لماذا أفضل القادة هم أفضل المتعلمين؟ خبير يُجيب

20 دقيقة
أندرو ليفريس
shutterstock.com/
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يستمتع أندرو ليفريس بالتحدي وتجاوُز ما هو متوقع منه. وُلد ليفريس لأبوين مهاجرين في المناطق الأسترالية الريفية النائية، وارتقى في نهاية المطاف إلى قمة عالم الشركات، حيث تولى في عام 2004 منصب الرئيس التنفيذي لشركة داو كيميكال (Dow Chemical). أكسبته فترة عمله التي امتدت 14 عاماً في هذا المنصب تقديراً واسع النطاق لقيادته أجندة طموحة للاستدامة، وهي مهمة ليست سهلةً لشركة تُعد أحد أكبر منتجي الموادّ الكيميائية في العالم. وفي هذه الحلقة من “عالم العمل الجديد”، يشارك ليفريس رؤيته للقيادة في الأوقات الصعبة. يقول ليفريس: إن على المسؤولين التنفيذيين اتخاذ نهج أكثر استباقية، ويجب عليهم العثور على طرق لتمييز الحقائق في مجتمع زاد فيه انتشار روايات متضاربة عن الحقيقة. ولتحقيق ذلك يشدد على ضرورة أن يخرج القادة إلى الخطوط الأمامية والسفر وتطوير أنفسهم باستمرار.

من الصعب إجراء تغييرات في حياتك أو روتينك، لا سيما عندما يبدو وضعك الحالي مُرضياً. يقول الرئيس التنفيذي السابق لشركة داو كيميكال ورئيس مجلس إدارتها، أندرو ليفريس: إن إجراء تغييرات في سلوكك أو نهجك في الوظيفة هو أحد أصعب الجوانب التي يجب تنفيذها في حياتك المهنية، خصوصاً إذا كنت ناجحاً حقاً.

ينطبق هذا المفهوم على كل من المؤسسات والموظفين. عندما تولى ليفريس قيادة شركة داو في عام 2004، كان يميل إلى اتباع النهج نفسه الذي اتبعه القادة الذين سبقوه. يقول ليفريس: “كنا نجني الكثير من المال؛ لم يكن موظفو داو راضين تماماً، ولكن كان لديهم فهم واضح لما ينطوي عليه النجاح”. ولكن سرعان ما أدرك ليفريس أن النجاح جانب هش يمكن أن يضيع بسهولة، خصوصاً لشركة كانت مبتكرة في السابق وطورت بيروقراطية كبيرة أعاقت الابتكار في كثير من الأحيان. كان على داو زعزعة نفسها وإجراء تغييرات جذرية، وقد فعلتْ! ولو لم تفعل لخسرت قدرتها التنافسية أمام الشركات الأصغر والأسرع، مع أن فعلها هذا يعدّ غريباً آنذاك.  ولكي تتمكن الشركة من إجراء التغييرات بنجاح والحفاظ على قدرتها التنافسية تحتاج إلى قائد يتعلم باستمرار.

في مقالنا، ينخرط رئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو الإنجليزية أدي إغناطيوس في حوار مع ليفريس الذي يشارك تجربته في كتابه الجديد القيادة من خلال الزعزعة: دليل صانع التغيير للقيادة في القرن الحادي والعشرين (Leading through Disruption: A Changemaker’s Guide to Twenty-First Century Leadership)، حيث يناقشان:

  • الحفاظ على عقلية ريادية نقدية، حتى داخل المؤسسات الكبيرة غير المرنة.
  • كيف يمكن للشركات تحقيق توازن متناغم بين أهداف الربح القصير الأمد والمسؤوليات طويلة الأمد تجاه جميع أصحاب المصالح، بما في ذلك مجتمعاتها المحلية والقضايا البيئية.
  • مشاركة ليفريس في الإشراف على الاستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية لعام 2032، المقرر إجراؤها في موطنه أستراليا.

أدي إغناطيوس: أرجو من فضلك تقديم لمحة عامة موجزة لمشاهدينا عن رحلة حياتك من نشأتك في المناطق الأسترالية الريفية النائية إلى قيادة شركة فورتشن 100، مع العلم أن مسارك المهني حتى أصبحت رئيساً تنفيذياً فريد من نوعه.

أندرو ليفريس: في الواقع تُعد أستراليا مشابهة للولايات المتحدة مع الاختلافات التي بينهما. فالأميركيون يتصورون غالباً المناطق الريفية النائية في أستراليا على أنها مشابهة للغرب المتوحش في الولايات المتحدة.

وتشبه أستراليا أميركا بلا شك، لكنها ليست نفسها تماماً. نشأت في عائلة أميركية مهاجرة، وكنت أول فرد في عائلتي التحق بالجامعة، ودرست الهندسة الكيميائية، لكني أعتقد أنّ والدتي المسكينة التي كانت تتكلم اليونانية لم تفهم ما كان يفعله مهندسها الكيميائي حتى وفاتها! كنت بمثابة الابن الضال، أول فرد في العائلة يذهب إلى الكلية. ثم وظفتني شركة داو وقالت لي: “إذا انضممت إلينا، فسوف تطّلع على العالم أجمع، وقد أوفت بوعدها! وبعد 43 عاماً تقاعدت من هذه المؤسسة الأميركية العظيمة.

لطالما حاولت دمج سماتي الأسترالية في وظيفتي؛ فنحن مجتمع مرح ومحب وعاطفي ونحب رياضاتنا، ربما يمكننا الحديث عن ذلك لاحقاً عندما نتناول موضوع الألعاب الأولمبية. إننا أيضاً نحب المغامرة والمجازفة ونتحلى بالصدق والصراحة. لقد أدى الجمع بين هذه الصفات وروح ريادة الأعمال الأميركية ونظام القيم في هذا البلد العظيم إلى خلق مزيج رائع.

لقد طبقت هذا النهج في آسيا حيث تعلمت أيضاً أهمية بناء العلاقات. طوال الوقت الذي قضيته في داو لم أتوقع قطُّ أنني سأصبح الرئيس التنفيذي لها! أعتقد أن أحد مفاتيح النجاح هو التركيز على الأداء الجيد في وظيفتك الحالية بدلاً من السعي المستمر للحصول على المنصب التالي. لقد لاحظ الآخرون قدرتي على إحداث التغيير والتكيّف معه بعد ذلك. وكتابي هذا هو نتاج الفترة التي قضيتها رئيساً تنفيذياً، وهي فترة اتسمت بالتغيير المستمر.

أدي إغناطيوس: يوحي عنوان كتابك أننا نعيش في وقت أصبحت فيه الزعزعة هي القاعدة، لذا أود الخوض معك في هذه الفكرة أكثر؛ هل نحن حقاً في عالم أكثر عرضة للتقلبات أم أن تعرضنا لوسائل الإعلام يشوه إدراكنا ويجعلنا نشعر أن التغيير يحدث بوتيرة أسرع وأكثر اضطراباً من ذي قبل؟

أندرو ليفريس: يسلط سؤالك الضوء على الفرق بين حالة الاضطراب الحالية ومراحل التقلب السابقة. فقبل قرن من الزمان كان هناك تقلبات، ومن أبرزها الحروب العالمية. لقد تعرضت الإنسانية باستمرار للزعزعة! لكن دورة الزعزعة تسارعت بسبب زيادة التواصل التي أحدثها العصر الرقمي وثورة التكنولوجيا الهائلة التي نشهدها جميعاً اليوم، وهذا أدى إلى تضخيم الكثير من جوانب حياتنا.

قد يكون للأفعال الصغيرة عواقب وخيمة وفقاً للمثل الصيني القديم الذي يقول: الفراشة التي ترفرف بجناحيها في جزء من الصين تؤدي إلى إعصار في جزء آخر منها. لقد ضخم التواصل من آثار الزعزعة حقاً، وتخلق الزعزعة الرقمية التي تحضر بقوة في حياتنا وتؤثر فيها إحساساً مستمراً بوجود أزمة أُطلِق عليها “الوضع الشاذ الجديد”؛ وهي حالة من عدم اليقين المستمر. في الحقيقة، لم تصمم مؤسساتنا التي أُنشئت في القرن العشرين للتكيف مع هذه الحالة المستمرة من التغير وعدم اليقين السائدة في القرن الحادي والعشرين.

وبصورة أساسية يزداد التحدي الجديد في الاتجاه نحو التفكير القصير الأمد، فالجميع يريد حلولاً فورية! وهناك رغبة جامحة في الإشباع الفوري وتحقيق الرضا.  وإنّ وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في الاتجاه نحو الإشباع الفوري بواسطة تقديم ملاحظات فورية، ويتوقع الجميع أن توضح برامج الواقع الجديدة كيفية الوصول إلى الهدف النهائي دون العمل الجاد الذي كان علينا تعلّم بذله في القرن العشرين. ويمثل هذا التحول نموذجاً مختلفاً تماماً يتطلب منا التكيف مع واقع جديد.

يناقش كتابي كيفية التحول من الاختلاف إلى التقارب، ففي الاختلاف نجد استمراراً لعدم اليقين الذي هو النموذج الجديد. أمّا في التقارب فنجد عالماً من الحلول! ويطرح الكتاب سؤالاً عن كيفية الشروع في معالجة الافتقار إلى القيادة الفعالة التي أصبحت أكثر شيوعاً؟

أدي إغناطيوس: لنفترض أن عكس هذا الوضع غير ممكن؛ بمعنى هذا هو الواقع الجديد ولا يمكننا التخلص منه! فما النصائح التي تقدمها للمدراء والمسؤولين التنفيذيين الساعين إلى النجاح واستباق التكيف مع موجات التغيير ومحاولة الإدارة بفعالية في هذا العالم المتقلب؟

أندرو ليفريس: لقد ألفت هذا الكتاب واضعاً سؤالك هذا في الحسبان، وآمل أن يكون كتابي بمثابة نقطة انطلاق لتطوير بعض مجموعات الحلول الجديدة، ومن ذلك نماذج القيادة الجديدة ونماذج قيادة أكثر ملاءمة للبيئة المتقلبة الحالية. لقد بدأت في معالجة هذا الأمر بالقول “لا يمكنك أن تكون القائد نفسه طوال الوقت، بل يجب عليك امتلاك مجموعة واسعة من المهارات والقدرات من أجل الإدارة الفعالة في بيئة متقلبة، ويجب أن يكون لديك فهم واسع وعميق للعديد من الموضوعات المختلفة. ولا يكفي أن يمتلك القائد الخبرة في مجاله الذي يُعنى به فحسب؛ وإنما عليه أن يكون قادراً على التكيف والاستجابة للظروف المتغيرة بسرعة والانخراط في محادثات عن مجموعة واسعة من الموضوعات، ولإن كانت متنوعة، فهي بغير شك مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطريقة أو بأخرى”.

الفكرة الأساسية التي أؤكدها هي الترابط بين الأعمال والحكومة والمجتمع المدني، فهم معاً يمثّلون مثلثاً متساوي الأضلاع. ونتيجة لذلك، يجب عليك الاستمرار في التجاوب مع هذه المحاور وتكييف نهج قيادتك وتطويره حسب الحاجة.

ولتحقيق ذلك من المهم البحث عن مصادر موثوقة للحقائق بدلاً من الاعتماد على آراء الآخرين التي ربما تكون قيمة. وفي دوري رئيساً تنفيذياً، كان ذلك يعني السفر المستمر إلى مناطق مختلفة وإلى مكاتب المبيعات والمصانع والاستماع إلى الموظفين على أرض الواقع أو الذين يعاملون العملاء مباشرة، والعمل مع الحكومات بصفتها شريكاً وليست خصماً. يجب أن يكون هناك تغيير جوهري في كيفية جمع المعلومات ومعالجتها من أجل تحسين عملية صنع القرار والاستجابة بسرعة للظروف المتغيرة. ومن الضروري تبني المعلومات التي تتلقاها والاعتراف بها حتى إن كانت صعبة، لأنك ستبني خياراتك اعتماداً عليها. ومن الجيد أن تطور عدة سيناريوهات وخطط احتياطية لهذه الاختيارات حذراً من عدم نجاح اختيارك الرئيسي. ويجب عليك قيادة التغيير بنفسك بدءاً من الخطوط الأمامية إلى بناء فريق قادر على إدارة هذا التغيير. ثم كرر هذه العملية للتكيف باستمرار مع الظروف المتغيرة والاستجابة لها. إنّ نموذج القيادة هذا لا يُدرّس في كليات إدارة الأعمال، ولن تتعلمه إلا بالخبرة العملية على أرض الواقع. لذلك، وبصراحة، من الضروري نقل هذه الدروس للأفراد الذين يتطلعون إلى تجسيد هذا النوع من القيادة. ويتطلب ذلك حتماً طاقة وشغفاً كبيرين وامتلاكاً للقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بنور معلومات قائمة على الحقائق.

أدي إغناطيوس: لقد ذكرتَ سابقاً مشكلة التفكير القصير الأمد، وكيف أنها أحد أعراض العالم المتقلب الذي نعيش فيه. لقد دعوتَ دائماً الرؤساء التنفيذيين والشركات إلى الاهتمام باحتياجات قاعدة أصحاب المصلحة الواسعة. ولكنك بالمقابل كنت تدير شركة داو كيميكال، حيث واجهت ضغوطاً لتحقيق نتائج مالية قوية على أساسٍ ربع سنوي. ‘مّ بعض الرؤساء التنفيذيين يدّعون أنه من الممكن تحقيق التوازن بين هذين الجانبين، لكني أعتقد أن جمهورنا قد يكون متشككاً في قدرتك على إدارتهما معاً. كيف تدير هذا التوازن؟ لا بد أن ذلك كان صعباً!

أندرو ليفريس: إنه حتماً ليس بالأمر السهل! وهو أيضاً ليس تحدياً جديداً للقادة. أعتقد أن الرؤساء التنفيذيين واجهوا تحديات مماثلة في الماضي، لكن سؤالك الأول كان يدور حول ما تغير. ما تغير هو سرعة هذا التحدي، ولا سيما عامل نفاد الصبر المتزايد؛ هناك رغبة متزايدة من أصحاب المصلحة الماليين للحصول على مكافآت فورية، ويتبعون من أجلها طرقاً كتوزيع الأرباح وإعادة شراء الأسهم والاستثمار في مجالات وفرص أخرى. بعبارة أخرى: إذا ركز قادة الشركات ذات الملكية العامة على قطاعهم فحسب ومجالس إدارتها، فقد لا يتخذون أفضل القرارات المتعلقة بكيفية تخصيص رأس المال، وهذا يسلط الضوء على الأدوار التي نؤديها جميعاً في تحديد كيفية توزيع رأس المال والمقاييس التي تحكم هذا التوزيع.

من المفيد الحصول على عوائد مالية قصيرة الأمد بواسطة توجيه رأس المال لقطاعات خارج الأعمال الأساسية لمؤسستك، وهذا بلا شك يتحدى نموذج التكتل التقليدي الذي أثبت فعاليته العالية في القرن الماضي، وأنا أعي ذلك تماماً. في الواقع، لقد طبقت هذا النهج بدمج داو كيميكال مع داو دوبونت لإنشاء ثلاث شركات منفصلة وأكثر انسيابية ومتكاملة رأسياً. لا أرى مشكلة في هذا النهج، وأعتقد أنه ضروري ومناسب.

ومع ذلك، إذا حولتْ شركة ما الأموال أو خصصت رأس المال بعيداً عن المشاريع ذات العوائد المستقبلية، مثلاً لـِ 5 أو 10 سنوات لاحقاً في القطاع، فهي تتخلى بذلك عن مركزها القيادي في هذا القطاع، وبذلك ستفقد مركزها التنافسي لاحقاً وتفشل. بعبارة أخرى: إذا لم تستثمر الشركة في البحث والتطوير أو غيرها من المشاريع طويلة الأمد التي لن تحقق عائداً إلا بعد فترة طويلة، فإن تخصيص المحفظة الاستثمارية للشركة لن ينجح على المدى القصير جداً إلا إذا استمرت القرارات التي اتخذها أسلافك في توفير العوائد.

لقد توليت إدارة شركة داو كيميكال في مرحلة لم تكن تستثمر فيها في مشاريع طويلة الأمد. توليت إدارة الشركة التي كانت تكسب المال من نجاحاتها السابقة ولكن لم يكن لديها ابتكارات جديدة في طور الإعداد، وكانت اتجاهات السوق تحث على فكرة الاستثمار في أسهم الشركة مؤقتاً لأنها ستتحول إلى ملكية خاصة في النهاية أو قد تتعرض للانهيار…إلخ.

من الضروري تحقيق التوازن بين الأهداف والاستراتيجيات قصيرة الأمد والطويلة. ومن المهم صياغة استراتيجية توضح إمكانية خلق القيمة على المدى الطويل لمالكي الشركة وأصحاب المصالح. وينبغي تنفيذ برامج ومبادرات محددة لدعم الاستراتيجية طويلة الأمد. ويجب وضع مقاييس للأداء مدتها 1، 2، 3، 5 سنوات، على غرار النهج الذي تستخدمه شركات الأسهم الخاصة اليوم، مع تقديم نتائج قصيرة الأمد أيضاً على أساس ربع سنوي.

هل من الصعب تحقيق ذلك؟ نعم! وهذا يعني أنه يجب على الشركات إدارة محفظتها الاستثمارية بفعالية من الداخل. ويجب عليها الاستثمار في الأعمال التجارية القادرة على النمو وتحقيق عوائد طويلة الأمد، مع السماح للأعمال التجارية التي تركز على المدى القصير بتوليد النقد اللازم لتمويل تلك المساعي طويلة الأمد، بالتوازي مع تلبية حاجة المالك إلى العائد على الاستثمار على المدى القصير.

إنّ تحقيق التوازن بين هذه المطالب المتنافسة مهمة معقدة فعلاً! وعليه إن القدرة على تخصيص رأس المال فعلياً عبر البعدين أمرٌ لا تتمتع به جميع مجالس الإدارة، ولذلك هناك فصل كامل في كتابي مخصص لمناقشة كيف يمكن لمجالس الإدارة تخصيص رأس المال بفاعلية في الاستثمارات القصيرة والطويلة الأمد. وفي هذا القسم أيضًا معالجة لسؤالك الذي أعلم أنك ستطرحه، وهو كيفية جعل الاستدامة جزءاً أساسياً من جدول الأعمال في المستقبل.

أدي إغناطيوس: ربما يتعين علينا الخوض في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) بصفتها طريقة للوصول إلى هذا الموضوع. الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هي مفاهيم معقدة وصعبة الفهم والقياس. يعتقد بعض الأشخاص المهتمين بالاستدامة أن الأمر كله مجرد شكل من أشكال الغسل الأخضر ولا يقيس بدقة أي شيء مهم حقاً. في الولايات المتحدة يهاجم اليمين السياسي مقاييس الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لأنها تفرط في التركيز على القضايا الاجتماعية والبيئية وغير متوافقة بطريقة أو بأخرى مع الأعمال التجارية الناجحة. فكيف ننفذ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بفاعلية على المدى الطويل؟ وكيف نستخدمها لقياس التقدم بدقة في القضايا المهمة لكي تكون جزءاً لا يتجزأ من العمليات التجارية عوضاً عن أن تكون مجرد ميزة ثانوية؟

أندرو ليفريس: لقد أصبحت المناقشات الأخيرة عن القضايا الاجتماعية والسياسية ساخنة ومثيرة للانقسام، حيث انحاز الناس إلى أحد الجانبين؛ إما مع الصحوة اليسارية أو مع مناهضتها. وكانت الأعمال التجارية والشركات مثل داو تحاول معالجة القضايا الاجتماعية والبيئية على مدار العقدين الماضيين وقبل أن أتولى أنا مسؤوليتها، وقد دارت وجهة نظرنا حول فكرة أن مؤسستنا تحمل عقداً اجتماعياً؛ أي رخصة للعمل ممنوحة من قبل المجتمع، وقد حُددت قواعدها  بناءً على اللوائح الحكومية. فالمجتمع ينتخب الحكومات التي تضع القوانين، ونحن؛ أي المؤسسة، نتبع القواعد التي وضعتها الحكومة لتحقيق الفائدة للمجتمع.

أصبح دور الشركات في إدارة القضايا البيئية أكثر بروزاً أثناء إدارة نيكسون مع إقرار قانون الهواء النظيف وإنشاء وكالة حماية البيئة (EPA). وقد استجابت شركة داو لهذه اللوائح البيئية الجديدة ليس بالامتثال لها فحسب، ولكن أيضاً باتخاذ نهج استباقي للإسهام في النهوض بالمعايير البيئية. واعتماداً على خبرتنا العلمية بحثنا عن طرق للتعاون مع وكالة حماية البيئة والوكالات الحكومية التي تنظمنا لتطوير لوائح بيئية أكثر فاعلية وكفاءة.

أثناء إدارة كلينتون كان هناك تركيز على تطوير أجندة الاستدامة لكل من الحكومة والشركات. وذلك كان يعني الترخيص للعمل بصورة مستدامة باتباع القواعد واللوائح التي تأخذ في حسبانها المحصلة النهائية الثلاثية التي تشمل العوامل الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وكانت شركة داو إحدى مطوري مفهوم المحصلة النهائية الثلاثية التي تؤكد أهمية توليد الأرباح مع وجوب أن يكون لديك مقاييس لدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في الوقت نفسه.

ما يحدث في هذا العقد الحالي وما سيحدث في المستقبل هو اكتساب الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات اهتماماً واسع النطاق بين الجمهور؛ حيث يجب أن ينظر إليها الجمهور على أنها عناصر منفصلة. لكن ما حدث هو الميل إلى تجميعها معاً ومن ثم المبالغة في تبسيطها، وهذه هي بالضبط النقطة التي أتناولها في الفصل الافتتاحي من كتابي. إنني أشدد على الحاجة إلى وقف هذا التبسيط المفرط بواسطة جمع هذه الجوانب معاً؛ فهي ليست مفهوماً واحداً ليُختصر، بل إنها تمثل 3 مجالات تخصصية مختلفة جداً ويتطلب كل منها مجموعة خاصة من القوانين التي تتماشى مع قيم القرن الحادي والعشرين.

تعني الرخصة المجتمعية للعمل التي وضعتها الحكومات أنه يجب على الحكومات أن تكون على دراية بالقوانين البيئية الجديدة المطلوبة في مجالات مثل تغير المناخ والتحكم في الانبعاثات والإدارة الواعية للأراضي والمياه وجميع القضايا التي تهم كوكب الأرض.

يعالج المكون المجتمعي، الذي يُشار إليه بالحرف “S” من “ESG”، قضايا الشمولية والعدالة الاجتماعية والمساواة وأهمية القوانين التي تعزز هذه القيم. أما مكون الحوكمة الذي يُشار إليه بالحرف “G” فيشمل منظورين؛ أحدهما كلي والآخر جزئي. ويشمل المستوى الكلي اللوائح الحكومية والامتثال للقوانين، في حين يتضمن المستوى الجزئي طريقة عمل مجالس الإدارة من حيث مسؤولياتها تجاه المسهمين وأصحاب المصلحة. وتتطلب معالجة هذه القضايا المعقدة التعاون بين الشركات الكبرى والحكومات لتطوير قوانين فعالة بواسطة نموذج الشراكة.

أرى أمثلة على مستوى العالم أثبت فيها هذا النهج فاعليته. وغالباً ما تتكرر هذه الأمثلة الناجحة في أنظمة كثيرة الاستبدادية بهيكل من أعلى إلى أسفل، مثل سنغافورة أو كوريا أو ألمانيا. لكن هذا النوع من التعاون بين الشركات والحكومات أقل نجاحاً في الاقتصادات الرأسمالية القائمة على السوق مثل الولايات المتحدة؛ وهذا بسبب نموذج الثقة؛ فنموذج الثقة معطل لأن الناس يرون أنه ملغى بسياسات المصلحة الذاتية ومجموعات الضغط والتلاعب بالقوانين لخدمة مصالح قطاع معين.

أجادل في كتابي في أننا بحاجة الآن إلى التخلص من هذا النهج وتقديم نماذج شراكة تعاونية تهدف إلى وضع لوائح تتماشى مع القرن الحادي والعشرين، وتشمل التكنولوجيا الرقمية والقضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة. وتعزز هذه المبادرة أجندة الاستدامة التي تؤدي -عند كل شركة تلتزم بها- إلى ظهور فرص ربح جديدة؛ وبذلك تصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية أعمالها.

هناك حاجة ملحة للوائحَ جديدة لمواجهة تحديات هذا القرن أكثر من أي وقت مضى، والافتقار إلى تلك اللوائح يخلق التنافر والفوضى وفقدان المجتمع للثقة في الحكومة وقادة الشركة.

أدي إغناطيوس: لقد أوضحتَ ذلك ببراعة! أريد أن أنتقل إلى الحديث عن القيادة على وجه التحديد؛ فقد ذكرتَ في كتابك أنك في الأيام الأولى في شركة داو كيميكال كنت تحترم بشدّة إرثها الطويل ومن سبقك في إدارتها؛ فكيف توازن بين رغبتك في قيادة التغيير واحترام التقاليد التي قادت إلى الإرث الذي كان سبباً في قدومك إلى الشركة في المقام الأول؟ ربما تلقى هذه التجربة صدى لدى جزء كبير من جمهورنا الذي يستمع إلينا.

أندرو ليفريس: مع تقدم الأفراد في حياتهم المهنية في بيئة الشركة لا يُدربون أو يُشجعون على زعزعة وضعها الراهن. فقد كانت شركاتٌ كبرى في بدايتها صغيرة ومبتكرة، ولكن مع نموها طورت هياكل بيروقراطية أمكن أن تعوق الابتكار أو أن تجعلها عرضة للمنافسة من الشركات الأصغر والأكثر مرونة في مجالها.

لقد شهد قطاع الصناعات الكيميائية ابتكارات ضخمة في القرن الماضي، لا سيما في العقود الخمسة الأولى. ثم في النصف الأخير من القرن الماضي توقفنا عن الابتكار في قطاعنا لأننا كسبنا الكثير من المال من المنتجات التي ابتكرناها في البداية وقدمناها لخدمة أميركا الحديثة والمجتمع العالمي الحديث. ويشمل ذلك مجموعة من المجالات، منها البلاستيك والدهانات والمكونات الأساسية للبناء والمكونات الصيدلانية، وكلها جزء لا يتجزأ من وسائل الراحة في الحياة المعاصرة.

كانت شركة داو والشركات المماثلة تجني الكثير من المال، لذلك لن أقول إن موظفيها يشعرون بالرضا تماماً، ولكنهم فهموا ما هو مطلوب لتحقيق النجاح والترقية داخل شركتهم. فللترقية لم يكن على الموظف سوى تكرار الإجراءات والسلوكيات الناجحة. ونتيجةً لذلك قادنا هذا النمط عن غير قصد إلى تكرار أنفسنا والدخول في مناقشات منعزلة داخل غرف اجتماعات مجالس الإدارة والاجتماعات الأخرى.

الذي فتح لي المجال لأصبح مرشحاً وفي النهاية الرئيس التنفيذي للشركة هو أن خبرتي الفعلية تأتي من خارج المقر الرئيسي للشركة. كانت خلفيتي متجذرة في الشرق الأقصى، وانتهى بي الأمر إلى أن أصبح رائد أعمال على الرغم من العمل داخل بيروقراطية الشركات الكبيرة. عندما رُشحت لمنصب الرئيس التنفيذي كان هناك العديد من المرشحين المتنافسين على الوظيفة، وقد وقع الاختيار عليّ لأني كنت أتمتع بروح ريادة الأعمال أكثر من نظرائي. وهذا ساعدني في الحصول على الوظيفة هي حاجة داو لتغيير نموذجها، ولسوء حظي عندما توليت دوري ارتكبت خطأ محاولة تكرار نهج من سبقني وتشكيل الفريق نفسه الذي كان حوله. وقد قادني ذلك إلى تعيين أفراد في مناصب رئيسة لم يكونوا داعمين للتغييرات التي عُينت  من أجل تنفيذها.

لكني بسرعة صححت هذا الخطأ الذي ارتكبته وكان واضحاً بشدة! لقد تعلمت درساً مفيداً جداً من هذه التجربة؛ لأنه ساعدني لاحقاً عندما واجهت أزمات كبيرة مثل الأزمة المالية العالمية وانسحاب الكويتيين من توقيع صفقة روم آند هاس وإدارة هجمات النشطاء. لقد مكنتني هذه التجربة من تطوير مهارات ربما لم أتدرب عليها قبل أن أصبح الرئيس التنفيذي، وهي النأي بنفسي عاطفياً وفكرياً عن دوري رئيساً تنفيذياً لأتمكن من الحصول على منظور أوضح لما هو مطلوب مني في هذه الوظيفة وإجراء تغييرات في نهجي وسلوكي.

في الواقع، إجراءُ تغييرات في سلوكك أو نهجك في الوظيفة -خاصة إذا كان أداؤك جيداً- أحدُ أصعب الجوانب التي يجب تنفيذها. وأنا حقّاً أنظر إلى القادة الناجحين مثل (لو غيرستنر) وغيره ممن أتحدث عنهم في كتابي بصفتهم مثالاً نموذجياً عن تغيير الذات. إنني أناقش هذه المهارة بالتفصيل في الكتاب.

بصراحة، عندما أقوم بتوجيه الرؤساء التنفيذيين الأصغر سناً فإنني أنصحهم بالنأي بأنفسهم عن دورهم والنظر إليه والتفكير ملياً بما هو مطلوب للنجاح فيه بدلاً من الاطمئنان لنهجهم الحالي.

أدي إغناطيوس: هذا رائع! دعنا الآن نتناول بضعة الأسئلة من مشاهدينا. هذا سؤال من (برايان) في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، ويتعلق سؤاله بمحادثتنا عن انتشار التركيز على الأهداف القصيرة الأمد. ما هي جوانب العمل التي لا يمكن التسرع بها؟ كيف يمكن للشركات أن تقاوم الضغط للتركيز على نهج النتائج القصير الأمد -خاصة فيما يتعلق باكتساب فهم أعمق للعملاء- حتى تتمكن من تعزيز الخدمات والمنتجات لتعكس استراتيجية سليمة بدلاً من أن تكون مدفوعة فقط بدوافع مرحلية؟

أندرو ليفريس: هناك العديد من الأمثلة ذات الصلة حولنا، فأحد الأمثلة هو الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. لقد شهد هذا التحول بدايات وتوقفات على مدى 3 أو 4 إدارات رئاسية سابقة، وآمل أن تكون الإدارة الحالية قد وضعت إطار عمل لن تتخلى عنه الإدارات القادمة. ولكن عدم اليقين الناجم عن سياسة الحكومة يمنع الأعمال التجارية من تبني المخاطر التي يجب عليها تحملها.

من أجل تطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجددة، من الضروري التحلي بالصبر واتخاذ نهج طويل الأمد مثلما يتضح من تجربة الصين الناجحة في هذا المجال وهيمنتها عليه من ناحية تطوير التكنولوجيا المتعلقة به. لماذا تخلَّفنا في مجالات مثل المصانع والخلايا الشمسية؟  لقد فاتنا كل ذلك لأنه لم يكن أحد على استعداد للشراكة مع الحكومة للتوصل إلى الإطار الصحيح لاستثمار طويل الأمد في البحث والتطوير.

في الواقع، إذا حللنا الابتكار في أميركا فإن عصورنا هي الأكثر ابتكاراً؛ لأننا دولة  حضرت الحربين العالميتين الأولى والثانية ودعمت مشاريع وكالة ناسا. وقد استحقينا أن نكون الأكثر ابتكاراً نتيجة تولي الحكومة زمام المبادرة ووضع مبادئ توجيهية واضحة للابتكار. وفي الحربين العالميتين الأولى والثانية كان الابتكار مدفوعاً بالحاجة إلى الدفاع عن الأمة وحماية الحرية بصورة واضحة، في حين كان مدفوعاً في مشاريع ناسا بهدف تحقيق الإنجاز الضخم المتمثل في هبوط رجل على القمر.

نحن بحاجة إلى أن تتسق أهدافنا بصفتنا أمة، والانتقال إلى الطاقة المتجددة هو مثال رائع لذلك! كيف يمكننا التحول إلى الطاقة المتجددة بطريقة ميسورة التكلفة بحيث نتمكن من تقليل التأثير السلبي للوقود الأحفوري، وفي الوقت ذاته نضمن عدم سحق الاقتصاد؟ أعتقد أن هذا مثال رائع على الحالات التي يمكن أن تكون فيها النتائج القصيرة الأمد مدمرة بشدّة! فيُحتاج إلى الالتزام بالتفكير الاستراتيجي الطويل المدى.

هناك العديد من الأمثلة الأخرى، أولها ظهور الصين قوةً عالمية. لقد ارتكبنا مرة أخرى خطأ النظر إلى الصين على أنها بلد يمكننا التعامل مع تعقيدات العلاقة معه بواسطة الجلوس في واشنطن والتعامل معها من هناك. في ثقافة تدور حول العلاقات مثل الثقافة الصينية، يتطلب الأمر نهجاً عملياً ومشاركة متسقة وتركيزاً على تحقيق نتائج مفيدة للطرفين بدلاً من محاولة الفوز على حساب الطرف الآخر.

ومع ذلك، فإننا نرسل إشارات إلى الصين تفيد بأننا نريد علاقة قائمة على المنافسة والفوز بدلاً من التعاون والمنفعة المتبادلة. ولإقامة علاقة مربحة للجانبين مع الصين الجديدة نحتاج إلى نموذج جديد تماماً ينطوي على التفكير فيما يشكل فوزاً للصين دون أن يترجَم إلى خسارة للولايات المتحدة.

أناقش في كتابي هذه المسألة من منظور الشركات الكبرى؛ هل نحن عملياً شركات عالمية مقرها في أميركا؟ أم أننا شركات أميركية تعمل على مستوى العالم؟ من المهم للشركات أن تتخذ قراراً سريعاً بشأن هويتها وعلاقتها بالصين لأن الصين تطور نهجها الخاص بها، في حين أن أميركا لم تتبنَّ نهجاً متماسكاً بعد.

أدي إغناطيوس: لدينا سؤال من (راهول) من بيون في الهند. في أثناء قيادة هذه الزعزعة ومعاملتها، كيف يمكنك تحديد الأهداف الشخصية والتنظيمية مع محاولة مواكبة القوى المزعزعة؟

أندرو ليفريس: لقد فكرت ملياً في هذا الأمر، خاصة أنني تلقيت من التوجيه والتدريب المهني ما يكفي، ولذلك أدركت القيمة الهائلة في ذلك! إنها القدرة على إدارة ما أسميه الحياة المتكاملة بدلاً من الحياة المتوازنة. أعتقد أن كلمة “توازن” كلمة سيئة، لأنها تعني التأرجح أو الاختيار بين نقيضين.

للإجابة عن سؤالك يا راهول، تخيل الحياة كأربع أوعية أو دلاء، لديك ما يكفي من الماء لملء دلوين حتى الحافة، تمثل هذه الدلاء الذات والعائلة والأصدقاء والعمل أو الأنشطة المهنية. أنت الآن في حياتك يجب عليك أن تتخذ خياراً واعياً في نسبة توزيع الماء على هذه الدلاء.

هل توزعها بالتساوي بين الدلاء الأربعة في جميع الأوقات؟ أو هل تفعل كما فعلتُ فتعطي الأولوية لجوانب مختلفة من حياتك بناءً على مرحلة حياتك الحالية واعتماداً على مكانك الحالي في مسارك المهني وظروفك الحياتية، وما إذا كان شريكك يعمل بدوام كامل خارج المنزل؟ هذه خيارات يتعين على المرء اتخاذها بوعي، مع العلم أن هناك مقايضات متضمنة في جميع الأوقات.

حتماً يمكننا اليوم في عالم الاجتماعات الافتراضية والعالم الرقمي أن نعمل في بيئة مختلفة تماماً. يمكننا الآن العمل من المنزل بسهولة أكبر، ولكن لطريقة العمل الجديدة هذه تحدياتها المرتبطة بها أيضاً.

كنت دائماً أضع في اعتباري ما هو الأكثر أهمية لي، وعملت قائمة بهذه الجوانب، واحتفظت بتلك القائمة في مكان يمكنني الوصول إليه بسهولة. كانت هناك أوقات عليّ التركيز فيها على جانب معين من حياتي أكثر من الآخر، ولكن كنت أعلم أن ذلك موقف مؤقت. وفي  بعض الأوقات -مثل الأزمات في داو- كان يجب أن أركز جلّ انتباهي ووقتي على العمل، ولم يكن لدي الوقت لعائلتي أو أصدقائي ولا حتى لنفسي.

لا بأس من إجراء هذه التعديلات المؤقتة، ما دمت تضع أهدافك ذات الأولوية طويلة المدى في الاعتبار في جميع الأوقات. إنّ البعض يسمي تلك الأهداف طويلة المدى “الدليل المرشد” ويعتقدون أن قيمهم وأولوياتهم يجب أن تتوافق مع هذه الأهداف.

أدي إغناطيوس: أريد أن أسألك عن دورة الألعاب الأولمبية القادمة في بريزبن. لا يزال موعد الأولمبياد بعيداً، ولكنك تقود بالفعل اللجنة المنظمة. كيف بدأت التفكير في تنظيم أولمبياد بريزبن؟ هل لديك حقاً فكرة عما تريد أن تكون عليه هذه الألعاب، وكيف تريد أن يدرك الناس المدينة وهويتها؟ هل هناك بعض الأفكار الأولية التي يمكنك مشاركتها؟

أندرو ليفريس: إنه لشرف عظيم أن يُطلب منك قيادة الألعاب الأولمبية الثالثة في بلدك! إن إضافة أستراليا لثلاث دورات من الألعاب الأولمبية يُعد إنجازاً هاماً بالنظر إلى حجمها!

أستراليا بلد شغوف بالرياضة ويحبها وأنا أؤمن أنكم جميعاً تلاحظون ذلك في بطولة كأس العالم للسيدات المقامة هناك هذه الأيام، فقد حققت نجاحاً مذهلاً وجذبت الكثير من الناس والمتفرجين الجدد. إنّ الشغف بالرياضة هو سمة مميزة للأستراليين!

إن شغفي ببلدي الأم الذي وفّر لي أساساً لبناء مسيرتي المهنية لم يتضاءل قطّ! لقد كنت دائماً أسترالياً، وكذلك أميركياً، ولي جذور يونانية أيضاً، وقد حاولت أن أكون صادقاً جداً مع تلك الهويات.

عندما طُلب مني قيادة الألعاب الأولمبية، طرحت في الواقع السؤال الذي يطرح نفسه الآن: “ما هو هدفنا النهائي هنا؟ هل هو إقامة حدث رياضي لمدة أسبوعين يشمل الألعاب الأولمبية والبارالمبية فحسب، أم أنه سيترك إرثاً دائماً؟

ثم عندما تحدثت إلى اللجنة الأولمبية الدولية عن معاييرهم الجديدة، علمت أنها تركز على الإرث الاقتصادي والمجتمعي. في حالة أستراليا، يتعلق ذلك بالجانب الاجتماعي من الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بقدر ما يتعلق بالجانب البيئي. الهدف ليس أن يكون أولمبياداً نظيفاً وأخضرَ مع تأثير إيجابي على المناخ فحسب، بل شاملاً أيضاً لجميع الثقافات والسكان وبخاصة الأستراليون الأصليون الذين يمتلكون ثقافة عمرها 60 ألف عام.  هناك تركيز على خلق إرث اقتصادي بواسطة تحفيز اقتصاد جنوب شرق كوينزلاند قبل الألعاب الأولمبية وبعدها.

نسمي هذا النهج نموذج (10 + 10)، وهو بمثابة عرض عمل تجاري وحلّ طويل الأمد. إنه إجابة على السؤال الذي طُرح عليّ بشأن الأمثلة القصيرة الأمد والأمثلة الطويلة الأمد. الألعاب الأولمبية هي مثال رائع! لقد مُنحنا 10 سنوات للتخطيط لهذا الحدث؛ سنخصص السنوات الثلاث الأولى للتخطيط الدقيق، وفي السنة الرابعة أو نحو ذلك، سنستكشف الجوانب التي سيراها الناس على أنها عناصر واضحة للألعاب الأولمبية، مثل التميمة الأولمبية وحفلات الافتتاح والمتطوعين والبضائع.

نحن ندرس المعايير التي تُوضع في لوس أنجلوس وباريس استعداداً للأولمبياد الذي سيجرى فيها لنرى ما يفعلونه فيما يتعلق بهذه الركائز، ونضع خطة شاملة بهدف تحسين رفاهية سكان أستراليا وجنوب شرق كوينزلاند وبريزبن. إنّ بريزبن مدينة من الدرجة الثانية، ومن النادر أن تستضيف مثل هذه المدن الألعاب الأولمبية. فالهدف هو رفع مكانة بريزبن على المسرح العالمي وعدم فقدان هذه الميزة.

أنا أفكر حقاً في ذلك! وأولئك الذين زاروا أستراليا منكم يعرفون ما أنا على وشك قوله، وأولئك الذين لم يأتوا إلى أستراليا ليأتوا ويرَوا بأنفسهم. أستراليا قوة عظمى في نمط الحياة؛ فهي دولة غنية  توفر لمواطنيها توازناً جيداً بين العمل والحياة مع بعض الاستثناءات، فقد ذكرت الأمم الأولى السكان الأصليين الذين قد لا يستفيدون بالقدر نفسه.

نحن قوة عظمى في نمط الحياة، لأن بلدنا جميل وفيه العديد من المواقع الجميلة في جميع أنحاء البلاد، من (غولد كوست) إلى (بريزبن) إلى (صن شاين كوست) التي تحتوي بعضاً من أجمل الشواطئ والمناظر الطبيعية الخلابة في العالم، ومن ذلك الغابات المطيرة. إن الهدف هو إبراز مدينة بريزبن والمنطقة المحيطة بها بصفتها مكاناً جذاباً للعيش أو الزيارة أثناء الألعاب الأولمبية.

أدي إغناطيوس: أعلم أن الوقت ينفد، لكنني أريد طرح هذا السؤال من (دونا) في ألاباما بالولايات المتحدة. لقد ذكرتَ مفهوم الموقف المربح للجانبين فيما يتعلق بالصين، لكنني أعتقد أن المفهوم ذو قيمة لك على نطاق أوسع من حيث الأعمال والعمل التعاوني. كيف يمكننا جميعاً تغيير طريقة تفكيرنا للتركيز على المواقف المربحة للطرفين في الوقت الذي تعلمنا في كلية إدارة الأعمال وأماكن أخرى طريقة مختلفة تماماً؟

أندرو ليفريس: إنه سؤال رائع يا دونا! وأنا سعيد جداً لأنه جاء تقريباً في نهاية الحلقة. أريد بدايةً أن أؤكد أن كتابي يبدأ بالتفاؤل ويختتم به! أقول لنفسي أحياناً: لماذا ألفت هذا الكتاب؟ كان بإمكاني كتابة سيرة ذاتية على الرغم من أنه لن يشتريها كل شخص! ولكن كان من دواعي سروري أن أكتب قصتي على أي حال.

إن سؤالك هذا كان في حسباني عندما ألفت كتابي. من وجهة نظري نشهد اليوم الكثير من الاختلاف، وقد ذكرت ذلك في البداية. يجب أن يبدأ التقارب وينتهي بالفكرة التي ترى أن التغيير يجب أن يحدث بالمحادثات، والمشاركة في المناقشات، واتخاذ قرارات مستنيرة، وتعزيز العقلية التصاعدية (من القاعدة إلى القمة) في اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وهذا لم نشهده منذ فترة طويلة.

أسميه في كتابي مفهوم التمحور حول المجتمع والتمحور حول المنطقة. أعتقد أن النظام العالمي قد تعرض للتحدي الآن لدرجة أننا جميعاً لم نعد نثق به، وقد تطرَّقَ سؤالك إلى الصين وانعدام الثقة في الحكومات. إنّ هذا الموقف يستدعي نوعاً مختلفاً من رجال الأعمال والقادة السياسيين، نوعاً ينبثق من الجيل التالي الذي سيتبنى التغيير ويعمل على خلق عقلية التفاؤل وإيجاد الحلول. هذا هو التقارب الجديد، أو لنقل نموذج العمل التعاوني الجديد. دعونا ننحي خلافاتنا جانباً، وخاصةً تلك التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، ودعونا نعمل معاً لإيجاد عقلية للحلول تفيد الجميع في المجتمع، وليس شرائح معينة منه فحسب.

أدعو الشركات في كتابي للأخذ بزمام المبادرة في إيجاد الحلول، وقد لاحظت أن هذا يحدث فعلاً؛ فالكثير من الرؤساء التنفيذيين الآن يأخذون بزمام هذه المبادرة، ويواجهون الكثير من الانتقادات في الجدل الدائر حول الصحوة اليسارية، وهذه الانتقادات هراء! ويستغل بعض المرشحين السياسيين ذلك الجدل لتحقيق مكاسب خاصة. أعتقد أننا يجب أن نتحلى بالشجاعة للوقوف شامخين، وأن نتفاءل بشأن إيجاد حلول شاملة تنطوي على طرق جديدة لتعزيز الرخاء الاقتصادي للجميع، وكيفية تحقيق ذلك في إطار نموذج (ميلتون فريدمان)، إطار تنجح فيه الديمقراطية والرأسمالية معاً ولا تنفصلان مطلقاً. ولذلك أحتاج إلى أشخاص مثلك للتقدم والمشاركة في إيجاد الحلول.

دعونا نحدد قواعد اللعبة في القرن الحادي والعشرين. وآمل أن يرسي هذا الكتاب الأساس لذلك، وأنا ملتزم بمواصلة هذا الحوار، لكنني أحتاج إلى الدعم من أشخاص مثلك لإيصال رسالتي.

أدي إغناطيوس: هذا رائع، أندرو. شكراً لانضمامك إلينا. قدمت الكثير من الأفكار الملهمة حقاً ومنحتنا شعوراً جيداً بالتوازن فعلاً.

أندرو ليفريس: شكراً لك. شكراً جزيلاً لك أدي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .