قد يُفيد عدّ السعرات الحرارية والخطوات بشكل كبير في تحسين الصحة الشخصية، لكن ما هو العامل الأهم في تعزيز النجاح المهني؟ لا غنى عن تحويل "روح العمل" إلى أرقام محددة كمعيار للتنبؤ ضمن شبكات المؤسسة من أجل تمكين الأشخاص من إدارة نقاط القوة والضعف بصورة أفضل وأسرع وأرخص، وهذا هو مبدأ أسلوب جمع البيانات حول الإنتاجية.
تعزيز الإنتاجية الشخصية
ومستقبل الإنتاجية الشخصية واضح: على كل من يرغب في النجاح في مؤسسات القرن الحادي والعشرين مستقبلاً أن يلتزم بالرصد الذاتي والمراقبة الذاتية والقياس الكمي الذاتي بمستويات تُحيل ما في أعمال الروائي "جورج أورويل" من تشاؤم إلى شيء مبهج مثل رواية "بوليانا" (Pollyanna) الباعثة على التفاؤل. ولا يكمن السبب وراء ذلك في التدخل أو الغزو ما بعد الصناعي، بل لأنه ضرورة للحفاظ على الذات وتطويرها مهنياً.
لا تُفكّر في البيانات وكأنها تراقبك وتفرض عليك منهجاً بعينه مثل "الأخ الكبير" (Big Brother) في رواية "جورج أورويل"، بل فكّر فيها كمُستشار تستند إرشاداته إلى البيانات الضخمة.
لا أمل لموظفي المعرفة في منافسة الآلات الذكية (الأكثر ذكاءً) بأقل التكاليف إلا بتبنّي التقنيات التي تجعلهم أكثر ذكاءً وأكثر تأثيراً. يُقال أن الموظف الأميركي العادي يُعالج ما يفوق 5,000 ميجابايت يومياً من البيانات، وهذا الرقم في تزايد. لذا يكون العجز عن زيادة الإنتاجية الشخصية مع ارتفاع تدفق البيانات سبباً للبطالة. ويسري هذا على موظفي المعرفة الهنود والصينيين تماماً كما يسري على أقرانهم في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فهذا الاتجاه يعمّ العالم أجمع.
دور البيانات الخاصة في رفع أداء الموظفين
بمعنى آخر، إذا لم تُستغل البيانات الخاصة بمكان العمل في رفع أداء الموظفين، فإنها على الأرجح ستستخدم لأتمتة هذا الأداء وإحلال التقنيات الحديثة. ففي المؤسسات العالمية، تتجاوز البيانات الكمية حدود التقييم الشخصي المستمر لتصل إلى التحسين الذاتي الشديد. وما لم تتحسن على نحو قابل للقياس، سترحل.
وبينما تستخدم أدوات التتبع أو المراقبة الذاتية -على عكس المرآة المكبرة- للسماح في المقام الأول للأشخاص برؤية أنفسهم حرفياً في ضوء جديد وبدقة أعلى، ستقترح هذه التقنيات أيضاً الخيارات الأفضل والأكثر واقعية لتحسين الأداء.
سمّها عملية التحويل المؤسسي للبيانات الكميّة المُساعِدة كما هو الحال مع بيانات شركة "أمازون" أو بيانات شركة "نتفليكس". فكما توصي "أمازون" بكتب للقراءة وتقترح "نتفليكس" فيديوهات لتعكف على مشاهدتها، تجد الشركات الرقمية المستندة إلى البيانات تعمل على جمع ودمج وتخصيص توصيات واضحة مصممة لزيادة إنتاجية وفاعلية تابعيها. وهكذا، ستعرض "أنظمة التوصية" الأكثر تطوراً نصيحة لتحفيز الابتكار والتعاون مع الآخرين، بينما سيضع القادة المبتكرون استثماراتهم في تحسين الأداء البشري ومعالجة الكفاءات بالاعتماد على الخوارزميات.
أنظمة التوصية المؤسسية
على سبيل المثال، تتمكن أنظمة التوصية المؤسسية من "معرفة" أنماط وأساليب التواصل بين الأفراد من خلال مراقبة رسائل الدردشة والبريد الإلكتروني والمذكرات والعروض التقديمية. وبذلك يصبح باستطاعة البرنامج اقتراح كلمات بديلة على المدراء لجعل انتقاداتهم أكثر فاعلية في أثناء كتابة مراجعاتهم النقدية للمشاريع، وكأنه "مصحح تلقائي يُميّز الانفعالات". وللمدراء بالطبع حرية قبول هذه التعديلات المستندة إلى البيانات أو رفضها، إلا أن نظام التوصية سيراقب اختياراتهم بالتأكيد والنتائج المصاحبة لها. هكذا تتعلم أنظمة التوصية.
ويمكن لأنظمة التوصية حثّ الانطوائيين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسة بصورة أكثر فاعلية، وتشجيع المتواصلين الهجوميين على تخفيف حدتهم، وذلك اعتماداً على مستوى التخصيص الشخصي للإعدادات في هذه الأنظمة. ويشمل الاختصاص الخوارزمي لهذه الأنظمة الاستشارية المعتمدة على البيانات تحديد مذكرات بعينها لقراءتها وزملاء محددين لدعوتهم واجتماعات لتجاهلها.
نتيجة لذلك، سيتطلب دخول المسار السريع للمهنة -والبقاء فيه- التواضع والانضباط الذاتي كي تتمكن من اتباع أفضل نصيحة تقدمها لك التقنيات الذكية. وقد يتوقف النجاح المهني على الوثوق بهذه التقنيات كما تثق بزملائك، أو أكثر.
بالطبع ستكون الآثار الإدارية والمؤسسية هائلة، وهي متوقعة ضمن حركة "تحليل بيانات الأشخاص" المتزايدة والتي تدعو القادة على جميع المستويات إلى تحديد وقياس ما يعنيه الامتياز بدقة شديدة. فالاختلاف الحاسم الذي يظهر بوضوح حالياً -وبشكل متزايد- أن أفضل الناصحين والاستشاريين قد تكون الآلات ذاتها لا القيادة التي تبدو بشرية في الظاهر.
لا شك في أن أحد المخاطر -والفرص- الحقيقية أمام هذا الجيل القادم من أنظمة التوصية المؤسسية هو أن الإدارة العليا ستعتمد بصورة متزايدة على هذه التقنيات لفهم زملائها البشريين (للغاية)، والخط الفاصل بين الثقة والاتكال رفيع لدرجة أقرب إلى العدم. فماذا يجب على المدراء فعله عندما تقوم أنظمة التوصية التي يعتمدون عليها بوظيفة أفضل بكثير من حدسهم ورؤاهم البشرية؟
سيكون هذا هو التحدي الذي سيطارد الإدارات العليا في المؤسسات الرقمية في المستقبل من أجل تفعيل مبدأ أسلوب جمع البيانات حول الإنتاجية. فأحياناً لا يكون الاعتبار لما تفعله فحسب، بل كيف تأخذ ما تفعله في اعتبارك.