قد يكون توجيه الموظفين الناجحين من أكثر جوانب القيادة فائدةً وتحدياً في الوقت نفسه. فقد حقق هؤلاء الموظفون نجاحات كبيرة بالفعل، ويمتلكون ثروة من الخبرة، ولديهم سجل حافل بالإنجازات. لكن حتى أفضل الموظفين أداءً يحتاجون إلى التوجيه لتجنب القناعة بما حققوه ومواصلة النمو وتوسيع آفاق نجاحهم. فما الذي يحتاج إليه المتفوقون لضمان استمرارهم في التقدم؟ يحتاجون توجيهاً يلبي احتياجاتهم الدقيقة.
يواجه المتفوقون إخفاقات وعثرات على الرغم من نجاحهم المستمر، وقد تتأثر قدرتهم على التحمل بسبب تعرضهم للرفض بين الحين والآخر، وذلك يفقدهم بعضاً من ثقتهم بأنفسهم. سيحتاجون إلى المزيد من الوقت والجهد للتغلب على الرفض، وإلى شخص يمتلك منظوراً أوسع ليساعدهم على رؤية الصورة الكبرى وإدراك أن الإخفاق ليس نهاية العالم.
من الضروري مساعدتهم على تجاوز هذه العثرات وعدم الاستسلام للشفقة على الذات، ولذا فهم بحاجة إلى موجهين قادرين على تزويدهم بالأدوات اللازمة للتغلب على هذه التحديات وتحويلها إلى فرص للتعلم. يساعد التوجيه الفعال الموظفين المتفوقين على تجنب ركود الأداء واكتشاف مصادر شغف جديدة وتوسيع نطاق تأثيرهم، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق ثقافة التفوق في فرقهم ومؤسساتهم.
بصفتي (روث) عالمة اجتماع تدرس أصحاب الأداء المتفوق جداً، مثل الحاصلين على جائزة نوبل ورواد الفضاء والرياضيين الأولمبيين وغيرهم من نخبة الرياضيين، وبصفة زميلي (آندي) خبيراً استراتيجياً في العلاقات المهنية يركز بشدة على دور العلاقات في تطوير الحياة المهنية والمواهب، فقد لاحظنا أن توجيه المتفوقين يتطلب أسلوباً دقيقاً يتغاضى عنه المختصون أو يرفضونه في كثير من الأحيان. لا يحتاج هؤلاء المتفوقون إلى توجيه عادي، بل يحتاجون إلى توجيه مصمم خصوصاً لتلبية احتياجاتهم الخاصة. يحتاج المتفوقون إلى الدعم للحفاظ على عقلية النمو، وتنمية ذكائهم العاطفي، وتوسيع شبكات علاقاتهم. من خلال فهم هذه الاحتياجات وتلبيتها، يمكن للموجهين مساعدة أصحاب الأداء العالي على الحفاظ على تفوقهم وتقديم إسهامات كبيرة في مؤسساتهم.
غرس عقلية النمو
يتوق المتفوقون إلى تحقيق الإنجازات ويعشقون تحديات استكشاف المجهول. وتبني عقلية النمو أمر بالغ الأهمية لاستمرار التطور. يحتاج المتفوقون إلى موجهين يشجعونهم على تبني نهج التعلم والتحسين المستمرين، يجب أن يتعرفوا على مجالات أو تكنولوجيا أو أساليب جديدة يمكن أن تعزز مهاراتهم الحالية وتدفعهم للخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم. على سبيل المثال، قد يستفيد المسؤول التنفيذي المخضرم من الرؤى حول الاتجاهات الرقمية الناشئة أو الممارسات القيادية المبتكرة.
نصيحة من خبير: قد يواجه المتفوقون صعوبة في تقبّل الإخفاق لأنهم اعتادوا النجاح. ولمساعدتهم على تقبله باعتباره جزءاً من عملية النمو، يمكن للموجهين التركيز على مفهوم "الفشل خطوة للأمام". وهذا يعني اعتبار الأخطاء أو الإخفاقات تجارب تعليمية مهمة لا عثرات.
أحد أساليب تطبيق ذلك هو عرض قصص متفوقين آخرين واجهوا إخفاقات مماثلة واستخدموا تلك التجارب للارتقاء بأنفسهم إلى مستويات أعلى. كما يمكن للموجّهين تشجيع المتفوقين على التفكير في إخفاقاتهم السابقة وتحديد ما تعلموه ودوره في نموهم. يمكن للموجهين مساعدة المتفوقين على تعزيز قدرتهم على التحمل والحفاظ على ثقتهم بأنفسهم حتى عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها من خلال اعتبار ارتكاب الأخطاء أمراً طبيعياً وجزءاً أساسياً من رحلة النجاح.
ويمكنك اتخاذ إجراء إضافي بصفتك موجهاً، إذ تتحدى الموظف المتفوق بأسئلة وسيناريوهات محفزة للتفكير تحثّه على الخروج من منطقة راحته. على سبيل المثال، يمكنك أن تطرح الأسئلة الآتية: ماذا إن شهد القطاع الذي تعمل فيه تحولاً تكنولوجياً كبيراً بين عشية وضحاها؟ كيف ستتكيف مع التغيير وتقود فريقك للتعامل معه؟ اقترح عليه حضور مؤتمرات أو ورش عمل توسع آفاق تفكيره. شجعه على تبني نهج التعلم والتحسين المستمرين بعقلية "إنها تجربة يجب أن تخوضها مرة واحدة على الأقل".
غيّر منظوره إلى نتائج أعماله من خلال دفعه للتركيز على ما يمثل نجاحاً بدلاً من القلق بشأن تداعيات النتائج السلبية. وفي حال اقتنع تماماً بالأثر الذي يمكن أن يحدثه، فلن تعوقه احتمالات الإخفاق كثيراً.
تنمية الذكاء العاطفي والاستفادة من التأمل الذاتي
إن الذكاء العاطفي ميزة أساسية لدى القادة، خاصة الناجحين في حياتهم المهنية. يحتاج المتفوقون إلى موجهين يساعدونهم على تعميق فهمهم لمشاعرهم ومشاعر الآخرين. هذه المهارة ضرورية لتعزيز العلاقات وصناعة القرار بطريقة أفضل، خاصة عند التفاعل مع الذين لم يصلوا بعد إلى المستوى نفسه من الإنجاز.
نصيحة من خبير: نظّم جلسات منتظمة لتبادل الآراء والمقترحات، إذ يعمل المتفوقون غالباً دون إشراف لأنهم لا يحتاجون إلى الكثير من الرقابة. ولكن ثمة فائدة من إجراء لقاءات منتظمة للتحقق من أن المتفوق يوسع آفاق تفكيره ولا يكتفي بمهاراته، وأنه يفكر في الخطوات المستقبلية.
ركز في هذه الجلسات على مواقف معينة أثرت فيها استجاباتهم العاطفية على نتائجهم وساعدهم على التفكير في سيناريوهات مختلفة لسير الأمور، سواء للأفضل أو للأسوأ. ربما أصيب أحدهم بالإحباط من زميل لا يفكر بالسرعة نفسها، فأبدى رد فعل غاضباً أو تولى زمام الأمور بنفسه، أو ربما غفل عن إشارات تدل على أن أحد أفراد الفريق كان يشعر بالتهميش في محادثة مهمة. تساعد هذه الممارسة أصحاب الأداء المتفوق على اكتساب رؤى جديدة حول أسلوبهم في القيادة وتفاعلاتهم الشخصية، وهي مفيدة جداً للذين لا يمارسون التأمل أو تدوين اليوميات.
توسيع شبكة العلاقات والتأثير
يتمتع المتفوق عادةً بشبكات علاقات قوية، ولكن ثمة مجال دائماً للنمو وتحسين التركيز، فهو يعرف جيداً إلى مَن يتوجه للحصول على المساعدة والدعم، ولكن لا بد أن ينسى أشخاصاً في شبكة علاقاته يمكنهم مساعدته أو يجب أن يعمل على تنمية علاقته بهم.
يمكن للموجه أن يساعد الموظف المتفوق في زيادة التركيز على اكتشاف تلك العلاقات المهمة، ما سيؤدي بدوره إلى نتائج أفضل، فتعرّفه على أوساط جديدة ومتنوعة يوفر له رؤى جديدة وفرصاً جديدة للتعاون.
نصيحة من خبير: سهّل تواصل المتفوقين مع قادة الفكر والمبتكرين في قطاعاتهم والمحترفين من مختلف القطاعات، وشجعهم على حضور المؤتمرات أو الانضمام إلى الجمعيات المهنية، أو المشاركة في نشاطات التعاون بين القطاعات المختلفة. اقترح استخدام نموذج (24-7-30) لدعم العلاقات مع جهات الاتصال الجديدة؛ أي التواصل مرة بعد 24 ساعة من اللقاء، ومرة أخرى بعد 7 أيام، ومرة بعد 30 يوماً. قد يكون هذا التواصل عبر رسالة إلكترونية موجزة أو عبر منصة لينكد إن، أو بتعليق على منشور للطرف الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بموضوع ناقشه معه سابقاً.
والأهم من ذلك، اجلس معهم وحلل الدعم الذي يحتاجون إليه لتحقيق أهدافهم الرئيسية ومصادره داخل شبكة معارفهم الحالية أو بالقرب منها.
يتطلب توجيه المتفوقين أسلوباً دقيقاً واستراتيجياً. يمكن للموجهين مساعدة المتفوقين على تخطي الحواجز والوصول إلى آفاق جديدة من خلال غرس عقلية النمو لديهم وتطوير ذكائهم العاطفي وتوسيع شبكات علاقاتهم. لا يقتصر أثر هذا التوجيه على الأفراد، بل يحفز الابتكار والتميز في جميع أنحاء مؤسساتهم. وبصفتنا موجهين، فإن هدفنا هو تحفيز هؤلاء القادة وإلهامهم ودعمهم في رحلتهم نحو تحقيق المزيد من النجاح.
لا يكتفي أفضل الموجهين بالتعليم فحسب، بل يلهمونك السعي الدائم للمعرفة وتطوير الذات. ويمكن للموجهين من خلال تبنّي هذه الفلسفة أن يرشدوا متدربيهم المتفوقين ليحافظوا على نجاحهم ويستمروا بالتطور ويتبعوا أسلوباً استراتيجياً في القيادة متمتعين بحيوية متجددة ورؤية استراتيجية.