمور أصعب علينا في الواقع مما هي على موظف مدرب للقيام بالعمل. ومع أنّ التطورات في التقنية مثل أمازون غو تسّهل من دور العميل ، لكن الحلول المؤتمتة قد تجعلنا أيضاً نشعر بأنّ الشركة لا تبذل إلا القليل من الجهد بالنيابة عنا، وهو ما يجعلنا نتساءل: ما الذي ندفع له بالضبط؟
لكنك مخطئ إن اعتقدت أنّ الشركات الذكية ستقلل من أتمتة الخدمة في المستقبل. ستواصل الشركات البحث عن طرق جديدة لاستخدام التقنية لتحسين جودة الخدمة وكفاءتها. وسنرى الشركات تتفاوت في درجة إتقانها فعل ذلك. بناء على ما نعرفه إلى الآن، من المرجح أن تؤدي الابتكارات الناجحة إلى:
- أتمتة تفاعلات التعاملات، مع جعل التواصل البشري سهلاً. التسوق بنمط "التقط ما تحتاجه وانطلق" أو منح العملاء خيار طلب سيارة من أوبر (Uber) أو ليفت (Lyft) أو الإبلاغ عن حفرة في الطريق أو طلب بيتزا من جهاز الهاتف المحمول جميعها أمور تحسن من جودة الخدمة بجعل المعاملات أسهل وإنجازها أسرع. ومع ذلك، يجب على الشركات ألّا تترك العملاء عالقين بلا مساعدة في تعاملات رقمية. عندما يحتاجون إلى المساعدة، يجب أن تتوفر لهم إمكانية لتواصل فوري مع إنسان لطيف وعارف وموجود ضمن مسافة قصيرة أو نقرة أو ضغطة سريعة. في متجر أمازون غو مثلاً، على الرغم من عدم وجود صندوق للدفع، إلا أنّ هناك الكثير من الأشخاص المستعدين لتقديم الدعم أو النصيحة. فإنّ تسهيل الوصول لشخص يقدم المساعدة أمر يُمكّن العملاء والشركات على حد سواء من الاستفادة من ميزات الراحة والكفاءة التي توفرها الخدمة المؤتمتة، وهو يؤكد للعميل في نفس الوقت بأنّ هناك من يدعمه. إن صُممت التفاعلات المؤتمتة جيداً، يجب أن تؤدي إلى تحسين الرضا والولاء، وليس تقويضهما.
- دعم الموظفين دون اعتراض طريقهم. هناك العديد من الفرص لإنشاء تقنيات تدعم جهود الموظفين نحو خلق قيمة للعملاء. تكمن الحيلة في كيفية تصميم هذه الحلول بحيث لا تقوّض الاتصال البشري الذي يعتبر من المميزات الفريدة التي يأتي البشر مجهزين بها تلقائياً. الحلول الحالية لا تلبي هذا المطلب، وهو ما دفع قادة سلسلة متاجر للقهوة السريعة النمو إلى تأخير إدخال نظام نقاط البيع المؤتمة، لأنهم رأوا أنها تقوّض التواصل الذي يريدون تحقيقه مع عملائهم. قطع التواصل البصري مع أحد العملاء لمراجعة طلب على الشاشة أو الدخول في بحث محموم عن المزيج الصحيح من مفاتيح إدخال الأوامر مشتت للتفاعل بقدر ما يشتت التفاعل إخراج هاتفك على مائدة العشاء. إن صُممت التقنية جيداً فإنها يجب أن تساعد في تشكيل بيئة تُمكّن الموظفين من التفوق بشكل مريح، من دون ضغوط أو قلق، ومن دون التسبب في عرقلة التفاعل.
- تعزيز تفاعل العملاء والموظفين. تكون الخدمة أكثر كفاءة وباعثة أكثر على الرضا عندما يكون يرى العملاء والموظفون بعضهم البعض. وبدل جعلها تتسبب في زيادة الفجوة بين العملاء والموظفين، يمكن استخدام التقنية لتعزيز التواصل. على سبيل المثال، تسمح دومينوز بيتزا للعملاء الذين يطلبون البيتزا منها استخدام أداة تعقب "لرؤية" كيف يعمل الموظفون لديها على تحضير طلبهم. كما تتيح الأداة للعملاء أيضاً إرسال رسائل محددة مسبقاً إلى الموظفين الذين يقومون بالعمل للتعبير عن تقديرهم لهم. وبالتالي، الطرفان فائزان.
- التفاعل مع العملاء بطرق لا تقلل من شأن مزودي الخدمات من البشر. العمل المزعج يبقى مزعجاً سواء كان صادراً عن الإنسان أو عن التقنية. يساعد اتباع هذا التوجيه البسيط المدراء على تجنب مجموعة واسعة من التجاوزات التقنية الشائعة. وقت العميل قيّم، لذا لا تنهل عليه برسائل نصية أو رسائل بريد إلكتروني لم يطلبها. لا تطلق العنان لبرامج الاتصال التلقائي للحصول على إجابات عن عروض غير جذابة أو استطلاعات رقمية. لا تتعقب العملاء بعدد لا يحصى من المكالمات الهاتفية إن كان احتمال الوصول إلى الشخص ضعيفاً.
تذكر: يكمن الشيطان في تفاصيل تصميم الخدمة، لكن أفضل استخدامات التقنية هي التي تجعل العملاء والموظفين يشعرون بأنهم أكثر، وليس أقل، قيمة لشركتك. وهي التي تجعل الخدمة تبدو أكثر، وليس أقل، إنسانية.