ملخص: يشهد العالم أزمة في الوقت الحالي. فالاقتصادات في حالة خمول والوظائف تتلاشى ونجاهد للحفاظ على روحنا المعنوية. لذلك من الضروري أن يُظهر القادة تعاطفهم. ولكن البحوث التي أجراها المؤلفون أظهرت أن التعاطف لا يكفي وحده. لكي تكون القيادة فعالة، يجب أن يكون التعاطف مقترناً بالحكمة أو ما تسمى بالـ (القيادة الحكيمة المتعاطفة)؛ أي كفاءة القيادة وفاعليتها. وهذا غالباً ما يتطلب إعطاء ملاحظات قاسية واتخاذ قرارات صعبة يمكن أن تحبط الموظفين، بل وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تسريحهم. ولا يجب أيضاً أن يأتي إظهار التعاطف على حساب الحكمة والفاعلية؛ فأنت بحاجة إليهما معاً. جمع المؤلفون بيانات من 15 ألف قائد في أكثر من 5 آلاف شركة في 100 دولة تقريباً، وقد تَبين أن القادة يظهرون 4 أساليب مختلفة للقيادة تعكس أكثر من مزيج مختلف من الحكمة والتعاطف أو تفتقر إلي أحدهما. ووُجد أن الأسلوب الأمثل هو القيادة الحكيمة المتعاطفة، وقد قدّم المؤلفون في هذه المقالة نصائح حول كيفية تحقيق التوازن الصحيح.
أصبحنا نشعر أن العالم يتداعى من حولنا بسبب الجائحة العالمية وزيادة معدلات البطالة الناتجة عن الكساد الاقتصادي والاضطرابات المدنية والسياسية في نيويورك وبرشلونة وهونغ كونغ وغيرها. كما أن الاقتصادات في حالة خمول والوظائف تتلاشى. وفي خضم كل ذلك، نجاهد للحفاظ على روحنا المعنوية. لذلك من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى أن يُظهر القادة تعاطفهم.
القيادة مع إظهار التعاطف
ينطوي التعاطف على التعبير عن حسن النوايا والاهتمام الحقيقي بالآخرين. ويساعد التحلي بالتعاطف في القيادة على بناء روابط قوية بين الأشخاص. فهو يحسّن التعاون بين الأفراد ويرفع مستويات الثقة ويعزز الولاء. علاوة على ذلك، وجدت الدراسات أن القادة المتعاطفين يُنظر إليهم على أنهم أكثر قوة وأكثر كفاءة.
وبينما تتكشف المأساة والفاجعة الحالية، أصبحت الشركات تدرك القيمة الكبيرة والكامنة في الاعتناء بصحة موظفيهم وتحقيق رفاهتهم. في شركة "بوتينشال بروجيكت" (Potential Project) درسنا وكتبنا لسنوات عن أهمية القيادة مع إظهار التعاطف. والأهم من ذلك أننا دربنا قادة مؤسسات عالمية على كيفية تطبيق القيادة المتعاطفة.
ومن خلال هذه الأعمال، اكتشفنا مكوناً رئيسياً للقيادة المتعاطفة، وهو شيء لم يلاحظه معظم الخبراء الآخرين: أن التعاطف وحده لا يكفي. لكي تكون القيادة فعالة، يجب أن يكون التعاطف مقترناً بالحكمة.
وعندما نذكر الحكمة فنحن نعني الكفاءة القيادية والفهم العميق لما يحفز الموظفين وكيفية إدارتهم لتنفيذ الأولويات المتفق عليها. تعتبر القيادة مهمة شاقة، ولكي تتسم بالفاعلية غالباً ما تتطلب الدفع بجداول الأعمال وإعطاء ملاحظات قاسية واتخاذ قرارات صعبة يمكن أن تحبط الموظفين، بل وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تسريحهم. ولا يجب أيضاً أن يأتي إظهار التعاطف على حساب الحكمة والفاعلية؛ فأنت بحاجة إليهما معاً. فالقيادة الحكيمة المتعاطفة هي القدرة على القيام بالأمور الصعبة بطريقة إنسانية.
من المهم فهم أن أنماط أو أساليب القيادة هذه لا تشير بالضرورة إلى سمات ثابتة ومتأصلة يجب أن يتصف بها القائد، ولكنها في الغالب دلالة على حالة مزاجية أو طريقة تفكير أو سياق معين يعمل فيه القائد.
في المربع رقم (1)، يهتم القادة بالموظفين، وهو أمر رائع، ولكنهم يميلون إلى تجنُّب الأجزاء الصعبة من القيادة مثل إعطاء ملاحظات قاسية. وفي المربع رقم (3)، يتصف القادة بأنهم غير فاعلين ولا مبالين، كما أنهم لا يتمتعون باليقظة الذهنية. ولأن هؤلاء القادة يفتقرون إلى التعاطف والحكمة، فإن مرؤوسيهم يعتبرونهم غير مهتمين وغير مهنيين. وفي المربع رقم (4)، يحقق القادة أهداف أعمالهم بفاعلية ولكنهم يظهرون قدراً قليلاً من التعاطف.
وأخيراً، في المربع رقم (2) يحقق القادة أفضل النتائج. إذ يوازن القادة الذين يعملون بهذا الأسلوب بين الاهتمام بموظفيهم والحاجة إلى المضي قدماً بمؤسساتهم بطريقة فعالة ومنتجة. وعندما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة أو قاسية، فإنهم يفعلون ذلك مع مراعاة مشاعر الموظفين وتحقيق رفاهيتهم بحق.
لفهم القيادة الحكيمة المتعاطفة بشكل أفضل، جمعنا بيانات من 15 ألف قائد في أكثر من 5 آلاف شركة في 100 دولة تقريباً. (لقياس مدى تعاطفك بوصفك قائداً والمساهمة في بياناتنا، لا تتردد في إجراء هذا التقييم السريع).
ومن خلال نمذجة البيانات بشكل مكثف، اكتشفنا أن هناك علاقة ترابطية واضحة بين المستويات العالية من القيادة الحكيمة المتعاطفة والحصول على ترقية. بمعنى آخر، كلما زاد انتهاجك لأسلوب القيادة الحكيمة المتعاطفة، ستترقى في المناصب بشكل أسرع. وهذه أخبار رائعة وتأكيد واضح على أن التصرف بطريقة جيدة مع الآخرين يعود علينا بالنفع أيضاً.
إجراءات عملية لتبنّي أسلوب القيادة الحكيمة المتعاطفة
من أهم ما كشفت عنه بياناتنا هو أن ممارسة اليقظة الذهنية بانتظام تؤدي إلى التصرف بقدر أكبر من التعاطف والحكمة. وعلى الأرجح يرجع هذا التأثير على أسلوب القيادة إلى حقيقة أن ممارسة اليقظة الذهنية تجعل الأشخاص أكثر وعياً بذاتهم وأيضاً أكثر إدراكاً لسلوكيات ومشاعر الآخرين. ومع زيادة الوعي والحضور الذهني، يصبح القادة أكثر تصميماً على الجمع بين الحكمة والتعاطف في التعامل مع أي مسألة.
فيما يلي بعض النصائح لتطوير قدرتك على إظهار التعاطف والحكمة على نحو أفضل بوصفهما مكونين لأسلوبك في القيادة. إذا كنت تتمتع بقدر كبير من الحكمة ولكنك ما زلت بحاجة إلى تطوير قدرتك على إظهار مزيد من التعاطف، فيما يلي بعض الأشياء التي يمكنك فعلها:
تعاطف مع ذاتك بقدر أكبر: يبدأ التعاطف الحقيقي مع الآخرين بتعاطفك مع ذاتك. فإذا كنت مرهقاً وفاقد التركيز، من المستحيل أن تساعد الآخرين على تحقيق التوازن. يشمل التعاطف الذاتي الحصول على قسط كاف من النوم وأخذ فترات راحة في أثناء اليوم. وبالنسبة إلى العديد من القادة، التعاطف الذاتي يعني التوقف عن النقد الذاتي المبالغ فيه. توقف عن انتقاد ذاتك على ما كان يمكنك فعله بطريقة مختلفة أو طريقة أفضل. فأنت على الأرجح لن تتحدث إلى صديق أو زميل عزيز يحتاج إلى مساعدة بالطريقة نفسها التي ستتحدث بها إلى ذاتك. بدلاً من ذلك، أجرِ حديثاً إيجابياً مع ذاتك. ثم فكّر في الإخفاقات على أنها تجربة تعلمت منها. واسأل نفسك عما يمكنك فعله بطريقة مختلفة في المستقبل.
راجع نواياك: تعوَّد على مراجعة نيتك قبل مقابلة الآخرين، وضع نفسك مكانهم، ثم اسأل نفسك: كيف يمكنني أن أكون مفيداً لهؤلاء الأشخاص على أفضل وجه؟
تدرّب على إظهار التعاطف يومياً: التعاطف مهارة يمكن التدرب عليها. فأدمغتنا تتمتع بمستوى مذهل من المرونة العصبية، ما يعني أن الحالات العقلية التي تنمّيها يمكن أن تصبح أقوى وأكثر ظهوراً. (طورنا تطبيقاً يمكن أن يساعدك في رفع مستوى تعاطفك).
إذا كنت تتمتع بقدر كبير من التعاطف وترغب في زيادة قدرتك على التصرف بحكمة، فيما يلي بعض الاستراتيجيات المفيدة:
تدرّب على توخي الشفافية والصراحة: بوصفنا قادة تقع على عاتقنا مسؤولية تقديم التوجيه الذي يحتاج إليه الأشخاص، حتى إذا كان يَصعُب عليهم سماعه. لذلك عندما يكون أداء أحد أعضاء فريقك دون المستوى، كن صريحاً وأخبره ما هي الجوانب التي يتعين عليه العمل على تحسينها. ولكن إذا أخفيت شواغلك محاولاً أن تكون لطيفاً، لن يفهم الموظفون توقعاتك ولن يستفيدوا من حكمتك. ولهذا فإن إخفاء الانتقادات الحادة أو القاسية ليس لطفاً بل إنه تضليل في الواقع. ولكن عندما تتوخى الوضوح ستكون لطيفاً وعطوفاً. لذلك كن مباشراً وصريحاً.
أجرِ تفاعلاً واحداً مباشراً يومياً: إذا كنت تميل بالفطرة إلى إظهار التعاطف، فإن التصرف بلطف هو منطقة راحتك. لذلك إذا كنت ترغب في تحسين قدرتك على التصرف بحكمة، حاول أن تبني عادة تتمثل في إجراء تفاعل واحد يومياً يتصف بأنه مباشر وحازم مع أحد الأشخاص. فهذا سيساعدك على الخروج من منطقة راحتك وتنمية قدرتك على ممارسة القيادة الحكيمة على نحو أفضل.
تدرّب على اليقظة الذهنية يومياً: تشير البحوث إلى أننا عندما نمارس اليقظة الذهنية فإننا نكتسب قدراً كبيراً من الحكمة والكفاءة القيادية. (هذه الأداة يمكن أن تساعدك على البدء في التدرّب على اليقظة الذهنية).
سيكون هناك العديد من الأيام والأسابيع والأشهر الصعبة في المستقبل. ولذلك فإن التحلي بأسلوب القيادة الحكيمة المتعاطفة أو التعاطف والحكمة معاً هو الطريقة الأكثر فاعلية وإنسانية لدعم الأشخاص في هذه الأوقات العصيبة. وبينما نواجه التحديات بشكل جماعي، سنحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة. لذا ينبغي لنا جميعاً أن نسعى جاهدين إلى القيام بهذه الأمور الصعبة بطريقة إنسانية.