شهد الكثير من القطاعات والأسواق تغيرات جذرية خلال عام 2020، ولم تكن سوق الأسهم الخاصة استثناء منها. فكيف ستتأثر الملامح الرئيسية لاستراتيجيات الأسهم الخاصة في عام 2021 بأزمة "كوفيد-19" وما نجم عنها من تباطؤ اقتصادي؟
توقع المستثمرون حدوث عملية تصحيح للسوق في 2020 بعد عام مشهود للأسهم الخاصة في 2019، واتجهوا بالتالي إلى توخّي الحذر بصورة عامة في نهجهم الاستثماري واستراتيجيات التداول. وما لبثت أزمة "كوفيد-19" أن دهمت العالم مطلع عام 2020، وأخذت سوق الأسهم الخاصة تتأثر شيئاً فشيئاً بانتشار الفيروس بداية من الربع الثاني من عام 2020 وحتى الآن، حيث شهدنا توقف الصفقات مؤقتاً، ما أدى إلى وصول السيولة المالية إلى 1.5 تريليون دولار أميركي على مستوى العالم في نهاية الربع الثاني من عام 2020، ووجّه المستثمرون تركيزهم لدعم الشركات ضمن محفظتهم من الناحية الاستراتيجية والمالية بحسب الحاجة. ويُرجَّح أن يستمر هذا النهج العملي خلال عام 2021، وتحديداً في القطاعات الأكثر تضرراً.
رأينا خلال الربع الثالث علامات تدل على انتعاش في بعض القطاعات. أدى ذلك إلى تعافٍ ملحوظ في الأسواق المالية، ومنها سوق الأسهم الخاصة التي يُعتقَد أنها ستستفيد على الأرجح من هذا الوضع على المدى البعيد. ونتوقع على المدى المنظور أن يظل رأس المال المرن مهيأً للاستفادة من تصحيحات السوق الوشيكة. لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه حالياً هو: كيف يمكننا بناء محافظ استثمارية مرنة تستطيع الاستفادة من مجالات الاستثمار المتنوعة والتخفيف من حدة تقلب الأسواق؟
التركيز على القدرة على التحمل من زاوية جديدة
تسببت أزمة "كوفيد-19" في استحداث تصور جديد لإدارة المخاطر وطريقة إدماجها في إبرام الصفقات الجديدة وتقييمها، إلى جانب المعايير المالية والأساليب التقليدية في تقييم المخاطر. إذ يحتاج المستثمرون حسب المعايير الجديدة إلى تعميق عمليات الفحص النافي للجهالة فيما يخص الجوانب التجارية والتشغيلية مع التركيز على بعض الجوانب الرئيسية من زاوية جديدة، مثل سلاسل التوريد وقنوات المبيعات واستقطاب العملاء وقوة العمل والرقمنة. ولا شك في أن المستثمرين يولون اهتماماً أكبر بنماذج العمل التي أثبتت قدرتها على التحمل والصمود خلال الجائحة.
بناء محفظة استثمارية متوازنة والحفاظ عليها
تقوم عملية الاستثمار في الأسهم الخاصة على التنويع والتوازن، إلى جانب الصبر، في عام 2021 وما بعده. ووفقاً لتقرير "التوقعات العالمية للأسهم الخاصة لعام 2021" الصادر عن شركة "ديكرت إل إل بي" (Dechert LLPs)، فإن عدد المشاركين في الاستقصاء الذين قالوا إنهم سينوّعون فئات أصولهم على مدار الـ 12 إلى 24 شهراً المقبلة شهد انخفاضاً مقارنة بالعام الماضي، لكن معظمهم (57%) لا يزال يتطلع إلى التنويع. وتقع فئات الأصول ذات الأولوية القصوى ضمن القطاعات المتخصصة (32%)، يليها الاستثمار المؤثر (23%) والإقراض الخاص (23%). ويتسبب الدافع لتنويع الأصول في تعزيز القدرة على خدمة المستثمرين ذوي التوقعات المختلفة فيما يخص المخاطر والعوائد، إضافة إلى الاستثمار على كافة مستويات هيكل رأس المال.
وقد أسهم تنويع القطاعات على مستوى المحافظ الاستثمارية في مساعدة المستثمرين على الصمود في وجه تأثير الجائحة. وهكذا، تم تصنيف الاستثمارات إلى 3 مجموعات: القطاعات التي تأثرت سلباً، مثل قطاعات التجزئة والترفيه والسفر، والقطاعات التي تأثرت إيجاباً نتيجة زيادة الطلب على منتجاتها أو خدماتها، والقطاعات التي احتلت مرتبة متوسطة فيما بينهما. لذا، يجب أن يحرص المستثمرون الآن أكثر من أي وقت مضى على الاستفادة من مزايا تنويع القطاعات عند بناء محافظهم الاستثمارية.
استهداف مناطق عالية النمو
نلحظ اليوم فرصاً متاحة في مناطق النمو المرتفع، مثل جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. ويستند تركيزنا القطاعي والإقليمي على عوامل اقتصادية كلية وديموغرافية مواتية، مثل ضخامة حجم السوق في هذه المناطق والتوسع الحضري المتزايد داخل هذه الأسواق وزيادة عدد الأفراد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة الناشئة مع ارتفاع الدخل المتاح، وهو ما يتيح استدامة الطلب في هذه البلدان. ونعتقد أن مثل هذه الأسواق عالية النمو ستتيح فرصاً كبيرة للاستثمارات الجديدة والتي تهيئ الفرصة أمام المستثمرين لاستغلال هذه الأوقات غير المسبوقة والخروج منها أقوى مما كانوا عليه في السابق.
الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية
سلطت أزمة "كوفيد-19" الضوء على نقاط الضعف في القطاعات الأساسية التي لها أثر مباشر على حياتنا اليومية ومجتمعاتنا بشكل عام، حيث تمثل هذه القطاعات وعلى رأسها قطاع الرعاية الصحية والتعليم وسلاسل التوريد، فرصاً مربحة للاستثمارات الخاصة التي يمكنها تلبية الاحتياجات وسد الثغرات وتشكيل سلسلة قيمة متماسكة وقادرة على التصدي للأزمات.
تحديد أوجه التآزر والاستفادة منها
يعتمد المستثمرون الشراكات المحتملة وأوجه التآزر بين الاستثمارات الجديدة وشركات المحافظ الاستثمارية الحالية، بالإضافة إلى بناء محافظ استثمارية متوازنة ومرنة في مجموعة من القطاعات والمناطق الجغرافية. فقد تسمح لنا الاستثمارات الجديدة بتحقيق الكثير من أوجه التعاون والتآزر، بما في ذلك تحقيق وفورات الحجم والقدرة على البيع المتقاطع أو الارتقاء بالبيع ودمج الحلول أو التقنيات الجديدة في أعمالنا الحالية. يشار في هذا السياق إلى أننا ندير في شركة الهلال للمشاريع 4 منصات مختلفة تعمل معاً بطريقة تآزرية لتطوير أعمال مبتكرة ومستدامة ومربحة.
دمج المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة في تحليل الاستثمار
نظراً للضعف المتزايد الذي تواجهه الشركات في مختلف أنحاء العالم بسبب المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة، فمن الأهمية فهم الدور المحوري الذي تلعبه المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في حماية الاستثمارات والشركات، واعتماد ممارساتها التقدمية. فقد تفوّق ما يقارب 6 من أصل 10 صناديق مستدامة على الصناديق التقليدية المماثلة على مدار العقد الماضي، وفقاً لدراسة أُجريت بواسطة شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar) للأبحاث حول الأداء طويل الأجل لعدد 745 صندوقاً مستداماً أوروبياً.
علاوة على ذلك، فقد أضحت تدابير التخفيف من المخاطر التي يشكلها التغير المناخي والبيئي موضوعاً مطروحاً للنقاش الدائم في المنتديات العالمية وغرف اجتماعات مجالس الإدارة. وقد أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي مستنداً تعريفياً حول قياس رأسمالية أصحاب المصلحة حدد فيه مجموعة من مقاييس رأسمالية أصحاب المصلحة وإفصاحاتها التي يمكن استخدامها لتوحيد تقارير الشركات حول الأداء ومواءمتها مقابل مؤشرات أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة، وتتبع الإسهامات نحو أهداف التنمية المستدامة على أساس ثابت.
ونشدد في شركة الهلال للمشاريع، بصفتنا مستثمراً مسؤولاً، على تضمين المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة في عملياتنا الاستثمارية، ونتخذ تدابير داخلية تحكم الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في محفظتنا الاستثمارية. وقد كثفنا جهودنا في هذا المجال عام 2020 من خلال تحديد مجالات تركيزنا ومواءمتها مع أهداف التنمية المستدامة. ونحن على ثقة بأن اعتماد الإطار الذي وضعته أهداف التنمية المستدامة سيسمح لنا بتوليد عوائد مالية على الاستثمارات مع إحداث تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي دائم في المناطق التي نمارس فيها أعمالنا.