من المحتمل أنك في كل مرة تجلس فيها للكتابة تسمع صوتاً داخلك، سواء كنت تنوي كتابة تقرير صغير أو خطاب أو تقرير رسمي أو مقال رأي. إنه صوت معلمك في المدرسة الثانوية أو أستاذك الجامعي الذي يذكّرك بقواعد الكتابة: استخدم المبني للمعلوم. واختر جملاً فعلية واسمية قوية. واعرض بياناتك، لا تروِها.
لكن هل تلك القواعد صحيحة؟ وهل تتيح لك التركيز على الأمور المهمة؟ هل يوجد نهج أفضل آخر؟
تُظهر البحوث التي أجراها العلماء اليوم أن هناك نهجاً أفضل بالفعل. إذ يمكننا بفضل جهود علماء النفس والمتخصصين في الأعصاب الذين يستخدمون التصوير بالرنين المغناطيسي، ومخطط كهربية الدماغ، وأجهزة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني وغيرها من الأدوات أن نلاحظ بدقة ما يغري القراء للقراءة والمستمعين للاستماع. وأصبحنا نعرف اليوم كيفية استجابة القرّاء للكلمات البسيطة (مقابل المعقدة)، وللغة الحسية (مقابل المجردة)، وللعناصر الجمالية (مقابل التقليدية)، والاستعارة (مقابل اللغة الواضحة)، وغير ذلك.
وتشير جميع البحوث إلى مبدأ واحد: قدرتنا على الكتابة بطريقة تكافئ احتياجات التعلم الأساسية لدينا، ما يحفز إفراز مواد كيميائية مُرضية في "دائرة المكافأة في الدماغ" لدى القارئ، وهي عبارة عن عقدة في مناطق الدماغ المتوسط تتحكم في الرغبات والسلوكيات. إن أول مادة كيميائية يجري إفرازها هي الدوبامين، وذلك عندما تستشعر العصبونات إشارة لمكافأة محتملة. إذا كانت المكافأة مجزية، فقد تُستثار في النهاية نصف نقاط المتعة في الدماغ.
ويمكنك في الواقع تطوير استراتيجية تواصل ناجحة تثير دارات المكافأة في عقول القرّاء التواقة إلى الاستثارة. وفيما يلي 5 أساليب لتحقيق ذلك:
التزم البساطة: قد يقول الناس إنهم يحبون التعقيد، لكنهم في الواقع يتلذذون في أسلوب الكتابة البسيط وليس النثري. لذلك، استخدم الكلمات والجمل البسيطة، واستخلص المفاهيم البسيطة من تلك المعقدة قبل كل شيء.
أجرى العالم بجامعة "برينستون"، دانيال أوبنهايمر، بحوثاً حول نظرة القرّاء إلى التعقيد. حيث طلب من 71 طالباً من جامعة "ستانفورد" تقييم مقطعين مكتوبين. كان إحداهما مكتوباً بكلمات بسيطة، والآخر بكلمات معقدة، وكان كلاهما يناقش الموضوع نفسه. لكن الطلاب أفادوا بعد سؤالهم لاحقاً بأن مؤلفي المقطع المعقّد كانوا أقل ذكاءً.
وأظهرت البحوث أنه من المفيد التزام البساطة في أسلوب الكتابة بالفعل: حيث استخدم الباحثان يونغ يون وانغ وهيو هوكوانغ كيم جهاز كمبيوتر لتصنيف إمكانية قراءة تقارير المساهمين في شركات الاستثمار المغلق. ومن بين النتائج التي توصّلوا إليها هو أن الشركات التي نشرت تقارير يصعب قراءتها كان تداولها أقل بنسبة 2.5% مقارنة بالمنافسين.
لذلك، قسّم جملك الكبيرة إلى جملتين، واحذف الصفات والأحوال غير الضرورية، وتجنب عبارات الربط عديمة النفع، واحذف أي توجيهات قد تفسد رسالتك. بمعنى آخر، اجعل أسلوب كتابتك سهل الفهم.
كن محدداً: تثير التفاصيل الملموسة العصبونات التي تتحكم بالرائحة والبصر والصوت والحركة. وكما اتضح من البحوث، تبحث أدمغتنا عن محفزات مُرضية، ثم تبدأ التحفيز الداخلي.
وقد أظهر العلماء أنه عندما يقرأ الأشخاص في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي كلمات مثل الثوم والقرفة والياسمين، تُستثار دارات حاسة الشم لديهم. ويحدث الشيء نفسه مع البصر والصوت والحركة. لذلك، اكتب كما لو كنت تكتب كلمات نص فيلم ما للحضور في السينما.
اجعل كلماتك مؤثرة: قد تعتقد أنك تقنع الناس بالمنطق وليس بالعاطفة، لكن أدمغتنا تعالج المشاعر بسرعة أكثر من الأفكار. كما أن العواطف تصاحبها ردود فعل ودوافع انعكاسية، فالخوف، على سبيل المثال، يؤدي إلى جفاف الفم ويحفز الرغبة في الجري، وهو ما ساعد أسلافنا في عصور ما قبل التاريخ على الهروب من الحرائق والثعابين.
بمعنى آخر، اجعل كلماتك مؤثرة لتزيد من فهم القرّاء للمعنى، فالعاطفة واللغة يوصلان المعنى معاً. وكلما كنت بخيلاً في عواطفك، كان فهم القراء أبطأ.
تتبع جوناه بيرغر وكاثرين ميلكمان مقدار المشاركات لـ 7,000 مقالة نُشرت في صحيفة "نيويورك تايمز". حيث حصلت القصص التي نقلت مشاعر الغضب والرهبة والقلق والدهشة على 34% من المشاركات، في حين نالت القصص التي انطوت على مشاعر إيجابية أفضل النسب على الإطلاق. لذلك، أشعل فتيل الحماس في تعابيرك، واستخدم الاستعارات كطريقة فاعلة للقيام بذلك.
انتقِ عبارات اجتماعية: تذكر أن تلميحات التواصل مهمة أيضاً. على سبيل المثال، أظهرت التجارب التي أُجريت على القصائد أن الإشارات الاجتماعية البسيطة تحفز دائرة المكافأة في الدماغ، كعلامة الاقتباس التي تدل على تضمين أقوال شخص ما في النص. ونحن مجبولون بفطرتنا على البحث عن إشارات اجتماعية، مثل أي إشارات أخرى.
لذلك أضف صوتك وشخصيتك وتجاربك إلى كلماتك. فالكشف عن الذات بوعي وبشكل ملائم يربط القراء بك ويحفز المكافآت.
ومن الطرق المنسية لجعل أسلوب الكتابة يبدو أكثر اجتماعية هي أن تكتب بضمير المخاطب (أي: "أنت"). فقد وجدت البحوث التي أُجريت على كلمات الأغاني والقصائد أن الناس يفضلون تلك التي تخاطب الجمهور بشكل مباشر. ولا يوجد أي ضمير آخر ("هو" أو "هي" أو "هم") يضاهي قدرة ضمير المخاطب على خلق شعور بالتواصل الاجتماعي.
اجعل كلماتك موجهة بالقصص: لطالما اعتُبرت القصص وسيلة أساسية لمشاركة الدروس. ونحن مجبولون على أن نسأل: "ماذا فعلت بعد ذلك؟" و"ما الذي حدث؟" لذلك، غذِّ عطش القراء باستخدام قصص الغموض أو روايات الألغاز.
إذ يمكن للقصص أن تؤتي ثمارها تماماً. على سبيل المثال، وجد الباحثون الذين أجروا دراسات على نوعين من حملات التمويل الجماعي للأعمال التجارية أن أولئك الذين عرضوا قصصاً أكثر غنى بالمعلومات حصلوا على درجات أعلى في مقياس مصداقية رواد الأعمال وشرعيتهم ونواياهم المتمثّلة في الاستثمار والمشاركة. وخلص البحث إلى استنتاج أن التمويل يتطلب رواية قصص زاخرة!
وقد تختلف الأذواق بالطبع، لكننا جميعاً نتأثر بالمسارات التطورية الأساسية. في النهاية، لا يصغي القراء إلى ما تقوله لأنهم يحبون أسلوب الكتابة الذي تتبعه، بل لأنهم يحبون الطريقة التي تكافئهم بها في مناطق الدماغ المتوسط في عقولهم. وهذا المبدأ يربط جميع قواعد التواصل الناجح معاً.
لذلك، في المرة القادمة التي تجاهد فيها نفسك من أجل العثور على الكلمات المناسبة، لا تلجأ إلى نصيحة معلميك فقط، بل أصغ إلى مصدر إلهامك واسأل نفسك: "ما الأسلوب الذي كان ليجذب الناس في عصور ما قبل التاريخ على القراءة؟".