يخشى الناس طلب المساعدة من الزملاء والغرباء حتى في الأحوال العادية، خوفاً من الظهور بصورة سلبية أو التعرض إلى الرفض أو إثقال كاهل زملائهم الذين لديهم أيضاً مسؤولياتهم المهنية والعائلية، أو استهلاك وقتهم ومواردهم التي يحتاجون إليها لأداء مهامهم.
لكننا نواجه جائحة اليوم ولذلك فإن العديد من هذه المخاوف تبدو مبالغاً فيها والحقيقة هي أن الكثير منا بحاجة إلى المرونة والدعم في بيئة العمل أكثر من أي وقت مضى، لإعادة جدولة اجتماع بسبب ظروف غير متوقعة أو للحصول على تمديد للموعد النهائي، أو لإحالة شخص ما إلى جهة تبحث عن موظفين. وعلى الرغم من أننا قد نميل الآن إلى الامتناع عن طلب المساعدة أو قبولها ما لم تكن ضرورية، فالتفكير بهذه الطريقة قد يخلق معايير يحجم الأفراد بسببها عن طلب المساعدة أكثر من ذي قبل، ما يؤدي إلى نتائج عكسية في مثل هذه الأوقات الصعبة، لذا ينبغي لنا بدلاً من ذلك أن نخلق ثقافة طلب المساعدة،
لكن طلب المساعدة بثقة وأريحية يستلزم دحض عدة مفاهيم خاطئة كشفت عنها الأبحاث، ومن المرجح أن تبرز أكثر نتيجة الظروف الحالية.
1. طلب المساعدة يظهرك بصورة سلبية
نخشى غالباً من أن طلب المساعدة في العمل يشير إلى عدم الكفاءة أو الضعف، كما قد يرى البعض أنه من الأسلم تجنب المتاعب وعدم إزعاج الآخرين خلال الأزمات، ومع ذلك، فقد خلص البحث إلى أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، إذ أظهرت إحدى الدراسات، أنه عندما يطلب الفرد المساعدة في مهمة بسيطة، فإن ذلك لا يؤثر سلباً في نظرة الآخرين إلى كفاءته، كما أظهرت أن الفرد الذي يطلب مساعدة في مهمة صعبة يبدو أكثر كفاءة في نظر الآخرين. لذلك ففكرة أن طلب المساعدة يظهرك بصورة سلبية ليست فكرة خاطئة فحسب، بل إن طلبك المساعدة يعزز صورتك الإيجابية. في حين أن طلب المساعدة يمكن أن يكشف نقاط ضعفنا وقيودنا، فالآخرين غالباً ما يبدون تفهماً وتقبلاً أكثر مما نظن لعيوبنا.
2. إذا طلبتُ المساعدة فسأتعرض للرفض
سبب آخر قد يجعلنا نمتنع عن طلب المساعدة هو الخوف من الرفض، وقد يتفاقم هذا الخوف أيضاً بفِعل الأزمة الحالية، حيث نفترض أن الآخرين لديهم الكثير من المسؤوليات، لكن البحث يوضح أيضاً أن رغبة الآخرين في مساعدتنا واستعدادهم لبذل الجهد في سبيل ذلك أكبر مما نظن. في إحدى الدراسات، أخطأ المشاركون في تقدير عدد الأشخاص الذين سيوافقون على مساعدتهم في إكمال مهمة مسلية يمكنهم الحصول على مكافأة مقابلها، والجهد الذي سيبذله كل شخص في سبيل ذلك (أي عدد الأسئلة التي سيجيب عنها)، وفي دراسة أخرى، أخطأ المشاركون في تقدير حجم الجهد الذي قد يبذله زميل سابق نظرياً في كتابة خطاب توصية لهم، فالخلاصة إذاً هي أن استعداد الآخرين لمساعدتنا وحجم الجهد الذي قد يبذلونه في سبيل ذلك، أكبر مما نظن.
3. حتى إن وافق فلان على مساعدتي فإنه لن يكون مستمتعاً بذلك
عندما نفكر في طلب المساعدة من شخص ما، فإننا نركز عادة على التكاليف التي نفرضها عليه، أي الجهد والعناء، إذ يبدو طلب المساعدة عبئاً، لكننا نغفل عن الفوائد التي يحصل عليها المرء حينما يساعد زميلاً. خلص البحث إلى أن المشاعر الإيجابية التي تنجم عن مساعدة الآخرين، ويشار إليها أحياناً بالرضا الناجم عن تقديم المساعدة، يمكن أن تنتشل مقدم المساعدة من حالة عاطفية سلبية وأن تعزز رفاهته، وهذا يعني أن الحالة المزاجية للمرء قد تتحسن إذا ساعد الآخرين في الوقت الحالي.
هناك فائدة أخرى لكل من طالب المساعدة ومقدمها وهي مشاعر الترابط الاجتماعي التي تنشأ لديهما، فعلى الرغم من التباعد الجسدي، يمكن للأفراد الحفاظ على علاقاتهم وتعزيزها من خلال طلب الدعم، وقد توصل البحث إلى أن الفوائد العاطفية للمساعدة تكون أكبر عندما تعزز الترابط الاجتماعي، قد توفر مساعدة شخص معين رضا عاطفياً أعمق مقارنة بالتبرع لجمعية خيرية، لأن المساعدة تنطوي على تواصل شخصي.
إذا طلبت المساعدة وقوبل طلبك بالرفض فلا تقلق؛ في حين أننا ننسب الرفض الذي تلقيناه تلقائياً إلى عيب فينا أو إلى عدم ملاءمة الطلب أو إلى عدم استعداد الآخر للمساعدة، فالرفض يكون أغلب الأحيان بسبب الظروف، وخاصة خلال الأزمات. ولو طلبت المساعدة في وقت آخر، أو من شخص آخر فالأبحاث توضح أنك ستحصل غالباً على ما تحتاج إليه في النهاية.
هذا هو الوقت الذي يجب أن نطلب فيه المساعدة ونقبلها بأريحية أكبر، فهناك الكثير من الأدلة على أن الآخرين يبدون تفهماً لنقاط ضعفنا واستعداداً لمساعدتنا أكبر مما نظن، وأنهم يستمتعون بمد يد العون لنا.