أفضل القادة يتسمون بالتواضع

4 دقائق
القائد المتواضع

في سوق عالمي تزداد فيه المشاكل تعقيداً، يستحيل إيجاد أجوبة عن كل الأسئلة المتعلقة بالقائد المتواضع. لهذا السبب تحديداً، يفيد لازلو بوك، نائب رئيس أول لشؤون الموظفين في "جوجل"، بأن التواضع هو أحد الأوصاف التي يبحث عنها في الموظفين المحتملين. وفي هذا الصدد، قال بوك: "إن الهدف النهائي هو ما يمكن إنجازه سوياً لحل المشاكل، بمعنى أن أسهم في حصتي من العمل، وبعدها أنسحب". وأشار بوك إلى أن التواضع لا يقتصر على السماح بمساهمة الآخرين، بل "إنه التواضع الفكري، لأننا لن نتعلم دون تواضع".

التواضع كسمة قيادية

تؤكد دراسة حدبثة على موقع "كاتاليست" هذه الفكرة، وتُظهِر أن التواضع هو من بين 4 عناصر قيادية بالغة الأهمية تسمح باستحداث بيئة يشعر فيها الموظفون من مختلف الديموغرافيات بأنهم مشمولون في المجموعة. وفي سياق استطلاع لأكثر من 1,500 عامل من أستراليا والصين وألمانيا والهند والمكسيك والولايات المتحدة، اكتشفنا أنه عندما يلاحظ الموظفون سلوكاً غيرياً وغير أناني لدى المدير، فإن احتمالية شعورهم بأنهم جزء من فريق العمل تزيد (وشاءت الصدفة أن يكون الأمر صحيحاً بالنسبة إلى النساء والرجال على حد سواء)، علماً بأن هذا السلوك الغيري وغير الأناني اتصف بما يلي:

1. أفعال متواضعة على غرار التعلم من الانتقاد والاعتراف بالأخطاء

2. تمكين الأتباع من التعلم والتطور

3. أفعال شجاعة على غرار المخاطرة الشخصية لخدمة الخير العام

4. مساءلة الموظفين عن النتائج

وأضاف الموظفون الذين لاحظوا تصرفات غيرية لدى المدير أنهم كانوا أكثر ابتكاراً، وطرحوا أفكاراً عن منتجات جديدة، وطرقاً أفضل للعمل. وكذلك، أفاد معظمهم بأنهم اتبعوا سلوكاً ينبع من حس الانتماء إلى فريق العمل، كأن يتخطوا واجبهم ويأخذوا على عاتقهم إنجاز عمل زميل غائب – إلى جانب جميع التأثيرات المباشرة التي تنجم من الشعور المتزايد بأنهم مشمولون في المجموعات التي يعملون فيها.

وقد سمح لنا البحث أيضاً بالفصل بين شعورين مستقلين، يمنحان الموظفين انطباعاً أكبر بأنهم مشمولون، ويتجسدان في التفرد وحس الانتماء. فيشعر الموظفون بالتفرّد عندما يتم الاعتراف بالمواهب والمهارات التي تميزهم عن غيرهم، والتي يجلبونها إلى فريق عملهم، وبالانتماء عندما تجمعهم قواسم مشتركة مهمة مع زملائهم في العمل.

ويصعب على القادة تحقيق التوازن المناسب في هذا المجال، علماً بأن التركيز المبالغ على التفرد قد يقلل من حس الانتماء لدى الموظف. ولكننا وجدنا أن الغيرية تكاد تُعتبر في جميع الأحوال من الأوصاف الأساسية للقادة القادرين على الحفاظ على هذا التوازن لدى موظفيهم.

دروس مستفادة عن القائد المتواضع من شركة "روكويل أوتوميشن"

وبالعموم، تسلط دراستنا الضوء على تأثير شامل وشديد الشيوع، وهو أن ترويج الشمولية وقطف ثمارها يتطلب من القادة اعتماد أسلوب قيادي غير أناني. وفيما يلي بعض الطرق الملموسة للمباشرة في ذلك، بالاستناد إلى بحثنا الحالي وإلى دراستنا المستمرة لممارسات تطوير القيادة في شركة "روكويل أوتوميشن":

- شاركوا أخطاءكم مع الآخرين باعتبارها فرصاً لاستنتاج العبر: عندما يعرض القادة مسيرة نموهم الشخصي، يشرّعون النمو والتعلم لدى الآخرين. ومن خلال إقرارهم بشوائبهم الخاصة، يجعلون الأخطاء مقبولة لدى الآخرين أيضاً. ويميل الناس إلى التواصل مع الأشخاص الذين يشاركونهم شوائبهم ومواطن ضعفهم – لأن هؤلاء يبدون أكثر "إنسانية". وفي مجموعات العمل المتنوعة أكثر من غيرها، قد يساعد التواضع في تذكير أعضاء فريق العمل بالإنسانية التي تجمعهم وبأهدافهم المشتركة.

- أطلق حواراً بدلاً من النقاشات: تقضي طريقة أخرى لممارسة التواضع بالمشاركة الفعلية للآراء. غالباً ما يركز القادة على استبعاد الآخرين و"الفوز" في النقاشات. وعندما يتناقش الناس بهذه الطريقة، يزداد تركيزهم على إثبات مصداقية وجهات نظرهم، إلى حد يجعلهم يفوتون فرصة الاطلاع على وجهات نظر الآخرين. ومن المعلوم أن القادة الشموليين متواضعون بما يكفي لتعليق جداول أعمالهم ومعتقداتهم. وعبر عملهم هذا، لا يكتفون بتعزيز ما يتعلمونه، بل يمنحون المصداقية أيضاً للآراء الفريدة لأتباعهم.

- تقبّل الشك: الغموض والشك يلازمان بيئة الأعمال اليوم. وبالتالي، لمَ لا نتقبلهما؟ عندما يقر القادة بتواضع أنهم لا يملكون الأجوبة كافة، يفسحون المجال أمام تقدم الآخرين لاقتراح حلول. وكذلك، يولدون حسّاً بالترابط. ويفهم الأتباع أن الرهان الأفضل يقضي باعتماد الناس على بعضهم البعض، في سبيل التوصل إلى حل للمشاكل المعقدة التي أسيء تعريفها.

- كن مثالاً أعلى من خلال تحديد مكانة لنفسك على أنك "تابع": يمكّن القادة الشموليون الآخرين لتتسنّى لهم ممارسة القيادة. ومن خلال عكس الأدوار، لا يكتفي القادة بجعل تطور الموظفين أكثر سهولة، بل ويوجهون تصرفاتهم ليعتمدوا وجهة نظر مختلفة، وهو أمر بالغ الأهمية للعمل بفعالية في فرق عمل متنوعة.

وفي "روكويل أوتوميشن"، الرائدة في مجال الأتمتة الصناعية وحلول التحكم والمعلومات، تتمتع ممارسة التواضع بهذه الطرق بدور حيوي للترويج لثقافة الشمولية –يعتبرها قادة "روكويل" ضرورية لدعم التنوع في أوساط القوى العاملة التابعة للشركة حول العالم.

واحدة من أهم الاستراتيجيات التي يعتمدها قادة "روكويل" لتصميم أسلوبهم القيادي هي اعتماد منهج مناقشات "حوض السمك" الذي يسهل الحوار. وفي سياق اجتماع تقليدي من هذا النوع، تجلس مجموعة صغيرة من الموظفين والقادة ضمن دائرة في وسط الغرفة، في حين تجلس مجموعة أكبر من الموظفين في محيطها. ويتم تشجيع الموظفين على التحادث مع بعضهم البعض ومع القادة عن أي موضوع، وتتم دعوتهم إلى الحلقة الداخلية. وفي سياق هذه الأحاديث غير المسجلة، التي تجرى على امتداد العام في مجموعة من الأماكن، يُظهر القادة تواضعهم باستمرار – من خلال إقرارهم لموظفيهم بأنهم لا يملكون الأجوبة عن جميع الأسئلة، ومن خلال مشاركة تجربتهم الشخصية، على صعيدي النمو والتطور.

وفي إحدى جلسات مناقشة "حوض السمك"، جرت بعد وقت قليل من تعريف الشركة عن مزايا الشركاء من الجنس نفسه في العام 2007، أعرب موظف متديّن جداً عن مخاوفه إزاء سياسة المنافع الجديدة – أمام مئات من الموظفين الآخرين. وبدلاً من اعتماد منهجية دفاعية، دخل أحد كبار القادة ببراعة في حوار مع الموظف، وطرح عليه أسئلة، وحاول فهم وجهة نظره. ومن خلال الاستجابة بهذه الطريقة، منح القائد مصداقية لوجهة نظر الموظف وغيره من الأشخاص الذين يشاركونه رأيه. وتحدث قادة آخرون عن المشاكل التي واجهوها وعن آرائهم حيال التشبث بالمعتقدات الدينية، مع اعتماد قيم الشركة على الرغم من ذلك، ومعاملة جميع الموظفين بإنصاف. وقد سمحت حوارات من هذا القبيل بظهور فارق ملموس في شركة "روكويل أوتوميشن". وبات الموظفون أكثر ثقة في قادتهم، وأكثر التزاماً، وازداد شعورهم بأنهم ينتمون إلى الشركة، على الرغم من فوارقهم.

وهكذا، يشير مثال شركة "روكويل" إلى أنه لا يجدر الالتباس بين قائد غير أناني وقائد ضعيف، إذ إن ممارسة التواضع بالطرق الموصوفة أعلاه تتطلب شجاعة هائلة. ولكن للأسف، لا تكافئ المؤسسات هذا النوع من الشجاعة على الدوام. وبدلاً من اختيار الأشخاص المتميزين في مجال ترويج الذات أو اختيار القائد المتواضع مثلاً، كما هو الحال في معظم الأحيان، قد يكون من الحكمة أن يتبع عدد متزايد من الأشخاص مثال شركات على غرار "جوجل"، و"روكويل أوتوميشن"، وغيرهما من الشركات التي تعاود تحديد ملامح القيادة الفعالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي