دراسة حديثة تكشف أفضل الخطوات العملية لإدارة التغيير بنجاح

5 دقيقة
مبادرات التغيير
بي شاتر بي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أجرى المؤلف تحليلاً على فرق المشاريع في 257 شركة لتحديد أسباب تحقيق نسبة 60% فقط من القيمة المخطط لها في مبادرات التغيير، مركزاً على أربعة عوامل رئيسية: التواصل الأولي الفعّال (“إتقان صياغة المذكرات الإدارية”)، وضمان إمكانية الوصول إلى الموارد والتمتع بالاستقلالية (“التحكم بالوسائل”)، واستخدام آليات لمواءمة الإجراءات مع الأهداف (“التعزيز بالآليات”)، والقياس الاستراتيجي للتأثير في النتائج المستقبلية (“القياس بهدف احتساب الأثر”). تؤكد هذه العوامل أهمية الرسائل الواضحة والموثوقة التي تلامس المشاعر، وضرورة توفير الموارد المناسبة للفرق ومنحها الاستقلالية واستخدام آليات تعزيز الشفافية والدقة، ودور القياس في التكيّف وتحسين عملية التنفيذ. يؤكد هذا النهج الشامل أهمية عملية التنفيذ في تحويل فكرة ما إلى قيمة فعلية.

النظر في نتائج قرار إجراء عملية تغيير كبيرة مهم بقدر أهمية صناعة هذا القرار، إذ تشير البيانات الموثّقة إلى أن مبادرات التغيير لا تحقق سوى نسبة 60% من القيمة المخطط لها في المتوسط. إلام تُعزى نسبة الـ 40% “المفقودة” إذاً؟

أجريتُ تحليلاً على فرق المشاريع المُكلّفة بتنفيذ مبادرات التغيير في 257 شركة في العالم، وذلك بعد التحكم في عاملَين: القدرة على اتخاذ القرارات، وقدرات المواهب؛ وتوصلتُ إلى 4 عوامل تفسّر الفجوة بين النوايا المُفصح عنها في خطة التنفيذ والقيمة المتولدة من تنفيذها بفعالية. هذه العوامل هي: إتقان إنشاء المذكرات، والتحكم بالوسائل، والتعزيز بالآليات، والقياس بهدف احتساب الأثر.

أتقن إنشاء المذكرات

يُحدد التواصل الأولي نظرة الموظفين إلى عملية التغيير؛ فالرسالة الواضحة والمُقنعة تؤثر في عملية التنفيذ بثلاث طرق: أولاً، تسهم في توضيح التوقعات للجميع وتحديد مسار تحقيقها. اعتاد مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس، طلب مذكرات سردية مُصاغة “بجمل حقيقية تضم أفعالاً وأسماءً” عند عرض التحديثات المهمة، لأن هذه هي الطريقة التي يُعالج بها الدماغ المعلومات.  تسهم المذكرات الفعالة في تبديد الغموض وتساعد الفرق على وضع هدف مشترك، وتزيد فعاليتها عندما تحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها في المستقبل القريب. والطريقة الأمثل لتحقيق ذلك هي استخدام ثلاثة عناوين فرعية في المذكرة: الوضع الحالي والخطوات التالية والخطوات المستقبلية.

ثانياً، تبثّ الرسالة الافتتاحية القوية الثقة لدى الفريق بأن مسار التنفيذ الذي تتبناه يستند إلى تفسير منطقي قوي، ولإجراءات التنفيذ ثلاثة أنواع، تعزيز المسار الحالي أو إعادة تصميم الأنشطة لمواصلة المسار الحالي أو الانتقال إلى مسار مختلف، كما يجب دعم الإجراءات المطلوب اتخاذها بشرح واضح حول كيفية اتخاذ القرار وأهميته. يتطلب التواصل الفعّال حول التغيير تحمّل عبء الإثبات ومشاركة قصة مقنعة مرتكزة على أفضل الحقائق المتاحة بدلاً من الاعتماد على امتياز السلطة.

أخيراً، اتخاذ خطوة جديدة أصعب من عدم اتخاذ أي خطوة على الإطلاق، لذلك فالحوافز تولّد الدافع لتحويل الأقوال إلى أفعال، يوفر الموظفون جهودهم من أجل تنفيذ الأعمال المهمة (“التي يجب أداؤها”) والهادفة (“التي يتنافسون في أدائها”). وعندما تكون الحوافز محددة بوضوح ويثق الأفراد بها وترتبط بممارسات يرونها ذات قيمة وجدوى، يزيد حافزهم لبذل مزيد من الجهد.

يساعد هذا النهج على تقييم جودة الرسالة عند بدء خطة تنفيذ التغيير:

  1. قابلية التنفيذ: هل تقدم الرسالة توقعات معقولة وتصف المسار الذي سيتبع في التنفيذ بتوضيح كل منالوضع الحالي والخطوات التالية والخطوات المستقبلية؟
  2. المصداقية: هل توضح الرسالة التفسير المنطقي للقرار المتّخذ؟
  3. التأثير العاطفي: هل توضّح الرسالة الحوافز ذات الصلة؟

إتقان استخدام الوسائل

على الرغم من امتلاك أعضاء فرق المشاريع آراءً قوية بشأن رغبتهم في تحقيق التغيير، يمتلك معظمهم ثقة متوسطة إلى منخفضة في قدرتهم على الوصول إلى الموارد المناسبة لإنجاز المهام أو في تمتعهم بحرية العمل والاختيار لإنجازها، وتمثّل الرأي الأكثر شيوعاً بينهم في عبارة: “في أغلب الأحيان لا نمتلك الوقت الكافي أو الأدوات المناسبة أو الحرية لإنجاز المشروع بكفاءة”.

وبحسب بحوث علم الأعصاب الناشئ، يكون الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يمتلكون المهارات المناسبة لأداء عمل معين ويتمتعون بحرية تطبيق تلك المهارات أكثر قدرة على حل المشكلات والتعامل معها بفعالية. صحيح أن تكليف الأفراد بأداء مزيد من المهام باستخدام موارد أقلّ هو أمر شائع، إلا أن سؤالهم عما يحتاجون إليه لتحقيق الهدف قد يُسهم في توليد النتائج المرجوة. تعتبر شركة تجارة التجزئة البريطانية المتعددة الجنسيات ماركس آند سبنسر (Marks & Spencer) هذه الممارسة مفيدة سواء في بداية المشروع أو خلال اللقاءات الدورية. كما صممت شركات جوجل وماستركارد (Mastercard) وإنفيديا (Nvidia) نهجاً مخصصاً لجمع آراء الفرق المكلّفة بتنفيذ مشاريع التغيير بشأن كيفية توفير الموارد، والميزة المشتركة بين هذه الشركات هي تحقيقها عوائد عالية ومعدلات التزام وظيفي أكبر من نظيراتها دائماً.

التعزيز بالآليات

حين يكون التحسين هو الهدف ولكن مجرد الالتزام بالنهج المحدد له لن يكفي لتحقيقه، يكون من المفيد تبني آليات التعزيز التي توضح جهود التنفيذ من خلال زيادة الشفافية والدقة وتوزيع السلطة.

تُعد سياسة شركة كوستكو (Costco) “ضمان الرضا التام من دون مخاطر” (Risk-Free 100% Satisfaction Guarantee) مثالاً على تلك الآليات؛ فهدفها من عملية التنفيذ هو أن تكون شركة التجزئة الرائدة في تقديم تجربة العميل المميزة. تعتمد الشركة بالفعل واحدة من أكثر سياسات الإرجاع سخاءً في القطاع لدعم هذا الهدف، وهي تمنح بآليتها هذه السلطة للعملاء كي يستخدموها في أي وقت. تعمل شركة كوستكو في مجال البيع لا الإرجاع، لكنها لا تنتظر أن يبلغ عدد عمليات الإرجاع حداً معيناً كي تتخذ إجراءات جادة لتقصي سبب عدم رضا العملاء عن المنتج، وهي بذلك تربط هدفها بإجراءاتها مباشرة.

ضمانات استعادة الأموال هي واحدة فقط من آليات التعزيز المتنوعة؛ على سبيل المثال، وضعت شركة فاميليا (Familia) في أميركا اللاتينية -التي استحوذت شركة إيسيتي (Essity) السويدية على أغلبية الأسهم فيها عام 2021- هدفاً يتمثّل في الفوز بجائزة أفضل خدمة عملاء في المنطقة، فاضطرت إلى إعادة التفكير في طرق سريعة لجمع معلومات حول حالات النجاح والفشل في الخدمة ومشاركتها بشفافية، ما تطلب منها التعامل مع الحقائق الصعبة في أثناء ذلك، وفازت بالجائزة عدة مرات حقاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

فلنأخذ أمثلة أخرى على آليات التعزيز من الحياة اليومية: تطبيقات تتبع عادات نمط الحياة وتطلق تنبيهات تذكير، والمجموعات التي تهدف إلى التشجيع على خسارة الوزن، وتكنولوجيات ضبط الميزانية التي تقدم للمستخدمين تنبيهات حين اقترابهم من حدود إنفاقهم المحددة. تسهّل هذه الآليات على متبنيها مواءمة سلوكياتهم مع النتيجة التي يرجون تحقيقها.

على الرغم من اختلاف أنواع آليات تحسين عملية التنفيذ باختلاف حالات الاستخدام، سيعود طرح 3 أسئلة مهمة بالفائدة على الجميع: هل ترفع الآلية المعتمدة مستوى الشفافية أم تخفضه؟ وهل تعزز مستوى الدقة في التنفيذ أم تقلصه؟ وهل تركز السلطة في يد جهة معينة أم توزعها على عدة جهات؟

القياس بهدف احتساب الأثر

بوسعنا أن نقول: “قل لي ماذا تقيس أقل لك من أنت”، وهذه مقولة مفيدة ولكنها غير كافية؛ من المهم أن ندرك أن القياس الفعّال ليس مجرد عملية تسجيل للأحداث الماضية، بل هو أداة فعالة لتوجيه الجهود نحو تحقيق الهدف.  ولذلك يجب أن تأخذ استراتيجيات القياس في الاعتبار احتياجات كل مرحلة من مراحل التنفيذ بدلاً من التركيز على النتائج النهائية بغض النظر عن تأثيراتها.

من الضروري الحصول على معلومات دقيقة حول الاتجاه العام لمشروع التغيير خلال الفترة القصيرة الفورية التي تلي عملية التنفيذ؛ ويجب جمعها قبل أن يصبح بالإمكان توقع النتائج، لذلك يجب أن تركز عمليات القياس على جودة الإجراءات الأولية. على سبيل المثال، إذا كان هدف التغيير لدى فريق المبيعات هو زيادة نمو الإيرادات سنوياً بنسبة 20%، فأول ما يجب قياسه هو جودة الإجراءات التي يتوقع أن تحسّن عمليات المبيعات. تتشابه هذه الإجراءات الأولية مع عملية إصلاح الطائرة مسارها فور مغادرتها المطار وليس في منتصف الرحلة، ما يُتيح التكيّف الفوري مع التغييرات المطلوبة.

نتائج الإجراءات الأولية تعكس فعاليتها. وبالعودة إلى مثال فريق المبيعات، بدلاً من التركيز على الأنشطة الكمية -مثل عدد الاجتماعات المخطط لها أو المكالمات أو الاجتماعات المعقودة، التي قد تغري فريق المبيعات للتعتيم على مسارات المبيعات التي يعملون فيها بأنشطة مشبوهة أو تجنب تحمّل المسؤولية- تركز عمليات القياس هذه على النتائج، مثل عمليات الشراء أو استعادة عملاء سابقين أو كسب عملاء جدد عن طريق الإحالات أو تحديد العملاء غير المهتمين بالخدمة. تركز عمليات القياس المتقدمة على التقدم نحو الهدف، وتوفر رؤى ثاقبة حول العائد على الإجراءات الأولية، وتبرر منح المكافآت لتحفيز الفريق.

ثم تحسب عملية القياس نتيجة جهد التنفيذ النهائية نسبة إلى الهدف. ينطوي ترتيب الخطوات إلى “الإجراء” و”الأداء” و”النتائج” على فائدتين إضافيتين على الأقل إلى جانب ما ذكرناه، فعندما يركز القياس على السياق ويجرى خلال فترة تنفيذ المشروع وفي نهايته، سيؤدي إلى تسريع فهم طبيعة العلاقة بين جودة الإجراءات الأولية والنتائج التي تولدها بفضل تحسّن الشفافية وتوفّر بيانات أكثر فائدة. وتُسهم عملية القياس في تشكيل الممارسات بطريقة تؤثر إيجاباً على النتائج المتوقعة، وهو أساس عملية التكيّف الفعالة. ويعود هذا النهج بالفائدة على جوانب متعددة، بما فيها القيمة المتولدة من التغيير والوقت المستغرق لتحقيق هذه القيمة.

عندما طرحت مجموعة من المؤسسين سؤالاً حول كيفية إدارة مخاطر سرقة الأفكار، تذكر أحدهم رد الراحل ستيف جوبز: “التركيز على مخاطر سرقة الأفكار خطأ، لأن القيمة تأتي من التنفيذ”، بمعنى أنه ثمة عدة نقاط تحوّل بين فكرة اتخاذ إجراء ما وتحقيق أقصى فائدة منها. فالتنفيذ الفعّال هو الذي يُسهم في جعل نقاط التحوّل هذه تصب في صالح المشروع، وقد يُسهم تحسين ممارسات التنفيذ الأربع هذه في إنجاح المشروع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .