وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية فإن نحو ثلاثة أرباع القوى العاملة في القطاع الخاص تعمل في الشركات العائلية، التي تشكّل 90% من مجموع الشركات الخاصة في البلاد. على الرغم من تشابه كل من الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للشركات العائلية في الاقتصادات المعاصرة بمناطق مختلفة من العالم في الغرب أو الشرق الأوسط أو الأقصى، فإن هذه النوعية من الشركات تواجه تحديات فريدة تفرضها السياقات والثقافات المتنوعة.
غيّرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في بعض البلدان بنية الشركات العائلية إذ قلّصت حجم العائلات التي تديرها وقلّلت أدوار أفرادها. ونتيجة ذلك أصبحت هذه الشركات تعاني نقصاً في الوَرثة الذين سيقودون عملية التّوارث عبر الأجيال. تنطوي ندرة الورثة على العديد من المخاطر مثل صعوبة تحديد القادة المناسبين ونقص التنوع المعرفي والاعتماد المفرط على عدد محدود من الأفراد في عملية التّوارث وانعدام أيّ وريث في بعض الأحيان.
في المقابل، يختلف هذا السيناريو في بلدان مجلس التعاون الخليجي حيث تحافظ عائلات الأعمال على حجمها الكبير وتلتزم بنموذج العائلة الممتدة التقليدي. تتمتّع هذه المنطقة بموارد بشرية عائلية واعدة ومهيَّأة للحفاظ على تقاليد الشركات العائلية وإرثها. ومع ذلك، فإن كثرة الورثة المحتملين في الشركات العائلية بدول مجلس التعاون الخليجي قد يؤدي أيضاً إلى مخاطر مختلفة مثل تخفيف السيطرة وتعقيد عملية التوارث والمنافسة الداخلية والصراعات الشخصية.
يمثّل تخفيف سيطرة عدد كبير من الورثة المساهمين التحدي الذي يواجه معظم الشركات العائلية في الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج عموماً. يؤدي الورثة المساهمون الذين ورثوا ملكية أسهم الشركة من مساهمين آخرين ينتمون إلى العائلة دوراً محورياً في مسار الشركة على نحو يؤثر تأثيراً مباشراً في بقائها على المدى الطويل.
يشارك هؤلاء الورثة خلال اجتماعات المساهمين في عملية صناعة القرارات لا سيما تلك المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس الإدارة والمعاملات الرئيسية مثل عمليات الاندماج والاستحواذ وتعديل لوائح الشركات والمبادرات الاستراتيجية ورسم السياسات المالية مثل توزيع الأرباح. لذا؛ أصبح تحديد الورثة المساهمين الحاليين والمستقبليين ضرورياً بالنسبة إلى القادة لوضع خطط تحسين جودة اجتماعات المساهمين وتجديد ديناميتها وإعدادها وتقييمها بفعالية.
أقدّم في كتابي الأخير "إدارة الشركات العائلية" (Family Business Managemen) أداة جديدة لوصف أنماط الورثة المساهمين الحاليين والمستقبليين الذين قد تواجههم الشركات العائلية وتحليل طبيعتهم ودراستها. لتحقيق ذلك اعتمدت على منهج يجمع بين الملاحظة العملية والبحث النّوعي الدقيق لتطوير أداة تعالج التحديات المحددة التي تواجهها عائلات الأعمال في إدارة ديناميات الملكية. تميّز هذه الأداة بين أنماط الورثة المساهمين بناءً على سلوكياتهم، وتصنّفهم وفقاً لبعدين: بُعد السلوك الموجَّه بالمجموعة وبعد السلوك الموجَّه بالثروة. يشير السلوك الموجَّه بالمجموعة إلى مدى عمل مالكِي الأسهم في الشركات العائلية على بناء مجموعة متماسكة ذات أهداف وقيم وتوقعات متطابقة. ويشير السلوك الموجَّه بالثروة إلى مدى عمل المالكين على تنمية ثروة العائلة وتعظيمها.
إذا جمعنا هذين البعدين نحصل على 4 أنماط من المالكين وفقاً لما هو موضّح في (الشكل 1). تتراوح سلسلة السلوكيات الموجّهة بالمجموعة بين سلوك الوكيل والسلوك الفردي، ويتأرجح السلوك الموجّه بالثروة بين خلق الثروة وجمعها.
- يُظهر المالكون النّشِطون التزامهم تجاه الشركة العائلية من خلال المشاركة بمسؤولية في أدوار الملكية والتجمعات والحرص على معرفة المستجدات وتحدي الوضع الراهن لضمان الاستدامة على المدى البعيد. كما يسعون إلى الحفاظ على الثروة وتماسك المالكين، ويتمتعون برؤية واسعة حول احتياجات العائلة والشركة بصرف النظر عن انخراطهم في العمليات اليومية.
- على سبيل المثال تمكّن أفراد عائلة هيرميس بقيادة أكسيل دوما الذي يمثّل الجيل السادس من إنشاء مؤسسة قابضة للدفاع عن استقلالية شركتهم العائلية وإرثهم في مواجهة الرئيس التنفيذي لشركة إل في إم آتش (LVMH) برنارد أرنو الذي كان ينوي الاستحواذ على شركة هيرميس (Hermes). في هذه الحالة تفاعل أعضاء العائلة جميعاً مع تهديد خارجي بنوع من التماسك.
- يتمتّع المالكون من رواد الأعمال الداخليين بعقلية ريادية عابرة للأجيال، إذ يسعون جاهدين إلى توليد القيمة داخل شركاتهم العائلية، فيُعطون الأولوية للتماسك العائلي وفق منظور طويل الأمد ويُسهمون في تنويع الثروة وخلقها. يقدّم هؤلاء المالكون إلى الشركة العائلية التي عادة ما يعملون فيها رؤية راسخة موجّهة بالأعمال التجارية، وهذا ما يجعلهم مشاركين أساسيين في نجاحها.
- على سبيل المثال وظّف أزهر ساجان عقليته الإبداعية والريادية لتطوير فكرة والده الأصلية الهادفة إلى توسيع مجموعة دانوب (Danube) الإماراتية، من خلال امتلاك شركة متخصصة في إنتاج البلاط والأدوات الصحية الفاخرة تُعرف اليوم باسم كازا ميلانو (Casa Milano).
- يعطي المالكون من رواد الأعمال أولوية لنجاحيهم المالي والشخصي أكثر من التزامهم تجاه شركاتهم العائلية، إذ يوجّهون طاقاتهم الريادية نحو مشاريع خارج شركات العائلة ويعملون أحياناً باستقلالية أو يدمجون مشاريع جديدة باعتبارها منبثقة من استراتيجية الشركة العائلية.
- راشد الغرير الذي يمثل الجيل الثالث في إحدى أكثر الشركات العائلية المؤثرة بالإمارات العربية المتحدة، أسّس سنة 2018 الشركة الناشئة كفو (CAFU) التي أصبحت من بين المنصات الرائدة عالمياً في مجال الوقود المتنقّل وخدمات المركبات.
- يعطي المالكون المعوِّقون الأولوية لمصالحهم الشخصية ويسعون إلى جمع الثروة وفرض رُؤاهم على الشركات العائلية. ويطرح سلوكهم الفرداني تحدياً حقيقياً على الحوكمة الفعّالة للملكية، ويؤدي إلى إعاقة تماسكها وتهديد استمرار الشركة على المدى البعيد. كما أن تركيزهم الذي ينصبّ على طموحاتهم الشخصية يحظى بالأسبقية قبل احتياجات العائلة والشركة سواء أكانوا يعملون فيها أم لا.
- لقد قاد السلوك المدمّر الذي نهجه الأخوان أمباني إلى تدخّل والدتهما لتقسيم مجموعة ريلايانس غروب (Reliance Group) عليهما بعد وفاة والدهما.
- يركّز المالكون السلبيون الذين لا ينخرطون في العمليات اليومية على جني الأرباح والاستفادة من الأسهم الموروثة. إنهم لا يُسهمون في بناء الثروة وينهجون سلوكيات متفاوتة تتراوح بين سلوك المالك النّشط وسلوك المالك المعوِّق خلال ممارسة أدوارهم في الشركة العائلية.
فهم أنماط الورثة المساهمين الحاليين والمستقبليين مهم لكشف دينامية مالكِي الأسهم وأولوياتهم في الشركات العائلية، ومن ثمّ تخطيط ديناميات الأعمال وتوقّعها لا سيما تلك المرتبطة بتخطيط عملية التوارث وصناعة القرار واستراتيجية الأعمال وحوكمة العائلة والأعمال. تقدّم هذه الأداة إطار عمل لمواءمة أهداف المساهمين وفهم توقعاتهم ومعرفة احتياجاتهم التي قد تساعد على تعزيز الحوار بين الورثة المساهمين وتحسين جودة اجتماعاتهم. كما يمكن أن تساعد هذه الأداة على تطوير خطط المسارات المهنية والوظيفية.