تعتبر أعوذ بالله من كلمة أنا من الأقوال الدارجة. ويبدو أن بعض الناس يتمتعون بقدرة مذهلة على التزام الهدوء والعقلانية مهما حصل لهم. إنهم يتخذون قرارات جيدة وواضحة بكفاءة منقطعة النظير، بينما يهدر معظمنا طاقته مذعوراً وذلك خوفاً من المهام الملقاة على عاتقه، أو الشعور بالضياع الكامل، أو رفض تجاوز حالات الفشل التي واجهتنا.
أعوذ بالله من كلمة أنا
يبدو أن هؤلاء الأشخاص ذوي الأعصاب الباردة يتقنون المضي قدماً في الحياة، بينما نغرق نحن في عادة التفكير وهي خصلة بشرية متأصلة. فهل يمكننا يوماً أن نصبح مثلهم، ولا سيما أن الهوّة الفاصلة بين هذين النوعين من البشر تبدو واسعة ولا يمكن ردمها؟ ما دور استعمال الضمائر في النقاش بهذا الصدد؟
لا هذا غير صحيح. يمكننا العبور فوق هذه الهوة عبر تغيير بسيط في اللغة التي نستعملها. "أنت" أو "هو" أو "هي"، أو حتى من خلال استعمال اسمك.
يتوقف الأمر على الطريقة التي نتحدث بها إلى أنفسنا، وهذا فعل نلجأ إليه غالباً، ولا سيما عندما تواجهنا مهمة جسيمة وصعبة. هل تخاطب نفسك على النحو التالي: "إنجاز الأمر يعود إليّ أنا؟" أو تقول "أنا قادر على إنجاز هذه المهمة" أو أنك تقول: "الأمر يعود إليك" أو تخاطب نفسك باستعمال اسمك الشخصي.
تأثير استخدام الضمير "أنا" في النقاش
حاولت أنا وسبعة من زملائي مؤخراً - وهم جي وانغ بارك، وآليا بورسون، وآدريان دوغرتي، وهولي شابلاك، وريان بريمر، وجيسون موسير من "جامعة ميشيغان"، وإيما برولمان سينيكال من "جامعة كاليفورنيا" في بركلي – حاولنا الإجابة عن هذا السؤال عبر إجراء سلسلة من التجارب. وقد اكتشفنا أن توجيه الناس إلى التركيز على المشاعر العاطفية القوية باستعمال أسمائهم وضمائر أخرى غير ضمير المتكلم، مثل "أنت" أو "هو" أو "هي" ساعدهم دائماً في السيطرة على أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم.
على سبيل المثال، وجدنا في إحدى الدراسات أن المشاركين فيها الذين أشاروا إلى أنفسهم عند حديثهم مع أنفسهم بضمير الغائب (هو أو هي) أو استعملوا أسماءهم الشخصية في أثناء التحضير لخطاب مدته 5 دقائق كانوا أكثر هدوءاً وثقة، وكان أداؤهم أفضل في إنجاز المهمة مقارنة مع الأشخاص الذين أشاروا إلى أنفسهم باستعمال ضمير المتكلم "أنا" أو ياء المتكلم.
وقد امتدت تأثيرات الأمر إلى خارج نطاق التجربة أيضاً: فقد شعر الناس الذين استعملوا ضمائر أخرى غير ضمير المتكلم أو استعملوا أسماءهم بإحساس إيجابي أكبر تجاه أدائهم في أثناء الخطاب بعد انتهائه. وشعروا أيضاً بإحساس أقل بالخجل تجاه الخطاب ولم يفكروا فيه كثيراً. فهذا الإفراط في التركيز على تجارب الماضي لن يؤذي صحتك النفسية فحسب، وإنما سيؤثر في صحتك الجسدية أيضاً.
لم يكن مهماً ما إذا كان المشاركون في البحث قلقين أو هادئين لحظة انطلاق البحث؛ فقد استفاد كلا النوعين من الناس من هذا التحول الضمني في استعمال اللغة.
كما لم يكن هناك اختلاف أيضاً لمن استعملوا ضمائر الغائب أو أسماءهم الشخصية. بل الأمر الوحيد المؤثر كان ما إذا استعمل الشخص ضمير المتكلم أم لا.
تعتبر نتائجنا جزءاً صغيراً فقط من سلسلة كبيرة ومتواصلة من الأبحاث حول حديث المرء مع نفسه، واستعمال الضمائر في النقاش مثل أعوذ بالله من كلمة أنا والتي يثبت يوماً بعد آخر بأن لها تبعات بعيدة المدى من حيث تغيير كيفية تفكير الناس وشعورهم وسلوكهم. فعدم استعمال الناس لضمير المتكلم "أنا" لا يساعدهم فقط في تقديم أداء أفضل في حالات التوتر وفي التحكم بعواطفهم، وإنما يساعدهم أيضاً في التفكير بحكمة أكبر.
اقرأ أيضاً: العادات الست للمفاوضين الفعالين فقط.