دمج علم “أسلوب التعلم” في تكنولوجيا التعليم

3 دقائق

استمر الباحثون لأكثر من 100 عام في العمل دون كلل من أجل فهم أساليب تعلم البشر وتذكرهم لما يتعلمونه، وتعتبر الأدبيات العلمية المؤلفة في هذا الخصوص مثيرة للإعجاب، سواء بالنظر إلى نطاقها أو مدى عمقها. والحقيقة أننا أصبحنا على علم بالكثير من الأمور وأشك أنه بمقدور أي إنسان قراءة واستيعاب كل ما كُتب في هذا الشأن، ومع ذلك نجد أنفسنا أمام مفارقة محزنة، ففي كثير من الأحيان لا يتضح لنا كيفية استغلال نتائج كل هذه الأبحاث في البيئات التعليمية.

ولاستغلال المعرفة حول كيفية التعلم من أجل تحسين التعليم، علينا البدء بتحديد بعض المبادئ العامة. وينبثق بعض هذه المبادئ من إحدى الخصائص المميزة لعقولنا، وهي: أننا كلما أجرينا معالجة للمعلومات بشكل مكثف، زادت فرص تذكّرنا لتلك المعلومات. فعلى سبيل المثال، قبل ذهابك إلى النوم ليلاً، هل وجدت نفسك من قبل تفكر في الأحداث التي وقعت طوال اليوم؟ إذا كان الأمر كذلك، فبرأيك ما نسبة ما تستدعيه ذاكرتك إذا حاولت أن تحفظ الحدث وقت وقوعه، مقارنة بمقدار ما يمكنك تذكره دون أن تحاول حفظه في ذاكرتك حينها؟ حين طرحت هذا السؤال على عدد كبير من الأشخاص، كانت الإجابة المعتادة هي أنهم، في نهاية اليوم، نجحوا في تعلم عُشر ما استدعته ذاكرتهم على الأكثر.

إذن، فمن أين تأتي بقية ما تستدعيه ذاكرتنا؟ المعالجة العميقة. إن مجرد الاهتمام والتفكير العميق بأمر ما يقودك إلى تذكره، فالكثير من الأمور التي نتذكرها ما هي إلا ناتج ثانوي لاهتمامنا بهذا الأمر والتفكير فيه.

هذه إحدى الخصائص العامة التي تميز عقولنا، وهي تشير إلى أننا إذا أردنا من الناس أن يتعلموا أمراً ما، فعلينا حثهم إلى التركيز على ذلك الأمر ودراسة طبيعته ونتائجه. وهناك العديد من الطرق لتحقيق ذلك، التي تنبثق من مبادئ مميزة للتعلم وتعكس طرقاً محددة للتركيز ومعالجة المعلومات. وعلى سبيل المثال: يُسمى أحد هذه المبادئ مبدأ الصعوبة المرغوبة، وينص على أن الناس يتعلمون بشكل أفضل حين يشعرون بالتحدي، ولكن ليس للحد الكبير الذي يصيبهم بالإحباط، وليس بالقدر القليل الذي يصيبهم بالملل، أي حين يكون التحدي في المستوى المناسب، المسمى "نقطة الاعتدال". فالوصول بالأفراد إلى نقطة الاعتدال يعني أننا دفعناهم لإظهار الاهتمام ومعالجة أكبر قدر بوسعهم معالجته، وبالتالي تعزيز حجم ما يتعلمونه.

ولكن يوجد مشكلة، حيث يختلف هذا المستوى المناسب للتحدي "المعتدل" من شخص لآخر. فما يبدو صعباً للغاية بالنسبة لأمجد، قد يكون غاية في السهولة بالنسبة لسالي. ولكن هناك ما هو أسوأ من ذلك: حيث يختلف ما يُسمى بالمستوى المناسب للشخص ذاته، ويتوقف ذلك على الموضوع المطروح. وبشكل عام، كلما زادت معرفتك بأمر ما زادت صعوبة المادة إذا كان التحدي يفوق قدرتك على معالجة تلك المادة بنجاح.

ويمكنك تخيل مدى التحدي الذي يمثله هذا المبدأ عند تطبيقه داخل بيئة الفصول الدراسية التقليدية، في ظل وجود العديد من المتغيرات. وهنا يأتي دور التكنولوجيا لاستخدام مبدأ الصعوبة المرغوبة لتعزيز تعلم أعداد كبيرة من الطلاب في الوقت ذاته. في البداية، ستحتاج إلى وسيلة لجمع البيانات حول أداء كل طالب. ولفعل ذلك يمكنك، على سبيل المثال، وضع اختبارات قصيرة للطلاب بعد كل درس، ويمكن ترميز تلك الاختبارات الفردية وفقاً للمهارات المختبرة. يمكن للمنصة تتبع أداء كل طالب بعناية فائقة.

وثانياً: يمكن تقسيم الطلاب لفرق فرعية للسماح لهم بالمشاركة في التعلم النشط (مثل مجموعة لحل المسائل، وأداء الأدوار، ومجموعات نقاشية)، فقد تبين مراراً وتكراراً أن التعلم النشط وسيلة فعالة للغاية للتعلم، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تدفع بالفرد إلى المعالجة العميقة للمعلومات. والأهم من ذلك، أنه يمكن تصنيف كل مجموعة من هذه المجموعات وفقاً للمهارات التي تظهرها. وعليه، يمكن للمنصة تقسيم الطلاب إلى مستويات مماثلة لمستويات المجموعات الفرعية (الخاصة بهذا النشاط) وفقاً للقدرات ذات الصلة.

ثالثاً: جميع الأنشطة التي يؤديها الطلاب في مجموعات فرعية يمكن تقسيمها إلى "مستويات متعددة" حتى يمكن دراستها بشكل أعمق بشكل أو بآخر. فعلى سبيل المثال: في درس التعبيرات المجازية، قد يُطلب من الطلاب قراءة فقرة وتحديد مواضع جميع الاستعارات والتشبيهات. وفي تلك الحالة، يمكن أن تختلف براعة اللغة المستخدمة، ويستطيع بعض الطلاب استخراج الأمثلة الواضحة فحسب، بينما يستطيع آخرون استخراج أمثلة أكثر براعة.

ويمكن تخصيص التواصل الاجتماعي خلال المجموعات الفرعية لقيادة الطلاب (الذين تم اختيارهم نظراً لتقارب مستوياتهم في هذا النشاط) وضبط مدى عمق معالجتهم للمعلومات ذات الصلة، وحتى لا يكون النشاط مملاً يمكن تصميمه بحيث يدفع الطلاب بعضهم بعضاً لإحداث نقلة جماعية لنقاط الاعتدال. وهذا النهج من شأنه أن يكون مقياساً جيداً جداً فهو يشمل المكوّن الاجتماعي الذي يُعد أحد أهم عناصر التعلم.

ومن الواضح أن التكنولوجيا تفتح الباب أمام فرص هائلة لاستغلال المعرفة الخاصة بعملية التعلم بأساليب حديثة. ولاستغلال هذه الفرص الاستغلال الأمثل، فإننا بحاجة إلى امتلاك رؤية واضحة عن نتائج التعلم، وقياس مدى التقدم الذي يحرزه كل طالب لتحقيق هذه النتائج عن كثب، كما نحتاج إلى إحداث تحول للتركيز على التعلم النشط. ولتحقيق تلك الغايات، يجب على أعضاء هيئة التدريس والإداريين الإقرار بأن التدريس الناجح هو هدف جوهري، وأن يكونوا على استعداد لتكريس الوقت والجهد وتوفير الموارد اللازمة لتحقيقه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي