أصحاب العمل يقيّمون الدرجات الجامعية في مجالات العلوم الإنسانية

4 دقائق

لا يخفى عن أحد أنّ التعليم العالي الأميركي واقع في ورطة، وتتراجع ثقة الجمهور بالنظام بأكمله بوتيرة سريعة. وقد غذى السياسيون ذلك من خلال اقتراح تشريعات من شأنها منح التمويل حصرياً للكليات والجامعات العامة التي تُكسب خريجي الجامعات مهارات حياتية وعملية، أو بمعنى آخر، استبعاد ما يسمى بالتعليم "الكمالي"، مثل اكتساب المهارات المتعلقة بـ "البحث عن الحقيقة" و"الخدمات العامة" و"تحسين الوضع الإنساني"، من بيانات مهام نظام جامعاتهم، خذ نظرة على إجراءات ولايتي ويسكونسن وكولورادو كمثال على ذلك. قد يقودنا ذلك إلى الاعتقاد بأنّ دراسة مجالات العلوم الإنسانية (أو ما تسمى بالفنون المتحررة) مقصورة على أولئك الذين يعيشون في برجهم العاجي، ما يعكس الانفصال المتعمد عن المسائل العملية للحياة اليومية. من شأن هذا الوضع تعزيز صورة أنّ دراسة مجالات العلوم الإنسانية ما هي إلا ترفاً وانغماساً مع الذات، صورة أدت إلى استثناء برامج العلوم الإنسانية في المؤسسات العامة خاصة، لصالح البرامج المهنية وما قبل المهنية التي تعد قادرة على الاستجابة على نحو استثنائي إلى مطالب الفرص الاقتصادية.

ساهم افتراض الازدواجية الزائفة بين دراسة مجالات العلوم الإنسانية والإعداد للعمل والحياة في فصل التعليم العالي عن الحلم الأميركي، ما حجب حقيقة أنّ الكليات والجامعات لا تزال تمثل قوة مؤسسية مؤثرة في تحفيز التحول الفردي والمجتمعي. إلا أنّ انتقاد المتشككين في التعليم العالي باعتباره مضللاً لا يكفي، بل يجب علينا كأوساط أكاديمية الاستجابة إلى مخاوفهم الرئيسة المتمثلة في أنّ التعليم العالي مكلف للغاية، ويصعب جداً الوصول إليه، كما أنه لا يدرّس الطلاب مهارات القرن الحادي والعشرين.

كانت هذه الدعوة إلى اتخاذ إجراءات جزءاً من الحافز وراء أحدث جولة بحث على أصحاب العمل في رابطة الكليات والجامعات الأميركية (AAC&U’s)، تحت عنوان "الوفاء بالحلم الأميركي: دراسة العلوم الإنسانية ومستقبل العمل". يهدف الاستطلاع، الذي أجرته شركة "هارت ريسيرتش أسوشيتس" (Hart Research Associates)، بالنيابة عن الرابطة، إلى تقييم مدى اعتقاد مدراء الشركات ومدراء التوظيف أنّ التعليم الجامعي مهم وقيّم، وتحديد نتائج التعلم التي يرونها أكثر أهمية لتحقيق النجاح في اقتصاد اليوم، وتوضيح مدى استعدادهم لرؤية خريجي الجامعات الجدد منخرطين في هذه المجالات.

أعرب 501 من مدراء الشركات في القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية، و500 من مدراء التوظيف، الذين تنطوي مسؤولياتهم الوظيفية الحالية على توظيف كوادر جديدة وإجراء المقابلات وإتمام إجراءات التعيين، عن ثقتهم في الكليات والجامعات، التي تعد راسخة أكثر من ثقة الجمهور الأميركي فيها. ذكر 63% من المستجيبين أنّ لديهم إما "الكثير من الثقة" أو "قدر هائل من الثقة" في التعليم العالي الأميركي، يتفق أيضاً 82% من مدراء الشركات و75% من مدراء التوظيف على قيمة ما تقدمه الكليات، معتبرين أنها استثمار جوهري وقيّم في الوقت والمال. إلى جانب الإمكانات التي تنطوي على زيادة الأرباح، أشارت كلتا المجموعتين إلى فوائد تراكم المعرفة، وتطوير المهارات النقدية والتحليلية، والقدرة على التركيز على هدف معين، وهو حيازة درجة جامعية في هذه الحالة، باعتبارها ذات معنى على نحو خاص.

بالتناغم مع النتائج التي توصلت إليها ستة استطلاعات سابقة، بتكليف من رابطة الكليات والجامعات الأميركية، وكجزء من مبادرة "دراسة العلوم الإنسانية والوعد الأميركي" (LEAP) الحالية، يؤيد أصحاب العمل بأغلبية ساحقة أنّ مهارات التعلم واسع النطاق والشامل لعدة قطاعات هي أفضل إعداد للنجاح الوظيفي على المدى الطويل. ونتائج الدراسة الجامعية التي يصنفونها على أنها الأكثر أهمية هي التواصل الشفوي، والتفكير النقدي، والقدرة على المحاكمة الأخلاقية، والعمل بفاعلية ضمن فرق، والتواصل المكتوب، والتطبيق العملي للمهارات والمعرفة.

كما اعتبروا أنّ التدريب الداخلي والتدريب المهني قيّم على نحو خاص، حيث أشار 93% من مدراء الشركات و94% من مدراء التوظيف إلى أنهم سيكونون أكثر احتمالاً لتوظيف خريج حديث حصل على تدريب داخلي أو تدريب مهني في إحدى الشركات أو المؤسسات. وعلى غرار ذلك، يقول أصحاب العمل في المؤسسات غير الربحية إنهم أكثر احتمالاً لتوظيف الخريجين الجدد الذين لديهم خبرة في التعلم على مهارات التعامل مع المجتمعات المحلية أو تقديم الخدمات لها. هذا ليس غريباً نظراً لأنّ 33% من مدراء الشركات و30% من مدراء التوظيف فقط يعتقدون أنّ الخريجين الجدد "مستعدون جيداً" لتطبيق المعرفة والمهارات في ظروف الواقع العملي. علاوة على ذلك، يعتقد أغلبية الأفراد بين المجموعتين أنّ الكليات والجامعات بحاجة إلى إجراء تحسينات لضمان امتلاك خريجي الجامعات للمهارات والمعارف اللازمة للنجاح في أماكن العمل عند مستوى المبتدئين، لاسيما من أجل القدرة على التقدم والحصول على ترقيات.

هذا لأنّ أصحاب العمل يشددون على أهمية الابتكار بالتحديد، بصفته قادراً على الاستجابة إلى التغير السريع، حيث يؤكدون على تجارب الطلاب هذه بدلاً من التركيز على التدريب التقني المحدود. لذلك، تعد الرواية السائدة بأنّ التخصص الجامعي للمرء هو كل ما يهم وأنّ بعض التخصصات فقط هي التي تعبّد الطريق أمام الطلاب للنجاح في مجالات العمل، لا تتطابق مع الواقع. إنّ خبرة الطالب في المرحلة الجامعية، والمدى الذي تنطوي عليه هذه الخبرة في تطوير نتائج التعلم الجوهرية، مثل معرفة الثقافات البشرية والعالم المادي والطبيعي، والمهارات الفكرية والعملية، والمهارات المتعلقة بالمسؤوليات الشخصية والاجتماعية، والتعلم المتكامل والتطبيقي، هي الأكثر أهمية، ويوافق 80% من أصحاب العمل على أنّ جميع الطلاب بحاجة إلى أساس قوي في مجالات الفنون والعلوم الإنسانية. يزداد في الواقع طلب أصحاب العمل في اقتصاد المعرفة العالمي على الخريجين من مجالات العلوم الإنسانية.

تتطلب دراسة مجالات العلوم الإنسانية للقرن الحادي والعشرين تسريع فرص التعلم المتكامل الذي ينطوي على تأثير جوهري، والذي يشرك كل طالب في حل المشكلات الواقعية وغير المتناولة على مستوى جميع أنواع المؤسسات، ذلك ضمن سياق القوى العاملة، وليس بمعزل عنها. بالإضافة إلى سد الفجوة بين المناهج واحتياجات القوى العاملة، ينبغي على الكليات والجامعات الإقرار بأنه لم يعد هنالك إجماع حول قيمة الشهادة الجامعية. يجد مدراء الشركات ومدراء التوظيف في الواقع أنّ المحافظ الإلكترونية التي تحتوي على تحف من المهارات الملموسة، هي أكثر فائدة من المناهج الجامعية وتختصر بمفردها السير الذاتية عند تقييم الخريجين الجدد وتعيينهم. نظراً لأنّ الطلاب اليوم سيشهدون تغييرات وظيفية بمتوسط 11.9 وظيفة على مدار حياتهم، نصفها سيحدث بين عمر الثامنة عشر والأربعة والعشرين، ينبغي على الكليات والجامعات إجراء شراكات مع الشركات والقطاعات بغية تطوير المهارات التي من شأنها إعداد طلابنا ليس من أجل منحهم مجموعة واسعة من الخيارات في مجالات العمل فحسب، ولكن أيضاً من أجل إعدادهم للتعامل مع مستقبل لا يمكن لأي شخص منا التنبؤ به تماماً.

باختصار، ينبغي رفض الرواية القائلة أنّ دراسة مجالات العلوم الإنسانية "عديمة الفائدة"، لأنّ هذا التوجه الفكري ببساطة لا ينطبق على ما يحصل على أرض الواقع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي