قُدّم العديد من خدمات المحاسبة الضريبية على نحو غير منتظم وبشكل شخصي منذ وقت ليس ببعيد، مثلما تُقدّم خدمات الرعاية الصحية اليوم، فقد اعتاد العميل والمحاسب أن يجتمعا بشكل دوري، ويستعرضا المواد المالية والوضع المالي، ويُحدّدا موعداً للاجتماع التالي نهاية اللقاء. ثم تزايد استبدال زيارات المحاسب الشخصية بمكالمات هاتفية أو اجتماعات الويب وبرمجيات ذاتية مثل "توربوتاكس" (TurboTax). فما هي أفضل طريقة لتحسين نظام الرعاية الصحية؟
ولا تزال توجد حاجة إلى المحاسبين وعقد الاجتماعات المباشرة للتعامل مع الحالات المعقّدة التي لا يُمكن إدارتها باستخدام البرمجيات أو المكالمات الهاتفية.
إلا أن الرعاية الصحية أثبتت مقاومتها لعملية انتقال مماثلة، رغم أن الجميع قد يستفيد من مثل هذه العملية. وفي حين تتطلب بعض جوانب الرعاية وجود الطبيب والمريض في المكان نفسه والوقت نفسه، كثير من الحالات الصحية الأخرى لا تتطلب هذا الوجود الشخصي. ومع ذلك، يبقى التعامل مع هذه الحالات الصحية مرتبطاً بالطبيب، فضلاً عن تكييف جداول المواعيد لزيادة إنتاجية الأطباء بدلاً من تحقيق الأفضل للمرضى.
العوائق التي تمنع الانتقال إلى النماذج المبتكرة في الرعاية الصحية
ونحدد في هذه المقالة العوائق التي تعيق الانتقال من نهج الرعاية الأولية غير المنتظمة والشخصية إلى النماذج المبتكرة التي تفصل تقديم الرعاية عن عيادة الطبيب، وتمكّن المرضى من تولي مزيد من المسؤولية تجاه الحفاظ على صحتهم. ونُبيّن الخطوات اللازمة لتجاوز هذه العوائق، ولكيفية خفض التكاليف وتحسين الجودة.
عوائق تحويل نظام الرعاية الصحية
أصبحت الرعاية الصحية تتطلّب عملاً عملياً أقل مع التوسع السريع في تواصلية المعلومات. ورغم أن فحص المرضى أو إجراء العمليات الجراحية يتطلّب تواصلاً شخصياً بين مقدِّم الرعاية والمريض من حين إلى آخر، تُجرى العديد من جوانب الرعاية الصحية المهمة من خلال التواصل الشفهي وحده، في حين يمكن اليوم تنفيذ الجوانب الأخرى في المنزل أو في أي مكان آخر خارج مكتب الطبيب بالسهولة والدقة ذاتها، مثل قياس ضغط الدم أو إجراء فحوصات الدم. كما يمكن اليوم التعامل مع كثير من جوانب الرعاية عن بُعد، بعد أن كانت تقتصر على المراكز الطبية.
اقرأ أيضاً: هل هذا هو المستشفى الذي سيدفع نظام الرعاية الصحية الأميركي للابتكار؟
ولكن، لنتخيل أنك مستعد لإجراء مكالمة فيديو أو مكالمة هاتفية مع طبيبك دون أن تغادر منزلك أو تنتظر في عيادة الطبيب. لسوء الحظ، قد لا يكون طبيبك حريصاً على التحدث معك. وتوجد ثلاث قوى تمنع الطبابة عن بُعد من تحقيق إمكاناتها لتحويل تقديم الرعاية، ألا وهي عبء العمل الزائد المفروض على عاتق مقدم الرعاية الصحية، والتغيير المحتمل في سلوك استخدام الرعاية الصحية من قبل المرضى، واقتصادات استرداد المبالغ.
عبء عمل مقدّم الرعاية الصحية
يعتمد الكثير من التفكير السائد حول نماذج تقديم الخدمات الجديدة على إمكانية تحسين تكلفة تقديم الرعاية الصحية وفاعليتها، وذلك من خلال توجيه مزيد من المرضى إلى الرعاية الأولية. ويُستمد الحماس لهذا النهج من الاعتقاد أن الرعاية الأولية الأكثر شمولاً وتنسيقاً قد توفر نتائج أفضل ومنخفضة التكلفة. في الواقع، تعتمد غالبية جهود تحوّل الرعاية الصحية على ربط المرضى بمقدّمي الرعاية الأولية بشكل وثيق. وقد تبنّى مجتمع الرعاية الأولية هذه الأفكار إلى حد كبير، لأنها تعزز قيمة المجتمع ومركزيته في مؤسسة الرعاية الصحية، كما تبناها صانعو السياسات العامة والخطط الصحية وعامة الناس.
وقد اعتاد أطباء الرعاية الأولية أن يكونوا مسؤولين عن جوانب رعاية المرضى جميعها، ويُعتبرون من بين الأطباء الأقل تكلفة، وهو ما يفّسر انخفاض أعدادهم، وتلقيهم أعمالاً إضافية نتيجة لذلك. وعلى عكس أطباء القلب أو أطباء العظام الذين تقتصر مسؤولياتهم على أمراض القلب أو المشكلات المتعلقة بالعظام والمفاصل وتقييم حالة المرضى لمقدمي الرعاية الأولية، لا يوجد لدى مقدمي الرعاية الأولية هؤلاء أي قانون يحميهم. وقد تبين أن انخفاض نسبة المبالغ المستردة، والحاجة إلى الوجود على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، وانجذاب صانعي السياسات إلى نظام يعتمد على الرعاية الأولية يُعد مصدراً للاحتراق الوظيفي ويزيد من التحديات التي تُعيق طلاب الطب من اختيار التخصص في مجال الرعاية الأولية. وآخر شيء ترغب فيه هذه المجموعة من مقدمي الرعاية الصحية هو تولي المزيد من المسؤولية. تخيل فقط الطلب التشغيلي الذي قد يُفرض على عاتق مقدمي الرعاية الأولية إذا ما أُجبروا على مراقبة البيانات الصحية لمرضاهم بفاعلية بين الزيارات المكتبية.
اقرأ أيضاً: إشراك الرئيس التنفيذي يحسن من مستوى الرعاية الصحية في شركتك
ومن هذا المنطلق، نجد أن حماس صانعي السياسات والخطط الصحية لزيادة الوصول إلى الرعاية الأولية باعتبارها وسيلة لمواجهة تحديات تقديم الرعاية يُعد بمثابة تهرّب من المسؤولية. فبدلاً من اتباع نهج إعادة تنظيم الأنظمة والموارد المالية المعقد والمحفوف بالتحديات من الناحية النظرية لتحويل الرعاية حقاً، من الأسهل اقتراح تغيير النظام وحث المرضى على الحصول على مزيد من الرعاية الأولية والسماح لأطباء الرعاية الأولية بتولي المسؤولية. لكن لن يُكتب لهذا النهج النجاح في حال لم يكن في وسع مقدمي الرعاية الأولية في الواقع تولي هذه المسؤولية، إما بسبب عدم كفايتهم، أو لعدم توفير الدعم لهم ليتولوا إنجاز مهام أخرى تتجاوز نطاق مسؤولياتهم.
الاعتماد المفرط على نظام الرعاية الأولية
تزداد مشكلة عبء العمل من خلال استجابة المرضى المحتملة لزيادة إتاحة الأطباء، مثلما تمتع به زبائن المحاسبة الضريبية وزبائن التجزئة من خلال القنوات الرقمية.
يخلق نموذج الرعاية القديم احتكاكاً بين الطبيب والمريض، بسبب مواجهة الصعوبات والتأخير في تحديد جدول مواعيد الزيارات، وعناء السفر إلى الطبيب والانتظار في العيادة، وغرامات التسديد التشاركي والتأمين المشترك تجعل المرضى يفكرون ملياً قبل التماس رعاية شخصية.
وفي دراساتنا الحديثة حول كيفية استجابة المرضى لإنشاء بوابة إلكترونية تتيح لهم إرسال المخاوف المتعلقة بصحتهم إلى فريق الرعاية عبر البريد الإلكتروني، وجدنا أن نظام البريد الإلكتروني الذي كان من المتوقع أن يكون بديلاً للزيارات الشخصية قد زاد هذه الزيارات في الواقع، إذ بمجرد أن بدأ المرضى استخدام البوابة، شرع العديد منهم إلى مشاركة المستجدات المتعلقة بصحتهم وأخبارهم الشخصية مع فرق الرعاية. ولم تُسفر هذه القنوات الجديدة عن تقليل تواتر توجه المرضى إلى عيادة الأطباء، وإنما شجعتهم على زيارة الأطباء بشكل متكرر بدلاً من ذلك. أي طبيب يرفض الرد على بريد إلكتروني لمريض ما يذكر معاناته من ألم في الصدر دون استدعاء هذا المريض لمعاينته بشكل شخصي؟ كلّنا نعاني من تقلّبات في صحتنا، وكلّما أصبح من السهل بالنسبة إلينا مشاركة ما يزعجنا، يتنبّه الأطباء إلى وجود مزيد من الأعراض. وبالتالي، لم يتغير عبء المرض، بل ما تغيّر هو زيادة الإفصاح عن الأوجاع والآلام.
ومن غير وضع حواجز تحول دون الحصول على رعاية شخصية، فإن أي آفة جلدية يُصاب بها مريض ما قادر على تصويرها وإرسالها إلكترونياً تتعرض لخطر التحول من شيء اعتاد المريض على تجاهله إلى طلب رعاية طبية. وقد يُعتبر هذا النهج جيداً إذا كانت الحالة التي جرى استرعاء الانتباه إليها خطيرة، وكان من الممكن أن يتغاضى عنها المريض خلاف ذلك. ولكن يوجد قول مأثور في الطب السريري يفيد "بوجود سر عظيم معروف لدى أخصائيي الطب الباطني، ولكنه لا يزال مخفياً عن عامة الناس، هو أن معظم الأمراض تتحسن من تلقاء نفسها وتصبح أفضل صباح اليوم التالي".
المبالغ المستردة من الطرف الثالث
من التحديات الرئيسة في تصميم نماذج تقديم الرعاية الجديدة التي تعتمد على خفض عدد الزيارات الشخصية هو أن نظام السداد الذي يُموّل نماذج تقديم الرعاية الصحية الحالية مبني على مثل هذه الزيارات، وغالباً ما يتطلب التواصل الشخصي بين المريض ومقدِّم الرعاية كشرط للسداد.
ولطالما آمنتْ شركات التأمين الصحي أن جعل الزيارات الشخصية شرطاً ضرورياً لاسترداد المبالغ قد يحول دون اعتماد المرضى المفرط على نظام الرعاية. وفي حال سعى قطاع الرعاية الصحية إلى جعل الحصول على الرعاية سهلاً من خلال إجراء مكالمات هاتفية أو توفير تطبيق ما، فلا بدّ من تطوير ضوابط أكثر صرامة لضمان أن تكون الرعاية التي تُقدّم ضرورية بالفعل، وإلا فإن كل مرض بسيط يُصاب به الأفراد يتحول من حالة قد تتعافى من تلقاء نفسها إلى زيارة شخصية تخلق مطالبات تأمين لاسترداد التكاليف. لم تكن لدى شركات التأمين الصحي في الماضي الأدوات اللازمة لتحديد الفرق بين الرعاية التي تستوجب العلاج وبين تلك التي لا تستحق بذل أي جهد. بدلاً من ذلك، اعتمدتْ هذه الشركات على أوجه عدم الكفاءة السابقة التي أسفرت عن جعل الحصول على رعاية صحية مهمة صعبة، مثل طلب زيارات شخصية، حتى عند إمكانية تحقيق أهداف الرعاية بسهولة عن طريق إجراء مكالمات هاتفية. وانطوى هذا النهج على آثار ثانوية، تمثّلت في الحد من الابتكار في طرق تقديم الرعاية.
اقرأ أيضاً: كيف تتعاون مع مبتكرين من خارج مجال الرعاية الصحية؟
إن طلب مثل هذا التواصل يُقلل فرصة الوصول إلى الأطباء، ويُضيف احتكاكاً في التعاملات الطبية، فضلاً عن أنه يخلق بعض الحوافز السلبية التي تُثبِّط فعلياً استخدام أكثر الطرق كفاءة لتحسين الصحة. على سبيل المثال، استعرضنا مؤخراً المدفوعات التي المتوقع أن يتلقاها أطباء العيون لقاء إجراء فحوصات العين لمرضى السكري، والتي يُنصح بإجرائها سنوياً، لمنع الإصابة بالعمى المرتبط بالمرض. لا يُحب المرضى إجراء هذه الفحوصات لأنها تتطلب زيارة منفصلة وتجعل حدقات أعينهم تتسع. ويستغرق توسع الحدقة بعض الوقت، والأسوأ من ذلك أن توسعها يُسفر عن حساسية تجاه الأضواء الساطعة ورؤية ضبابية تدوم نصف يوم. وتُعتبر معدلات الالتزام بهذه الفحوصات منخفضة، وهو ما يُساهم في الإصابة بالعمى الذي كان من الممكن الوقاية منه في حال التزم المرضى بإجراء الفحوصات دون شك.
واليوم، يمكن أن توفر كاميرات جديدة ذات عدسات خاصة رؤية مكافئة تقريباً لشبكية العين دون أن تتسبّب بتوسع حدقات أعين المرضى، أو زيارة طبيب العيون. بل كل ما يجب على المريض فعله هو وضع ذقنه على الجهاز في المكان المناسب لتُرسل صور عالية الجودة إلى طبيب العيون في غضون دقائق قليلة. ولا تُسفر هذه الكاميرات الجديدة عن أوقات انتظار طويلة أو عن أي رؤية ضبابية. ولا عجب أن في معدلات الفحص أصبحت أعلى بكثير باستخدام الطريقة الجديدة مقارنة بالطريقة القديمة. هل يجب أن تكون تكلفة هاتين "الطريقتين" واحدة أو مختلفة؟ وإذا كانت مختلفة، فأي طريقة يجب أن تنطوي على تكلفة أعلى؟
وجدنا أن شركة التأمين التجارية تُسدد عادة حوالي 254 دولاراً لإجراء فحص داخل عيادة الطبيب، يتضمن إعداد صور لشبكية العين، ويعود حوالي 26 دولاراً من هذا المبلغ إلى الصور نفسها، إضافة إلى بعض الرسوم للمنشأة والخدمات المهنية. وقد تُسدد شركة التأمين ذاتها ما مجموعه 16 دولاراً فقط للصور في حال نُفّذت هذه العملية عن بُعد، ودون دفع أي رسوم لقاء التقرير. وبالتالي، لا يُشجع نموذج السداد الحالي من قبل الطرف الثالث الأطباء على توفير رعاية مريحة وعالية الجودة ومنخفضة التكلفة. وهذه نتيجة مناقضة لنظام السداد، لأن عملية إجراء الفحص عن بعد تزيد من معدلات الفحص، وتحافظ على الرؤية، وتصنّف شركات التأمين بناءً على قدرتها على تلبية هذه الحاجة. كما أن الحفاظ على فارق المبالغ المستردة بين الفحوصات الداخلية والفحوصات التي تُجرى عن بُعد لا يعود بالنفع على أي صاحب مصلحة.
السبيل للمضي قدماً في قطاع الرعاية الصحية
نعتقد أن المفاهيم الأولية للصحة المتصلة ونظام الرعاية الصحية المنزلية التي تركز على المريض (PCMH) اتبعت مساراً خاطئاً، فقد استندت هذه النماذج إلى أساس منطقي يدور حول فكرة إمكانية تحقيق مكاسب عبر زيادةالروابط بين المريض ومقدم الرعاية، وذلك من خلال التواصل المتكرر بين المريض والطاقم الطبي في نظام الرعاية الصحية المنزلية التي تركز على المريض أو مبادرات مماثلة. ومع ذلك، يُسفر هذا النهج عن تكبّد نظام الرعاية الأولية، الخاضع للضريبة بالفعل، مزيداً من المسؤولية، كما أنه يتّسم بعدم الفاعلية لأنه لا يعكس توجهات التنفيذ الذاتي التي لوحظت في قطاعات البيع بالتجزئة والسفر والتمويل. وقد يكون الهدف من نموذج أفضل هو تقليل التواصل بين المريض ومقدم الرعاية، واستبدال أشكال الدعم الأخرى لضمان الحصول على نتائج مكافئة أو معززة. ونقترح على أنظمة الرعاية الصحية إعادة تخيل علاقاتها بمرضاها، بما في ذلك التصنيف المدروس للكميات المتزايدة من البيانات التي تولدها وإشراك المرضى في الحفاظ على صحة أجسامهم ومراقبتها. وهو ما يعني استخدام التكنولوجيا للتعامل مع الاحتياجات الأكثر بساطة، وتفويض المهام التي لا يُمكن للتكنولوجيا معالجتها إلى الطبيب.
إرسال البيانات الصحيحة إلى المستلم الصحيح
تتضمن دورة رعاية المرضى تقديم ملاحظات لهم، فاكتشاف أي تغيير في نسبة السكر في الدم أو الوزن أو ضغط الدم أو أي علامة أخرى يحفز الطبيب على اتخاذ إجراء ما. فكّر في قوة الأجهزة المحمولة في تقديم مثل هذه الملاحظات، وينطوي المثال الأبرز لمثل هذه التقنيات على تطبيق "باركنسون" (Parkinson) الذي طوره باحثون في جامعة "روتشستر" (Rochester) والذي يتيح تتبع حركات المرضى على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، باستخدام أجهزة استشعار مدمجة في الهواتف الذكية، فيجري إخطار فريق الرعاية بالحركة البطيئة أو الخطوات غير المتناظرة، وهو ما يُقدم مؤشرات لاحتياجات الرعاية بسهولة أكبر وبشكل منهجي أكثر من تلك الاحتياجات القائمة على التقييمات البدنية التي تُجرى كل نصف عام.
اقرأ أيضاً: أكثر ابتكار يحتاجه قطاع الرعاية الصحية: مساعدة المرضى على إدارة صحتهم بأنفسهم
وتُعتبر الابتكارات التكنولوجية المتمثّلة في هذه التطبيقات مثيرة، ولكن هل فريق الرعاية هو المتلقي المناسب لجميع المعلومات التي تجمعها هذه التطبيقات؟ وبما أن المعلومات تُجمع على مدار اليوم، فهل يجب أن يجري تحليلها بشكل آني؟ تخيّل عمل طبيب الرعاية الأولية الذي يتلقى تقارير هذه البيانات من جميع مرضاه البالغ عددهم 2,300 مريض.
هل يمكننا تفويض بعض أعمال هذه الفحوصات للمرضى أنفسهم؟ لقد أسفر تمكين الزبائن، من خلال أدوات سهلة الاستخدام، عن تحويل قطاعات الإبلاغ الضريبي والسفر بالفعل. ورغم أننا لا نتوقع من المرضى تحديد أدوية ضغط الدم التي تناسبهم، يمكننا التخلص من عبء مراقبة صحتهم، أو حتى نستطيع إجراء بعض التعديلات على العلاج المقترح لهم. ولطالما جرتْ إدارة مرض السكري بهذه الطريقة، باستخدام أشكال الرعاية الذاتية التي تطورت مع تحسن تقنية المراقبة الذاتية.
وقد تفترض بعض الأفكار الشائعة حول تقنيات المراقبة الجديدة ضرورة إشراك الأطباء في تدفقات البيانات الجديدة، لأن هدف المراقبة عن بُعد هو توجيه مزيد من المعلومات إلى الطبيب بدلاً من استخدامها لتمكين الآخرين من الاضطلاع بالأنشطة التي اعتاد الأطباء تولي إنجازها. على سبيل المثال، كان يجري تقييم طريقة مشي المريض في عيادة الطبيب في ظل النظام القديم، وكان الطبيب هو من يقرر إجراء تعديلات علاجية بناءً على التقييم. أما اليوم يمكن تقييم طريقة مشي المريض في مكان آخر، ويجب علينا أن نفكر في ضرورة نقل المعلومات إلى الطبيب مباشرة أم اتخاذ إجراء آخر. وقلة هم المرضى الذين يشاركون نتائج التقييم مع أطبائهم اليوم.
ونادراً ما يتطلب اكتشاف تغيير في طريقة المشي الاتصال بالإسعاف، بل يكفي دمج هذه المعلومات في تقرير يُتاح بشكل دوري للمريض وفريق الرعاية. وبالتالي، يمكن أن تجري عملية مراقبة المريض وعمل مقدم الرعاية بشكل غير متزامن، وهو ما يُسهّل من سير العمل بشكل كبير.
وبالمثل، عندما يُظهر شخص يتمتع بصحة جيدة زيادة في الوزن بمقدار ثلاثة أرطال من يوم إلى آخر، فقد يشير ذلك إلى وجود فروق في القياس وإسراف في الأكل على حد سواء. ومع ذلك، إذا أظهر مريض ما مصاب بقصور في القلب العلامات نفسها، فيجب أن تكون الاستجابة السريرية مختلفة. وتُعتبر مراقبة مريض مصاب بمرض مزمن، ويحتاج بالفعل إلى درجة عالية من الاهتمام من قبل فريق الرعاية على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع منطقية أكثر من مراقبة مريض يتمتّع بصحة جيدة.
ولا يجب أن يستند قرار إرفاق البيانات الواردة في سجل المريض الطبي، أو التخطيط لزيارة طارئة لمقدم الرعاية بناءً على مدى سهولة نقل المعلومات إلى الطبيب، وإنما بناءً على الاحتياجات السريرية. وتنطوي الفرص الأكبر على تطبيق الحساسيات السريرية وليس التقنية على مثل هذه التحديات، بمعنى آخر، يحتاج مقدمو الرعاية الأولية في المستقبل إلى بروتوكولات وقواعد تعمل تلقائياً على فرز البيانات الواردة وتفسيرها. كما أنهم يحتاجون أيضاً إلى تحديد مسارات العمل التي تُمكّن المريض من التعامل مع الحالة الصحية بنفسه أو بدعم أوتوماتيكي. ويمكن التعامل مع استثناءات بسيطة من قبل الفنيين والمساعدين الطبيين وطاقم التمريض، في حين يجري تصعيد الاستثناءات الأكثر تعقيداً إلى الأطباء. ولا يعني هذا إعاقة الأطباء عن مزاولة مهنهم، وإنما يعني أن المتلقي الافتراضي للمعلومات ليس الطبيب، وأنه لم يحن بعد وقت مشاركة المعلومات الصحية معه.
إشراك المرضى في رعاية أنفسهم
يتمثّل أحد أسباب عدم تركيز نظام الرعاية الصحية على إشراك المرضى في رعاية أنفسهم في أن عملية جعل المعلومات الطبية سهلة الفهم والتصرف بناءً عليها لم تكن كافية. على سبيل المثال، أكملنا مؤخراً دراسة أُجريت على المرضى الذين يعانون من مرض السكري الذي يخضع لرقابة ضعيفة في عياداتنا، ووجدنا أنه حتى المرضى الذين يعانون من مرض السكري لسنوات عديدة لم يتمكنوا من تفسير معنى مستويات هيموغلوبين السكري (خضاب دم السكري) بشكل صحيح، وهو المقياس الأكثر شيوعاً للتحكم بنسبة السكر في الدم. وتُحدد المبادئ التوجيهية لمرض السكري أن مستوى الضبط الجيد لنسبة الهيموغلوبين السكري تتراوح بين حوالي 7% أو أقل، لكن كان متوسط نسبة الهيموغلوبين السكري لدى مرضانا الذين اعتقدوا أنهم يُجيدون التحكم في هذه النسبة 9.8%، في حين كان المتوسط بالنسبة إلى أولئك الذين اعتقدوا أنهم غير قادرين على ضبط مستوى السكر في الدم 10.2%، وتُعتبر هاتان النسبتان متقاربتان وغير جيّدتان على حد سواء. وبالمثل، كانت جهود احتساب السعرات الحرارية الوطنية غير ناجحة إلى حد كبير، لأن الأسباب التي تجعل المستهلكين يفشلون في التحكم في السعرات الحرارية معقدة وترتبط جزئياً بسوء فهم المعلومات المتعلقة بالسعرات الحرارية.
وافترضنا أن الخطوة الأساسية الأولى نحو تمكين المرضى تتمثل في تقديم ملاحظات بطرق يسهل فهمها، وتقديم التوجيه بشأن الإجراء الذي يجب اتخاذه بناءً على هذه المعلومات. وتطورت مثل هذه الأساليب من نماذج سلوكيات المرضى العقلانية التي يتّبعها المرضى بشكل طبيعي بمجرد إطلاعهم على كيفية تحسين صحتهم. لكن أعداد المصابين في حوادث السيارات نتيجة عدم ارتداء أحزمة الأمان، والمدمنين على التدخين - رغم معرفتهم أن التبغ قاتل - أو الذين لا يتناولون دواءً يُدركون أنه يحميهم من الإصابة بأزمة قلبية يكشف عن القيود التي تعترض سبيل هذا النوع من التفكير. وقد يكون من الصعب إحراز أي تقدم، حتى لو كان تزويد المرضى بملاحظات وتعليمات واضحة أمراً سهلاً.
وبدلاً من محاولة تثقيف المرضى وتشجيعهم على اتخاذ القرارات المعززة للصحة، من الأفضل أيضاً تغيير سياق حياتهم أو نظامها، وهو ما يجعل اختيار الخيارات الجيدة أكثر تلقائية. على سبيل المثال، من الأفضل أن تُقدم طبقاً من الجزر مع عرض خيار التبديل إلى البطاطس المقلية، بدلاً من تقديم البطاطس أولاً. وبهذه الطريقة، تؤدي عمليات اتخاذ القرار التي تُسفر في كثير من الأحيان عن سوء الحالة الصحية إلى دفع الأفراد نحو اتخاذ قرارات أفضل.
قد يبدو من المنطقي جعل إشراك المرضى في رعاية أنفسهم أسهل أو أكثر متعة، ورغم أن تطبيقات الهاتف المحمول المتخصصة في إدارة الرعاية الصحية قد تبدو ممتعة في البداية، سرعان ما تتلاشى سمتا الابتكار والفاعلية مع استخدام المرضى هذه التطبيقات. على سبيل المثال، أجرينا دراسة تجريبية في عياداتنا على المرضى الذين يعانون من صعوبة في التحكم بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وقدّمنا لهم أجهزة لاسلكية مجانية لقياس ضغط الدم ومستوى السكر في الدم وطلبنا منهم استخدامها يومياً. وفي غضون ثلاثة أشهر، استخدمها المرضى بنسبة 50% من الوقت، لكن انخفضتْ نسبة الاستخدام إلى 30% في غضون ستة أشهر.
وتتمثّل إحدى الطرق المؤكدة للحفاظ على مشاركة المرضى في استخدام الحوافز المالية، فقد تكون وفورات التكاليف المستمدة من تحسين الالتزام بالأدوية هائلة لدرجة أن تبرر منح المرضى حوافز كبيرة بالنسبة إلى العديد من الأمراض المزمنة التي تتمتع بوجود علاجات فاعلة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الشحوم في الدم، والربو، والسكري، وأمراض الشريان التاجي، وفشل القلب، وأمراض الرئة المزمنة، إذ تزداد فاعلية هذه الأساليب في تحفيز السلوكيات المرغوب فيها عند إشراك المرضى في فرص الفوز بمكافآت مالية. على سبيل المثال، وجدنا أن حافز المكافئة المالية اليومية بقيمة 1.40 دولاراً فقط زاد من معدل الاستخدام اليومي لأجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم من 58% إلى 81% على مدى الأشهر الثلاثة الأولى، وكان مرتبطاً بتحكم أفضل بنسبة السكر في الدم.
كما أن الاستفادة من الشبكات الاجتماعية للمرضى قد يكون أداة مشاركة فاعلة أيضاً. ويمتلك أغلب المرضى بالفعل صديقاً واحداً أو فرداً من أفراد العائلة يكون مستعداً لمساعدتهم في تحسين صحتهم ودعمهم في تحقيق أهدافهم. ويوجد كثير من الأدلة على أن الأفراد يتأثرون بما يفعله الآخرون من حولهم، وتشير نماذج ناجحة مثل مؤسسة "مدمني الحكول المجهولين" (Alcoholics Anonymous) ومجموعة متنوعة من برامج إرشاد الأقران إلى أن الغرباء حتى قد يكونون على استعداد لمساعدة الآخرين في تحسين صحتهم.
خصّص وقتاً أقل، تحظى برعاية أفضل
يوجد قطاع كامل متخصص في إسداء المشورة حول إدارة الوقت، موجه للمسؤولين التنفيذيين المشغولين الذين يسعون إلى تملّك زمام الأمور على الطلبات الملحة التي تعترض سبيلهم. وتهدف معظم النصائح إلى مساعدتهم في إعادة تخصيص الوقت الضائع واستغلاله بالعمل، بما في ذلك الوقت ما بين الاجتماعات، أو وقت الانتظار في المطار، أو أثناء الاستحمام. إلا أن هذا النهج عبثي، ويكمن الحل الحقيقي في تعلّم كيفية العمل بشكل أقل وليس أكثر، وبلوغ الأهداف النهائية في الوقت نفسه.
وقد يكون نهج إعادة تخصيص الوقت هذا تقليدياً، إلا أنه ذو صلة مباشرة بنظام تقديم الرعاية. ومن الخاطئ الاعتقاد أن حل مشكلة الرعاية الأولية ينطوي على قضاء المرضى مزيداً من الوقت مع مقدمي الرعاية الأولية، بل، كما ذكرنا من قبل، ينطوي الحل على قضاء وقت أقل معهم. كما أن ترتيبات السداد الجديدة المستندة إلى القيمة والتي تحول المخاطر المالية إلى مقدمي الرعاية الصحية تُتيح تطبيق هذا الابتكار في مجال تقديم الرعاية، فيمتلك مقدمو الرعاية حافزاً لإجراء التحسينات المعززة للفاعلية عندما يكونون مسؤولين من الناحية المالية عن التكلفة الإجمالية لرعاية مرضاهم. ويمكن أن تقلل ترتيبات السداد هذه أيضاً من حوافز شركات التأمين الهادفة إلى خلق عقبات أمام الرعاية، مثل طلب زيارات شخصية. ولا بدّ من أن تحث نماذج السداد الجديدة شركات التأمين على دعم أنواع الابتكارات التي وصفناها هنا، لأنها تقلل من طلبات المرضى على مقدمي الرعاية الأولية.
من الصعب على قطاع الرعاية الصحية أن يماثل قطاع المحاسبة الضريبية، إلا أنّ هذا لا يعني أنه غير قادر على التعلم منه. ومن شبه المؤكد أن الحلول الجديدة ستتطلب شكلاً من أشكال إدارة الطلب، بمعنى استبدال نهج يستغرق وقتاً أقل بذلك الذي يستغرق وقتاً طويلاً، وتحويل الطلب على الرعاية إلى المرضى وشبكات الدعم الخاصة بهم أولاً، ومن ثم إلى الدعم المهني في المستوى المتوسط، وأخيراً إلى أطباء الرعاية الأولية. ولا تُعتبر رؤيتنا للمستقبل بأن زيارة طبيب الرعاية الأولية هو الحل الرئيس، وإنما هو نوع من أنواع الفشل، وعدم القدرة على تلبية احتياجات المرضى بأي مستوى من مستويات الدعم الأقل تكلفة.
وتعتبر الرعاية الأولية في هذه الرؤية رعاية على المستوى الثالث، ونعتقد أن هذا التناقض مطلوب لتجاوز محاولة البحث عن حل لتقديم الرعاية الصحية نحو نهج أكثر استدامة لصحة السكان في سبيل معرفة أفضل طريقة لتحسين نظام الرعاية الصحية حول العالم.
يستند هذا المقال جزئياً إلى بحث منشور في مجلة "سجلات الطب الباطني" (Annals of Internal Medicine).
اقرأ أيضاً: