دور القائد في كشف التكلفة الخفية لتسريح المواهب الأساسية

5 دقيقة
الكوادر البشرية
بول تايلور/غيتي إميدجيز

في خضم حالة عدم اليقين الاقتصادي والتقدم التكنولوجي السريع، يتعرض العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين لضغوط شديدة لخفض أكبر بنود الإنفاق لديهم، ألا وهو الكوادر البشرية. وعلى الرغم من أن بعض الإدارات قد تستفيد من إعادة الهيكلة المدروسة، فإدارات أخرى تواجه تداعيات أشد ضرراً بكثير، وهي فقدان المواهب المحورية في فرقها.

عندها يجد قادة الإدارات أنفسهم أمام تحد صعب؛ إذ يتعين عليهم إقناع كبار المسؤولين التنفيذيين، الذين قد لا يكونون على تماس مباشر مع العمليات التشغيلية اليومية، بأن الاستغناء عن موظفين محوريين قد ينطوي على مخاطر تفوق الفوائد بكثير. فمن الناحية النظرية، قد يبدو الاستغناء عن موظف معين إجراءً لتوفير التكاليف، لكن على أرض الواقع، يؤدي الاستغناء عن الموظفين المحوريين إلى تعطيل الزخم وتقويض الثقافة المؤسسية وتهديد نجاح المؤسسة على المدى البعيد.

من خلال خبرتنا في تقديم الاستشارات لعشرات الشركات التي واجهت مواقف مماثلة، حيث عملت كاثرين مدربة تنفيذية ومتحدثة رئيسية، وعملت جيني مستشارة تنفيذية وخبيرة في التعلم والتطوير المؤسسي، توصلنا إلى 3 استراتيجيات رئيسية تساعد قادة الإدارات على الاحتفاظ بأهم موظفيهم المحوريين خلال عمليات تقليص القوى العاملة.

1. ابدأ بتجهيز حجة مقنعة.

أثبتت الأبحاث أن أقل من 5% من الموظفين يمثلون أكثر من 95% من قدرة الشركة على تنفيذ استراتيجيتها وتحقيق أهدافها. ومن موقعك القيادي، عليك أن تقدم حجة مقنعة للاحتفاظ بشخص أساسي لنجاح الشركة. ويبدأ ذلك من الوضوح: من هو الموظف الذي لا تستطيع تحمل فقدانه؟ لا يتعلق الأمر بالمسمى الوظيفي أو مدة العمل، بل بمن يتولى مسؤولية تنفيذ الخطط المصيرية التي تعول عليها الشركة في تحقيق أهدافها الكبرى، ويؤثر في أجواء العمل بين زملائه، ويمتلك علاقات ومهارات لا يسهل الاستغناء عنها.

ينبغي أن تبدأ بتحديد الدور الذي يجعل ذلك الشخص محورياً لاستمرار العمل. على سبيل المثال، أعدت إحدى عميلاتنا، إميلي (نائبة أولى لرئيس شركة لشؤون التسويق والاتصالات)، خريطة استراتيجية ساعدتها على استيعاب العلاقة المباشرة بين مهام أحد مرؤوسيها وأهداف المؤسسة. أظهرت هذه الخريطة بوضوح العلاقات المتشابكة بين مسؤوليات الموظف والنتائج الاستراتيجية، وكشفت عن مواطن الخطر أو الزعزعة التي قد تنشأ في حال مغادرته.

فيما يلي نسخة مبسطة من هذه الأداة التي تستند إلى خريطة الاستراتيجية التي وضعها روبرت كابلان وديفيد نورتون. استخدمنا هذه الأداة مع العديد من العملاء لقياس الأثر عبر 5 محاور رئيسية نعمل في كل منها مع القادة على تحديد مستوى المخاطر التي قد تواجه العمل في الشركة إذا غادرها الموظف، مع تصنيفها إلى منخفضة أو متوسطة أو مرتفعة. ويعتمد كل تصنيف على توضيح تفصيلي يربط بين دور هذا الشخص وما تعتبره الشركة من أولوياتها القصوى.

إعداد الحجج للإبقاء على موظف رئيسي

أداة موجهة للقادة تمكنهم من تقييم 5 محاور أساسية لتحديد مستوى المخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسة في حال مغادرة الموظف، مع تصنيفها إلى منخفضة أو متوسطة أو مرتفعة.

المحورالوصفتقييم المخاطر (منخفضة أو متوسطة أو مرتفعة)
الإسهام في العملتأثير عمله في النتائج المحورية للمؤسسة، مثل الإيرادات أو الابتكار أو إدارة الأزمات.
التنسيق بين الفرق المتعددة التخصصاتقدرته على الربط بين الفرق وتسريع عملية صناعة القرارات، وتعزيز التنسيق بين مختلف التخصصات.
العلاقات الخارجيةقوة علاقاته الخارجية وتعذر الاستغناء عنها، ومنها علاقاته بوسائل الإعلام والعملاء والجهات الرقابية والشركاء المحوريين الآخرين.
الاستمراريةعمق المعرفة المؤسسية، وهوية العلامة التجارية، والسياق التاريخي الذي يحول دون تكرار المؤسسة لأخطاء الماضي.
الرمزية الثقافيةأثر بقائه (أو رحيله) على المعنويات والولاء والانطباعات حول الإنصاف داخل الفريق أو الشركة.
المصدر: جيني فرنانديز وكاثرين لانديز، منقول بتصرف من مقال "قياس الجاهزية الاستراتيجية للأصول غير الملموسة"، تأليف روبرت كابلان وديفيد نورتون.

في كل من هذه المحاور، نتعاون مع العميل لتحديد مستوى المخاطر المترتبة على فقدان ذلك الشخص، ثم نصوغ تعليقاً مختصراً يوضح دوافع التقييم. يمنح هذا التمرين القادة لغة دقيقة وأدلة عملية تجسد خطورة الموقف، ليس فقط على صعيد الأداء، بل تجسد أيضاً كيفية حماية الموظف لأهم الأولويات وتقليص المخاطر وضمان استمرار التقدم الاستراتيجي؛ فعندما تصبح الموارد محدودة وتطرح على الطاولة خيارات بالغة الصعوبة، لا يكفي مجرد القول إن شخصاً ما "ذو قيمة".

في إطار إعداد خريطة القيمة الاستراتيجية، استخدم أسئلة مثل هذه لتوضيح المواضع التي قد يؤدي غياب هذا الشخص فيها إلى إحداث زعزعة أو تأخير.

  • ما هي المبادرات أو الأولويات الرئيسية التي تعتمد على هذا الموظف؟ وما هي النتائج التجارية التي قد تتعطل أو تتعثر في غيابه؟
  • ما هي تكلفة الفرصة البديلة جراء فقدان علاقاته الخارجية، مثل العملاء والمستثمرين وجهات الاتصال الإعلامية؟
  • ما هو مقدار المعرفة المؤسسية التي يمتلكها والتي قد تستغرق إعادة بنائها أشهراً أو حتى سنوات؟ وهل أنتم مستعدون لخسارته لصالح إحدى الشركات المنافسة؟
  • ما هي الرسالة التي سيوجهها رحيل عضو فريق عالي الأداء ويحظى باحترام واسع؟ وهل يدفع ذلك الآخرين للتشكيك في جدوى العمل الجاد؟
  • كيف يسهم هذا الموظف في تسريع عملية صناعة القرار أو تقليل التوتر بين الفرق (مثل فرق المنتجات أو الشؤون القانونية أو التسويق)؟ وما هي المخاطر التي قد تنشأ إذا تزعزعت  هذه العلاقات؟

نجحت إميلي أخيراً في الاحتفاظ بهذا الموظف ضمن فريقها، على الرغم من المخاوف الأولية بشأن التكلفة. ومن خلال توضيح المخاطر التي تهدد أعمال الشركة وإبراز الموازنات الرئيسية، استطاعت مساعدة صانعي القرار على إدراك القيمة الطويلة الأمد للاحتفاظ بموظف ذي أثر كبير. وقد ارتكز نجاحها على الاستعداد المبكر وصياغة الحوار في إطار الأولويات الاستراتيجية، لا على أساس الأداء الفردي وحده.

2. استقطاب المؤيدين.

مهما كانت قوة دراسة الجدوى، فلا بد من الاستعانة بمؤيدين يدعمونها. بعد توضيح القيمة الفريدة التي يضيفها الموظف، تتمثل خطوتك التالية في تعزيز هذه القيمة عبر إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين ومواءمة جهودك مع أولوياتهم الشخصية. فالأمر لا يقتصر على المؤشرات الرقمية، بل يتعداها إلى فهم ما يهم صانعي القرار والمؤثرين الرئيسيين.

ابدأ بطرح السؤال التالي: من غيري يرى قيمة هذا الموظف؟ على سبيل المثال، ابحث عن زملاء في أقسام أخرى أو موجهين أو قيادات عليا أخرى ممن يمكنهم دعم موقفك. تواصلت إميلي مع رئيس قسم المنتجات ونائب رئيس الشركة للشؤون القانونية، وكلاهما أبدى استعداده لتأييد إسهامات مرؤوسها المباشر في مجالات ذات صلة. فعندما يعبر الآخرون عن دعمهم، وخاصة من هم في مستواك الوظيفي أو أعلى، فذلك يشكل رسالة قوية مفادها أن تأثير هذا الموظف يمتد إلى مختلف أرجاء المؤسسة.

بعد ذلك، تقدم خطوة إضافية وفكر فيما يهم القيادات العليا التي تحاول إقناعها، سواء كان الحفاظ على الإرث أو ترسيخ الولاء أو الحد من المخاطر. واحرص على صياغة رسالتك بحيث تتناغم مع أولوياتهم ورؤاهم. على سبيل المثال، إذا كان الرئيس التنفيذي للإيرادات يركز على التوسع العالمي، فأبرز كيف يدعم عمل الموظف هذه الأهداف ("قد يؤدي الاستغناء عنه إلى تأخير توسعنا في دبي عاماً كاملاً"). أو إذا كان الرئيس التنفيذي قد ربط مصداقيته بالابتكار، وكان هذا الموظف عنصراً محورياً في الخطة التوجيهية للذكاء الاصطناعي، فاجعل ذلك جزءاً من حجتك.

3. وضح الصورة.

بعد أن تحدد بوضوح أثر فقدان الموظف على مسار العمل وتدعم قضيتك بتأييد استراتيجي، تأتي الخطوة التالية المتمثلة في رسم الصورة الكاملة وتجسيدها في مخططات مرئية واضحة لمساعدة الإدارة العليا  على اتخاذ القرارات النهائية.

سمع أحد العملاء، ويدعى أليكس (رئيس قسم التكنولوجيا والعمليات)، إشاعة عن عمليات تسريح قادمة وانتابه القلق من احتمال فقدان واحدة من أكثر أعضاء فريقه موثوقية؛ لذلك أعد خريطة للقيمة الاستراتيجية حدد فيها 3 مجالات قد يسبب رحيلها آثاراً متسلسلة فيها، منها تأخير إطلاق نظام محوري موجه للعملاء يشكل جزءاً أساسياً من استراتيجية دخول الشركة إلى السوق، ثم حرص على أن يوضحها لقادة الشركة.

إليك كيفية صياغة حجة مقنعة:

  • أجر حوارات مباشرة. فالمحادثات الشخصية أو عبر الفيديو تمنحك فرصة الحصول على ملاحظات فورية، ما يتيح لك قراءة ردود الفعل وتعديل طرحك في اللحظة نفسها.
  • ركز على النتائج. وضح ما الذي ستجنيه الشركة من استمرار الموظف، مثل تجنب المخاطر أو زيادة الإيرادات أو توفير الوقت. لا تبدأ حديثك بالتأكيد على اجتهاده في العمل أو لطفه.
  • استخدم ملخصات واضحة ومرئية. فخريطة مختصرة للقيمة الاستراتيجية، مدعومة بتقديرات للمخاطر ونقاط محددة سهلة القراءة، تساعد المسؤولين التنفيذيين على إدراك أهمية الموقف في لحظات.
  • احرص على المتابعة كتابياً. فرسالة إلكترونية موجزة أو مذكرة قصيرة تعزز وضوح حجتك وتضمن توثيقها.

في نهاية المطاف، يتمثل هدفك في توضيح خطورة الموقف؛ بحيث لا تضيع الأولويات الحقيقية وسط جداول البيانات. وفي حالة أليكس، فقد ألغت الشركة فعلياً دور الموظفة بفريقه، لكنه، وبفضل تحركه المبكر وعرضه المخاطر بصورة واضحة تمكن من تأمين نقلها داخلياً إلى مبادرة تحتل درجة أعلى بسلم الأولويات ولم تتأثر بعمليات خفض النفقات. وهكذا حافظ دفاعه عنها على المعرفة المؤسسية وعلى معنويات الفريق، ما يبرهن على إمكانية الاحتفاظ بالموظف بين جدران الشركة  في كثير من الأحيان حتى عندما يتعذر الحفاظ على منصبه.

في أوقات عدم اليقين، تلجأ المؤسسات عادة إلى اتخاذ إجراءات فورية والبدء بخفض أعداد الموظفين أولاً ثم تقديم التبريرات لاحقاً. بيد أن ما يبدو فعالاً من الناحية النظرية قد يأتي بنتائج عكسية على أرض الواقع. ولا يقتصر دور القائد على الدفاع عن الموظفين المحوريين، بل يشمل أيضاً تزويد صانعي القرار في الإدارة العليا بالرؤية والسياق والخيارات اللازمة لاتخاذ القرار الأمثل قبل فوات الأوان؛ فإيضاح التكلفة الفعلية لرحيل أحد الموظفين لا يحمي الشخص المعني فحسب، بل يحافظ أيضاً على الزخم بالشركة وسمعتها وقدرتها على الوفاء بأهم التزاماتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي